شناسه مطلب صحیفه
نمایش نسخه چاپی

خطاب‏ [مراعاة المعايير الإلهية، جهاد الأنبياء في سبيل الله‏]

طهران، حسينية جماران‏
عيد غدير خم‏
مراعاة المعايير الإلهية، جهاد الأنبياء في سبيل الله‏
رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس الوزراء السيد محمد علي رجائي، نواب مجلس الشورى الإسلامي، أعضاء مجلس الوزراء ومدراء مراكز البث الإذاعي في المحافظات.
جلد ۱۳ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۲۲۱ تا صفحه ۲۳۴

بسم الله الرحمن الرحيم‏

الإنسان، ذلك الأعجوبة

مبارك هذا العيد السعيد على جميع شعوب العالم المستضعفة وعلى الشعب الإيراني المسلم المجاهد.
إن الإنسان كائن عجيب، لا يماثله أي من المخلوقات والموجودات التي خلقها الله عزّ وجل. أعجوبة يمكنك أن تصنع منه موجوداً إلهياً ملكوتياً، ويمكنك أيضاً أن تصنع منه موجوداً جهنمياً شيطانياً. هذه الخصوصية وهذا الفارق بين الفرد الكامل والفرد الجهنمي الناقص لا نلحظه عند الموجودات الأخرى غير الإنسان، الذي اختصه الله بها وجمع فيه كل صفاته المقدسة عندما خلقه. فكل شي‏ء فيه، فمن هذا الموجود ظهر النبي الأكرم (ص) وجميع الأنبياء (ع)، ومن هذا الموجود ظهر أبو جهل وجميع أمثال أبو جهل «1» وما بين هذين النموذجين ما لا يعلم من النماذج البشرية.
وإن حسن وقبح وفساد وصلاح الأعمال التي تصدر عن الإنسان منوطة بالوجهة الروحية للإنسان، فالأعمال قد تتشابه في ظاهرها، ولكن النية هي التي تفرق بين صالحها وفاسدها، حسنها وقبحها. (إنما الأعمال بالنيات) «2».
لنلاحظ مثلًا شخصين يحمل كل منهما سيفاً بيده ثم يرفعه ويهوي به ليصرع شخصاً آخر، فصورة كلا العملين واحدة ولكنهما مختلفان من حيث القيمة لدرجة أن ضربة أحدهما تعادل عبادة الثقلين «3»، في حين أن ضربة الأخر تخلّده في النار «4»، فما هو منشأ هذا الإختلاف في القيمة، إنه يعود إلى الإنسان نفسه، إلى معنوياته ومقاصده وغاياته التي تدفعه للإتيان بهذه الأعمال، فقيمة الأعمال من حيث الحسن والقبح والفضيلة والرذيلة، وحتى دوافع هذه الأعمال مبنية على معنويات الفرد وغاياته ومقاصده.

ثبات وصمود الأنبياء (ع) أمام الصعاب‏

إن تلك القوة، وذلك الثبات والصمود المذهل الذي كان يبديه الأنبياء (ع)، في وجه العقبات والمشاكل والتحديات التي كانت تعترض طريقهم أثناء قيامهم بمهامهم وأعمالهم في تبليغ رسالات ربهم، يعود إلى الصبغة الإلهية للدوافع الكامنة وراء هذه الأعمال. ويجب القول؛ إن أيّاً من هذه المشقات والصعاب التي كانت تبدو لنا من حيث دوافعنا البشرية على أنها شاقة وصعبة، هي ليست كذلك بالنسبة للأنبياء، لأن المقاصد والآفاق التي يطمحون إليها ويتحركون ويعملون من أجلها هي من العظمة والسمو بمكان، بحيث تهون في جنبها جميع الصعاب والمشاق، ولهذا نراهم يصرفون العمر كلّه في سبيلها دون أي ضعف أو هوان أو تراجع ولو خطوة واحدة. فإني لا أظن أن هناك إنساناً. لاقى ما لاقاه رسول الله (ص) من المشقة والتعب في تلك السنوات الثلاث عشرة التي قضاها في مكة وتلك السنوات العشر التي عاشها في المدينة، حتى أنه يمكن القول بأن المتتبع لحياة رسول الله (ص) في هاتين الفترتين يجد أن الرسول لم ينعم حتى يوماً واحداً من الراحة طيلة هذه السنوات.
ففي مكة لم يتركه مشركوها ولا للحظة واحدة، ومارسوا ضده أنواع الضغوطات والأذى والمقاطعة الاجتماعية والاقتصادية، ووضعوه تحت المراقبة الشديدة، فلم يغب عن أنظارهم حتى أيام إعتكافه في الغار، وذلك على أمل أن يتراجع عن دعوته، إلا أنه بقي صامداً، صابراً، ولم يزده ذلك إلا إيماناً وثباتاً، وعندما درس معطيات الواقع، وأيقن أن لا جدوى من البقاء في مكة، وأن ذلك لن يصب في صالح الدعوة والرسالة، آثر الهجرة على البقاء، فقد كانت أياماً عصيبة تلك التي قضاها في مكة، لم ينعم فيها حتى بيوم من‏ الراحة ولو تأملنا حياته في المدينة لوجدنا أنه أمضى فيها عشر سنوات من الإنشغال التام بالحروب والغزوات والتأسيس للحكومة الإسلامية الفتية، والتي كان جميع ثقل مسؤولياتها على عاتقه وحده، فحياته في المدينة لم تكن أحسن حالا من حياته في مكة من حيث التعب والجهد والمشقة، ولكن الذي هوّن كلّ هذا في عينيه وجعله لا يقيم لكل هذه المشاق وزناً، هو أن الله كان من وراء القصد في كل خطوة خطاها، وكل حركة قام بها. ولهذا عندما طلب منه زعماء مكة أن يتخلى عن دعوته هذه على أن يكون له ما يشاء من المال والجاه والسلطان رفض قائلًا: «والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته». لأن هذه الدعوة، دعوة إلهية ومسؤولية ومهمة إلهية، وليس القصد من ورائها المال والجاه والمقام والمنصب، فعلى قدر سمو وعلو القصد والهدف تهون الصعاب والمشاق التي تعترض الطريق إليه في عين الإنسان، ومن جهة أخرى، فإنك تجد أفراداً قد أخرجوا أنفسهم من دائرة الإنسانية والفطرة، وتنزّلوا إلى مستوى البهيمية رغم صورهم البشرية وتحولوا إلى سباع وشياطين في صورة إنسان، فهؤلاء أيضاً لديهم مقاصدهم وأهدافهم التي يسعون في سبيلها، ولكن شتان ما بين هذين السبيلين، وشتان ما بين هذه الأهداف وتلك، فهؤلاء يسعون لتحقيق مآربهم الحيوانية، الشيطانية، وأولئك يسعون في سبيل أهداف ومقاصد إلهية.
فالأنبياء والرسُل، إنما بُعثوا بهذه الرسالات والتعاليم والأحكام والأخلاق، ليحافظوا على إنسانية الإنسان، وليردوا من ضل وتاه وابتعد عن إنسانيته وفطرته إليها، فيحافظوا بذلك على إنسانية المجتمع كل المجتمع، من أن يسقط إلى مستوى البهيمية والطاغوتية والشيطانية. فهم مكلفون من قبل الباري تعالى بأن يحافظوا على إنسانية الأمم والشعوب والمجتمعات، عبر الرسالات والتعاليم التي يحملونها، وهذا كان دأبهم منذ بدء الخليقة ولم يتغير.

الصراط المستقيم، معيارٌ للنصر والهزيمة

إن الجهود التي بذلها الأنبياء والرسل (ع)، وجميع الكتب السماوية التي انزلت عليهم وما تحويه من تعاليم وأحكام وإرشادات، تهدف إلى هداية الإنسان ودعوته إلى الصراط المستقيم، لتصنع منه موجوداً إلهياً، إنساناً إلهياً، لأن هذا الموجود لو ترك ونفسه دون هداية أو إرشاد سيتحول إلى موجودٍ أضل من الحيوان، وأكثر شيطنة من الشيطان. ولكن وعلى رغم حرص الأنبياء الشديد، في هداية مجتمعاتهم، إلا أن الكثير من الناس أبوا إلا عتواً ونفوراً وإصراراً على الكفر والضلال والخروج عن دائرة الإنسانية.
لقد بذل الأنبياء والأولياء ما بوسعهم، وأدوا ما عليهم، وأن ما في هذه الدنيا من خيرٍ وبركات هو بفضلهم وبفضل الجهود التي بذلوها والمشاق التي تحملوها في سبيل إصلاح البشر وهدايتهم.
فعلينا أن لا ننظر إلى الأمور من منظار مادي بحت، وأن لا نقتصر في تقييمنا لمسائل، النصر والهزيمة، والربح والخسارة، على المعايير المادية فحسب، بل علينا أن نجعل معاييرنا معايير إلهية، ونقيّم الأمور من حيث النصر والهزيمة على ضوء هذه المعايير. فإننا لو إنتصرنا في هذا الميدان الإلهي، وفي هذا الصراط الإنساني المستقيم، فسنكون نحن الغالبين حتى لو قام العالم بأسره ضدنا، وحتى لو قتلنا وأُبدنا عن آخرنا، لأن المعيار ليس هو المعيار المادي، وأن العالم ليس مجرد هذا العالم الطبيعي المادي الذي نتحسسه. فهناك عوالم إلى ما شاء الله، منها أتينا وإليها نعود، وما هذا العالم الذي نعيش فيه إلا أدناها مرتبة. فالميزان هو هذا الميدان وهذا الصراط، والمعيار الحقيقي للإنسان بما هو إنسان في انتصاره وهزيمته وربحه وخسرانه هو هذا الصراط ومدى السير فيه لا الطبيعة وكل ما هو مادي. ولو أنّا وفقنا للسير على نفس هذا الصراط، الذي سار عليه الأنبياء والمرسلون (ع) من قبل لانتصرنا كما انتصروا هم رغم التعذيب والقتل والحرق والنفي الذي تعرضوا له؛ فقد انتصر الأنبياء في هذا الطريق، طريق الانسان، في حين أن أعداءهم أعداء الإنسانية من الطواغيت والفراعنة، خسروا في هذا الميدان ليخسروا بذلك إنسانيتهم، وليسقطوا إلى مهاوي الحيوانية والشيطانية، رغم كل الجاه والملك، ورغم جميع الانتصارات والمكاسب المادية التي حققوها، لأنهم في الأصل لم يخطوا في هذا المسير، ولأنهم في الأصل محجوبةٌ قلوبهم عن درك غير المادي والحيواني من الأمور.
فأولئك الذين أدركوا أن الهدف والقصد لابد أن يكونا إلهيين، وأنهم من الله وللّه وإليه راجعون (إنا للّه وإنّا إليه راجعون) «5» لا يرون لأنفسهم ولأعمالهم أي دور. وإنما هم يقدّمون ما آتاهم الله وأعطاهم في سبيله. فمن الله وفي سبيله. فلو فرضنا أننا نريد السير على نفس الدرب الذي سار عليه الأنبياء، فإنه لمن عمى القلب أن يظن الإنسان بنفسه أنه يفعل ويقدّم شيئاً. كيف هذا وهو غارقٌ في نعم الله؟ عيناه من الله، أذناه من الله قوته من الله، ويداه ورجلاه من الله، وكل شي‏ء لديه من الله فإني لا أستطيع أن أسمي هذا على أنه أمانة، لأن الأمانة تختزن في داخلها شيئاً من النفسانية والأنا. فعندما يكون كل ما تقدّمه في سبيل‏ الله هو من عنده، فإنك في الأصل لم تفعل شيئاً، لأن ما هو منه ذهب في سبيله. فلو قدّر لنا أن ندرك هذه القيمة والحقيقة الإنسانية وهذه القيمة الإلهية، فعلينا أن لا نتأثر ولا نحزن فيما لو وضعنا الآخرون في مضيقة اقتصادية، فإن هذه المضيقة الاقتصادية وكل ما يفعلوه، هي من هذه الحياة الدنيا، حتى لو شنّوا علينا حرباً عسكرية سواءً هم بأنفسهم، أم بشكل غير مباشر عن طريق عملائهم. فعلينا أن لا ننزعج أو نتأذى من ذلك، ولماذا ننزعج أصلًا؟ فنحن مكلفون من قبل الله تبارك وتعالى، وقد أغدق علينا من عطاياه ونعمه الكثير، وذلك الذي أعطانا إياه، لابد لنا أن نصرفه في سبيله.

ألا بذكر الله تطمئن القلوب‏

إن النصر الحقيقي هو في أن ينفق الإنسان ما أعطاه الله في سبيله. وإن النصر والفلاح هما نصيب المسلم والمؤمن الذي يعمل وفق تكليفه الشرعي وحسب ما تمليه عليه فطرته الإنسانية، حتى وإن نُبذ أو أوذي في مجتمعه جرّاء ذلك.
فالانسان كلما تمادى في تصرفاته وسلوكياته اللاإنسانية، كلما إنغمس في حيوانيته، وازداد في شراسته، فهو كائنٌ أعجوبة، غير متناهي في كلا الاتجاهين. فهو لانهائي في جانب السعادة، ولا نهائي في جانب الشقاوة، فلا بد لنا من ميزان فاصل، يفصل ما بين الإنسان والحيوان، وما بين الإنسان والشيطان، حتى يتسنى لنا معرفة مواطن انتصاره وفلاحه من مواطن إنهزامه وخسرانه. فهذه القوى الكبرى، والتي نسميها نحن بالقوى الكبرى، تحشد جميع قواها وقدراتها، وتسخرها في سبيل تحقيق أهدافها ومآربها الحيوانية والشيطانية، فلو كانت المسألة مسألة وقوفها عند ذلك الحد الذي تحقق فيه طموحاتها، فلما نجدها تزداد نهماً ورغبة في السيطرة، كلما إزدادت مساحة البلاد الخاضعة لسيطرتها؟! ولكن المسألة أن الإنسان لانهائي حتى في هذا الجانب. ولو قدر له الاستيلاء على العالم بأسره، لفكر بغزو الكواكب الأخرى. فليس ثمة شي‏ء يمكنه أن يملأ قلب الإنسان إطمئناناً وغنىً سوى ذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) «6». فالموجودات الإلهية إنما تستمد إطمئنانها من لجوئها إلى الباري تعالى. وأمّا أولئك الطواغيت فيعيشون في فراغ دائم وبلا ملجأ. ولهذا فإنهم مهما ظلموا واستبدوا، ومهما استولوا وفتحوا من البلدان، وتزودوا من هذه الدنيا، فلن يقنعوا ولن يرتووا وسيسعون للاستيلاء على بلدان أخرى. ولا تظنوا أن‏ هؤلاء لو أُعطوا الكرة الأرضية بأسرها، فسيشبع ذلك نهمهم، بل إن هذه الأرض ومن عليها لو أعطيت لأحدهم ما أشبعته، ولفكر وسعى جاهداً لاكتشاف الكواكب الأخرى وتسخيرها لصالحه. فهاهم الآن رفعوا رايتهم على سطح القمر وغداً لا ندري أين سيرفعونها، فالإنسان يختلف عن سائر الحيوانات من ناحية طموحاته الحيوانية، فالحيوان الجائع عندما يملأ بطنه ويشبع يقعد عن أي عمل، ما لم يشعر بالجوع ثانية. فإن أفعاله على قدر حاجاته. أما الإنسان فليس كذلك. فلنعمل عملًا يقربنا من طريق الحق والصواب، كي تطمئن قلوبنا ويزول الخوف عنها، فلم يكن الأنبياء (ع) يكترثون بما يصدر عن بعض الجهال من إهانات أو إنتهاكات تستهدف شخصهم، وذلك لأن هدفهم وقصدهم كان شيئاً آخر، والقضية كانت قضية أخرى، فما كانوا ييأسون، ولا يَفْتُرون ولا يشكون، بل كان هاجسهم الوحيد أن يردّوا من ضل عن إنسانيته، وتنكّر لفطرته، أن يردوه إليها، فقد بلغ اهتمام نبينا الأكرم وتألمه على قومه والضلال الذي هم فيه، حداً خاطبه معه الوحي الإلهي قائلًا: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) «7». فقد كان الهدف أن يصنع من هؤلاء أناساً حقيقيين، وكل من كان يهتدي إلى إنسانيته وآدميته كان بمثابة البشارة لنبينا الأكرم وللأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- وأمّا مسائل فتح البلدان والاستيلاء عليها ونهب أموالها لملأ خزائن الدولة وما شاكلها من الأمور المتداولة بين الطواغيت، فلم تكن مطروحة أصلًا عند الأنبياء. فعالم المادة ليس هو هدفهم في الأصل. إنما جاؤوا ليأخذوا بيد هؤلاء الماديين، وتلك الموجودات المادية ويسيروا بها نحو تلك العوالم الأخرى، وذلك العالم الذي لا يمكن لذهني وذهنك أن يتخيله.

خروج الأمة من الظلمات إلى النور

إن هذا التحول العظيم الذي يشهده مجتمعنا اليوم، هذا التحول الإعجازي والذي كأنه طوى مسير مئة سنة في ليلة واحدة، هذا التحول من الذي أوجده؟
فهذا التحول العظيم لا يمكن لأستاذٍ أو عارفٍ أو أي شخص إلهي أن يوجده. ربما يستطيع ذلك الأستاذ أو العارف وبعد أربعين أو خمسين سنة من الجد والتعب أن يربي عشرة أو خمسة عشر شخصاً، ولكن أن تخرج أمة بأسرها تنوف على الثلاثين مليوناً من‏ الظلمات التي هي" بعضها فوق بعض" «8»، لتدخل عالم النور والأنوار اللامتناهية، فإن هذا الأمر غير ممكن لا لعارف ولا لأستاذ، بل يحتاج إلى عناية إلهية خاصة. إن هذا التغير الكبير الذي طرأ على نفوس الأمة، والذي تجلى على هيئة الرفض لنظام الطاغوت، والهتاف عالياً للإسلام وللجمهورية الإسلامية، ان هذا التوجه الجديد والجاد للأمة نحو الإسلام وخطوها نحو الله هذه الخطوة، جعل الألطاف الإلهية ورعاية الباري تعالى تشملها لتنعم بهذه الروحية والنورانية التي هي فيها. إنها العناية الإلهية وحدها، التي تدفع بشابٍ لأن يترك ما يستلذ به طبعه الشبابي ويُقبل على ساحات الحرب بين الكفر والإسلام، وبأي شغفٍ وحماسة، فهو ليس كالآخرين من المجندين الذين لا يعرفون سوى لغة الأمر والنهي والوعد والوعيد حتى يمتثلوا للأوامر.
إنني لأخجل من نفسي عندما أشاهد في التلفاز مجموعات من النسوة في بعض الأماكن- والحمد للّه أن كل البلاد كذلك- وقد جلسن مشغولاتٍ وبكل جدّ ونشاط في أعمال الطبخ والخبز والتعليب لإعداد الزاد والمؤونة للمجاهدين في جبهات القتال.
فمن نحن؟ ومن هن؟ وأين نحن منهن؟
إنها الأمة بأسرها، بمختلف فئاتها، برجالها ونسائها. بكبارها وصغارها، بشيبها وشبابها، نهضت لتدافع عن إسلامها، عن وطنها، عن عزتها وكرامتها، وكلٌ حسب استطاعته. فقد رأيتم كيف ان بعض كبار السن- وقد جاء بعضهم إليَّ هنا- جاؤوا يرجوننا أن نسمح لهم بالذهاب إلى الجبهات، وعندما كنا نرد عليهم بأن الأمر صعب وفيه مشقة عليكم ولا تستطيعونه كان جوابهم ومع أن البعض منهم لا يستطيع المشي، كلا، نحن قادرون على ذلك، فقط أرسلونا لتروا بأنفسكم كيف نقدر على ذلك.
كذلك الأمر بالنسبة للصغار، فإنهم يحملون نفس العقائد والأفكار ولديهم شغفٌ بفعل ما يعمله الكبار، من تدريب على السلاح وتعلم الأمور العسكرية، والذهاب إلى جبهات القتال.
إنه لمن عنايات الله ولطفه بنا، هذا التحول والتبدل الرائع الذي تشهده أمتنا وبلادنا، وما دامت هذه العناية الإلهية تظلل أمتنا وبلادنا، فلن نهزم، ولن يخيفنا أيّ شي‏ءٍ.
فلو كان تفكيرنا مجرد تفكير مادي، وقصرنا نظرنا على هذا العالم المادي فقط، بحيث لا نبصر غيره من العوالم، لكان فقد الواحد منا يعني العزاء والحزن الطويل، ولكن عندما نتحول إلى موجود إسلامي يسعى ويناضل من أجل خير البشرية وسعادتها، فسنبذل كل ما بوسعنا ونضحي بأعز شي‏ء عندنا دون أن يكون للهزيمة معنى عندنا.
لقد لاحظتم في الجبهات، والذين ذهبوا إلى هناك لاحظوا أيضاً كيف أن شباننا المقاتلين يرون بأعينهم إخوانهم وقد سقطوا قتلى أمامهم، ومع هذا يمضون في جهادهم بكل همة ونشاط دون أن يثني ذلك من عزيمتهم شيئاً. يقاتلون بنفس الشوق والحماسة التي ذهبوا بها إلى هناك، يقاتلون وكلّهم جرأة وشجاعة فاتحين أذرعهم لاستقبال الموت والشهادة. إن الوضع الذي تشهده إيران اليوم لا يمكننا أن نعبر عنه إلّا بقولنا إن إيران تحولت إلى بلد إلهي، بلد أدرك أبناؤه أنه لابد من الفداء والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل الإسلام العزيز.

مقارنة مسؤولي البلاد برؤساء سائر الدول الأخرى‏

قارنوا بين أمتنا وسائر الأمم الأخرى- طبعاً مع إحترامنا لجميع هذه الأمم. فهي أمم شريفة وإنما يمنعها عن النهوض والثورة، تلك الضغوطات التي تمارس عليها ولكنها في النهاية ستنهض وتثور بإذن الله- إعملوا مقارنة ولو بسيطة بين رؤساء البلدان الأخرى ورؤساء بلدنا.
ففي أيّ من هذه البلدان ستجدون رئيس الجمهورية ومساعديه يحضرون الجبهات ويمضون فيها الوقت متنقلين من مدينة إلى مدينة ومن مقرّ إلى مقر؟ وفي أيّ منها ستجدون رئيس البرلمان يفعل ذلك أيضاً؟ أين يمكنكم أن تجدوا هكذا مسائل؟ أعند السيد كارتر؟ ففي أيّ من الحروب حضر السيد كارتر الجبهة؟ فقد كان يجلس في بيته الأبيض، ذلك القصر الفخم ويأمر الناس ويفرض عليهم الحرب والقتال، ولا يهمه من يُقتل منهم أو يعيش، فالمهم هو أن ينفذوا التعليمات التي تصلهم منه. أم في أي جبهة من الجبهات حضر صدام، إنه لأجبن من أن يفعل ذلك لأنه يخاف من جنوده ويخاف من شعبه.
أم أين تجدون أئمة الجمعات يرتدون البزّات العسكرية ولباس الجندية ويرابطون في الجبهات؟ أين توجد هكذا أمور؟
أم أين تجدون ضباطاً وجنوداً وقادة عسكريين يضحون هكذا تضحية؟ إن هذه المسائل لا يمكن أن تجد لها جواباً إلا في صراط الإنسانية المستقيم. ولأن أمتنا إختارت هذا الصراط ومشت فيه، تحولت إلى وجود واحد لا تمييز فيه بين الحكومة والجيش والشعب، فكلّهم من بعض، ولا يخشى بعضهم البعض الأخر.
فمتى دعتنا الظروف لنعلن الأحكام العرفية سواء في طهران أو شيراز أو اصفهان أو في أي بقعة من البلاد؟ ومتى ساورنا القلق من أن تثور علينا الفئة الفلانية أو العشيرة الفلانية أو تلك الجماعات القاطنة على الحدود؟ إننا لم نتعرض لأي من هذه الأمور والحمد للّه، فقيام مجموعة من الأطفال والشبان المخدوعين ببعض الأعمال هنا وهناك وقد أدركوا ضرورة الإقلاع عنها- ونأمل من الله أن يعوا ذلك أكثر- لا يمثل شيئاً وليس بالأمر الخطير أبداً.
فأمتنا الآن وبحمد الله وفضله أمة نموذجية بحق، ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تصبح مثالًا أعلى، وقدوة تحتذى لجميع الأمم الأخرى. قلّبوا صفحات التاريخ من أوله إلى آخره، فهل تعثرون فيه على مكان لفتيات شابات يدسن على رغائبهن الشبابية، ويجندن أنفسهن وشبابهن لخدمة ودعم الجيش والقوات المسلحة، أو نساء مسنّات يعملن ورغم عناء الشيخوخة على دعم الجيش والقوات المسلحة. فإذا صادفكم هكذا حالات فاطلعونا بذلك عنه علّنا نزداد معرفة وإطلاعاً. أفي العراق تجدون هذا؟ أم في أمريكا؟ أم أين؟ وإنه لمن المضحك حقاً ما ادعاه صدام قائلًا: «إن هؤلاء الذين تطوّعوا لأجلنا- والبالغ عددهم أربع مئة ألف- يختلفون عن أولئك المتطوعين من الإيرانيين. فهؤلاء يكنون لنا كل الاحترام والولاء والطاعة، أمّا أولئك فهم على خلاف مع قوات الحرس والجيش ولا يوجد إنسجام بينهم أبداً».
حسناً هذا جيد، فكل إنسان له فم مفتوح له الحق في أن يقول ما يحلو له، ولكن عندما ندرس المسألة جيداً، ومع أن صدام حسب زعمه قد ضرب أستاراً ما بين العراق والعالم الخارجي لكي لا يرى أحد ما يجري على المسرح العراقي من أحداث بحيث يمكنه أن ينسب لنفسه وللشعب العراقي ما يحلو له، ويصور الشعب والجيش العراقي على أنهما قمة في الولاء والطاعة له، فإن كان الأمر كذلك حقاً، فما معنى إعلانكم يا سيد صدام حالة الطوارئ والأحكام العرفية في الكثير من المدن العراقية؟
حسناً، فإن كنت تدعي بأنك محبوب الجماهير، وإن الجماهير تؤيدك، فأرنا إن كنت تستطيع النزول إليها بنفسك والتجول وسطها دون أي حرس، فأنى لك فعل ذلك وأنت تخاف من شعبك، شأنك في ذلك شأن جميع الطغاة من أمثالك. فمن قبل كان محمد رضا إذا أراد أن يعبر شارعاً ما، ومع أنه يكون جالساً في سيارته المضادة للرصاص ومحاطاً بعدد كبير من قوات الحرس. إلا أنهم كانوا يأتون قبل أسبوع من عبوره ويخلون جميع البيوت المطلّة على هذا الشارع ويملؤونها برجال السافاك وقوات الأمن وحفظ النظام، حتى يتسنى لسيادته العبور من ذلك الشارع، في حين أننا نجد الآن، جميع مسؤولينا على إختلاف رتبهم ومناصبهم، وجميع أركان نظامنا الإسلامي من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء وغيرهم، ينزلون إلى الجماهير، ويمشون وسطهم، ويتحدثون إليهم دون أي خوف أو وجل، لأنهم منهم ولهم.
فإن كان صدام صادقاً فيما يدّعي، حسناً، فلينزل إلى الجماهير إن استطاع، لماذا يحجب نفسه عنها بعشرات الأسوار وآلاف الرجال؟!

إنعدام التفاهم بين الإسلام والمعادين له‏

حسناً؛ ما الذي دعا هذا المجرم ليفعل فعلته النكراء هذه، دون أن يدرس الأمور جيداً، أو يقيم للشعوب الأخرى وزناً، فيشن حربه الظالمة على إيران، تحت إغراءات ووساوس بعض الشياطين أمثاله، الذين أوحوا له أنّ الفرصة الآن مواتية، فاهجم على إيران وأخضعها لنفوذك- فهؤلاء هم الذين هيأوه لارتكاب هذه الجريمة-.
فما الذي دعاه لفعل ذلك، حتى يضطر الآن للركض إلى هذه الجهة أو تلك، ويقول تعالوا وصالحونا مع هؤلاء؟
كيف لنا أن نتصالح؟ ومع من نتصالح؟ فما أشبه هذا بقول أحدهم لما لم يتصالح رسول الله (ص) مع أبي جهل، فمن أين لمثل هذا الصلح أن يقام، وأنت الذي إرتكبت كل هذه الفظائع والجرائم بحق بلدك وشعبك قبل بلدنا، وأنت الذي أرقت دماء المسلمين وأشعلت نار الحرب بينهم، وأنت الذي إرتكبت من الفظائع والإجرام ما قلّ نظيره في التاريخ، فمع كل هذه الجرائم وما ارتكبه في دزفول من جرائم، تريد منا ومن رئيس جمهوريتنا أو رئيس وزراءنا أن يجلسوا معك على طاولة واحدة ويتبادلوا معك أطراف الحديث وسؤال الحال والأحوال، وأن يقولوا لك تعال على بركة الله، شط العرب لك، واتركنا بحالنا! هل المسألة بهذه البساطة؟!
فماذا عسانا أن نجيب الشعب العراقي المظلوم المقهور؟ لندع الآن أمتنا جانباً، بماذا علينا أن نجيب الشعب العراقي إن فعلنا ذلك؟
هذا الشعب الذي صار له سنوات طوال خاضعاً لحكم هذا النظام البعثي المجرم، الذي نكّل به وقتل الكثير من شبابه وأبنائه وأعدم الكثير من علمائه الكرام. ماذا عسانا أن نجيب لهذا الشعب إذا رآنا ونحن الذين ندعي الإسلام واتخذناه شعاراً لثورتنا، قد جلسنا إلى طاولة الصلح جنباً إلى جنب مع سفاكي وجلادي بلاده. ومددنا يد الصلح لهم؟ فماذا سيكون جوابنا لهذا الشعب؟
لندع جواب الله والأنبياء والملائكة (ع) والشعوب المستضعفة لأنه لابد من إجابتهم، أمّا المسألة المهمة هي بماذا علينا أن نجيب شعب العراق؟ فلو أن عريضة قدمت إلينا الآن، من قبل أبناء كربلاء، يسألوننا فيها، لماذا جلستم إلى هؤلاء السفاكين لتصالحوهم، وأنتم رأيتم وترون ما يفعله هؤلاء بنا، وكيف يقتلون أبناءنا ويعدمون ويهينون علماءنا، ويلقون في السجن مفكرينا، فماذا عسانا ان نجيب هؤلاء؟ فأي صلح هذا الذي يريدون؟ بماذا علينا أن نجيب شهداءنا؟ فقد قدمنا من الشهداء الكثير والآن نأتي وبعد كل هذه التضحيات والبطولات نجلس إلى هؤلاء على طاولة واحدة ونصالحهم؟!
إن المسألة مسألة مبادئ نلتزم بها، وليست مجرد قضية خاضعة لرغباتنا وأهوائنا، فإننا نجاهد ونقدم كل هذه التضحيات لأجل الإسلام، فمن البديهي أن لا نجلس إلى هؤلاء المجرمين أعداء الإسلام والإنسانية جمعاء، وهم الذين يعتنقون الدين العفلقي، الأخطر على إسلامنا من الدين الكارتري. ويتبعون حزباً يرى الإسلام مخالفاً لكل مبادئه ومنطلقاته ولهذا لو أمكنهم لدمّروا الإسلام ومحوه من الوجود. أيمكننا مع كل هذا أن نضحي بإسلامنا ومبادئنا ونجلس إلى طاولة الصلح مع هؤلاء؟ هذا غير ممكن، حتى لو أننا كنا زمن الشاه البائد ودعانا إلى الصلح- وقد فعل ذلك- ما كنا لنقبل دعوته لأنه ليس من حقنا ذلك، فنحن أتباع للإسلام ومبادئه، والإسلام لا يسمح لنا بمصالحة عدوه، مع أن الشاه كان أقل عداوة وخطراً على الإسلام من صدام، إلا أنه مارس نفس الألاعيب والخدع التي كان يمارسها نظيره، من التواجد في المساجد والصلاة في حرم الإمام الرضا (ع)، فقد كانت كل وسائل الاعلام تستنفر لتغطية وقائع هذا الحدث العظيم، مع أن إحدى وسائل الإعلام، لم أعد أذكر بدقة صحيفة كانت، أم إذاعة نقلت بأنه صلى صلاته في إحدى المرّات بلا ركوع!
المهم، إننا لا نقبل ولا بأي شكل من الأشكال المصالحة مع هؤلاء، لأن هدفنا، هدف واضح وهو الإسلام، وأن أمتنا برمتها متفقة على هذا الهدف وتريد الإسلام، كما أن أولئك لهم أهدافهم أيضاً وهي أهداف ضد الإسلام ومخالفة له، فلا يمكن أن يكون هناك تفاهم بين الإسلام وما هو ضد الإسلام.

قيادات النظام البعثي غير مؤهلين للهداية والإصلاح‏

نعم، إن الإسلام يدعونا للتعامل والتآخي من جديد مع أولئك الذين يتوبون، ويثبت لنا إسلامهم والتزامهم بآداب الإسلام وتعاليمه، وأن ننسى ماضيهم وما فعلوا ف- «الإسلام يجب ما قبله» «9»، ونحن ملتزمون بهذا المبدأ بالنسبة لصدام وأزلامه، فليتخلوا عن ممارساتهم الإجرامية، وليتنحوا عن السلطة جانباً ويتركوا العراق لأهله، ويعلنوا توبتهم وإسلامهم، ويتحولوا إلى مواطنين عاديين كباقي أفراد الشعب، عندها فقط سنتقبلهم كإخوة لنا في الدين وننسى ماضيهم وما فعلوا فيه. ولكن ما اقترفته أيديهم من الأعمال وارتكبوه من الجرائم، جعلت قلوبهم على درجة من القساوة والسواد بحيث ختم الله عليها، ولم يعد هناك من أمل يذكر في إصلاحها، فقد فقدت هذه القلوب قابليتها على الإصلاح، وبات من المتعذر توبتهم وإصلاحهم لما ارتكبوا من جرائم، فقد وصلوا إلى مرحلة باتوا فيها يتبادلون التهاني على الإجرام والقتل. وحتى لو فرضنا أن أهواءنا الشخصية مالت للصلح، فليس لنا الحق في أن نفعل ذلك، لأننا نتبع التكليف الإلهي، وتكليفنا هو عدم المصالحة، تماماً كما أننا لم نصالح محمّد رضا من قبل، إذ كيف لنا أن نفعل ذلك؟! وهؤلاء الذين سقط منهم ستون ألفاً من الشهداء والقتلى بماذا يمكننا أن نجيبهم؟ لقد كنت دائماً أجيب أولئك الساعين بالصلح بقولي: إن فعلت ذلك، فماذا أقول لتلك المرأة العجوز التي فقدت ابنها الشاب فلذة كبدها؟ كيف لنا أن نأتي ونصالح محمّد رضا على أن يتخلى عن الحكومة دون السلطنة، بحيث يجلس هو في الأعالي وعلينا نحن أن نقدم له فروض الإحترام والإجلال، ونناديه ب- (يا جلالة السلطان)، على أن يتركنا وشأننا، كنت قد قلت لو أني فعلت ذلك فبماذا أجيب تلك المرأة العجوز إذا ما جاءت تسألني يوماً، أين كنتم عندما فقدت أنا ابني، حتى تأتوا الآن لتصالحوا هذا وتنادونه ب- (يا صاحب الجلالة والسمو)؟
والآن في الوضع الذي نحن فيه، الكلام يتكرر نفسه، فما لنا نحن وهؤلاء، حتى نجلس إليهم ونصالحهم، إن هؤلاء الذين يدعوننا لأن نصالحهم، ويطالبوننا بالعودة إلى الإسلام، على ما يبدو أنهم أجهل الناس به، إن هؤلاء الذين ينصحوننا بالعودة إلى الإسلام من مشايخ البلاط ووعاظ السلاطين، هم أصلًا لا يعرفون ما هو الإسلام، اللهم بلى، فهم لا يعرفون منه سوى الأكل والشرب وما شابه ذلك من الأمور والملذات الحيوانية.
فلو أنهم كانوا يعرفون الإسلام على حقيقته، لكانوا عرفوا أن هذا الخبيث العفلقي وحزبه ليسوا بمسلمين، وقد اعتدوا على بلد مسلم، فالتكليف الشرعي لكل المسلمين في مثل هذه الحالة هو مقاتلة هذا المعتدي الكافر وحزبه.
ثم يأتي أحد شيوخ بلاط هؤلاء ليقول: عودوا إلى الإسلام! يا سيد تعال أنت وعد إلى الإسلام، تعال أنت وافهم ما هو الإسلام. فلو كان الإسلام يتلخص بالأكل والشرب والملذات الحيوانية الأخرى، لكان من الواجب علينا أن نأتيكم ونجلس إليكم ونعود إلى الإسلام كما طلبتم منا، ولكن هيهات ما بين هذا والإسلام. فالإسلام الحقيقي هو ذلك الذي قدم هذا الكم الهائل من الشهداء، هو ذلك العناء والجهد والسهر الذي تحمله النبي الأكرم (ص) والأولياء (ع) في سبيل إيصال البشرية إلى سبيل الحق.
فهل لمجرد فقدنا لعدد من شبابنا- مع مالهم من العزة عندنا- نتخلى عن إسلامنا، ونذهب للجلوس على طاولة الصلح مع هؤلاء؟
ولكن لا، فأمتنا هي نفس تلك الأمة التي خرجت إلى الشوارع في طهران والمحافظات الأخرى، وقدمت الكثير من أبنائها وشبابها ولم تصالح، مع أن هذا الخبيث «10» كان مدعوماً من قبل القوى الكبرى وقد أمدوه بكل ما يحتاج لقمع شعبنا والحفاظ على عرشه. فشبابنا هم هؤلاء، ونساؤنا ورجالنا هم هؤلاء، أتباعٌ أوفياء لدينهم ومبادئهم ولن يقبلوا بالصلح مع أي قوة مهما كانت عظمتها.

الفرق بين جيشنا وجيش العراق‏

إن الفرق بين جيشنا وجيشهم، هو أن جيشنا ملتزم بحدود الإسلام، في حين أن جيشهم لا يوجد شي‏ء يحده، ولهذا فلا يوجد ما يردعه عن إستخدام جميع أنواع الأسلحة المحظورة منها والمتعارف عليها ضد الأهداف المدنية، كالأحياء السكنية والمشافي ودور العبادة، وإذا ما دخل مدينة عاث فيها فساداً ودماراً وحولها إلى أنقاض، وتلقى على فعله هذا التهاني والتبريكات وأنواع الترقيات والمكافآت.
أما جيشنا فإنه لا يفعل هذا ولا يمكنه فعله بتاتاً، ولن يفعله أبداً. فجيشنا لن يضرب إلّا الأهداف والنقاط العسكرية، ولن يستهدف إلا الأشخاص المعادين للإسلام والمناهضين له.
وإنه لمن الواجب عليّ أن أتقدم بأحر التعازي والتبريك، لجميع الشعب الإيراني وبالخصوص إلى شعب خوزستان وبالأخص إلى أبناء مدينة دزفول البطلة، أمّا التبريك فإني أبارك فيهم هذه الروح، روح المقاومة والصمود، وهذه الرجولة والبطولة التي أبدوها ويبدونها الآن في مواجهة الأعداء. وأما التعزية فإني أتوجه بها إلى كل من فقد عزيزاً عليه في هذه الحرب، فإننا جميعاً شركاء في هذا المصاب فهم ليسوا أبناءً لهذا الأب وتلك الأم فحسب، إنهم أبناؤنا جميعاً، إنهم أبناء للإسلام، وإن رسول الله (ص) يعزيكم بهم، فإن هذه المصيبة هي مصيبة الإسلام بأسره. فالشكر كل الشكر لهم على ما ضحّوا وبذلوا، وأجرهم على الله ورسوله والإسلام.
كما أشكر جميع القوات المسلحة على قيامها بمهامها على أتم وجه في هذه الحرب، حرب الكفر على الإسلام، وعلى ما قدمته من الشهداء والتضحيات والبطولات، كما أشكر جميع المسؤولين العسكريين منهم والمدنيين من أعلى رتبة إلى أدناها إن شاء الله جميعنا إخوة ولا يوجد بيننا أعلى وأدنى- على الجهود التي يبذلونها في الإشراف على مجريات الحرب ومتابعة الأمور ميدانياً وعن كثب، مثل رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية وبعض أئمة الجمع الذين ذهبوا إلى الجبهات وتابعوا الأمور ميدانياً. إننا نشكرهم جميعاً على تفانيهم وإخلاصهم وصدقهم في خدمة دينهم ووطنهم، وحريّ بالأمة أن تعرف قدر هؤلاء وقدر التضحيات التي بذلوها فإن هؤلاء الذين يقاتلون في الجبهات بكل جدٍ وحماس، ويقدمون الشهداء والتضحيات الجسام، هم إخوان

«۱»-أبو جهل، كنيته عمرو بن هشام المخزومي، كان من المعارضين الأشداء للرسول«ص»-. «۲»-عوالي الآلي، ج ۲، ص ۱۱، ح ۱۹. «۳»-إشارة إلى ضربة علي«ع»-يوم الخندق. «۴»-إشارة إلى ضربة ابن ملجم التي شجت رأس الإمام علي«ع»-وأدت إلى استشهاده فيما بعد. «۵»-سورة البقرة، الآية ۱۵۶. «۶»-سورة الرعد، الآية ۲۸. «۷»-سورة الكهف، الآية ۶. «۸»-سورة النور، الآية ۴۰. «۹»-بحار الأنوار، ج ۱۰۱، ص ۳۷۱، ح ۷. «۱۰»-محمّد رضا بهلوي«شاه إيران»-.


امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417
 

دیدگاه ها

نظر دهید

اولین دیدگاه را به نام خود ثبت کنید: