بسم الله الرحمن الرحيم
المقارنة بين السلطات الثلاث الحالية والسابقة
يجب عليّ أن أهنئ الشعب لإمتلاكه اليوم والحمد للّه مراكز وسلطات مسؤولة منبثقة عن الشعب نفسه بعيدة عن الإنحراف والطاغوتية كما كان في السابق. أسأل الله التوفيق للجميع لخدمة الإسلام ولتمضي هذه الثورة قدماً نحو المستقبل المشرق ونحو إقامة حكومة العدل الإلهية بدلًا من الحكومة الطاغوتية.
أنتم جميعاً تعلمون ويعلم الشعب مدى الإنحراف والفساد الذي كان يعبث في هذه السلطات الثلاث في عهد الشاه المخلوع. ولقد اعترف الشاه نفسه بأن أعضاء السلطة التشريعية كانوا يعينون من قبل سفارات الدول الغربية بشكل مباشر ويعملون على رعاية مصالح الغرب في إيران. هذه هي حقيقة السلطة التشريعية في عهد الشاه، وقد كان لأمريكا بالذات دور فعال في إدارتها والإشراف عليها بما يخدم مصالحها.
لم تقم هذه السلطة ولو بعمل واحد في خدمة الإسلام وفي سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى. وفي الحقيقة لو كان هدفهم خدمة الإسلام والمسلمين لما تم تزكيتهم من قبل أمريكا وتعيينهم من قبل الشاه. من خلال كلام الشاه نفسه يمكننا فهم طبيعة هؤلاء الأفراد وحقيقتهم الفاضحة. ومن جهة أخرى فإن الجميع يعرفون حجم الجرائم التي ارتكبتها السلطة التنفيذية في هذا البلد. جميعنا يعرف أيضاً مسؤولية الشاه المباشرة عن هذه الجرائم النكراء من خلال الأوامر التي كان يتلقاها من الأجانب.
وأما السلطة القضائية والتي أولاها الإسلام كل الإهتمام، وحدد لنا صفات وشرائط كل من يود التصدي لها، بأن يكون نبي، أو وصي نبياً، وما عدا ذلك من المتصدين فهو شقي، فإني أجزم قاطعاً أنه لم يكن بين أولئك الأشخاص أي واحد صالح أبداً. ولو فرضنا جدلًا وجود بعض المتدينين في هذا السلك فإن ذلك لا يعد مسوغاً لهم ومبرراً للعمل في هذه السلطة. قلّما نجد في الإسلام أمراً نال كل هذا الإهتمام كأمر القضاء، والسبب في ذلك واضح للعيان لأن أموال الناس وأرواحهم بيد القضاء. وإن كان القاضي فرداً غير لائق أو صالح فإن ذلك سينعكس على المجتمع وسيسبب الكثير من المشاكل.
لا بد لي هنا، من تهنئة الشعب الإيراني على امتلاكه سلطة تشريعية منتخبة من قبل الشعب نفسه دون جبر أو فرض، أو تدخل من الأجانب وقد تم إخراج كل فاسد فيها بواسطة المجلس.
إذاً فجميع أعضاء السلطة التشريعية هم من الأفراد الصالحين وأكثرهم من الملتزمين، والأهم من ذلك، أنهم انتُخبوا من قبل الشعب نفسه دون تدخل القصر بتعيينهم كما في السابق. ومن الواضح أيضاً أن جميع أفراد السلطة القضائية هم من أهل العلم والتقوى والذين أمضوا حياتهم كطلاب علم وعايشوا الناس وفهموا مشاكلهم ولذلك فهم قادرون على خدمة المستضعفين بشكل جيد.
وأما السلطة التنفيذية كرئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، والوزراء فإنهم سيُنتخبون عاجلًا إن شاء الله من قبل الشعب. والمجلس أيضاً قد انبثق من صميم الشعب وهو المسؤول عن منح الثقة للحكومة وحجبها عنها في حال مخالفة الموازين الشرعية.
أهمية القضاء والنظام
للقضاء في الإسلام أهمية بالغة ومكانة خطيرة جداً. فأهمية القضاء تنبع من دوره في تسيير أمور الشعب وإزالة المظالم وحل المشاكل وكشف الظالم ومعاقبته ونصرة المظلوم ومساندته وتطبيق منهج الحق وإعادة كل حق إلى صاحبه. إنها مهمة خطيرة ينبغي فيها الإكثار من الدقة لأنه فلو حكم لا سمح الله خلاف ما أنزل الله حتى ولو في درهمين فإنه على حد الكفر «1» والقاضي على شفير جهنم «2» وهو في الوقت ذاته واجب كفائي علينا تكفله. عادة ما يتصدى للقضاء مجتهد عادل يتصرف بإستقلال كامل ولو لم يكن مجتهداً فان يكون جامعاً للشرائط اللازمة لهذا المنصب الخطير والذي يعين من قبل المجتهد نفسه.
ومن جهة أخرى لا يحق لأحد أن يتهرب من هذه المسؤولية لأن كل ما هو مهم من وجهة نظر الشارع المقدس هو واجب كفائي لا يمكن الفرار منه. وكل من يتهرب من ذلك سيكون آثماً. كان الكثير من القضاة في عهد بني أمية وبني العباس أفراداً صالحين مع أنهم كانوا في خدمة الخلفاء من حيث الظاهر. إذاً حتى في زمن الحكومة الظالمة فإنه لا يحق لأحد أن يتهرب من هذه المسؤولية خاصة عندما يدرك أن بوسعه رفع الظلم عن الناس.
إننا اليوم والحمد للّه نعيش في دولة إسلامية قائمة على أسس إسلامية، ولا يحق لأحد ما أن يمتنع عن العمل في خدمة هذه الحكومة، بحجة أنه ليس من المناسب العمل في ظل الحكومة إنها فكرة طاغوتية. ففي زمن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفي عهد الإمام علي (عليه السلام) كانت هنالك دولة أيضاً. هل من الصحيح أن يكون هناك دولة وحكومة ونمتنع عن العمل والتوظيف فيها؟! إن وجود الحكومة أمر هام وحتمي لإدارة البلاد وحفظ النظام والإنضباط في الدولة. وإن كانت الحكومة جائرة ظالمة فلا يحق التعاون معها وتسلم المناصب فيها إلا إذا كان في ذلك إزالة لظلم أو إحقاق لحق. فكيف إن كانت دولة إسلامية كدولتنا هذه.
علينا أولًا أن ننظر إلى الحكومة وإلى الأسس التي ترتكز عليها، فإن كانت إسلامية كدولتنا هذه فلا يحق لنا التهرب والإمتناع عن العمل في خدمة هذه الحكومة.
فقد كان هنالك شرطة وحكومة ومسؤولون في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام). كان البعض سابقاً يمتنع عن العمل والخدمة في حكومة الطاغوت ولكن الأمر يختلف في يومنا هذا، فالحكومة إسلامية ومن يمتنع عن خدمتها فقد أساء الفهم وأخطأ الطريق. على من يجد في نفسه الكفاءة أن يتصدى لمنصب القاضي عندما تطلب السلطة القضائية وتحتاج لذلك، فهو واجب كفائي علينا أداؤه. كما أن خدمة الدولة هي خدمة للإسلام وخدمة في سبيل الله عزوجل. فدولتنا هي دولة إلهية، الخدمة فيها هي خدمة للّه سبحانه وتعالى وليس للطاغوت، كما كان سابقاً. حتى يأتي البعض ويدعي الخدمة للإسلام بشكل مستقل.
أيها الأخوة إن النظام هو أساس كل الأمور والمحافظة عليه هي من الواجبات الإلهية. ولذلك فعلى السلطة القضائية أن تجعل من النظام شعاراً لها في القول والعمل، فعلى سبيل المثال لا يحق لقاضٍ ما أن يكون على رأس عمله متى شاء وينصرف متى أراد. بل على كل من يود الخدمة في هذا المجال أن يؤدي واجبه الشرعي والإلهي على أكمل وجه وطبقاً للموازين والقوانين التي يحددها المجلس القضائي. وأما الذين يدخلون هذا السلك ويمتنعون عن الالتزام بالنظام فالأفضل لهم أن لا يدخلوه مطلقاً. وعلى من يشعر بعدم قدرته على الالتزام بالنظام أن يقدم إستقالته بنفسه، إذ لا يجوز التهاون في هذه المسائل أبداً. يجب أن يسود النظام كافة مؤسسات هذا البلد فلا يجوز أن يتغيب الشرطي مثلًا عن عمله دون إذن مسبق. إذاً على الجميع أن يتقيد بالموازين والقوانين ويتحلى بالأخلاق الكريمة ولا يحق لأحد الخروج عن القانون والتصرف بشكل إنفرادي ومستقل.
إن مسؤولية علماء الدين في هذا المجال هي أكبر من كافة الفئات الأخرى. وعلى كل موظف وعامل في هذه الدولة أن يتقيد بالنظام وإلا ستفسد الأمور وستسود الفوضى.
ضرورة الحياد الكامل في القضاء
إن الدقة في عمل القضاء أمر في غاية الأهمية لأن أرواح الناس وممتلكاتهم مرتبطة بذلك، فلا يجوز التسامح في بعض القضايا أو معاقبة الأبرياء أو الإمتناع عن تنفيذ الحدود الإلهية بحق المجرمين وإطلاق سراحهم. فالدقة في إصدار الأحكام وتنفيذها أمر ذو أهمية قصوى. إجتنبوا الظلم وإياكم أن تظلموا أحداً، لا سمح الله، فاتهام البريء ومعاقبته لجريمة لم يرتكبها، هو ظلم له، وتبرئة المجرمين من جرائمهم، هو ظلم للطرف الآخر. إذاً كونوا دقيقين ولا تتسرعوا في إصدار الأحكام، كما أن على القاضي أن يضع مشاعره جانباً ويمتثل لأوامر الشريعة وأن يكون شجاعاً لا يؤثر عليه كلام هذا ومزاعم ذاك.
لا يحق للقاضي أن يتأثر ببكاء المجرم وترحمه واستغاثته وكذلك لا يجوز أن يكون القاضي متطرفاً ومحباً للإنتقام.
ينبغي على القاضي أن يحكم بالقانون ولا فرق في ذلك بين أخيه وبين عدوه، فالقانون حق ويجب أن يطبق على الجميع ويمتثل له الجميع.
جميعنا يعرف قصة مثول الإمام علي (عليه السلام) مع يهودي أمام القاضي، وكان الأمام آنذاك خليفة المسلمين وقد طلب الإمام من القاضي أن يخاطبه كما يخاطب ذلك الرجل «3» اليهودي. يا له من درس لقنه الأمير عليه السلام- لكل القضاة، درس في المساواة واحترام القانون.
إنها لأمانة كبيرة في أعناقكم أيها السادة فحافظوا عليها واحكموا بالحق والقسط دون تمييز لتكسبوا رضى الله سبحانه وتعالى.
أسأل الله أن يوفقكم في هذه المسؤولية الخطيرة لتطبيق الشريعة على أتم وجه، ولحفظ الموازين، والقوانين، ومراعاة النظام، والعمل تحت إشراف مجلس القضاء وليس بشكل مستقل، لأن في ذلك مخالفة للنظم والقانون.
ومن جهة أخرى لا يحق لأحد أن يتولى هذا المنصب ما لم ير في نفسه القدرة على مراعاة النظام والإنضباط. إن قيامكم بتطبيق العدالة وإحقاق الحق هو عبادة إلهية.
وفقكم الله ووفقنا في خدمة المسلمين، فشعبنا في أمس الحاجة لنا، وهو في حاجة ملحة للنظام، وخاصة في هذه المرحلة المهمة من عمر الثورة، والتي تتطلب العمل الجاد لتوطيد أركان الثورة وتقوية مؤسساتها والوصول بها إلى المستوى المطلوب من النظم والإنضباط. وبذلك سنثبت للعالم أجمع زيف الزعم القائل بأن إيران تعيش في حالة من الفوضى.
على كل واحد منا أن ينفذ مهامه وواجباته دون الإلتفات لكلام هذا وذاك لأن النتيجة هي المهمة في النهاية.
ولو عقد جميع أفراد الشعب عزمهم على القيام بوظائفهم بالشكل المناسب لحصلنا على الدولة الإلهية. ولكن إذا تدخل كل منا بعمل الآخر كأن يتدخل القضاء في شؤون السلطة التنفيذية فستعم الفوضى. فهذه السلطات مستقلة عن بعضها البعض ولكل منها واجبات محددة والتدخل في شؤون الغير سيؤدي بالدولة إلى الفساد لا محالة.
لذا فلنلتزم بواجباتنا لتثبيت أركان النظام.
أجركم عند الله جميعاً واعلموا أيها الإخوة أنه سيسجل في لوح أعمالكم إنه قاضٍ وكان يقضي في سبيل الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته