بسم الله الرحمن الرحيم
الفضل الإلهي في كشف مؤامرة الأعداء
لو تفضل السادة بالجلوس فسأكون مرتاحا أكثر، تفضلوا بالجلوس أرجوكم. تفضلوا بالجلوس أيها الأخوة، أعتذر من السادة لأن الجو حار جداً والمكان ضيق كما ترون. إنه منزلكم أنتم وأنا خادمكم أيها السادة. أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يسدد خطاكم ويوفق هذا الشعب في حل كل المشاكل التي يواجهها.
لدي كلام هام أريد أن أخاطب به كافة العلماء، وأئمة الجماعات وعلماء الدين، في كافة أنحاء البلاد، كما أود أن أتحدث إلى الشعب أيضاً.
ما أريد قوله لعلماء الدين، هو أنكم تعلمون جيداً حجم المشاكل والمؤامرات التي يحيكها الأعداء وكيف تزداد يوماً بعد يوم، ولكن كل ما يدبره العدو، وخصوصاً فيما يتعلق بالعمل العسكري والقوات المسلحة سيبوء بالفشل فالله سبحانه وتعالى معنا ويساندنا وقد فعل ذلك سابقاً كما رأيتم وترون.
اليوم قدم إليّ أحد علماء منطقة جماران وروى لي قصة تيقنت من خلالها وازددت إيماناً بأن لطف الله وعنايته الربانية تشملنا وتحيط بنا. حيث تفضل قائلا: سمع بعض الأخوة في الحرس واللجان الثورية عن وجود مركز للقمار والفساد في احد المباني السكنية من منطقة شميرانات على ما يبدو، فانطلقوا إلى هناك لإغلاق مركز القمار هذا، وعندما دخلوا المبنى وجدوا بالفعل بعض أدوات القمار والخمر وغيره. وبينما كانوا يتفقدون المبنى ذهب أحد رجال الحرس إلى الجهة الثانية ليتفقد المكان، وإذا بكلب هجم عليه مما اضطره إلى النزول إلى السرداب وعندما دخل المكان فوجئ بكميات كبيرة من الأسلحة والمعدات الحربية ومن الممكن أن تقدم الاذاعة لاحقا تقريرا مفصلا للشعب عن هذه العملية. قلت لذلك السيد؛ لقد كان الكلب سبباً في كشف هذا الوكر الخطير فهو مأمور كما غيره من المخلوقات والأشياء في هذا العالم. ولقد رأينا في الماضي كيف كانت العاصفة والرمال مأمورة في صحراء طبس «1»، وها نحن اليوم نرى حيواناً يقوم بدور مماثل في ظروف مختلفة.
لا تخشوا هذه الأمور وعلى شعبنا أن لا يخشى من هذا الأمر. الجميع رأى كيف كان الشاه المقبور يتمتع بقدرة كبيرة وبدعم لا متناهي من الداخل والخارج ولكنه وقف عاجزاً أمام الشعب وأمام تأييد الله سبحانه وتعالى ومساندته له. لقد ذهب الحمقى الذين وقفوا إلى جانب الشاه إلى الجحيم، وأما هذه المجموعة المسكينة التي كانت على وشك إرتكاب جريمة كبرى في سبيل دنيا فانية. فحتى لو لم نتمكن من كشف أمرهم هذا، لكانوا قد قضوا عليهم. هذا الأمر لا يدعو الى الخوف. هذه المؤامرات بدأت منذ بداية النهضة، يعني منذ انتصارنا، انتصاركم أنتم، ولا تزال قائمة، فعلى السادة أن يهتموا بهذا الأمر.
سعي الشياطين لتقديم صورة بشعة عن النظام
ان هؤلاء يريدون استغلال كل الفرص وفي جميع الابعاد. فمثلا أحد الأمور التي نرى فيها تورط الايادي الأجنبية وشياطين الداخل بوضوح سعيهم لزعزعة النظام. ففي اللجان الثورية في الاتحادات الإسلامية المنتشرة في كافة أنحاء البلاد، وفي المحاكم، وفي الحرس، والقوات المسلحة الأخرى، هناك ايحاءات ودعايات تستهدف سلب الشعب انسجامه، فيقولوا للعالم أجمع أن شعبنا يعيش بلا نظام، تحكمهم حكومة الغاب، وتغمره الفوضى والإضطراب، ومن الواجب إرسال من يتولى أمرهم وينقذهم من ذلك. أحيانا يقوم بعض الشباب في الاتحادات الإسلامية للطلبة باعمال تربك الأوضاع. كما أنهم تسللوا إلى اللجان الثورية ليتمكنوا من إثارة المشاكل للنظام. وتوغلوا في مؤسسة جهاد البناء وقاموا بأفعال شنيعة تجعل المواطن يستاء من هذه المؤسسة. وفي المحاكم أيضا ترتكب أحيانا بعض الأخطاء مما يثير سخط الناس.
إن هدفهم هو إظهار علماء الدين بمظهر ضعيف أمام الشعب، والقضاء على الوحدة والنظام الضرورين لإدارة البلاد.
في الحقيقة مهما امتلكنا من قوة وعتاد فإنه وبدون توفر الإنسجام والوحدة بين القوات المسلحة لن نتمكن من فعل شيء. فللقضاء على الفتن والمشاكل ومواجهة الأعداء ينبغي أن يكون الحرس والشرطة والجيش في خندق واحد. وأما بالنسبة إلى علماء الدين وعلى مختلف شرائحهم من علماء، وطلبة، وخطباء، وفقهاء، وأئمة جماعات، فإنهم إن غفلوا عن واجباتهم المعينة لهم، وسلكوا طريقاً آخر، فهذا يمثل طريقا خلافا للنظام، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أن يصوروكم شيئا آخر لا يمثل حقيقتكم لدى الشعب، وإبعاد الناس عنكم شيئا فشيئا. هذه الخطط يبدو أنها تأخذ طريقها للتنفيذ الآن حيث سبق وان اعتمدها رضاخان عندما جاء بانقلاب.
اهتمام علماء الدين بحدود وظائفهم الشرعية
إن خطابي هذا موجه لجميع العلماء وكافة علماء الدين وللشعب بشكل عام.
عليكم التسلح باليقظة والوعي الكامل في مواجهة هذه الفتن وإلّا سيبتعد الناس عنكم وستحدث بينكم وبين الشعب هوة كبيرة وعندها لن تتمكنوا من القيام بوظائفكم وواجباتكم. وستعود الأمور إلى ما كانت عليه في عهد رضا خان، حيث شوهت صورة علماء الدين وسمعتهم آنذاك مما جعل الناس ينفضون من حولهم.
ففي أوائل عهد رضا خان وبعد أن رسّخ أركان حكمه، كان أوّل ما قام به هو فصل وإبعاد الناس عن علماء الدين. تصوروا أنهم بدأوا بذلك من سائقي السيارات حيث راح سائقو سيارات الأجرة يحاربون علماء الدين عن طريق مقاطعتهم وعدم السماح لهم بركوب سياراتهم، وقد نقل لي أحد العلماء الأفاضل (رحمه الله) أنه كان في مدينة أراك يوماً وأراد التوجه إلى طهران أو قم فلم يتمكن من فعل ذلك لأن لا أحد من السائقين وافق على السماح له بأن يستقل سيارته. وخاطبه أحد السائقين قائلًا: لقد إتفقنا على أن لا نسمح للمعممين ولا للفاحشات بركوب سياراتنا، وهذه الظاهرة موجودة وشائعة في أيامنا هذه أيضاً، ولا أدري كيف أعيدت الكرة هذه المرة مع هذا الفارق الزمني. طبعاً لقد قلّت هذه الظاهرة بشكل كبير لوجود العديد من السائقين الملتزمين والمؤمنين في هذه الأيام. إن جذور هذه الفتنة تعود للبريطانيين، فهم أول من دعوا الناس إليها.
إذاً عليكم يا علماء الدين أن تحذروا وتتيقظوا وأن لا تتخطوا وتتجاوزوا حدود وظائفكم الشرعية.
ضرورة مشاركة علماء الدين في الحياة السياسية
على جميع علماء الدين وجميع أفراد الشعب أن يشاركوا بفعالية في الحياة السياسية في البلد. البعض يدعو إلى أن يقتصر وجود علماء الدين على المجالس والحوزات العلمية وليتركوا الساحة السياسية لهم. إن من يدعو إلى هذا إما إنه غافل عن بواطن الأمور، وغير مبالين، أو أن يكونوا عملاء لزمرة أولئك الذين كانوا يدعون إلى هذا الأمر في عهد رضاخان. لقد أشاعوا بقوة مدة 300 سنة بين الناس وبين علماء الدين فكرة عدم تدخل العلماء في السياسة لدرجة أن بعض علماء الدين قد اقتنعوا بذلك فعلا، وراحوا يحثون بقية علماء الدين على ترك القضايا السياسية، وعدم الإدلاء بأي تصريح سياسي. وهكذا تركوا الساحة السياسية أو بالأحرى أُجبروا على ذلك. لقد صدّق البعض، بأن على علماء الدين التحدث بالأمور الشرعية فقط وطبعاً ليس كلها. حيث أن أكثر كتب الفقه هي كتب سياسية، ولكنهم للأسف قد صدقوا ذلك كما صدق الشعب ذلك أيضاً. لقد تزامن طرح هذه الفكرة مع قدوم الغربيين إلى إيران لأول مرة، حيث توصلوا إلى نتيجة مفادها أن هذه الفئة خطيرة جداً (أي علماء الدين) وينبغي إبعادهم عن الشعب، وبعد ذلك سيقوم الشعب بنفسه بمعارضة كل عالم دين يتدخل في السياسة. مع أن أول من يجب أن يشارك في الحياة السياسية هم علماء الدين ومن ثم جميع فئات الشعب ليكونوا على إحاطة تامة بما يجري في بلدهم في المجلس، وفي الحكومة وفي المقابل ينبغي أن لا يتخلى علماء الدين عن وظائفهم الأصلية.
كان علماء الدين في الماضي لا يتدخلون في السياسة منشغلين بوظائفهم الشرعية فقط، وعلى علماء الدين في الوقت الحاضر أن لا ينصرفوا بشكل كامل للسياسة ويتناسوا وظائفهم وعملهم السابق، فعملهم سابقا لم يكن صحيحا ليس لنا فحسب بل ولكم أيضا، والآن كذلك فإنه غير صحيح.
اهتمام الحوزات العلمية بالفقه
يجب عليكم أن تشغلوا المراكز والمسؤوليات الموكلة إليكم بقوة وإحكام وعلى أئمة الجماعة أن يحافظوا بقوة على هذه المساجد، وعلى الخطباء أن يتمسكوا بمنابرهم بقوة، وعلى الحوزات العلمية في قم ومشهد والنجف أن تحافظ على الفقه، وترسخ أركانه، وأن تكون حوزات فقه بكل معنى الكلمة.
حوزات الفقه هذه، هي التي حافظت على الإسلام على مدى ألف وبضع مئات من السنين. لقد بدأ علماؤنا مسيرتهم في الحفاظ على الفقه في عهد الأئمة الأطهار ومازالوا يواصلون جهادهم في الحفاظ على الفقه الإسلامي اليوم. إذاً إياكم أن تظنوا بأن الدخول في عالم السياسة سيكون مسوّغا لترك الفقه، بل على العكس تماماً، عليكم متابعة الدراسة وترسيخ أركان الفقه أكثر فأكثر. ومن جهة أخرى على أئمة المساجد أن يتابعوا دورهم في إرشاد الشعب وهدايته. وعلى الخطباء أيضاً أن يحافظوا على منابرهم لوعظ الناس وإرشادهم، وفي نفس الوقت عليهم أن لا يغفلوا عما يجري من حولهم. كي لا نغفل عن أساس حفظ الإسلام فتقل منزلة الفقه في الحوزات العلمية. الفقهاء هم حصون الإسلام المنيعة وهم الذين حفظوا الإسلام. يجب أن يكون اهتمام الحوزة بالفقه أكثر من أي شيء آخر. ولو زالت حوزات الفقه أو تم تضعيفها- لاسمح الله- لأنهارت الرابطة بين الفقهاء والناس. وفي الحقيقة فإن الذي حفظ هذه الرابطة وهذه الصلة؛ هم الفقهاء أنفسهم. ولو جاء أشخاص إلى الحوزات واقترحوا بأن لا يكون الفقه بكل هذه التفاصيل، ويدعون إلى الإنصراف إلى أمور أخرى على أنها أكثر أهمية، فهؤلاء على خطأ كبير ولعلهم يعملون لمصلحة جماعة معينة.
يجب أن يبقى الفقه على قوته السابقة وإلى جانب الفقه، يجب الإهتمام بسائر العلوم. فالفقهاء كانوا علماء أخلاق يدعون الناس والعلماء وأرباب العلم للتحلي بالأخلاق الكريمة، وعلماء عرفان يدعون الناس إليه ولكن الفقه يبقى الأساس.
ومن جهة أخرى يجب أن تعملوا على تقوية المساجد ودورها في هداية الناس وتقوية وجودكم فيها، وأن لا تسمحوا لليأس بالنفوذ إلى داخلكم لمجرد سماع ما ينشره الأجانب والمرتبطون بهم في الداخل. عليكم الحضور بقوة في الحياة السياسية وتمييز ما هو مفيد للأمة وما هو ضار لها إلى جانب دوركم في حفظ الفقه كأساس للحوزات العلمية. فالفقه هو الحافظ للإسلام وهو الذي سيصونه إلى النهاية إن شاء الله. إياكم والإنحراف عن خطّكم هذا والإنخراط في مجالات أنتم بغنى عنها كأن يتخذ كل عالم دين أربعة من الحراس الشخصيين أو أن يؤسس مكتباً ويتخذ له عدداً من الحراس ويقوم بفعل ما يشاء. لو فعلتم ذلك ستكون الفتنة الكبرى ويكون الأوغاد قد نجحوا في حرفكم عن المسير الصحيح وبهذا سيتذمر الكثيرون من وجودكم في المؤسسات والمحاكم. وستصبح نظرتهم سوداوية تجاهكم ولن يروا إلّا أخطاءكم فحسب. عليكم القيام بوظائفكم بشكل جيد والإهتمام بكل ما يتعلق بهذه الأمة من أمور سياسية.
مواجهة الانحرافات والإعوجاج
تيقظوا وانتبهوا واحذروا من أن يتم تأسيس حكومة على أساس باطل أو أن يتم تسليم المناصب الهامة لأفراد غير جديرين. فعندها عليكم التدخل والإعتراض عن طريق تنبيه المراكز المسؤولة وليس عن طريق التدخل الشخصي بل طالبوا بعزل هؤلاء الأفراد من هذه المناصب. ولا تفعلوا ذلك أنتم بل أوعزوا للآخرين بفعل ذلك كي لا تثار الفتنة وتعم الشكوك. إذاً عليكم التنبيه والإرشاد فقط والضغط على الحكومة والمجلس لتصحيح الأخطاء المرتكبة وعزل الأفراد غير المناسبين. لا تتدخلوا شخصياً واحفظوا منزلتكم فهو أنسب وأفضل لكم، على كل مسلم أن يحفظ عرضه وماء وجهه ولكن هذا الأمر بالنسبة للعلماء أشد وأعظم والحجة عليهم أتم وأكمل. على كل واحد منا أن يحترم عمله ويتقنه فلا يبتعد إمام الجماعة عن جماعته ولا المراجع عن مرجعياتهم.
على الجميع أن يؤدوا واجباتهم على أحسن وجه وفي نفس الوقت أن يكونوا متيقظين تجاه ما يجري حولهم من أحداث سياسية.
مؤامرة فصل الناس عن علماء الدين
إني ما أود أن اقوله للشعب هو ان يلتفتوا إلى أن عدو الإسلام وعدو بلدكم لا يترك وسيلة ولا طريقة إلّا ويسخرها لإيجاد الفتن والإضطرابات ونشر الفساد.
إن استراتيجيتهم الجديدة هي الهجوم على نقاط الصلة والربط بين علماء الدين والشعب والعمل على إضعافها وإزالتها كلياً. كما يوحون للناس أن علماء الدين لا يمكنهم فعل شيء، فلماذا تذهبون إلى المساجد؟ بل فلنذهب للتظاهر في الشوارع. ولكن في الحقيقة إن التظاهر والتعبير عن الرأي شيء، والمسجد شيء آخر. فهو مركز إدارة الأمور والمنطلق الذي حققنا من خلاله هذه الثورة العظيمة. فعلى الشعب أن يدرك أهمية ومنزلة المسجد وأن لا يظن أن دور المساجد قد إنتهى بإنتصار الثورة بل على العكس تماماً فالعمل في المساجد قد بدأ للتو. فلو ألغينا الصلاة والآداب الإسلامية فما الداعي لإلقاء أنفسنا في هذه التهلكة إذن؟ لقد قمنا بكل ذلك من أجل الإسلام ولقد انتفضتم ضد الظلم في سبيل الإسلام وقدمتم كل هذه التضحيات فداء للإسلام، فلا تجعلوا المساجد خالية لأنها مراكز نشر الإسلام والفقه الإسلامي. إن إخلاء المساجد مؤامرة كبرى فاحذروها. البعض ممن يُشك في اعتقادهم بالمسجد والإسلام قد شكلوا جماعة واتخذوا لأنفسهم إماماً من بينهم. إنها ليست بصلاة ويريد هؤلاء القضاء على الإسلام بهذه الطريقة.
على علماء الدين الحفاظ على مكانتهم ووقارهم كي لا تتشوه صورتهم بين الناس، ومن جهة أخرى يجب على الناس أن يثابروا على الحضور في المساجد وكأني أرى نفس تلك الخطط والإجراءات التي قام بها رضاخان قد ظهرت مجدداً. أذكر ذات مرة أن جماعة إلتفوا حول بعضهم وراح شعراؤهم يرددون ما معناه انه ما دام علماء الدين والغجر يملأون هذا البلد فليس لهذا البلد مستقبل مشرق أبداً بل على العكس تماماً. كما أن مقالاتهم كانت مليئة بالضغينة والكراهية لعلماء الدين وازدادوا وقاحة في هذا الأمر أكثر فأكثر. لقد أجبروا جميع الفئات والمؤسسات على العمل ضد علماء الدين، كما كان يفعل البريطانيون حيث وجدوا في رضاخان رجلا مناسباً قوياً لتحقيق أهدافهم ثم أضافوا إليه أحد الكتاب الصحفيين ويدعى السيد ضياء «2» ومن ثم أخرجوا ضياء هذا، وركّزوا اهتمامهم على رضاخان الذي يمكنه أن يفعل الكثير من أجلهم. فهو أولًا أمي ولا يعرف شيئاً عن السياسة وثانياً رجل متسلط وجبار يفعل ما يؤمر به.
هذه كانت خطتهم في ذلك الوقت وكان أشد ما يخشونه هو أن يتحرك علماء الدين ويملأوا الساحة السياسية. وهذا تماماً ما حدث الآن حيث انتفض علماء الدين محاطين بكافة فئات الشعب من طلبة وعمال وفلاحين ليقفوا صفاً واحداً وليصنعوا أمراً عظيماً.
ولهذا فإن مساعيهم كانت تنصب في إبعاد الناس عن علماء الدين خشية حصول ما حصل الآن. وها هم الآن قد أدركوا أن مخاوفهم قد تحققت وعليهم أن يوسعوا دائرة نشاطهم ليوسعوا الهوة بين علماء الدين والشعب وبين الحوزة والجامعة وإثارة الفتن بين مختلف فئات الشعب وإيجاد حرب داخلية بينهم.
استعداد كافة فئات الشعب للمحافظة على الإسلام
اليوم، هناك واجب علينا جميعا، يجب على شعبنا أن يؤدي هذا الواجب، اليوم، يوم تحاول فيه القوى العظمى من خلال الدسائس والمؤامرات الداخلية والخارجية، القضاء على هذه النهضة بشكل تام، والنيل من الإسلام الذي وجه لهم الآن ضربة، وأن يعملوا على قطع جذوره. اليوم على الجميع وعلى كل فرد من أفراد الشعب أن يكون متيقظاً ومتأهباً للمخاطر. وإياكم والإنشغال بأمور الدنيا الفانية فواجبكم الرئيسي هو الحفاظ على الإسلام، ففي ظل الإسلام ستنعمون بكل شيء. إذا سلبوا الإسلام منكم، لا تتصوروا أنهم إذا سلبوا الإسلام، سيتركون الشعب على حاله، والقومية التي يتبجح بها هؤلاء القوميون ويقولون دائما الشعب .. الشعب، لو سلبوا الإسلام منكم وفرقوا بين عالم الدين والشعب، أنتم الأربعة أشخاص لا يمكنكم أبدا عمل أي شيء، ولو لا يكون في صفوفكم أمثال بختيار «3»، وربما هو بينكم، لا تعملوا على إثارة التفرقة. أيها الكتاب! لا تعملوا على إضعاف علماء الدين بهذا الشكل. أيها السادة المتنورون! لا تأخذوا هذا البلد يمنة ويسرة، حتى لا يأتوا- لاسمح الله- ويقضوا عليكم جمعيا. اتحدوا معا .. كونوا مستعدين. يجب على الشعب أن يكون يقظا حيال هذه الأمور المتوقع وقوعها من أن يأتي، على سبيل الفرض، يوم تقوم فيه- لاقدر الله- طائرات الفانتوم وتدمّر هذا المكان وأرحل أنا إلى مقري الأبدي. على الشعب أن يحافظ على الإسلام بقبضته الحديدية، يجب على الكاسب والعامل والفلاح والمزارع والموظف والقوات المسلحة، على الجميع أن يكونوا على أهبة الاستعداد. فلو نسينا النهضة ونحن الآن في وسط الطريق، ومع كل هذه المؤامرات، فلو نسينا هذه الثورة ويذهب كل واحد منا إلى عمله، ولا نتواجد في الساحة السياسية، وأن لا نجهز أنفسنا للمحافظة على البلد الإسلامي والحفاظ على الإسلام، فلربما قد تصيبه أمور سيئة لا قدر الله. وان شاء الله لا يستطيعون أن يقوموا بعمل، غير أنه بإمكانهم أن يعرقلوا ذلك. التفتوا إلى أنه كلما أراد أن يقع أمر ما في هذا البلد، كانت هناك جهات وقفت بوجهه لتحول دون تنفيذ مخططاته .. قاموا باعمال الشغب الا انهم لم يستطيعوا .. أنا لا أقول إنهم يستطيعون .. لا يستطيعون .. ومهما كانت هذه الفانتومات متطورة، فإنهم سينالون منها.
الخوف من عجز علماء الدين عن القيام بمسؤولياتهم
هل يظن هؤلاء أن شعبنا قابع في مكانه ينتظر طائراتهم أن تقذفه بوابلها وتدمره؟ هل يظنون أنهم قادرون على قهر 35 مليون إنسان في هذا البلد من خلال حفنة من الجنود؟ لقد أساؤوا التقدير، وأخطأوا في حساب الأمور. ألم يروا كيف مرّغ الأفغان أنوف السوفييت بالتراب مع أن الإتحاد السوفيتي كان يمتلك أكثر الأسلحة تطوراً في العالم؟ إنها لحماقة كبرى ولكن للأسف هناك من يروج لها من الشباب والمساكين الجهلة كما حدث قبل يومين أو ثلاثة أيام. هؤلاء لا يفهمون، ولو فرضنا أن العدو قام بمهاجمتنا بطائراته المتطورة من قاعدة همدان وقصفت بعض المدن وبالتالي فإنها لابد أن تهبط على الأرض، وإلا فهل ستبقى في السماء؟ فنحن لا نخشى مثل هذه الأمور، نحن نخشى من أبناء شعبنا، من أنفسنا.
أيّها السادة يا علماء الدين- أيدهم الله تعالى- لو صدر منكم ما يبعث على إستياء الشعب وابتعاده عنكم، حتى لو حدث ذلك بعد مدة طويلة، فعندها لا حاجة لطائرات الفانتوم، فالشعب سيعزلكم بنفسه وأن الشعب لا يمكنه إنجاز أي شيء من دون هاد وأن هؤلاء حتى وإن خططوا حاليا لعدة سنوات أخر فإنهم سينفذون أعمالهم في تلك الحقبة من الزمن. إن جل ما أخشاه هو أن لا يتمكن علماء الدين من القيام بمسؤولياتهم بالشكل الصحيح. إني أخاف من أن تؤثر بعض الأفكار والدعايات على الحوزات العلمية وتجعلها تقصّر وتتهاون في عملها الاساسي المتمثل بالمحافظة على الفقه، ويتم نسيان الفقه شيئا فشيئا، وبذلك سينجح المغرضون في الوصول إلى أهدافهم على المدى الطويل.
وأود أن أشير هنا إلى أن هؤلاء ليسوا على عجلة من أمرهم ليحققوا أهدافهم الشريرة هذه في هذين اليومين والثلاثة أيام إذا استطاعوا. إنما سيخططون لإنجاز أعمالهم في غضون خمسين عاما آخر. فهم لا يتخلون عن هذا الأمر، وأن لديهم خطة مهمة تتلخص في فصل الشعب عن بعضه، والأهم هو فصل علماء الدين عن الشعب.
المحافظة على المساجد والعمل على سمو منزلتها
لقد تلقى هؤلاء ضربة من علماء الدين لم يتلقوها من أي واحد. ويقولون بأن الضربة التي تلقيناها من الآخرين أيضا جاءت بتحريض من هؤلاء. إن المساجد حثت الناس على ذلك، ولذلك يجب أن نبدأ بتدمير المساجد أي جعلها مفرغة من محتواها وسلبها منزلتها ودورها. ومما يبعث على الأسف هو أن شبابنا المساكين والبعض من متدينينا يسلكون الطريق الخاطئ، فالحضور في المساجد يقل شيئا فشيئا في شهر رمضان من هذا العام، وفي السنة القادمة سيقل أكثر فأكثر وربما إضمحل بعد 10 أو 15 سنة. عدونا ليس على عجلة من أمره بل يطبق خططه رويداً رويداً، لذا عليكم باليقظة والحيطة والمثابرة على حفظ مساجدكم ومنابركم أكثر من الماضي. كلنا شاهد تلك المعجزات التي انطلقت من المساجد فلنعمرها إذن ولنرتادها أكثر من قبل. فقد كان لهذه المعجزات دور كبير في دحر جميع القوى، ليس فقط القوى العظمى، بل حطمت سائر القوى الأخرى. إن شعبنا الذي شهد هذه المعجزات يجب أن لا يتهاون أبداً في الذود عن الإسلام. لو قام عدة أفراد من الحرس بإرتكاب مخالفة ما لشاع بين الناس أن كل الحرس هم بهذا الشكل من السوء مع أن الجميع يعرف فضل الحرس على البلاد ودورهم في كشف الفتن ونزع فتيلها ولذلك لا يحق لنا أن نتهمهم ظلماً وليس من الصحيح أن نستاء من الحرس لكون بعض أفراده سيئين. إنها نفس الخطة تماماً والفتنة التي زرعها الأعداء ليفرقونا عن بعضنا ويسلبوا ثقة الناس بأجهزة الدولة من حرس وشرطة وجيش لتصبح دولة هشة لا يقوى فيها عالم الدين على الهداية ولا الجندي على الدفاع عن بلده.
اليوم هو اليوم الذي يجب أن تتحد فيه جميع القوى لحفظ النظام، فبدونه ستعم الفتن والإضطرابات، لذا على الجميع أن يفدوا الإسلام بأرواحهم في كل زمان ومكان. على الجميع أن يكونوا مستعدين لمواجهة الأعداء والقضاء عليهم.
تيقظوا وانتبهوا وإياكم والإنشغال بالخلافات التي صنعها الأعداء، فما زلنا في بداية المسير وعلينا أن نضع إختلافاتنا جانباً، فلا وقت لدينا لذلك وليس من المناسب أن نغوص في إختلافاتنا هذه، كأن تهاجم اللجان الإسلامية مراكز النظام أو مؤسسات الحرس والشرطة، علينا أن نتحد لأن الظروف والأجواء غير مناسبة أبداً للتفرقة والإختلاف.
لو تنازع اثنان على أمر ما وحل بهم زلزال عظيم هل سيتابعان نزاعهم وشجارهم هذا؟! لا أبداً بل سيكفان عن ذلك لأن الوقت غير مناسب.
إذن اتركوا نزاعاتكم وهبوا للدفاع عن أنفسكم وعن وطنكم وعن دينكم. فالغرب قد أعلن الحرب علينا فتهيأوا واستعدوا كما كانت عليه الحال في بداية الثورة. إنطلقوا إلى المساجد واملأوها واجعلوها القطب الأكثر أهمية في حياتكم فهذا تكليف إلهي في حد ذاته. ويعتبر حفظ المساجد والمثابرة على الحضور فيها من أشد الأمور ذات الصلة الوثيقة بالإسلام. املأوها في رمضان وبعد شهر رمضان.
في أحد الأيام وعندما تشرفت بزيارة مكة المكرمة، أردت أن أشتري كتاباً من إحدى المكتبات وكان فيه ربح مناسب للبائع، وأنا كنت واقفا، وإذا بالمؤذن ينادي للصلاة، فانطلق البائع مسرعاً متجاهلًا أمري وتركني وهو يقول «إنها سنة حنفية» وإتجه نحو المسجد لأداء الصلاة. وفي المدينة كذلك، يخلو السوق تماماً من الناس أثناء الأذان ووقت الصلاة. وحقيقة الأمر أن جميع المحلات كانت مفتوحة ولكن لا أحد فيها ولا بيع ولا شراء فيها، لأن الجميع قد ذهبوا لأداء الصلاة، لماذا لا تفعلون أنتم نفس الأمر؟ لماذا لا تتركون أمر البيع والشراء وتنطلقوا للصلاة؟ إنكم بذهابكم إلى المساجد وأداء الصلاة ستحيون هذه السنة السياسية الإسلامية كما تفعلون ذلك في صلاة الجمعة والحمد للّه.
فعندما تكون المساجد قوية ومليئة بالمؤمنين لن نرهب الفانتوم أبداً.
لن نرهب أمريكا والإتحاد السوفيتي، ولكن إن أدرنا ظهورنا للإسلام وتقاعسنا عن الذهاب إلى المساجد فعلينا حينها تحمل عواقب ذلك اليوم.
أرجو من الله تعالى أن يوفقكم وينصركم ويحفظ الإسلام والمسلمين ويقطع أيدي الأجانب عن هذا البلد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته