بسم الله الرحمن الرحيم
اوضاع التربية والتعليم في النظام السابق
قبل ان ابدأ حديثي، أود ان اشكر السادة الذين تجشموا عناء المجيء الى هنا. في الكثير من الاحيان تكون الالفاظ الفاظاً جميلة جداً وتساهم في التغطية على ما هو ليس بحسن. فالتربية والتعليم، مؤلفة من لفظتين جميلتين وحسنتين. وفي عهد الطاغوت كانت هناك وزارة التربية والتعليم. الاتحاد الإسلامي الموجود الآن في كافة انحاء إيران هو الآخر عبارة عن لفظ جميل وحسن. والجميع يعلمون ان هذا اللفظ تعبير عن رغبتنا وتطلعنا للنهوض بالإسلام ودفع عجلته. ولكننا كنا نواجه مأزقاً في تعاطينا مع الالفاظ سواء على صعيد الاستفادة من لفظة التربية والتعليم أو الاتحادات الإسلامية. ففي عهد الطاغوت كانوا يقولون تربية وتعليم، ولكنكم لاحظتم كيف كان التعليم وكيف كانت التربية. فالإنسان يتصور أن التعليم كان صحيحاً. تعليم الاشياء التي يحتاجها الشعب. تعليم العلوم التي تقودنا بعد فترة إلى بلوغ مرحلة الاكتفاء الذاتي. والتربية أيضاً كانت تبدو للإنسان المغفل انها تربية صحيحة، الأشخاص الذين يتلقون التعليم يتلقون التربية اللازمة، وعندما يتخرجون من هذه المدارس والجامعات وغيرها يتحولون إلى أشخاص سينهضون باعباء التعليم خدمة لوطنهم، وسيعملون على اعداد جيل يحمل اخلاقاً كريمة واداباً صحيحة وعقائد سليمة وما إلى ذلك. ولكنكم شاهدتم ونحن بدورنا شاهدنا ماذا كانت مكاسب قطاعنا الثقافي وجامعاتنا وكيف كان خريجونا، وكيف كانت الدراسة وكيف كان التعليم وماذا كانت اهداف ذلك. فلو كان التعليم ينهض بما تحتاجه إيران، وكان في خدمة إيران لكانت لدينا في غضون خمسين سنة كفاءات عالية، ولما كان ينبغي ان يقول أطباؤنا عندما يجدون مريضاً مصاباً بمرض معقد نسبياً لا يمكن معالجته هنا ويجب ارساله إلى الخارج. بعد خمسين عاماً، وبعد كل هذه النفقات الهائلة، وكل هذه المتاعب الاستثنائية وكل هذه المدارس والجامعات، ما زلنا مجبرين إذا كان لدينا مريض مصاب بمرض صعب نوعاً ما، ما زلنا مجبرين على نقله إلى بريطانيا أو أمريكا للعلاج. ماذا فعلت الجامعات طيلة هذه السنوات الخمسين. انهم يقولون اننا حافظنا على الجامعة وفعلنا كذا وكذا في الجامعة. حسناً اخبرونا ماذا فعلت هذه الجامعة خلال هذه الخمسين سنة التي عاشتها في ظل الطاغوت وطيلة فترة وجودكم في خدمة الطاغوت. استعرضوا لنا الأعمال التي قمتم بها. استعرضوا لنا ما قدمتموه من انجازات تعليمية والأشخاص الذين قمتم باعدادهم علمياً.
تقولون أن التربية إلى جانب التعليم، فهؤلاء الذين تربوا على أيديكم، هؤلاء الذين هم صنائعكم، ويباشرون أعمالهم في شتى انحاء البلاد، كيف كانت اوضاعهم الروحية وأوضاعهم العقائدية واوضاعهم الاخلاقية؟ كيف كانت الاوضاع حينذاك بحيث نجد الآن بعد عام ونصف أو اكثر قليلًا، وبرغم المساعي الجادة والدعوات التي تطلق من هنا وهناك لاصلاح الامور، نجد ان احد السادة الشباب ينهض ويقول هناك النساء يفعلن كذا وكذا. وانا اعلم ان هذا الوضع لا يقتصر على ذلك المكان، ففي الوزارات تجري الاوضاع على هذه الشاكلة أيضاً. وبعض الوزارات اوضاعها سيئة للغاية. انا لا اريد ان اذكرها بالاسم. ولكن الوزير إذا سمع كلامي هذا فليبادر إلى الاصلاح. فالوزارات ليست مراكز للفحشاء. والجامعات ليست مراكز للفحشاء بل ينبغي ان تكون مراكز للتربية والتعليم.
التربية والتعليم من منظار القرآن
ذكر الله تبارك وتعالى أمر التربية والتعليم في سطر واحد. فلم يذكر الله انه منّ على الناس في أمر من أمور الدنيا، ولكن قال في قضية التربية والتعليم: (لقد منّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) «1». فالله تبارك وتعالى يستخدم تعبير المنّة عليالناس في قضايا التزكية والتعليم والتربية والتعليم. لقد منّ علينا، وبعث الرسول من اجل التربية والتعليم، وذكر التربية قبل التعليم، (يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) التزكية مقدمة. طبعاً هذه الآية الشريفة إذا ما اردنا الدخول في تفاصيلها سيستغرق ذلك وقتاً طويلًا. ولكنني أقول كلمة وهي ان هذه الآية الشريفة ترسم لنا حقيقة التعليم والتربية وهي تحتاج إلى شرح وتفصيل. فمن خلال تعبير (منّ الله على المؤمنين) نفهم أن أساس بعثة النبي هو من أجل التربية والتعليم. يتلو الآيات، والآيات هي، العلوم التي ينظر من خلالها إلى كل شيء على أنه آية.
يتلو الآيات عليهم ويزكيهم ويطهرهم ويطهر نفوسهم وبعد ان يطهرهم (يعلمهم الكتاب والحكمة). التربية تسبق التعليم. وإذا لم تسبقه ينبغي ان تواكبه وان تكون الأولوية لها. فاذا لم تزكى الانفس واذا لم تطهر ولم تتحرر من تلك الصفات الإلهية فان العلم سيترك اثاراً سيئة عليها. فكل المذاهب الباطلة اختلقها العلماء. لأن العلم إذا حل في مكان لم يشهد تربية ولم يشهد تزكية؛ أي عندما يحل العلم في مكان خال من التزكية فان العالم الذي يحمل هذا العلم ويفتقر للتزكية اللازمة يصبح خطراً، ولا يوجد فرق بين علماء الدين وعلماء الجامعات وغير ذلك. فاذا افتقرت الحوزات العلمية وكذلك الجامعات للتزكية فان العلوم يجري تكديسها هناك وتصبح بمثابة مخزن وصفها الباريء تعالى في القرآن ب-- (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفاراً) «2». فحتى منّ تلقى علم التوحيد وعلم الاديان وعلم الاخلاق ويحمل كل هذه العلوم ولكن لا يعمل على تزكية نفسه فانه يتحول إلى موجود خطر على المجتمع. فالجامعة التي يذهب الشباب لتلقي العلم فيها، لا تعليمها تعليم ولا تربيتها تربية. وحتى لو كان التعليم فيها تعليماً صحيحاً فهو لا ينفع في ظل غياب التزكية؛ لأن الإنسان يحتاج إلى التعليم بعد التزكية فاذا افتقر إلى التزكية ودخل العلم قلباً لم يزكى فان ذلك يكون مدعاة للفساد. ولا قدر الله ان يصدر الفساد من قبل عالم لم يزكي نفسه. وتذكر الاحاديث ان الرائحة النتنة لعالم السوء في جهنم تؤذي اهل جهنم. لقد شاهدتم طيلة الفترة التي كانت فيها جامعاتنا بيد أشخاص غير مؤهلين، والتعليم فيها كان يجعل الخريج من الجامعات إنساناً متأثراً بالغرب يكون بالتأكيد مرتبطاً وتابعاً للغرب، تابعاً مرتبطاً بالخارج. كان التعليم على هذه الشاكلة، وليس ذلك فقط، بل حتى لو كان التعليم صحيحاً فقد كان ضمن حدود معينة. فالجامعات الاستعمارية تضع حدوداً للتعليم، ولا تسمح لشبابنا بتلقي العلم بصورة صحيحة، والدراسة بشكل صائب. فلا يعلمونهم الا بمقدار معين. هذا وتبقى الحالة نفسها حتى بالنسبة لشبابنا الذين يدرسون في الخارج، فلا يسمح لهم في الخارج بالدراسة جنباً إلى جنب البريطاني والأمريكي، فلا يسمح لهم بتلقي ما يتلقاه أولئك من تعليم. فيبقى التعليم هناك من اجل الدول الاستعمارية والتربية مكرسة لخدمة الدول الاستعمارية. ولذا فان مثل هذه التربية وهذا التعليم سيخرج اشخاصاً من امثال (شريف امامي) وامثال (نصيري). هؤلاء كلهم عملوا ودرسوا في الخارج واصبحوا دكاترة ومهندسين وما إلى ذلك. ولكن عندما يكون البذار في ارض سبخة، عندما يكون العلم في نفس غير سليمة سيكون شأنه شأن المطر الذي يهطل على مكان متعفّن سيؤدي إلى زيادة حجم العفونة. بينما سينشر نفس هذا المطر رائحة عطرة فواحة إذا هطل في ارض عطرة. فالعالم الذي لم يهذّب نفسه يكون خطره اكثر من الجاهل بكثير. فالجاهل حتى لو كان فاسداً لا يؤدي إلّا إلى افساد نفسه. بينما العالم إذا فسد فانه سيفسد العالم، ويجر البلاد إلى الفساد. فالتزكية تسبق التعليم والتعلم، (يزكيهم) النبي جاء ليزكيهم، ليربيهم، ليعد النفوس، وبعد ذلك (يعلمهم الكتاب والحكمة). فاذا لم يكن الكتاب والحكمة مقروناً بالتربية ولم يكن مشفوعاً بالتزكية، فسيكون الموجود الذي يخرج شبيهاً بالموجودات التي شغلت مناصب في مجلس الشيوخ وفي مجلس الشورى قبل انتصار الثورة. فالمجلس كان طاغوتياً للغاية وفي غاية الأبهة. أبنية الجامعات أيضاً كانت فخمة للغاية. فالاجانب لا شأن لهم بذلك. فليكن البناء ما شاء ان يكون، فلينفقوا عائدات الشعب على هذه الاباطيل. ولتكن الوزارات طويلة وعريضة، ولتنفق فيها أموال طائلة. فالأجانب لا شأن لهم بذلك. بل ان المحتوى والمضمون كان شغلهم الشاغل. فالمعلمون- ما عدا بعضهم-انصار الاستعمار ويعملون لصالح المستعمر، وكانوا يعدون شبابنا لخدمة المستعمر.
ضرورة التغيير في الجامعات ووزارة التربية والتعليم
انتم الآن تعملون في حقل التربية والتعليم، ولكن أي تربية وأي تعليم، لا ينبغي أن تخدعوا انفسكم بالالفاظ. لا تخدعوا أنفسكم بانكم تعملون في حقل التربية والتعليم. السادة الذين يعملون في الاتحاد الإسلامي أيضاً لا يخدعوا أنفسهم باللفظ الإسلامي. فلينظروا أي أعمال يقدمون، وماذا يعتزمون القيام به، هل هذه الأعمال تخدم البلاد وتخدم الإسلام؟ فاذا كانت التربية والتعليم تخدم البلاد وتخدم الاسلام، والاتحادات الإسلامية الموجودة الآن في كافة الدوائر ويجري الحديث عنها، اذا كانت تخدم البلاد وتخدم الإسلام فان اثارها ستتجلى للجميع في غضون عدة سنوات. إن الذين يعارضون اصلاح الجامعة، والثقافة، وان تصبح إسلامية، هؤلاء هم الذين تربوا وترعرعوا في احضان الأجانب ويخافون من اسلمة الجامعات لأنه يتعذّر عليهم النهب والفساد والاستغلال. يخافون من اسلمة الجامعات لانها لن تكون بعد ذلك مركزاً للفساد، هم يخافون من هذه النتيجة.
توجد الآن مراكز يستحي الإنسان ان يذكرها موزعة في كل البلاد وفي جميع الوزارات وجميع الدوائر، يستحي الإنسان ان يذكرها أو يتحدث عما يجري فيها. هؤلاء الذين كانوا في نفس الوزارات وما زالوا، هؤلاء الذين اوفدتهم إلى داخل الوزارات شاهدوا ونقلوا لي، نقلوا لي اشياء عنها. فلا يكفي أن يكون هناك في الوزارة الفلانية أو الوزارة الفلانية لديها اتحاد إسلامي، إذا كان لديها اتحاد إسلامي فكيف سمح هذا الاتحاد الإسلامي ان تبقى الاوضاع متدهورة الى هذا الحد. ولو ان التربية والتعليم كانت صحيحة لبلغت البلاد الاكتفاء الذاتي من الناحية الثقافية، لا ان نقوم الآن بتبذير ثروات هذا الشعب ونرصد مبالغ باهضة في هذا المجال بعد النفقات التي صرفت طوال تلك السنوات، وبعد الآلام التي تحملها شعبنا طيلة تلك الفترة، يبقى الشعب يتجرع الجوع. ان ما يصدر عن هؤلاء عبارة عن ماكنة يجري ادخال المسلم فيها من جهة فيخرج شيوعياً من الجهة الأخرى! يجري ادخال المؤمن فيها من جانب فيخرج عديم الايمان من الجانب الآخر. يتم ادخال الإنسان سليم الفطرة إلى هذا المعمل فعندما يخرج تجده قد تحول إلى إنسان فاسد.
إذا كان الأمر كذلك، يتضح لنا عندها طبيعة هذا الجهاز. إننا نفهم حقيقة هذا الجهاز من خلال معطياته. علينا أن نرى هؤلاء الذين كانوا في السلطة طيلة السنوات الخمسين الماضية. وكانوا في مجلس الشورى أو في ما يصطلحون عليه بمجلس (الشيوخ) لابد ان نرى كنه هؤلاء الاشخاص الذين تخرجوا من هذه الجامعات. الذين تخرجوا من هذه الاماكن المختصّة بالتربية والتعليم. فلو كان هؤلاء قد تلقوا التعليم، ولو كانوا تلقوا التربية لما قدموا البلاد على طبق من ذهب إلى الأجانب.
المعاناة كثيرة وينبغي ان يوضع لها حد. وينبغي ان تبادروا بانفسكم لوضع حد لها. لا تتوقعوا ان يأتي احد من الخارج ليضع حداً لذلك. إذا جاء احد من الخارج من اجلكم، فهو لا يأتي ليعلمكم ويربيكم. وإنما يريد ان يكون في قطاع التعليم نفس الذين كانوا في عهد النظام السابق، وأن تكون نفس التربية ونفس التعليم. علكيم ان تغيروا المضمون والمحتوى. لابد ان تسعوا إلى ان تكون التربية والتعليم قائمة على اسس صحيحة. فالتعليم لا يكون مفيداً الا عندما تكون هناك تزكية تعنى بتربية الجانب الروحي والاخلاقي. فينبغي للجامعات وسائر مراكز العلم سواء في حقل علماء الدين أو غيرهم من العلماء في سائر الحقول، ينبغي ان يعملوا على تربية الجانب الاخلاقي لهؤلاء الاشخاص وطلبة العلوم الدينية هناك والجامعيين هنا، ان يعملوا على تزكية انفسهم بالتزامن مع قيامهم بالتعلّم والدراسة.
فوجود عالم عمل على تزكية نفسه بمعنى الكلمة في المجتمع، قد يسهم احياناً في ايجاد نقلة نوعية في هذا المجتمع. ففي ايام الشباب كنت احياناً ازور بعض هذه المدن فكنت اشاهد اهالي بعض المدن متحلين بالاخلاق الدينية. فحاولت ان اعرف سر ذلك، لماذا الحالة في هذه المدينة بهذا الشكل بينما لا نشاهد هذه الظاهرة في باقي المدن، فوجدت ان هذه المدينة حظيت بعالم نجح في تزكية نفسه. عالم تمكن من اصلاح نفسه ونجح في اصلاح المواطنين.
فعلى العالم عندما يعيش في مجتمع، أو يذهب الى قرية، أو الى مدينة، عليه ان يعمل على تزكية الانفس قبل ان يشرع في تعليمها. فينبغي ان يكون إلى جانب اساتذة الجامعة الذين يريدون ان يمارسوا نشاطهم في تربية وتعليم الجامعيين، عالم دين يعمل على تزكية الشباب. وان يعملوا على تطهير جامعاتنا من الذين يحاولون جر شبابنا إلى الانحراف.
ينبغي العمل على تطهير دوائرنا من هذه الامور التي تجر شبابنا إلى الفساد والضياع، لنمهد الارضية لتزكية الأشخاص. اذا ما اراد معلم أن يتحدث إلى الأحداث بحديث ليضلهم ويحرفهم، فعليكم أن تراقبوا ذلك وتهتموا بهذه الأمور. وان يعرفوا على هؤلاء وتعملوا على استبعاد من يجب استبعاده، فانهم شياطين.
هذه الشرائح الفاسدة موجودة في كل مكان. سواء في الجامعات أو غيرها من الأماكن. انهم يصرون على ان يلعبوا دور من يدفع الشباب إلى الفساد في مجتمعاتهم، انهم اعداؤنا. انهم اعداء الإسلام سواء كان اسمه وزير أو اسمه معلم. فذلك الوزير الذي لم يتمكن بعد عام ونصف العام، أو بعد وجوده عدة اشهر في وزارته من ان يفعل شيئاً، أو انه لا يريد أن يفعل شيئاً، لانه أساساً من الذين يريدون جر الشباب إلى الانحراف، فهم لا يأتون من أجل العمل، وإنّما يلوكون اللبان أمام الأولاد ويدفعونهم إلى الفساد، لقد اوفدت من يتفقد الاوضاع، فاذا لم يجر ابعاد امثال هؤلاء الاشخاص ارى من واجبي ان اصرح باسمائهم.
انا بعد ان سجنت وكنت تحت الاقامة الجبرية وكان منصور «3» قد تسلم حينها رئاسة الوزراء فارسل إليّ وزير الداخلية. وكان وزير الداخلية آنذاك صدر «4» نجل صدر الاشراف «5»، ارسله إلى لقائي ليقول لي كيف كانت الحكومة السابقة وكيف ستكون الحكومة الجديدة، وغير ذلك من هذا الكلام. فقلت له انا لم يكن لدي أي عداء مع الحكومة السابقة ولا لي اواصر اخوة معكم. علينا ان نرى ماذا ستفعلون، ولا تطلقوا سراحي دون مبرر- إذ انهم قدموا من اجل ذلك- لا تطلقوا سراحي من غير مبرر وترفعوا الحصار المفروض علي. فاذا ما أطلق سراحي فان ذلك لن يغير شيئاً. فلا تربطني معكم أي علاقة قرابة. وعندما ارى أي شيء فانني ساصرح بذلك. والآن أيضاً اعلن لجميع المتصدين لزمام الأمور بأنني لم أبرم عقد الاخوة مع أي واحد منكم. وحتى لو أبرمت عقد الاخوة وارتكبتم مخالفة فسأعلن عنها.
أصلحوا انفسكم وأصلحوا الوزارات. فعلى كل وزير ان يطهر وزارته من المنحرفين عقائدياً، ومن المنحرفين على الصعيد العملي، الذين يعملون على جر شبابنا إلى الانحراف على الصعيدين العملي والعقائدي.
واجبات الاتحادات الإسلامية في المراكز والدوائر
الاتحادات الإسلامية باتت منتشرة الآن في كافة ارجاء البلاد، وآمل بتسديد من الله أن تكون إسلامية. على هذه الاتحادات الإسلامية الموجودة في الوزارات والدوائر والمعامل وفي كل مكان أن تلتفت جيداً وتتأكد هل أنها إسلامية أم لا. فالإنسان اذا كان منحرفاً لا يستطيع ان يهدي الآخرين إلى الصراط المستقيم. ومن الطبيعي أن الإنسان- على سبيل المثال والعياذ بالله- إذا كان نفسه شارباً للخمر فانه لا يستطيع ان يثني الآخرين عن شرب الخمر، أو يدعو الاخرين إلى الكف عن ذلك. فاذا لم تعملوا على اصلاح انفسكم ولم تبادروا إلى التحلي بالاخلاق الإسلامية، كما اضفيتم الطابع الإسلامي على اتحادكم، ولم تعملوا على تكريس نوازعكم الإسلامية فانكم لا تستطيعون ان تدعوا الاخرين إلى الإسلام. فالله تبارك وتعالى يبعث هداة للناس ويصطفي الانبياء، ويختار اشخاصاً لم يرتكبوا ادنى زلة طيلة حياتهم ويتمتعون بالعصمة، ويختار مثل هؤلاء الاشخاص لتربية الناس وتزكيتهم وتعليمهم؛ لأن من يريد تربية المجتمع أو تربية الناس ودعوتهم إلى الإسلام، عليه ان يبدأ بنفسه وان يحثها على التمسك بالإسلام، وان يدعو نفسه وباطنه إلى الإسلام ويكرس فيها الإسلام، ليستنى له بعدها ان يجعل الآخرين يلتزمون بالإسلام. فهو لا يقدر على دفع الآخرين إلى التمسك بالإسلام ما لم يكرس الإسلام في ذاته.
فمعلمو التربية والتعليم اذا لم يتلقوا التربية الصحيحة والتعليم الصحيح لا يمكنهم تعليم الشباب وتربيتهم. فبداية كل شيء تنطلق من ذات الإنسان. فالنبي بدوره عندما بعث، بدأ بنفسه وعمل على تكاملها، وشرع من منزله. فدعا السيدة خديجة فلبت دعوته. ودعا امير المؤمنين سلام الله عليه وكان آنذاك طفلًا وقد قبل دعوته. ثم جمع عشيرته الاقربين وعرض عليهم الأمر. فقبلت مجموعة ورفضت أخرى.
فالإنسان ينبغي ان يبدأ بنفسه. فلو اردت ان انهاكم عن هذا العمل أو ذلك سأجد ان دعوتي تبقى عقيمة ودون فائدة اذا ما كنت انا فاسداً. فانتم اصحاب الاتحادات الإسلامية- وكل من أسس الاتحادات الإسلامية، أسأل الله ان يحفظكم جميعاً- عليكم ان تبدأوا بأنفسكم. وان تتحول هذه الاتحادات إلى اتحادات إسلامية بمعنى الكلمة، تتحلى بالاخلاق الإسلامية، بالعقائد الإسلامية والأعمال الإسلامية، يعني ان تقطع شوط التزكية وان تتعلم الكتاب والحكمة ولا اقصد ان يقطع مراحل متقدمة في هذا المجال، ولكن بالمقدار الذي يدعو الكتاب لما هو فيه صلاحكم ويمنعكم مما يتعارض مع مصلحتكم. عليكم ايها السادة ان تبدأوا باصلاح انفسكم ونامل ان تصلحوا انفسكم. وان نسير معاً على هذا النهج لنتمكن من اصلاح المجتمع.
الاصلاحات تنطلق من البيئة الجامعية
الجامعة التي تريد أن تخرج العلماء، عليها ان تبدأ بعملية إصلاح داخلها أولًا، لا أن تتحول الجامعة إلى مكان للتكتلات والنزاعات وما إلى ذلك. فينبغي اصلاح الجامعات، ولابد للاشخاص الملتزمين أن يبذلوا مساعيهم ليحولوا الجامعة إلى مكان للتربية والتزكية ومكان للعلم، ومعنى ذلك ان تنهض الجامعة بتعليم وايجاد ما يحتاجه البلد وليس ما يجر بلادنا وشبابنا للفساد.
فالكثير من هذه الاشياء التي يتلقاها شبابنا في الجامعات تحت يافطة العلم تقودهم إلى الفساد، فلا بد ان يكون هناك اشخاص، وان شاء الله هم موجودون، لينهضوا بمهمة التخطيط والبرمجة. وان يضعوا البرامج التي تجعل العلوم والتعليم منسجمة مع حاجتنا لها. وان تعنى برامجهم بالاشياء التي تخدم عملية اصلاح بلدنا، لكي تتحول الجامعة ان شاء الله إلى جامعة جيدة من حيث العلم. ينبغي ان يجلبوا للجامعات أشخاصاً يعملون على تهذيب افرادها. فهؤلاء الشباب جيدون بداية الامر ولكن المعلّمين هم الذين يدفعونهم إلى الضياع. والا فإن الطفل يولد في البداية على فطرته (كل مولود يولد على الفطرة) «6» على فطرته الإنسانية على فطرته الجيدة، ومن ثم يأتي دور المعلمين فيجرونها إلى الفساد. فالمحيط والبيئة إذا كانت فاسدة فانها ستجرهم إلى الفساد. لذا ينبغي ان يكون المحيط الجامعي محيطاً اذا ما عاش فيه الإنسان وجد ان رواده جميعهم من الملتزمين الذين يتطلعون إلى خدمة البلاد، ويعملون لخدمة الإسلام. فالانسان الغريب الذي يدخل هذا المحيط سيتربى على هذه الخصال. فعندما تسود المجتمع اجواء سليمة فان الافراد ينشأون سالمين. فالاسرة التي يكون جميع افرادها اشخاصاً جيدين سينشأ ابناؤها بشكل سليم الا اذا ما دخلوا مجتمعاً فاسداً يدنسهم ويقودهم إلى الفساد، ومن دون ذلك لا يهددهم أي خطر.
فنفوس الاطفال الصغار مستعدة لان ينقش فيها أي شيء سواء من قبل الفساد أو الصلاح. فاذا كان المجتمع صالحاً فانه سيعد جيلًا صالحاً. واذا ما كان فاسداً فانه سيعد جيلًا فاسداً. فأنتم أيها السادة وجميع من يريد ممارسة النشاط في حقل التربية والتعليم أو يعمل في مجالات التربية والتعليم وفي الجامعات والمراكز التربوية وجميع المدارس القديمة عليكم جميعاً ان تتعاهدوا بعملية التربية، ان تنهضوا بمهمة تربية الافراد تربية إسلامية. على علماء الاخلاق ان ينهضوا بمسوؤلياتهم سواء في الجامعة أو المدارس وفي كل مكان.
التواجد الفاعل في المساجد
ينبغي ان تتحول هذه المساجد إلى مراكز للتربية الصحيحة، وأكثر المساجد هي كذلك ولله الحمد. فالاشخاص الذين يترددون على المساجد يجب ان يتلقوا التربية الإسلامية. لا تتركوا المساجد خالية. ان الذين يريدون التخطيط لابعادكم عن المساجد، وابعادكم عن مراكز التربية والتعليم، هؤلاء أعداؤكم. حلول الشهر المبارك بات قريباً. وفي الشهر المبارك ينبغي ان نتلقى التربية بمقدار عدة اشهر (ليلة القدر خير من الف شهر) «7».
ينبغي ان تكون التربية والتعليم في الشهر المبارك بمعنى الكلمة وان تشمل كافة الابعاد، في المساجد وفي غيرها من المحافل. لا تتركوا المساجد خالية. هؤلاء الذين يقولون لقد انجزنا مهمتنا في تحقيق الثورة، وعلينا الآن القيام بمهام أخرى هم على خطأ؛ فالثورة تنطلق من المساجد. ومن المساجد يجري تحقيق مثل هذه الأمور. اعملوا على صيانة الجامعات واعملوا في نفس الوقت على صيانة المساجد، فلا تعارض بين هذين الأمرين. كونوا جامعيين وترددوا على المساجد. وساهموا في اعمار مساجد الله. ساهموا في اعمار المساجد عبر تواجدكم فيها. الاتحادات الإسلامية وانتم منتسبو التربية والتعليم، مهنتكم قيمة جداً وتتحملون اعباء مسؤولية كبيرة. وانا آمل أن تختاروا، انتم وكافة ابناء شعبنا، طريق السعادة. وان يكون الجميع سعداء، وان يتخلص شبابنا من المتاعب التي يخلقها لهم المنحرفون. اسأل الله تبارك وتعالى ان يحفظكم جميعاً.
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته