بسم الله الرحمن الرحيم
إثارة الذعر من أجل الأهداف المشؤومة
من بين الأساليب التي تتبعها الدول الكبرى، وتتبعها في ذلك حليفاتها من الدول الصغرى، سياسة زرع الخوف بين الشعوب، بهدف تمرير مخططاتها الإستعمارية وتحقيق مآربها الشيطانية. فقد كانت الدول الصغرى تتبع نفس السياسة، سياسة التخويف، مع شعوبها. فعهد محمّد رضا ليس ببعيد عنّا فقد رأيتم كيف كان السافاك يعمل على تخويف الناس وإرعابهم من أن ينطقوا ولو بكلمة واحدة تنال من الحكومة أو الشاه، لدرجة أن كل أسرة باتت على قناعة، بأن أي كلمة تقال ضد الشاه أو حكومته سيسمعها هؤلاء ويحاسبونهم عليها. فقد نجح هؤلاء بنشر هذا النوع من الخوف في صفوف مختلف شرائح المجتمع وذلك من خلال حملاتهم الدعائية الواسعة، التي راحوا يروّجون لها بأن السافاك منتشرٌ في كل مكان، وما من تجمع مهما كان صغيراً إلا وفيه سافاكي، حتى الكلمات التي تقال ضد الشاه داخل البيوت سيصلهم خبرها، وأن من يمسكون به فسيفعل به السافاك كذا وكذا ...
فقد استطاعت هذه الحكومات نشر الخوف داخل بلادها وفي صفوف أبناء شعبها لدرجة أنه في زمن الشاه المخلوع، كان الأخ يخاف من أخيه، والأبُ من ابنه، والابن من أبيه، وكلاهما من الأم، فقد كانوا يخافون أن يتفوهوا كلمة في لحظة ما، فيجرون على أثرها إلى السَجْن أو التعذيب أو الإعدام.
فالدول الكبرى، هؤلاء الشياطين الكبار، والذين هم أساتذة لهؤلاء الصغار وبحكم سيطرتها وهيمنتها على كثير من الدول والشعوب، كانت تتبع مع الدول والحكومات الخاضعة لنفوذها وسيطرتها، نفس أسلوب التخويف والإرعاب الذي تمارسه الدول الصغيرة مع شعوبها، بحيث أنهم كانوا يصورون الأمور على أنه مجرد كلمة واحدة تخرج من دولة ما من هذه الدول ضد هذه الدولة الكبرى أو تلك، ضد أمريكا أو الاتحاد السوفيتي أو بريطانيا سابقاً، معناه أن بلاءً عظيماً سيُصب على رأس هذه الدولة وشعبها، وحساباً عسيراً سينتظرها من قبل هؤلاء. فقد كان هذا الأسلوب مجرد حيلة استخدمها هؤلاء ومنذ سنوات طوال ليصلوا من خلالها إلى أهدافهم ومقاصدهم الشريرة، وقد انطلت هذه الحيلة على هذه الدول الصغيرة وعلى هذه الشعوب، وصدّقوا أن مجرد كلمة تخرج منهم ضد الدولة الفلانية الكبرى، معناه سقوط دولتهم والقضاء عليهم، والتعرض للهجوم من قبل هؤلاء.
ولهذا؛ كان هؤلاء، قبل سنوات عديدة من الآن، يبعثون من وقت لآخر إنذاراً وتهديداً لإيران، ومن خلال هذا الإنذار اللفظي والحدّة في الخطاب، كانوا يفرضون على المجلس والدولة كل ما يريدون، حتى في تعاملهم مع شعوبهم كانوا يتبعون هذه الأساليب؛ فمجرد الكلام عن إعلان الأحكام العرفية، كان كفيلًا بأن يذهل الشعب عن نفسه من الخوف والرعب.
ضرورة كسر حاجز الخوف من الدول الكبرى
لقد كنا نرى منذ البداية ضرورة كسر حاجز الخوف هذا، لأنه مجرد نوع من التخويف والإرعاب الذي لا أساس له من الواقع إلى حد ما، بل الجزء الأكبر منه عبارة عن تهويل اعلامي، يلجأ إليه هؤلاء من أجل إخافة الشعوب والدول. فالذي كان يُتصور أنه إذا ما أرادت أمةٌ ما أن تتقدم، أو تواجه حكومتها أو إحدى الدول الكبرى، وأردنا القيام بعمل ما، فلابد أولًا من تحطيم هذه الأصنام، ولكنه في حقيقة الأمر، إنما يكون بإستهداف أولئك المتواجدين في المقدمة. في البداية باللسان؛ بحيث يخرج هذا الخوف من قلوب الناس بأن هؤلاء لا يمكن التحدث ضدهم، وشيئاً فشيئاً يبدأ الناس بإدراك هذا المعنى أنه، كلا، ليس الأمر كما كنّا نتصور، بأنه إذا تكلمنا بشيء ضد هؤلاء الكبار فإن الدنيا ستُخرب فوق رؤوسنا، فإدراك شعبنا لهذا الأمر، جعله وكما رأيتم يتجرأ على النيل حتى من هذا الرُّجيل «1» دون حدوث أي مشكلة. وعلى فرض حدوث مشكلة ما، كانت تحل سريعاً وحتى عندما أعلنوا الأحكام العرفية وحظر التجول في النهار، رأيتم كيف خرج الناس إلى الشوارع متحدّين هذا الاعلان، ولم يحدث شيء. فالأساس أن يُكسر حاجز الخوف والرعب هذا الذي أوجدوه في نفوس الشعوب والأمم.
ومن جملة الأمور التي روّجوا لها كثيراً وكانوا يخوّفون الجميع منها، هي مسألة مجرد إحتمال التفكير بالاستقلال عن الدولتين العظميين. وتشكيل كيان مستقل في مقابلهما، فإن هذا العالم محكومٌ لهاتين القوتين الكبريين، ولا يجوز لأحد أن يتجرأ على مجرد التفكير بالاستقلال عنهما، وعلى هذا فليس أمامه إلا خياران، إما الإنضمام إلى المعسكر الشرقي بقيادة السوفييت وإما الإنضمام إلى المعسكر الغربي بقيادة أمريكا.
فإذا ما فكّر أحدٌ ما يوماً، بأن يشكل لنفسه كياناً مستقلًا ليشعر من خلاله بوجوده المستقل، فعليه أن يعلم أن هذه الأفكار هي مجرد أوهام باطلة لن يكون لها واقعٌ يوماً ما، ولكن الشعوب عندما بدأت تعود إلى نفسها شيئاً فشيئاً، أدركت أن، كلا، ليست المسألة كذلك، فقد رأينا جميعاً ما حلّ بالسوفييت في أفغانستان عند تدخلهم عسكرياً في هذا البلد، مع أن أفغانستان دولة ضعيفة إلا أنها حيّة وقد واجهتهم بقوة الإيمان، فعلى رغم أن الحكومة الأفغانية الغاصبة للحكم، وعدداً من الأحزاب اليسارية كانوا متعاملين مع السوفييت، إلّا أن شبان أفغانستان الغيارى وقفوا في وجههم، واستطاعوا إلى أمد بعيد أن يضعوا السوفييت في دوامة من المشاكل لدرجة أنه يمكن معها القول بأنهم استطاعوا إلحاق الهزيمة بالسوفيت سياسياً، وإنما كان ذلك، لأن الشعب أدرك أن ليست المسألة كما كان يظن، بأنه إذا هجم السوفييت على مكان ما، فعلى الشعب مئة بالمئة أن يستسلم لإرادتهم، ولا يمكنه الرد عليهم مطلقاً، أو إذا أقدمت أمريكا على هكذا أمر ضد إحدى الدول- مثلًا إيران-، فمعناه أن إيران ستتهدّم كلياً ويقضى عليها نهائياً، فقد زالت هذه المسألة شيئاً فشيئاً، وانكسر هذا الخوف والرعب الذي كان مخيماً على الشعوب، وزال الخوف من نظام الشاه البائد، ورأيتم جميعاً كيف أن هذه الصرخات، صرخاتكم أنتم أيها الشباب، صرخات الرجال، ونهوض الأمة أسقطت الشاه، وحالت دون تمكن أسياده من الإبقاء عليه، فمع كل هذه القوة والمحاولات التي قاموا بها لإنقاذه، مع كل هذا استطعتم أنتم، بصرخاتكم ووحدة كلمتكم أن تهزموهم.
هزيمة أمريكا في إيران
إذاً، فهذه المسألة أنه إذا تفوهنا بكلمة ضد هذا الجهاز الحاكم أو ذاك فإنه سيقضى علينا، إتضح، بأنه لا أساس لها من الصحة، وإنما هؤلاء كانوا يسعون لنشر الخوف عبر وسائل دعايتهم، ليستطيعوا بواسطته تحقيق أهدافهم ومقاصدهم. فأكثر الناس، وعلى أثر هذا الخوف، كانوا يفضلون التنحي جانباً وإظهار اللامبالاة إزاء ما يجري على النهوض.
وأولئك، مع أن قوتهم ليست كبيرة إلى هذا الحد الذي يمكنّهم من تدمير أمة بأسرها، كانوا يستفيدون من ذلك ويستغلونه أيما استغلال ولكن أمتنا استطاعت تحطيم هذا الحاجز، وأزالت نظام الشاه من الوجود. وحتى بالنسبة للقوى العظمى فالقضية هي نفس القضية. فإن تخويفها وإرعابها أكبر بكثير من واقعها. فلو فرضنا أن مسألة وقعت في واحدة من هذه الدول الصغيرة، وكانت على خلاف رغبة أمريكا أو الاتحاد السوفيتي، فكان يكفي من إحداهما أن تحتد في كلامها لتختم القضية ويوضع لها حد، أو- مثلًا- كما فعل الانجليز عندما كانوا في عهد قوتهم، فقد استطاعوا وبمجرد جلبهم لإحدى بارجاتهم لترسي في المياه القريبة من إيران، أن يفرضوا على مجلسها وحكومتها كل ما يريدون، دون أن يجرؤ أي منهما على ان ينبس ببنت شفة. حتى هذا المطلب تم تحطيمه في إيران أيضاً، فأن يذهب أحدٌ إلى السفارة الامريكية ويتعرض لها ويهاجمها، فهذا أمرٌ لا سابقة له، وربما يبدو ضرباً من الوهم والخيال في عهد نظام الشاه السابق. إذ كيف يمكن لأمة عزلاء ولشباب بأيد خالية، أن يذهبوا إلى السفارة الأمريكية، ويتعرضوا لها، ويرشقونها حتى بالحجارة؟ أصلًا لو يحصل هكذا أمر، فإن حكومة وشعب إيران سيمحيان من الوجود! فهذه هي الأمور التي كانوا يفسدون بها أدمغة الناس، كيما يبقونهم في غفلة عما يملكون من القوة الوطنية والإنسانية والإسلامية.
فقد رأينا كيف قام شبابنا بالاستيلاء على السفارة الأمريكية واعتقال من فيها من الموظفين، وذلك كرد فعل على كل ما تحملته أمتنا من آلام وجراح على يد هذه القوة الفاسدة، ومع هذا لم نجد السماء أطبقت على الأرض، كما كان يصوّر هؤلاء. فإن خصوصية هذا العمل إنما تكمن في أنه استطاع القضاء على ذلك الرعب والخوف الذي كان اسمه أمريكا بحيث لم يكن هناك أحدٌ ليجرؤ على التعرض لجدران السفارة الأمريكية فكيف السفارة نفسها؟ فإن ذهابكم إلى هناك، واستيلائكم على السفارة، وإعتقالكم لهؤلاء وإنكشاف الأمور فيما بعد، بأن هذا المكان وهؤلاء الأفراد، لم يكن مجرد سفارة، وهؤلاء لم يكونوا مجرد موظفين فيها، بل كان مركزاً للتآمر والتجسس، بحيث أنهم لم يكونوا يتدخلون في جميع شؤون بلادنا فحسب، بل كانوا يتدخلون في شؤون المنطقة بأسرها وأن رؤساء الدول السابقين، كان عليهم أن يتبعوهم سواء بعلم أم بدون علم، وأن يستشيروهم في كل عمل يُراد إنجازه، كما عبر عن ذلك محمّد رضا نفسه بقوله: «إن قائمة المطالب كانت تأتينا من السفارة، وكان علينا أن نعمل وفقها وعلى الصورة التي كتبوها هم». إن هذه الخدمة التي قدمها هؤلاء الشبان الشجعان بذهابهم إلى هناك، واحتلالهم للسفارة وإعتقالهم من فيها، كان لها دور كبير في تبديد هذه الأوهام التي كانت تعشعش في أذهان الدول والشعوب وأذهان الناس، وهذه الصورة الأسطورية التي كانوا يرسمونها للدول الكبرى.
قيمة وأهمية احتلال وكر التجسس الأمريكي
إن هذا الأمر على درجة من الأهمية، يستحق معها أن تتحمل أمتنا ما سيجره عليها من العناء والمصائب والمضايقات. فقيمة هذا العمل ليست في أننا كنا لا نجد ما نأكل أو- مثلًا- لا نجد سيارة أو حافلةً لنركبها إذا ما أردنا الذهاب أو السفر إلى مكان ما، وذلك لأننا بلدٌ يفتقر لكل شيء. فقيمة هذا العمل ليست في هذه الأمور، وإنما قيمته في العالم أجمع أنكم استطعتم ومن خلال عملكم هذا، أن تحطموا ذلك الصنم الذي صنعه هؤلاء، ذلك الصنم الكبير الذي كان يتحكم بجميع الأمم والدول. فعملكم هذا ذو بعد سياسي، له من الأهمية والقيمة السياسية ما تصغر في إزائها جميع الأمور الأخرى.
ويخطئ هؤلاء الذين يتصورون، بأننا وبعملنا هذا قد أوقعنا أنفسنا في ورطة، وإن كان تصورهم هذا عن حسن نية، طبعاً هناك من ينظر إليكم، على أنكم أمريكيون! ويعتبر قوات حرسنا الثوري، على أنهم رجعيون أمريكيون أيضاً، فهؤلاء، هذه المجموعات، مساكين، يستحقون الشفقة حقاً. وهناك بعض الأشخاص الطيبون المخلصون لبلدانهم والمتعاطفون معنا، والمخالفون للتعامل مع الأجهزة والقوى الخارجية والأجانب، إلا أنهم وقعوا تحت تأثير الدعاية الأمريكية والاستكبارية، لدرجة أنهم كانوا يظنون، انه إن لم نُقدم على تسليم هؤلاء الجواسيس فوراً، ونعتذر لأمريكا على ما فعلناه، فليس من المعلوم ما الذي سيحدث لنا، فقيمة هذا العمل أنه استطاع إزالة الكثير من هذه الشبهات والأخطاء. فقد مضى إلى الآن سنة كاملة على إعتقالكم لهؤلاء الجواسيس المتآمرين، المجرمين ولم يحدث أي شيء، فلم ينهار اقتصادنا، ولا كسدَ سوقُنا، فمع أنهم فعلوا كل ما يحلو لهم، من التخويف والقتل والذبح، إلا أنكم ترون، فقد مضت سنة كاملة على هذا الأمر، ولا يزال كل شيء على حاله، فأسواقنا على حالها، زراعتنا على حالها، وكلُّ أمورنا بقيت على حالها، ولم تتعرض للتدهور ولا للكساد ولم يصبها شيء. فالقيمة هي هذه، وقيمة هذا العمل هو أنه استطاع تحطيم ذلك الصنم الكبير الذي نحتوه للأمم والشعوب. وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما فعله المجاهدون الأفغان، فإن قيمة ما فعلوه تكمن في استطاعتهم، تحطيم ذلك الصنم الكبير الذي كانوا قد نحتوه لهم، بأنه من يتجرأ وينطق ولو بكلمة واحدة على السوفيي فإنه سيُمحى من الوجود، فقد تمكن المجاهدون الأفغان وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية من إلحاق الهزيمة تلوى الأخرى في صفوف السوفييت، مع أن هؤلاء حشدوا كل ما لديهم من قوة إلى هذه الحرب، ومع أن الحكومة الأفغانية كانت عميلة للسوفييت، وعلى خلاف مع المجاهدين، وعلى خلاف حتى مع شعبها، إلا أن المجاهدين استطاعوا الصمود وهزيمة كل هؤلاء، وتبديد هذه الصورة الأسطورية لهذه القوة الغاشمة والتي كانوا يخوّفون بها الشعوب والأمم.
إن هذا العمل الذي قمتم به أنتم هنا، وذلك العمل الذي قاموا به هم هناك، لهما من القيمة ما لا يمكن تقديرها بميزان بل حتى لو خسرنا نصف أمتنا لأجلهما، لاستحقا منا ذلك، فالمسألة ليست مجرد مسألة التفكير بالبطون الجائعة، والرثاء لحالنا فيما لو فقدنا القمح يوماً ما، إنما القضية أبعد من ذلك بكثير.
هدف الثورة تحقيق الإسلام لا الماديّات
الذي يحتل الصدارة في الأهمية والقيمة عندنا، هو الإسلام، الغني بكلّ شيء والذي سيغنينا عن كل شيء، فنحن لم ننتهض من أجل بطوننا، حتى نضعف ونقعد عن القيام بمجرد أن يضغطوا علينا من هذا الجانب، وإنما كان قيامُنا من أجل الإسلام، كما قام رسول الله (ص) في صدر الإسلام من أجله، وتحمل في سبيل ذلك من العناء والأذى ما لم نتحمله نحن بعد، فاليوم وبحمد الله لا تزال أسواقنا عامرة، باقية على حالها، وكما يقولون فإن محاصيل الفاكهة هذه السنة كانت أفضل من كل سنة فمحاصيلنا على حالها، ولا نعاني من أي مشكلة في هذا الجانب. فالقضية الأساسية هي أن أمتنا استفاقت من نومها، وتخلصت من خوفها، الذي كان يسمح لمجرد الشرطي أن يغلق السوق بأكمله دون أن يجرؤ أحدٌ على النطق ولو بكلمة واحدة. لقد حطّموا هذا الخوف، وملأوا الدنيا بصرخاتهم، هذه الصرخات، التي حطمت عرش الشاه ونظامه، وقطعت أيدي قوى الشر عنّا. إننا الآن، نمتلك أمة تنوف على الثلاثين مليوناً، منها عشرون مليوناً من الشبان التوّاقون للشهادة.
فبالأمس؛ جاءني رجلٌ- تقريباً بين السبعين والثمانين من العمر- صافحني وجلس جانباً، ثم رأيته قام ثانية واتجه نحوي، في هذه المرة التي جاء فيها إلي كان يبكي، رأيت دموعه كيف كانت تجري على وجنتيه. كان يقول: أريد أن أذهب إلى الحرب للقتال، فأجبته قائلًا: أنا وأنت وأمثالنا من الشيوخ علينا أن نجلس ونرفع أيدينا بالدعاء لهم، فالقتال واجبٌ على الشبان. الحمد لله أننا جميعاً، بشيبنا وشباننا وفتياتنا ونسائنا، وكبارنا وصغارنا، نعيش حالة من التحول الرائع الذي لم نعد نقبل معه بأي شكل، بالخضوع للقوى الكبرى وهيمنتها، وبكل تأكيد أية أمة يكون هكذا حالها، لابد لها من أن تهيئ نفسها لكل شيء ولجميع الاحتمالات، فإن القوى العظمى مازالت موجودة في العالم.
الاستعداد لحفظ القيم ومواجهة المتآمرين
إنكم وقفتم في وجه القوى الكبرى في العالم، ولم تهابوا إرعابهم كثيراً ولكن عليكم الآن أن تعدّوا أنفسكم جيداً للإضطرابات والمؤامرات التي يُدبَّر لها الآن. علينا جميعاً الاستعداد لهكذا أيام. فقد قمتم بعمل عظيم لا مثيل له، جعل العالم بأسره يرمُقكم بنظرات الإعجاب والذي يتحمل مسؤولية القيام بعمل جبار كهذا، عليه أن لا يظن بأننا اليوم وقد طردنا هؤلاء، فإن آخرين سيأتون مكانهم غداً، لا؛ لن يأتي أحد، فنحن وأنتم مستعدون، ويجب أن نكون مستعدين للتضحية من أجل هذا العمل الذي قمنا به وذلك على قدر ما له من الأهمية. إننا لم نقع بعد في مآزق اقتصادية، التي تعرض لها النبي الأكرم (ص) والمسلمون الأوائل عندما حوصروا في شعب أبي طالب. فقد كانوا وعن طريق التهريب يحصلون وبمشقة على شيء ليأكلوه، ليُبقوا أحياء، ولكن قيمة العمل الذي قاموا به، كانت تستحق كل هذه التضحيات والعناء الذي تحملوه. فإننا لم نتعرض إلى شيء بعد سوى إلى بعض الإعتداءات التي طالت بعض مناطق البلاد، والآن قواتنا مشغولةٌ بالرد عليها وقمعها، فعلينا أن نكون مستعدين، بحيث إذا تجرّأ وأخرج شيطانٌ آخر رأسه غداً من زاوية أخرى من بلادنا، أن نكون جاهزين أيضاً لضربه وقمعه فإننا نريد أن نكون أحياء، ونريد أن نحافظ على كرامتنا وعلى إسلامنا العزيز، الذي فيه كلُّ شيء، فيه الاستقلال وفيه الحرية والعزة والكرامة. نريد أن نحافظ على كل هذا وعلى القرآن الكريم.
وإن مثل هذه الامور تستحق منا أن نضحي بأنفسنا جميعاً في سبيلها. فهل نحن أعظم من رسول الله (ص)؟ أم نحن أعظم من الحسين بن علي (ع)؟ فهم أيضاً أعطوا كل ما لديهم في سبيل الإسلام والحياة الكريمة، ولكننا الآن نملك القوة. التي لم يملكوها هم في عهدهم، فالرسول الأكرم (ص) عندما اضطر إلى اللجوء إلى ذلك الغار ليحتمي فيه، كان بلا معين إلّا اللهم عدد من الأشخاص وكانوا يعيشون في حالة من الخوف، فإن الأمور لم تصل بنا إلى هذا الحد بعد. حتى عندما أتى المدينة، لاقى فيها من العناء والتعب والمشقة ما لم نلاق مثله نحن حتى الآن.
فعلينا أن لا نهاب الحرب، وكيف نهابها، وقد خاض النبي الأكرم (ص) الحروب من أجل الإسلام، وقد خاض علي أمير المؤمنين الحروب من أجل الإسلام، فصدر الإسلام كان حافلًا بالحروب، خاض فيه المسلمون وخلال بضع سنوات ما يقارب الثمانين حرباً أو أكثر.
علينا أن نُعِدَّ أنفسنا للحروب، فنحن نملك القوة. نحن لدينا هؤلاء الشبان الشجعان، فنحن أمة قادرة على فعل كلِّ شيء، إذا ما توحدت كلمتها وتوكلّت على الله ربّها، ولا يخيفنا أي شيء من هذه المسائل، فإن هؤلاء الذين يريدون زرع الخوف فيكم هم نفس أولئك الذين كانوا يوجدونه زمن الشاه المخلوع حتى يتسنى له الجلوس على كرسيه ويُديم عرشه كي يحكم الناس؛ كما كان يزعم. ولكن عندما زال هذا الخوف، ظهرت الأمور على حقيقتها، ولم يكن الواقع كما كانوا يصورون، حتى القوى الأخرى هي كذلك، فلا تظنوا بأن لها أذنابٌ وقرون أطول من غيرها، فهم كغيرهم لا يختلفون عنهم شيئاً.
الانتصار في الحرب رهن بمدى الإنسجام والتنسيق بين القوى
المهم؛ أن يكون هناك إنسجام فيما بيننا، وأن يكون هناك إنسجام بين قواتنا المسلحة- التي نسأل الله لها النصر- أن ينظر حرسنا الثوري وقواتنا العسكرية الأخرى، أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم قوة واحدة، فجميعكم تعملون من أجل غاية واحدة وهي أن تحافظوا على حرية وكرامة بلادكم واستقلالها ولا تكونوا عبيداً للآخرين، وحافظوا على شرفكم.
على جميع أفراد قواتنا المسلحة والذين التحقوا بهم وبالجبهات من أبناء الشعب، أن يحافظوا على وحدتهم وإنسجامهم، فإنكم لو عملتم بشكل منظم ومنسّق فيما بينكم، وتحت إمرة قائد واحد يعمل بتخطيط وبشكل مدروس، فتأكدوا بأنكم منتصرون، ولن تستطيع أي قوة أن تواجهكم، لأن القوة الحقيقية هي قوة الشعب، وعندما يكون الجيش مدعوماً بهذه القوة، وبهذا المدد الشعبي العظيم، فسيتحول إلى قوة عظيمة لا يمكن لأي شيء أن يقهرها أو يقف في طريقها. فجيشنا وقواتنا المسلحة وقوات الحرس الثوري، جميعها مدعومة من قبل الشعب، كل الشعب، فبلادنا جميعاً في حالة حرب حتى الفتيات في البيوت يحاربن، من خلال ما يُعدن للمقاتلين من زاد ومؤونة وغيرها من الأعمال. إن أمة كهذه يتحد فيها الجيش مع الشعب ويتآخى فيها الرؤساء والقادة مع عامة الناس، ويعمل فيها الجميع بكل إخلاص لخدمة الأمة وتقدمها، إن أمة كهذه ممّ عساها أن تخاف؟ فاطمئنوا ولا تقلقوا.
عدم خوف الشعب الإيراني من تهديدات الأعداء والحصار الاقتصادي
لقد مضى على محاصرتنا اقتصادياً مدة من الزمن، فما الذي حدث؟
أين واجهتنا مشكلة حتى ننادي الحصار الاقتصادي، الحصار الاقتصادي؟ يظن البعض بأننا إذا لم نشتر من أمريكا الشيء الفلاني فإننا سنقعد عاجزين، كلّا أبداً، فإن لدينا الكثير، لقد خزنت لنا أمريكا هنا! اعلموا أن هذا الأمر من عمل الله، فإنه من لطف الله بنا أن يعرق ويشقى هذا الرجل العشريني «2» تلك الخمسين سنة أو أقل قليلًا وأن تقوم أمريكا، على اعتبار أن البلد بلدها، وإن كل ما تضع فيه هو لها، بجلب هذا الكم الهائل من السلاح وتكديسه وتخزينه لنا- طبعاً قد قبضوا ثمنه أضعافاً مضاعفة من نفطنا وثرواتنا-.
فإن أغلب هذه الجبال الموجودة في إيران تحوي في داخلها على أسلحة ومعدّات وذخيرة، كان عدونا الفعلي والدائم قد أعدّها لنفسه، والآن وقعت بأيدينا وأصبحت لنا. فالمسألة الأساسية، هي أن نحافظ على وحدتنا وتلاحمنا جيشاً وشعباً وقادة، وأن نتكاتف ونضع أيدينا بأيدي بعضنا، فلو فعلنا ذلك، فلن تكون هناك قوة على هذه الأرض تستطيع هزيمتنا، فإن الدول الكبرى لديها من المشاكل، ما يجعلها عاجزة عن متابعة جميع المسائل فإنهم يقفون في وجه بعضهم ويخاف بعضهم بعضاً، تماماً كالذئاب، فإنها عندما تريد أن تنام ليلًا، تضع وجوهها بعضها قبالة البعض خوفاً من أن يغفل أحدها، فينقض عليه الآخرون ليلتهموه.
فإذا ما أرادت أمريكا القيام بعمل ما، فاعلموا أن هناك ذئباً آخر مثلها، يقف في مقابلها وينظر إليها ويترصدها، وهذا الذئب أيضاً هناك ذئابٌ أخرى تترصده «اللهم إشغل الظالمين بالظالمين»، فليست المسائل كما يُلقي في مسامعنا هؤلاء، بأن أمريكا ستفعل كذا وتفعل كذا، فها هم شبابنا الأعزاء، قد هجموا على السفارة الأمريكية واستولوا عليها. واحتجزوا من فيها، وبالتأكيد فإنهم تعبوا وعانوا حتى أنجزوا هذا العمل، لكن أجرهم وثوابهم عند الله تبارك وتعالى- فأنّى لأمثالنا أن نفي حقهم من الشكر، وعملهم له ما له من القدر عند الله- وقد مضى على احتلالهم لها سنةٌ كاملة اكتفى فيها هؤلاء بمجرد الكلام والثرثرة، وحملات التهديد، والوعيد، بالإضافة إلى حصار اقتصادي مزعوم، ومضايقات أخرى لم تنل من عزيمة أمتنا ولم تلحق بها أدنى ضرر، فها هي أمتنا على حالها ولم ينقصها أي شيء، وحتى لو مضى عشر سنوات أخرى سيبقى الحال كما هو، فالقيمة الأسياسية لهذا العمل إنما تكمن في قدرته على إيقاظ الجماهير المستضعفة على امتداد هذا العالم، وإخراجهم من حالة الرعب والخوف التي استولت على أذهانهم ثم يأتي هؤلاء الآن، ليقولوا: بأننا نعيش في عزلة، لكننا نسألهم: وماذا كنّا نحن قبل هذه العزلة؟ كنا عبارة عن أمة ضعيفة، مسكينة تابعة للآخرين! يستطيع فيها مجرد شرطي في سوق طهران الكبير أن يتحكم على السوق بأسره! فهذه هي حالنا عندما لم نكن معزولين، فعدم العزلة معناه، أن علاقاتنا مع أمريكا والاتحاد السوفيتي ومع هذا وذاك على أفضل ما يكون.
الاستقلال والاكتفاء الذاتي في عزلتنا عن القوى الكبرى
الآن ونحن في عزلة، فما هي حالنا؟ الآن ونحن في عزلة، نهض شبابنا الشجعان واستولوا على السفارة الأمريكية واحتجزوا من فيها من الجواسيس، طبعاً عاملوهم بمنتهى الإنسانية، وحسب ما كان يصلني دائماً، فإنهم عاملوهم معاملة حسنة وجيدة، فأخلاقهم الإسلامية تحتم عليهم ذلك. الآن ونحن في عزلة؛ ها هي أسواقنا عامرة، فعّالة ونشيطة، الآن ونحن في عزلة؛ لا يستطيع أحدٌ أن يظلمنا أو يأمرنا بإغلاق أسواقنا، ولا يستطيع أحدٌ أن يفرض علينا ملء الشوارع والمحلات بالزينة والأعلام من أجل الرابع من آبان. فأيهما أفضل، أن نعيش في عزلة أم دون عزلة؟ فالإنسان يجد نفسه أكثر في العزلة.
بالأمس، جاءني عددٌ من الشبان ومعهم بندقية، ولا أعرف جيداً ما هي هذه البندقية، أتوا بها وأروني إياها ثم قالوا: نحن صنعنا هذه، وعندما أريناها للجيش قالوا: بأنها بندقية جيدة ونحن مستعدون لتأمين ما تحتاجون إليه من مثلها، هذا كلّه من بركات العزلة، فلو لم نكن كذلك، ما كنّا لنفكر يوماً بالاعتماد على أنفسنا ونصنع ما نحتاجه بأنفسنا، فعدم كوننا معزولين يعني أن نعيش الإتكالية على الغير، يعني الأسر، وأما أن نكون معزولين فمعناه؛ أن علاقاتنا مع الآخرين مقطوعة، وأننا لسنا عبيداً للآخرين. ثم يأتي هؤلاء ويذهبون، ويدعوننا لإعادة العلاقات فيما بيننا وبالشكل الذي نرغب نحن فيه، كيف هذا؟ إننا على يقين بأنها لعبة من ألاعيبهم التي تعوّدنا عليها، طبعاً، مما لا شك فيه إنه إذا تعامل الجميع على أساس الاحترام المتبادل، لسادت الأخوّة جميع أرجاء العالم، ولكن المسألة ليست كذلك ونحن لانهاب هذه العزلة، بل نرحب بهكذا عزلة تجبرنا على أن نفكر ونخطط لأنفسنا بأنفسنا، فعدم وجود هذه العزلة، يعني أن نكون متكلين على الغير، يعني مدّ اليد إلى الغير في كل ما نحتاجه، في الصناعة، في الزراعة، وحتى في تأمين القمح والمواد الأساسية الأخرى فكل ما نحتاجه يجب أن نأخذه من الغير، وما دامت الأمة هذا حالها، فلن تستطيع أن تستقل في شيء، لا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا عسكرياً. ولكن عندما تُضرب حولكم العزلة، فستستطيعون عندها فعل ذلك كله، ففي أجواء العزلة وحدها يمكن لهذا التفكير أن يتبادر إلى ذهنكم وهو أنه علينا أن ندير صناعتنا، وزراعتنا، بأنفسنا، دون الحاجة إلى الآخرين، وذلك لأنكم ستجدون أنفسكم وحيدين، وما من أحد يمد يد العون. لكم فالأمة التي تشعر بهذا الإحساس، وأن الآخرين قد تخلوا عنها وتركوها تواجه مصيرها بنفسها، تبدأ تفكر جدياً بأن تصنّع وتنتج ما تحتاجه، ولكن عندما يأتيها كلُّ شيء جاهزاً من الآخرين، ينعدم فيها هذا التفكير وتخلد إلى التقاعس والكسل، تماماً كالإنسان المحاط بعشرات الخدم والحشم، فإنه يتعود على الراحة والكسل، لأنه لا يفعل أي شيء بيده، ولكنه عندما يُسجن ويغدو وحيداً فريداً، يضطر لأن ينجز أعماله بنفسه، وإلا أصابه الهلاك. فالأمة المعزولة من قبل الآخرين يمكنها أن تترقى وتتقدم. في حين أن الأمة غير المعزولة، ستعيش الاتكاليّة على الغير في كلِّ شيء. فقوتها من الغير، وسياراتها من الغير، وحتى كهرباؤها من الغير. هكذا أمة ستبقى حتى النهاية أسيرة للغير. فلو لم تعيشوا العزلة، لن تتمكنوا من الاستقلال. فما الذي يخيفنا من العزلة، وقد كنا قبلها نعيش في دوامة من المشاكل والمصائب؟ والآن صحيح أننا معزولون، ولكننا على الأقل نعيش الاستقلال، فكل شخص منا سيّد نفسه وليس خاضعاً للغير ولم تعد تجرؤ سفارة من السفارات- أياً كانت- من أن تتدخل في أمورنا، أو تملي مطالبها على حكومتنا أو على شعبنا، أتظنون بأننا معزولون، فعدم كوننا معزولين بالمعنى الذي تريدونه أنتم، معناه؛ أن نعيش التبعية ونكون عبيداً وغلماناً لكم إلى الأبد، فما زلت أتذكر تلك الصورة لمحمد رضا، والتي نشرتها إحدى الصحف الإيرانية الصادرة في ذلك الوقت، تظهره وهو في أمريكا، يقف إلى جانب أحد رؤسائها كالطفل، وذلك الأخير- لم أعد اذكر اسمه ربما جونسون «3»- كان يخلع نظارته دون حتى أن يلتفت إليه أو يعبأ به، وكأنه لا يوجد أحدٌ إلى جانبه، فالله عالمٌ، بمدى الأسى والمرارة التي ولّدها هذا المنظر في نفسي ولا زال، بأن يكون حالنا على هذه الشاكلة، بحيث يذهب هذا الشخص والذي يدّعي بأنه الكل في الكل وأنه سيجعل من هذه البلاد كذا وكذا ويوصلها إلى درجة من التطور تجتاز معه اليابان، أن يذهب هذا الشخص الضعيف والزبون الدائم للأمريكان إلى هناك، وبعد مراسم الاستقبال وبرتوكولاته، يذهب ليقف إلى جانب جونسون، ثم يقوم هذا الأخير ودون أن ينظر في وجهه، بخلع نظارته، وكأنه لا أحد يقف إلى جانبه وذلك الأحمق واقفٌ إلى جانبه كالأبله، يعلم الله أن أي عزلة مع صون الكرامة وعزة النفس، هي أرحم بكثير من عدم العزلة مع الذل والهوان.
نعم، فمحمد رضا لم يكن معزولًا، والسادة يريدون لنا عدم عزلة كهذه، ولكن ليعلم هؤلاء السادة، بأننا نرحب وبصدر مفتوح بأي نوع من أنواع العزلة التي يتخيلونها، فلو لم تكن هناك عزلة، لن تتحرك العقول وتبدع، فالدماغ الأمريكي ليس أكبر من أدمغتكم، والعقل الأمريكي ليس أكثر ذكاءً من عقولكم، ولكن هؤلاء استطاعوا أن يجعلوكم تعيشون التبعية لهم ليقتلوا فيكم كل طموح، وليجمّدوا عقولكم وأدمغتكم من أن تفكّر وتبدع، وليقيدوا أيديكم من أن تعمل وتصنع. فلو كانت أدمغتنا تعمل، ما كان وضع بلادنا هذا الوضع، ولكنهم لم يسمحوا لها بأن تعمل، فقد جلبوا لنا وأعدّوا لنا كل ما نحتاجه، حتى ثرواتنا المعدنية استخرجوها لنا وأعطونا ثمنها، فقد أعطونا كل شيء لئلا نجد في أنفسنا الحاجة لنفكر في صناعة شيء أو إقامة صناعة ما. فلو لم تقطعوا علاقاتكم مع الدنيا بأسرها- تلك العلاقات التي تحول بينكم وبين العزلة الحقيقية- فلن تستطيعوا أن تكونوا من أهل الصناعة، أو يكون بلدكم بلداً صناعياً أو تعيشوا الإستقلال والحرية بمعناها الحقيقي، فهذه العزلة هي من نعم الله الكبيرة علينا.
فقارنوا بلدكم الآن وهو يعيش في عزلة، مع بلدكم قبل عشر سنوات عندما كان يعيش بدونها، قارنوا بين هاتين المرحلتين وفكروا فيهما جيداً فسنجد أن الأفكار التي كانت سائدة قبل العزلة، هي أننا بلدٌ ضعيف ولا نملك شيئاً، وليس بمقدورنا أن نصنع شيئاً، وجميع حاجاتنا علينا أن نستوردها من الخارج، أما بعد العزلة فقد اختلف الوضع، حيث أصبحنا نسمع كلمات من مثل، أننا نملك كل شيء ونحن قادرون على فعل وصناعة كل ما نحتاج ولدينا عقول وأدمغة، وشباب مبدعون، كيف لا يوجد عندنا شيء؟ لدينا كل شيء، لدينا أراض واسعة تحتاج لمن يعرف استغلالها، وإن لدينا من الثروات والخيرات الكثير، فكيف لا يوجد عندنا شيء؟ لدينا كل شيء، ولكن عدم العزلة والتبعية للغير هي التي أوصلتنا إلى هذه الحال التي نحن عليها. بحيث أصبحنا نحتاج لأن نمد يدنا إلى الغير في كل ما نحتاجه، فعلينا في هذه السنوات القليلة القادمة أن نتحمل شيئاً من الضغوطات والصعوبات حتى نتمكن من الوقوف على أرجلنا ونصبح بشراً كالآخرين.
المقاومة الشجاعة للشعب الإيراني مقابل العدوان العراقي
إن هذه القوى قد انكسرت شوكتها، بدليل أنه مضى على إحتلال شبابنا للسفارة، وقيامهم بهذا العمل القيّم والرائع، عامٌ كامل، دون أن يحرك هؤلاء ساكناً أو تقوم الدنيا وتقعد، ولنفرض الآن أن صدام المنحوس، هذا الخائن والعميل، الذي يريد أن يجر أمته وبلاده إلى الهلاك، ويفرض عليهم إرادته وأهواءه، يريد أن يشن حرباً دموية علينا، فهل هذا معناه أن نضعف ونسقط؟ كلا؛ فإننا متعودون على الصبر والتحمل، وأمتنا وشبابنا قد اعتادوا على هذه المسائل، فمنذ خمسين أو ستين سنة وهم لا يفتحون أعينهم إلا على هذا النوع من المصائب والمتاعب والبلايا، فنحن معتادون على التعب والمشقة، وشبابنا معتادون على ذلك أيضاً. فالآن وقد وجدوا أنفسهم، وذاقوا طعم الاستقلال والحرية، فإنهم مستعدون، وبكل إقتدار، للوقوف بوجه هذا المجرم وجيشه حتى لو طالت هذه الحرب عشرين عاماً. وإن ما يقوم به هذا المجرم من عمليات قصف بالصواريخ، وما يرتكبه من مجازر وأعمال تخريب وتهديم وقتل ضد شعبنا وشعبه، وذلك بهدف إخافتنا وإرعابنا لنضطر إلى التسليم دون مقاومة، ولجوئه إلى القصف الصاروخي من بعيد وتجنّب المواجهة المباشرة مع قواتنا، يكشف عن مدى خوفه وجبنه من الاصطدام مع شبابنا الشجعان، ويظهر مدى الضعف والعجز الذي هو فيه، ولكن تعوّده على الخطأ، ولهاثه وراء أوهامه الباطلة، وأعصابه المتعبة، تحول بينه وبين الاختيار الأسلم والأ