بسم الله الرحمن الرحيم
بطولات وتضحيات الجيش والقوات المسلحة
عندي كلمة أود أن أوجهها إلى جيشنا وشعبنا الأبي، وكلمة أخرى، أودّ توجيهها إلى الجيش والشعب في العراق.
إنّ الشهامة التي أظهرها جيشنا وقواتنا المسلحة، من مثل حرس الثورة وغيرهم. ذكّرتنا ببطولات وشجاعة المسلمين في صدر الإسلام، ففي صدر الإسلام بالرغم من أن قوات العدو لم تكن تقاس بالنسبة لقوات الإسلام، ففي حرب الروم، كان عدد قوات الجيش الإسلامي ثلاثون ألفاً، في حين كانت قوات جيش الروم تتراوح ما بين سبعمائة إلى ثمانمائة ألف مقاتل، يتقدمهم ستون ألف مقاتل، هم طليعة الجيش الرومي، الذين يشكلون وحدهم ضعفي الجيش المسلم بأسره، خالد بن الوليد أحد قادة جيش المسلمين آنذاك، اقترح على قواته قائلًا: علينا أن نضرب العدو ضربةً، سريعةً، ومباغتة، وقوية، تفقده توازنه، وتضعّف من معنويات مقاتليه- الآن وبالاصطلاح الذي أقوله أنا- ونحن، علينا اختيار ثلاثين فارساً قوياً لتنفيذ هذه المهمة، فيغيروا ليلًا على مقدمة جيش العدو البالغة ستين ألفاً، ويُعملوا فيهم القتل المفاجيء، ليثيروا الخوف والهلع في صفوفهم، ولكن مجموعة من المقاتلين لم يقبلوا بذلك، وتمّ الإتفاق في نهاية الأمر على إرسال ستين فارساً مقداماً لتنفيذ هذه المهمة، وفعلًا أغار هؤلاء ليلًا على مقدمة الجيش الرومي، وأنجزوا مهمتهم بنجاح تام.
رمز الانتصار وحدة الكلمة والتوكل على الله
نحن وطوال فترة جهادنا وحضورنا على الساحة الإيرانية، كنا نفتقر لأقل الوسائل والتجهيزات التي تستخدم في الحروب عادة، ومع أننا لم نكن شيئاً يُذكر أمام جيش الشاه المخلوع المنظم والمدجج بأنواع الإسلحة والمدعوم من قبل جميع قوى الشر الكبرى في العالم، إلا أننا استطعنا رغم غياب الناصر والمعين، أن نهزم هذا النظام ونسقطه، واستطعنا نحن الثلاثون مليوناً، الصمود مقابل جبهة الكفر المؤلفة من مئات الملايين، وأن نهزمها، فالعدد لا يمثل العامل الأساس في صنع النصر، إنما هي القدرة الفكرية للإنسان مدعومة بالإيمان والتوكل على الله التي تصنع النصر. ويشهد على ذلك صدر الإسلام الحافل بهكذا نوع من الانتصارات، وإن في انتصارنا على الشاه رغم قلة العدد والعتاد وكثرة العدو والمتآمرين، يمثل شاهداً حياً وعصرياً على ذلك. إذاً، فالقوة التي تلعب دوراً أساسياً في إيجاد النصر هي تلك القوة التي تحصل للأفراد من الغيب، وبحمد الله؛ فإن هكذا قوة موجودة الآن، وكما ينقل لنا الإخوة فإن معالمها حاضرة في صفوف الجيش، وحرس الثورة، وقوى الأمن، لدرجة أن نداءات (الله أكبر) لا تفارقهم حتى وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة، ولهذا نجد ثلة من الأفراد المستقرين في إحدى ثكنات محافظة كردستان استطاعوا وحدهم أن يواجهوا ويردوا عدداً كبيراً من قوات العدو المعتدية والتي تفوقهم عدداً ومدداً، وذلك لتوكلهم على الله، وافتقار أولئك لذلك، ولهذا ليس من الصواب أن نعتبر جيشنا كبقية الجيوش، أو قوات الأمن وحرس الثورة كبقية القوات المسلحة الأخرى. فأولئك من أجل من يحاربون؟ الجيش العراقي من أجل من يحارب؟ من أجل صدام حسين! وأي عاقل مستعد للتضحية بنفسه من أجل صدام حسين؟ ولأجل ماذا؟
إن جيشنا يقاتل وهو على بيّنة من أمره. إنه يقاتل بهذه الروح المنبثقة عن عقيدته الإيمانية، روحية من يرى الموت في سبيل الله توفيقاً ومنزلا كريماً في جوار الرحمة الإلهية.
إن هذه الروحية هي سرّ انتصارنا، وهي موجودة بحمد الله في صفوف قواتنا المسلحة، من جيش، وحرس ثورة، وقوى أمن، وشرطة. وأمّا ما أودّ قوله للجيش والقوات المسلحة هو: إني فخورٌ ومعتزٌ بكم، وبالجهود والتضحيات التي بذلتموها لنصرة دينكم ووطنكم، والتي ذكّرتنا ببطولات صدر الإسلام، وإني أبشركم بأنكم إن تقتلوا هؤلاء، أو تُقتلوا على أيديهم، فنصيبكم الجنة. لذا فإن هذه القوة والقدرة التي يظهرها شعبنا وجيشنا وقواتنا المسلحة في ساحات الحرب والجهاد هي قوة إلهية تنبع من هذه الروح العاشقة للشهادة.
أثر المدد الغيبي في إيجاد التحول الروحي لدى الشعب
إنّ هذا التحول الذي طرأ على أمتنا هو تحوّل إلهي غيبي، فمن كان يتصور أن هذا الشعب الذي تعود على الذل والخضوع والإستسلام لإرادة نظام الشاه الفاسد، ويتجنب أي شكل من أشكال المواجهة معه، لدرجة أن مجرد شرطي كان بوسعه أن يصدر ما يحلو له من الأوامر دون أدنى إعتراض أو مواجهة من قبل الناس في السوق. يتحول بين عشية وضحاها من شعب ضعيف خائف، إلى شعب قوي، كأن قلوبه زبر الحديد، لا يرهبه منظر البنادق المسددة صوبه، ولا منظر الدبابات المتجهة نحوه. بل كان يتسلق هذه الدبابات ويركبها غير آبه بما تخفيه في داخلها من الجحيم، إنها لقوّة إلهية امتلكها شعبنا ولا يزال، وإنه لمتوهم من يظن أن شعبنا اليوم غير شعبنا بالأمس، وإنه سيختار السكوت على القيام، إنها تخرّصات تطرحها بعض الطوائف والفئات لتسرّى بها عن نفسها ما أصابها على أيدي هذه الثورة. وها هم أبناء خرمشهر وآبادان وخوزستان قد أعدّوا متارسهم وحفروا خنادقهم استعداداً لأي هجوم مفاجئ. وإن السيد رئيس الجمهورية كان حاضراً هناك بنفسه وشاهد عن قرب عمليات الإعداد والتجهيز، وإن جميع ما تبثه وسائل الإعلام من أخبار حول ذلك هو مجرد شائعات. فقد أشاعوا خبر سقوط خرمشهر، علماً أن السيد بني صدر كان بنفسه هناك، وذهب إلى خرمشهر وآبادان ومناطق أخرى وعاينها عن قرب. إنها شائعات يريدون أن يسرّوا بها عن أنفسهم بعض الذي أصابهم من هذه الثورة وشعبها. وسمعنا أنهم اليوم يبثون شائعة أخرى، مفادها أن فلان «2» قد مات وعبروا عن فرحهم وسرورهم بموته. إنهم مخطأون، كان عليهم أن يتمنوا موت الله، لا نبأ وفاتي أنا، الله موجود فمن أنا وما خطري وتأثيري.
إنّ أمتنا لها رب وإله لا يزال يرعاها ويحميها ويسددها، منذ ثورتنا إلى الآن، ولكن هذا التأييد وهذه الرعاية والحماية أحياناً كانت ملموسة، وأحياناً أخرى غير ملموسة، والآن من الملموس أن الأمور تجري على خلاف ما يريد ويرغب هؤلاء. إذاً فأمتنا أمةٌ تحولت من أمةٍ ضعيفة إلى أمة قادرة قوية، إلى أمةٍ تعشق الشهادة، وهكذا أمة تعشق الشهادة، كيف للخوف أن يعرف طريقاً إليها، وكيف للنصر أن لا يكون حليفها، إن شاء الله.
إختلاف الدافع للحرب بين الجيش العراقي والإيراني
إنه لمن المؤسف أن يرى الإنسان جيش العراق وهو جيش مسلم، قبلته الكعبة وكتابه القرآن، ونبيه رسول الإسلام، تائهاً لا يدري لماذا يقاتل ومن أجل من، وبأي دافع يحارب؟ أفلا يعلم أن من يقاتلهم هم من المسلمين؟ بالتأكيد شتان ما بين إسلامنا وإسلام صدام وأزلامه، الذي اتهمنا بالمجوسية، هذه المسألة التي أكل عليها الدهر وشرب، فلأجل من يقدم هذا الجيش كل هذه الدماء؟ أما آن له أن يعلم أنّ إيران لا تخضعها هكذا حرب، وأن قتلاه في هذه الحرب سيخسرون الدنيا والآخرة.
فلأجل ماذا يهدرون دمهم هكذا، وما هو الدافع لذلك؟ أيمكنهم الإدعاء بأنهم يقاتلون لأجل الله؟ كيف هذا؟ وصدام وميشيل عفلق ملحدان، بعيدان كل البعد عن الإسلام وعن الله، وحزبهم حزب البعث، حزب كافر، لا علاقة له بالدين وبالله. إذاً، فإنكم تقدّمون دماءكم في غير سبيل الله، فما هو دافعكم إذاً؟
إن الدوافع التي حررت في أمتنا هذه الطاقات الإعجازية، جعلتها تقاتل بدافع إلهي، وبروحية من يدرك أن كل ما تملكه هو من الله، وأن الله مالك أمرها، وإليه منقلبها، وهذه في الحقيقة نفس دوافع جيش الإسلام، التي شهدناها في صدر الإسلام، ونشهدها الآن. فما هو دافعكم أنتم؟ ألأجل الله تحاربون الإسلام؟ ألأجل الله تخالفون القرآن أم لأجل صدام حسين؟! فإن قلتم لأجل الله، وهذا الطريق مسدود عليكم، فلا يبقى لكم إلّا صدّام، إذاً، فلأجل صدّام تبذلون كل هذه الدماء، ولكنّ الشعب العراقي نفسه وجميع التكتلات الإسلامية ترفض صدام، ولا توافق عليه، لأن خطّه خط إلحادي، وهو نفسه ملحد.
إذاً فدافعكم من الحرب يختلف تماماً عن دافع قواتنا وجيشنا، فجميع قواتنا العسكرية، الجوية منها، والبرية، والبحرية، وغيرها من القوى، يجمعها هدف واحد هو سرّ وحدتها وقوتها وإقتدارها، وهو أنها تقاتل وتعمل للّه، ولنصرة دينه، وإعلاء كلمة التوحيد، فبلادنا بلاد إسلامية قضت على الطاغوت وجاءت بالإسلام ليحكم مكانه، والآن نحن نحارب من أجل تطبيق الإسلام ومن أجل استئصال جذور الطاغوت بأكملها.
أمّا أنتم أيها الجيش العراقي، فمن أجل ماذا تقدمون هذه الدماء؟ وما الذي سيقدمه لكم هؤلاء لقاء ذلك؟
فنحن عندما نبذل دماءنا وأرواحنا نقول: بأن الله سيسكننا في جنات وعيون لا مثيل لها في الدنيا، أمّا أنتم ماذا ستكسبون وماذا ستقولون؟ فيا أيها الجيش العراقي، ويا أيتها القوات المسلحة، عودوا إلى إسلامكم من قبل أن يفوتكم الوقت، فإنه إن فاتكم فلن يكون بمقدوركم الرجوع بعدها أبداً، فما دام في الوقت بقية، توبوا كما تاب إخوانكم من قبلكم، وانضموا إلينا وكونوا جزءاً من جيش الإسلام، فإن في ذلك صلاح أمركم في الدنيا والآخرة، ولا تتبعوا خطوات ذلك الكافر الملحد وحزبه المجرم، فيسلك بكم إلى النار، واتبعوا خطى وطريق من يقول إن طريقي هو الإسلام. كونوا أتباعاً لرسول الله لا لصدام، اتركوه وحزبه فإنكم إن تركتموهم سيظهر لكم مدى ضعفهم وأنهم بدونكم ليسوا شيئاً يُذكر. اتركوهم، وإن استطعتم أن تشهروا في وجههم السلاح وتقتلوهم فاقتلوهم، فإن لم يكن بمقدروكم ذلك، فأعرضوا عنهم، واتركوهم، وتعالوا إلى إيران بيتكم الثاني، فإنّ أبوابها مشرعة أمامكم، ونحن جاهزون لاستقبالكم وفي خدمتكم.
ضرورة نهوض الشعب العراقي للدفاع عن مكانة الإسلام
إنّ التصور الذي أحمله عن الشعب العراقي وعشائره الغيورة، وما زلت، بأنّه شعب حي وأبي، ولكني لا أدري ما الذي حصل وجعله يتقاعس عن النهوض والثورة على ظالميه إلى الآن، مع أني أعلم أن جميع القلوب تحمل الكراهية لهذه الحكومة الظالمة، ولا يوجد مسلم في العالم يقبلها ويوافق عليها. فليستغل الشعب العراقي فرصة إنشغال نظامه بالحرب على إيران، ولينهض ويثور كما ثار إخوانهم في إيران، وليستأصل هؤلاء الظلمة الفجرة من الوجود، قبل أن يسقطوا في أيدينا ونعدمهم نحن. فإن الشعب الإيراني ثار ضد نظام أقوى من نظام صدام مئة مرة واستطاع القضاء عليه وإبادته، فعليكم أنتم الآن النهوض والثورة، ما دام هذا الآدمي مشغول بحربه مع إيران، فاستغلوا الفرصة واضربوه بتظاهراتكم وإضراباتكم، أتخافون أن يبيدكم إبادة جماعية؟ كيف له ذلك إذا ثارت جميع مدن العراق، واتحدت كلمتها على خلعه، تظاهروا للّه وللإسلام، شلّوا اقتصاده بامتناعكم عن إعطاء الضرائب، فإن دفع الضرائب لهذه الحكومة الكافرة حرام، ومن الذنوب الكبيرة، لأن فيه إعانة لأعداء الإسلام. لا تسددوا فواتير الماء والكهرباء، وامتنعوا عن إعطائهم أي شيء يريدونه منكم. لا تخضعوا لهم، وتظاهروا وثوروا وقوموا بمسيرات مناهضة، أدينوا بها هذه الحكومة المستبدة وهذا الطاغية الكافر. فإنهم أوهن من أن يواجهوا أمة بأسرها.
وإنّ ما تبثه إذاعتهم عن أحوال الشعب العراقي ووضعه، فإنكم تعلمون جيداً كما أن الشعب العراقي يعلم ما يفعله هذا الطاغية بشعبه، وما فعله إلى الآن. فإنّ يده لو طالت لهدّم جميع مساجدكم، ومحا جميع معالم الإسلام وآثاره في العراق، ولكن الفرصة لم تسنح له بعد، ولكن بمجرد أن تسنح له الفرصة فلن يتوانى عن فعل ذلك، لأن هذا ما يمليه عليه حزبه والخط الذي يلتزمه، لذا فعليكم إستغلال فرصة إنشغاله مع إيران لتضعفوه من الداخل، بضربكم لبناه التحتية، وتفجيركم لمراكزه ومؤسساته الحساسة، كما فعل إخوانكم في إيران زمن الشاه، فهذا العمل يمثل عوناً ونصرة لجبهة الإسلام والحق على جبهة الكفر والباطل، وإن الدفاع عن الإسلام واجبٌ بالإضافة إلى أنّه دفاع عن موقعكم ومكانتكم كمسلمين.
وإن ما يتشبث به هذا الخبيث من العروبة، وبأننا عرب وهؤلاء مجوس فإنه كذب وإفتراء، لأنه ليس بعربي، بل أمريكي، لأن العربي مسلم، وهو أمريكي ملحد، جاء إلى هنا يدّعي الإسلام.
فعلى الشعب العراقي أن يدرك هذه المسالة، وأن حرب اليوم هي حرب بين الإسلام والكفر، وأنه واجب على جميع المسلمين النهوض لنصرة الإسلام والدفاع عنه، فإن هذا الخبيث إذا استطاع- على فرض المحال- الانتصار في حربه على الجمهورية الإسلامية، فإن هذا الأمر سيترك انعكاساته السلبية على جميع أرجاء العالم الإسلامي، لأن هذا الخبيث وأمثاله من أتباع ميشيل عفلق الملحد، لا يرغبون بأن تقوم للإسلام قائمة، ويسعون جاهدين للقضاء على الإسلام وطمس معالمه، لأنه يتعارض مع أهداف ومبادئ حزبهم، حزب البعث الكافر، لذا على الشعب العراقي أن يستيقظ من سباته، ويثور على هؤلاء الفجرة ويجهز عليهم، وليعلم، أنه إذا ثار من أجل الله فإنه سينتصر، تماماً كما انتصرت أمُتنا عندما ثارت من أجل الله، فهلمّ أيها الشعب الأبي وضع يدك في يدنا، ولنتحد للقضاء على هذا النظام، وحل هذا الحزب الكافر، وملاحقة أتباعه، وإعدام وتصفية من يأبى منهم العودة إلى الإسلام، لنريح الأمة من شرّهم وشرّ جميع العفلقيين والصدّاميين والساداتيين، ونعمل معاً على إقامة دولة إسلامية في العراق وفي كل بقعة من بقاع الأمة الإسلامية، على أن تكون لكل دولة حكومتها المستقلة والخاصة بها.
فالعراق له حكومته، وإيران لها حكومتها، ومصر لها حكومتها، ولكن علينا أن نكون جميعاً تحت لواء الإسلام. وإن شاء الله سوف نزيل هؤلاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روح الله الموسوي الخميني