بسم الله الرحمن الرحيم
ظروف الإنقلاب ووضع المجتمع الإسلامي
أشكر كافة السيدات والسادة على حضورهم في هذا المكان، خاصة ونحن على أبواب شهر رمضان المبارك، حيث نقدّر حضورهم بعدة كلمات، كما سنتطرق إلى بعض القضايا وسنسلط الضوء على هذا الشهر الكريم.
إنه من الخطأ أن يقدم معارضو الجمهورية الإسلامية على القيام بمثل هذه الأعمال الصبيانية والشريرة «1». لقد قارن هؤلاء الجمهورية الإسلامية الايرانية مع حكومات أخرى، حيث تأتي أحيانا حكومة ثم يأتي حزب ما أو خصية عسكرية ويعلن إنقلابا مع مجموعة من الأشخاص، ويقضي على هذه الحكومة، ويأتي بحكومة أخرى بديلة عنها، أو يقضي على نظام، ثم يأتي بنظام آخر. وهؤلاء أخطأوا عندما قارنوا الحكومة الإسلامية والثورة الإسلامية مع غيرها من الأنظمة والحكومات نظراً لوجود فرق شاسع بينها. وبذلك يتبين لنا أن القائمين على محاولة الإنقلاب هذه من سياسيين وعسكريين غافلون عن المعنى الحقيقي لهذه الثورة، وأن الطمع والجشع هما اللذان دفعاهم للمشاركة في هذه الفتنة ليكون لهم نصيب من نهب الأموال والممتلكات. ولكن خاب ظنهم وباءت محاولتهم هذه بالفشل لأنهم غير مطلعين على العمق الإستراتيجي للثورة الإسلامية ومعانيها السامية.
إن الإنقلابات عادة ما تحدث في دول تحكمها أقلية متزمتة مبتعدة عن الجماهير ومتعالية عليها وغالباً ما تكون الجماهير فيها ناقمة على الحكومة ومعارضة لها وليس لها أي حضور في الحياة السياسية في تلك البلدان. إن هذه الحكومات لا تدرك معنى الحضور الجماهيري في الساحة السياسية وأهمية التعبير عن الرأي واعتباره حقاً طبيعياً لها ولكن تسلطها وعنجهيتها لا يسمحان لها بإعطاء هذا الدور المهم للشعب. إن هؤلاء لا يعرفون الفرق بين الثورات السياسية والوطنية والدنيوية مع هذه النهضة الإسلامية. إن ثورتنا الإسلامية في إيران بعيدة كل البعد عن التوجهات القومية وخصوصاً السيء والفاسد منها ولا تمت بصلة إلى الأحزاب السياسية والمفكرين المتجددين. لقد انطلقت شرارة هذه الثورة من نفوس الشعب وشارك فيها الرجال والنساء على حد سواء، وكان للنساء دور أكبر وأسمى في هذه الثورة لأن تواجد النساء في الساحة قد ضاعف همة الرجال وثبتها أكثر وأكثر.
ان 35 مليون مسلم (ما عدا المئات من المنحرفين) مؤمن بالله، مؤمن بالإسلام وبالقرآن الكريم نهضوا منادين بصوت واحد ويجمعهم الإيمان بالله والقرآن الكريم. وإلى أي منزل ذهبتم سترون آثار الثورة ونتائجها ومعالمها فيه.
لقد أصبحت- وعلى حد علمي- أحاديث النساء في مجالسهن والرجال في منتدياتهم سياسية بحتة. الكل يتحدث، رجالا ونساءً وشيوخا وأطفالا، عن السياسة. حتى أحيانا عندما يأتي الاطفال إلى منزلنا، تتضمن حركاتهم وألعابهم معانٍ وإشارات سياسية كأن يقوم أحد الأطفال بدور رئيس الجمهورية ويؤدي طفل آخر دور شخصية سياسية أخرى.
على هؤلاء السادة أن يدركوا ويعوا ما الذي حدث في البلد ويستيقظوا من نومهم وغفلتهم هذه، البعض منكم يذكر جيداً كيف وقف الرجال والنساء في صف واحد طوال الخمسين سنة الماضية حيث كانت المرأة تحتضن رضيعها وتمسك بأيدي صغارها وتتظاهر أمام المدافع والدبابات وتندد بالحالة المشينة التي وصلت إليها البلاد.
لم تشهد إيران في تاريخها أبدا، وحدة وانسجاما وتضامنا بين جميع فئات الشعب ومشاركة في الحياة السياسية كما يحدث في يومنا هذا.
لم يكن أحد في السابق على علم بحقائق الأمور ومجرياتها وما الذي يحدث في قصور الملوك وأي مستقبل ينتظر البلاد وهذا الأمر ينطبق حتى على أولئك المقيمين في طهران. ومن جهة أخرى لم تكن لهذه الأمور أهمية في نظر الشعب. طبعاً كان البعض يدرك الأمور جيداً ولكنه لم يكن يبدي أية معارضة.
إذاً فالحضور والمشاركة اللذان تشهدانهما الآن من قبل جميع أفراد الشعب لا مثيل له في السابق أبداً. الجميع يشاركون في ظل الثورة في الحياة السياسية والقضايا الإجتماعية ويعتبرون ذلك واجبا وتكليفا. يعارضون ما هو مخالف للموازين والقوانين ويؤيدون الموافق لها. ولا فرق في ذلك بين النساء والرجال فالجميع يشاركون بفعالية. وفقكم الله جميعاً.
إن البعض بمحاولتهم الإنقلابية هذه ظنوا أنهم قادرون ومن خلال قتل عدة أشخاص أو ضرب مكان معين على ترجيح الكفة لمصلحتهم وأن الشعب لن يبدي أية مقاومة ولكن الأمر ليس كذلك فكل أفراد شعبنا هم جند الإسلام البواسل وكل بيوتنا هي قلاع الإسلام الحصينة ولا يمكن لهؤلاء الخونة القضاء علينا جميعاً.
جهل العدو بالإسلام والمجتمع الإسلامي
إن المسألة هي مسألة عقيدة وإيمان وليست مسألة مادية، فالنساء لم يخرجن إلى الشوارع ولم يعرضن أنفسهن وأطفالهن للخطر والموت في سبيل الحصول على منصب ما. بل إن القرآن والإسلام هما اللذان حثا المرأة على الخروج والمشاركة إلى جانب وربما تقدمت الرجال في القضايا السياسية.
إن ثقتي كبيرة بكل بيت وكل فرد في هذا الوطن وأملي كبير بكم أيها الأخوة، لا يمكن لهؤلاء الأوغاد أن يستولوا على الوطن بأكمله من خلال احتلال منطقة ما أو قتل مجموعة من الأشخاص، لأن نساء ورجال هذا البلد قد نذروا انفسهم للإسلام. فالمسألة؛ مسألة عقيدة وليست مسألة مادية أو بهدف تولي منصب ما والحصول على أموال معينة. أقول هنا لهؤلاء إذا أردتم الإستيلاء على هذا البلد فعليكم قتل 35 مليون إيراني وهذا مستحيل طبعاً.
إنهم جاهلون ولا يدركون الواقع الحالي أبداً وهذا الأمر ينطبق على المفكرين والعسكريين منهم على حد سواء. فهؤلاء لم يفهموا الإسلام يوماً ما ولم يدركوا عمقه وأبعاده العقائدية. من الذي دعا رجال الحرس للذود عن الإسلام؟ من الذي قام بتشكيل اللجان الثورية في شتى أنحاء البلاد؟ من الذي نظم الطلاب والمعلمين في مراكز تعبوية ونضالية؟ من الذي دعا النساء للمشاركة في هذه الثورة العظيمة؟
الله سبحانه وتعالى هو الذي وفق جميع هؤلاء لخدمة الإسلام والمسلمين وإعلاء كلمة الحق وقد لبوا دعوته.
لذا فإن قتل بعض الأفراد والإعتماد على بضع طائرات فانتوم لتدمير هذا المكان أو ذاك، لن يحقق شيئاً لأن هذه الثورة لم تقم بناء على أوامر شخص ما بل الله هو الذي أمرنا بذلك. إن مشكلة هؤلاء هي أنهم لم يفهموا الإسلام يوماً ولم يكتشفوا أسراره ولم يقرأوا تاريخه وهذا أمر طبيعي لأنهم لم يكونوا مسلمين حقيقيين في يوم من الأيام.
وأظن أنه ولشدة كرههم للإسلام لم يدرسوا التاريخ الإسلامي أبداً ولم يطلعوا على مسيرة الإسلام على مر الزمن، بل ركزوا تفكيرهم وعقولهم على الأمور المادية والدنيوية والسياسية المهترئة والفارغة وهذا ما دفعهم للإقدام على فعلتهم الشنيعة هذه.
الإسلام هو الذي قاد الثورة إلى هذا النجاح وهل يمكن لغير الإسلام أن يحث شعباً كاملا على النهوض أطفالًا وشيوخاً ورجالًا ونساء؟ مع أن لكل منهم أهدافه ومآربه الخاصة البعيدة كل البعد عما حدث. فالإسلام هو الذي وحد الشعب وجنده. إذا ليذهبوا وليدرسوا الإسلام وليفهموه كي لا يخطئوا ثانيةً.
ولو فرضنا أنهم نجحوا بقتل بعض المسؤولين في هذا البلد. هل الشعب ثار من أجل رئيس الوزراء أم من أجل شخص آخر؟
وهل الثورة متعلقة بشخص ما؟
لقد اشترك جميع أفراد الشعب في هذه الثورة العظيمة والكل يعرفون ذلك. لذا فعلى هذه الفئة أن تراجع حساباتها كي لا تخطئ ثانية وتتعرض للعقوبة القاسية. وكذلك على كافة الأحزاب والمفكرين أن يستدركوا أخطاءهم وأن يقوموا بدراسة أدق وأشمل لتعطي محاولتهم الإنقلابية المشؤومة هذه ثمارها.
على هؤلاء أن يدركوا أننا جميعاً في خندق واحد وكلمتنا كلمة واحدة. إن شعبنا العظيم يطالب بإقامة الجمهورية الإسلامية بأكمله. أيستطيع إنسان ما أن يوحد كل هذه الجموع والجماهير دون الإعتماد على القرآن والسنة. لقد صنع المؤمنون هذه الثورة وساروا بها نحو الأمام.
فتية وفتيات كثر يطلبون مني في كل لقاء وبشكل مستمر منذ أن كنت في النجف أن أدعو لهم الله ليجعل الشهادة نصيبهم وها أنا أدعو لهم بالنصر المبين.
هل يمكن التغلب على عقول نورانية وقلوب مؤمنة بهذه الطريقة؟
هل يمكن قهر كل هذه الجماهير الثورية؟
إذهبوا واكتشفوا عمق الثورة الإسلامية وحقيقة الإسلام والكتاب الكريم لو أدرك هؤلاء عمق هذه الثورة ومعانيها فلن نرى من يثير الفتن في الجامعات ويزرع القلاقل في المجتمع ويحرض الناس على التظاهر.
إن فهم هؤلاء لعمق المسألة في أن الإسلام هو القائد الحقيقي لهذه الثورة وأن إمام الزمان (عليه السلام) معنا وأن عقول ال 35 مليون تضيء بالإسلام ونوره عندها لن يجرؤوا على تكرار هذا العمل ثانية.
إن هذه المحاولات الإنقلابية عادة ما تحدث في بلدان تحكمها أقليات متسلطة متعالية لا تعير الشعب أدنى إهتمام فيسهل بذلك تصفيتها والقضاء عليها. ولكن بالنسبة لنا فالأمر مختلف تماماً فلا طبقات ولا تعالي ولا تسلط ولا تكبر بل الجميع أخوة في ظل الإسلام الحنيف.
الإسلام لا يرتبط بشخص دون شخص آخر والإيمان كذلك. ولذلك على هؤلاء أن يدمروا بيوتنا بيتاً بيتاً ويواجهوا أفراد الشعب في كل أنحاء البلاد وليس فقط في طهران حتى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم.
فلو استولوا على طهران لثار الشعب في أقصى أنحاء البلاد واسترد طهران من بين مخالبهم القذرة.
هل يمكن مواجهة 35 مليون إنسان؟
بأي سلام يمكن مواجهة هؤلاء؟
أأسلحة أمريكا كافية لذلك؟ كيف يمكنهم قهر 35 مليون إنسان وكيف يمكنهم إخراج هذا العدد الهائل من الحياة السياسية؟
إن من هدا الله ودعاه ليمتثل لأوامره لا يمكن لبختيار «2» أن يثنيه عن ذلك. ولا يمكن لكارتر أيضاً أن يفعل ذلك. هل بإستطاعة مدمن على المخدرات (بختيار) أن يقوم بانقلاب؟ إنه كلام ليس إلّا فلا ترهبوا شيئاً.
إنهم لا يعرفون المعنى الحقيقي للإسلام بل يظنون أن الإسلام هو كغيره من الأيدلوجيات والأنظمة كالأنظمة القائمة في أمريكا والإتحاد السوفيتي. كلا ليس الأمر كذلك فتلك الحكومات متسلطة ومتعالية وجبروتية تعارضها شعوبها كما تعارضها كل شعوب العالم وتفعل ما يحلو لها دون أن تطلع شعوبها على الحقائق. إن شعبنا يختلف عن كافة شعوب العالم في المشاركة الفعالة في الحياة السياسية وتقرير المصير والتعبير عن الرأي بحرية.
عليهم أن يد رسوا الإسلام أولا، أن ينظروا إلى التاريخ الإسلامي، إلى الأحداث التي وقعت في صدر الإسلام فليعتبروا من الحادثة والواقعة التي سنذكرها الآن وهي أن المسلمين حاصروا إحدى قلاع الكفر ذات يوم وكان من غير الممكن عبور هذه القلعة والنفوذ إلى داخلها نظراً لإرتفاع أسوارها وبساطة الوسائل والأسلحة التي كانت بحوزتهم، ولكن أحد القادة اقترح أن يجلس على الترس ويرفعوه بواسطة الرماح إلى أعلى السور ثم يحارب المشركين ويفتح باب القلعة وقد فعلوا ذلك وقام هذا القائد الباسل بفتح أبواب القلعة بعد أن قتل الكثير من المشركين داخلها.
يا له من فكر إسلامي ثوري رائع. إنه الإسلام والإيمان.
ولذلك أرجو من كافة الفئات والجماعات المنحرفة أن تدرس الإسلام بدقةوتطلع على تاريخه لتفهم المعنى الحقيقي للإيمان.
شهر رمضان وضيافة الله تعالى
ها نحن نقترب من شهر رمضان المبارك فاسعوا إلى تقوية وتثبيت أركانكم الروحانية والمعنوية ففي حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتحدث فيه عن دنو شهر رمضان الكريم وإقباله وإطلالته على المسلمين يقول: «دعيتم إلى ضيافة الله» «3».
وضيافة الله سبحانه وتعالى تختلف عن ضيافة الناس فلو دعاكم أحدهم لحاول أن يوفر لكم وعلى قدر إستطاعته ما يلزم من الطعام والتسلية ولكن في ضيافة الله صيام ومائدة غيبية وهي القرآن.
لقد دعيتم إلى ضيافة الله في هذا الشهر فأنتم ضيوفه إذاً.
وقد طلب منكم صاحب الضيافة أن تصوموا.
أغلقوا كل أبواب الدنيا وابتعدوا عن الشهوات الدنيوية لتستعدوا خير استعداد لليلة القدر المباركة.
إن شهر شعبان هو مقدمة لشهر رمضان يستعد الناس فيه للدخول في ضيافة الله فمثلًا لو دعاكم أحدهم إلى بيته لأجريتم بعض التغييرات والإقدامات التحضيرية كتغيير نوع اللباس وحتى طريقة الكلام والسلوك، وشهر شعبان هو كذلك لأنه الشهر الذي يجب أن نهيء أنفسنا فيه للدخول إلى ضيافة الله وخير طريقة لذلك هي المناجات الشعبانية وأنا لم أر في الأدعية، يا دعاء قيل بأن جميع الأئمة كانوا يقرأونه «4» إلّا دعاء المناجات الشعبانية ولم أر بأن الأئمة كانوا يدعون بدعاء آخر غير المناجات الشعبانية، لأن المناجات الشعبانية هي لإعدادكم، لإعداد الجميع لضياف الله عزوجل.
تقوية الروح والوصول إلى ذروة الكمال في أدعية الأئمة (ع)
هنالك الكثير من الجهل وسوء الفهم عند الإنسان والذي يزداد أحياناً يوماً بعد يوم. والكثير منا لا يعرف ماهية الدعاء وحقيقته ويظن أنه بوجود القرآن لا حاجة للأدعية. إن هؤلاء لا يدركون أهمية الدعاء وأثره في نفوس الناس والإنعكاس الذي يسببه في سلوكهم وأفعالهم فالمناجاة الشعبانية مثلًا خير دليل على هذا، فلقد توارثها أئمتنا الأطهار وأكثروا من الدعاء بها وهي بحق كنز ثمين اعتمد عليه العرفاء في عرفانهم واستنبطوا منها الكثير والكثير، بالطبع فإننا عندما نتحدث عن العرفان فإننا نقصد العرفان الإسلامي وليس العرفان الهندي وغيره من أنواع العرفان.
يصف أحد علمائنا الدعاء «5» قائلًا: «القرآن قرآن نازل من السماء إلى الأرض والدعاء يصعد من الأرض إلى السماء وهو القرآن الصاعد».
الدعاء يأخذ بيد الإنسان ويرفع من منزلته ويصل به إلى عوالم لا يمكن لي ولكم أن نفهمها وندركها. إن ترك الإنسان على حاله لكان أشد إفتراساً من الحيوانات الضارية ولكن في الدعاء لغة خاصة تسمو بالإنسان وترفع من منزلته ومن مستوى وعيه وإدراكه.
كلنا يعرف قصة كسروي «6» وحرقه لمفاتيح الجنان ولكتب العرفان. لقد كان كسروي كاتباً ومؤرخاً فذاً ولكنه أصيب بنوع من الجنون في النهاية كغيره من الشرقيين الذين ما إن يتعلموا شيئاً ويحيطون به إلّا ويصيبهم الغرور والكبرياء ولقد وصل الأمر عند صاحبنا هذا إلى إدعاء النبوة أيضاً.
كتاب مفاتيح الجنان ليس من صنع الحاج الشيخ عباس القمي بل قام هو بتجميعه ليس إلا. فكسروي بحرقه لهذا الكتاب وللكتب الأخرى قد اعترف بجهله لمحتويات هذه الكتب ولعله لم يقرأ المناجاة الشعبانية في حياته مطلقاً. إن للأدعية الواردة في بعض الشهور والأيام وخصوصاً في رجب وشعبان ورمضان دور هام في تقوية النفوس وتهذيبها (وطبعاً ليس أمثالنا) وفتح السبل أمامه وتنوير وإضاءة الدرب وإخراجه من الظلمات إلى النور بصورة إعجازية بحق. إذاً اهتموا بالدعاء وتوسلوا به ولا تلتفتوا للكسروي وأمثاله المغرضين الذين يسعون لإضعاف الدعاء والإضرار بالإسلام.
وفي الحقيقة فإن هؤلاء أناس ساذجون لا يعرفون محتويات هذه الكتب وقيمتها وأهميتها فالدعاء هو انعكاس لمعاني القرآن على لسان الأئمة.
فللقرآن لغته الخاصة وللدعاء لغة خاصة أيضاً وهي تختلف بدورها عن لغة العلماء والعرفاء كذلك.
إن الأدعية التي وردتنا عن الأئمة الأطهار: هي الوحيدة القادرة على تحرير الإنسان وتخليصه وإخراجه من الظلمات وتطهيره من الشوائب والشهوات.
لقد عانى أئمتنا الكثير من ظلم الحكام والذين لم يسمحوا لهم بالعمل المباشر والدعوة العلنية إلى الله فاضطر أئمتنا إلى العمل السري وتسليح الناس بالدعاء ليكتسب الإنسان قوة روحية هائلة تحرره من سلاسل الشهوة وقيود الرغبة وتسمو به نحو الشهادة والتضحية.
إذاً فالأدعية المتواترة في رجب وخصوصاً في شعبان هي مقدمة لتهيئة الإنسان لدخول ضيافة الله ومائدته المفروشة (القرآن الكريم) وإحياء ليلة القدر وهي ضيافة تنزيهية وبرهانية وتعليمية تُعد النفوس منذ اليوم الأول للصيام والجهاد والدعاء للوصول إلى المائدة الحقيقية والتزود من كنوز ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن الكريم فكانت خير من ألف شهر.
هدف الأنبياء: تحرير الإنسان من قيود شهواته
ينبغي أن يتحول الإنسان وينتقل بعد هذه الضيافة من طبيعته الحيوانية إلى حقيقته الإنسانية ومن الظلمات التي يعيشها إلى النور المطلق الذي يتبعه كل ما في الكون. إن كل دعوات الأنبياء ورسالاتهم تنصب في تخليص الإنسان من حيرته وضياعه وتصحيح مسيره وهدايته إلى الطريق القويم: (اهدنا الصراط المستقيم) «7»، (إن ربي على صراط مستقيم) «8».
الدنيا هي نفس الإنسان وشهواته ورغباته والتي تقيد كل من يلهث وراءها وإن كل ما في الدنيا من ظلمات هو نتيجة تعلقنا بهذه الدنيا وبأوهامها وخرافاتها وزخارفها. لقد بعث الأنبياء لتخليص الإنسان من الزخرفات الدنيوية والشهوات النفسية والتي تخالف طبيعة الإنسان وفطرته وإدخاله إلى عالم النور، والإسلام هو خير دين للوصول إلى هذه الأهداف، ووظيفة الدعاء تتلخص في تهيئة النفوس للتخلص من الشهوات التي تدمر الإنسان والتحرر من الزخارف الدنيوية التي قادت الإنسان إلى الضياع والحيرة عن الوصول إلى الإنسانية الحقيقية. وطريق الإنسانية هو الصراط المستقيم الذي أشار إليه الأئمة في أدعيتهم ومناجاتهم بطريقة غير مباشرة لعدم قدرتهم على الدعوة الظاهرية والعلنية.
لم يكن هدف الأنبياء السيطرة والاستيلاء بل كان هدفهم هداية الناس وهداية الظالمين والجهلة إلى الطريق القويم ليصلوا من خلال ذلك إلى الله سبحانه وتعالى (إن ربي على صراط مستقيم) وليتركوا هذه الدنيا الفانية ويسيروا نحو النور المطلق. إذاً فوظيفة الأنبياء هي إيصالنا إلى هذا النور (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) «9». والطاغوت هو عدو الإنسان وعدو الله.
الدخول في ضيافة الله عزوجل
إن نجحنا في دخول ضيافة الله سبحانه وتعالى والتزود من مائدته العظيمة لوفقنا في الوصول إلى طريق الإنسانية الحقيقية ولكن صعوبة الطريق بالغة فالشياطين تترصد بنا وتمنعنا من الدخول وكل طريق وكل مسلك عدا ذلك هو طريق مضل. الإنسان مخلوق عجيب تتصارع فيه قوى كثيرة كالقوى الشهوانية والشيطانية التي لا نهاية لها وكلها طرق مضلة خادعة تصل به إلى جهنم إلّا الصراط المستقيم وهو طريق الإنسانية الموصل للّه سبحانه وتعالى إن سُمح لنا بدخول هذه الضيافة وإن استعدينا بشكل جيد للمشاركة فيها في هذا الشهر المبارك فسيكون لدينا أمل كبير بهداية تنجينا من ظلماتنا.
فقووا أنفسكم وإستعدوا لكافة أشكال البلاء والإمتحان.
راعٍ «10» يتوجه إلى فرعون ويطلب منه أن يسلم ويصبح إنساناً حقيقياً. وراعٍ أخر يتيم «11» ينهض من الحجاز ويطلب من جميع الأمم والشعوب أن تصل إلى الإنسانية الحقيقية إذاً فالهدف هو الوصول إلى الإنسانية ولكن أمر صعب طبعاً.
هناك مثل يقول: «من السهل أن تصبح رجل دين ولكن من الصعوبة أن تصبح إنساناً». يقول المرحوم الشيخ عبدالكريم حائري يزدي «12»: من السهل أن تصبح رجل دين ولكن أن تصبح إنساناً فهذا صعب جداً. والأنبياء بعثوا ليصبح هذا المحال ممكناً. لا تتخبطوا هنا وهناك فكلكم للّه فاذهبوا إليه وإعرفوه حق معرفته لأن فطرتكم تعرف الله خير معرفة ولكن أنفسكم غافلة. جهزوا أنفسكم في هذا الشهر المبارك وخصوصاً في آخر أيام شهر شعبان فهو المحطة الحقيقية لدخول ضيافة الله بنفس مطمئنة ونور رباني.
هذا الشهر يختلف عن كافة الشهور الأخرى ففيه ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن هدى للناس وعمت العالم فيها فرحة وسعادة عارمة وهي خير من ألف شهر. أتمنى أن ندرك منزلتها وقدرها. وفقكم الله عزّ وجل وأدخلكم في ضيافته وأغدق عليكم من فيض مائدته السماوية من قرآن ودعاء، وطهّر أرواحكم وجعلكم من الذين يدركون ما هي ليلة القدر (سلام هي حتى مطلع الفجر) «13».
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته