بسم الله الرحمن الرحيم
الأهداف المشؤومة للخبراء الأجانب في الكشف والتنقيب عن ثروات البلاد
أتوجه بالشكر إلى جميع السادة الذين تجشموا عناء القدوم إلى هنا والجلوس في هذا الجو البارد والمكان المتواضع. وأسأل الله تعالى لهم السلامة والسعادة، هناك نقطة مهمة أودّ بيانها: وهي أنه علينا أن نتعلم من خبراء الدول الكبرى بعض الأمور، فهؤلاء ومنذ أن وطأت أقدامهم قبل حوالي 300 سنة دول منطقتنا خاصة المهمة منها بالنسبة لهم مثل إيران، راحوا يدرسونها شبراً شبراً، ويتعرفون على ما فيها من ثروات معدنية تحت الأرض، وموارد وخيرات فوقها وكل ما يمكنه أن يسهم في تقدُّم ورقي بلد ما، من مثل الثقافة والاقتصاد وأمثال ذلك. كانوا يدرسونها جيداً، لدرجة أنهم باتوا أعرف منا بما نملك. حتى في ذلك الوقت الذي لم تتوفر فيه وسائل نقل متطورة مثل الآن، كانوا يرافقون القوافل في رحلاتها، ويركبون الإبل، ويطوفون أرجاء إيران، ويتجولون بين صحاريها وبواديها، يدرسون هذه المناطق بدقة، ويأخذون صوراً للمناطق التي يحتمل وجود ثروات فيها، ويحاولون إكتشافها ومعرفتها بحيث أصبحوا أعلم منا بما يحويه جوف أرضنا من ثروات باطنية. حتى في المسائل الثقافية والجغرافية والسياسية فإن لديهم دراسات متعددة وكثيرة حول العشائر القاطنة في أطراف إيران أو المنتشرة في كافة أرجائها، عاداتهم، تقاليدهم، روحياتهم وغيرها من الأمور، التي درسوها وحللوها، واستخلصوا منها بعض المسائل التي من الممكن أن تفيدهم في خططهم المستقبلية. فهذه الدراسات المستفيضة لمدننا وقرانا ولجبالنا وقفارنا، ولعاداتنا وتقاليدنا، ولمذاهبنا وأدياننا، كل هذه الدراسات، لابد وأن لهم هدفاً من ورائها، ولابد أنهم كانوا يريدون، ويريدون الآن أن يسخروها لخدمة أهدافهم ومصالحهم، فعلينا أن نعرف ما هي تلك الأشياء التي يرونها تتناسب وتتوافق مع مصالحهم ومشاريعهم في المنطقة، من تلك التي لا تتوافق ولا تنسجم، ومن هي المجموعات والفرق التي يرونها تتوافق وتُسهّل عملية هيمنتهم وسيطرتهم على الشرق، وخصوصاً إيران، للخصوصية التي تتمتع بها، من الفرق والمجموعات التي لا يرونها تتوافق معهم بل تشكل حجر عثرة في طريقهم. فإن معرفة هذه الأمور سيساعدنا على تجنب شرهم، ومعرفة الطريق الأمثل لمواجهتهم.
طبيعة تشكيل سلطة بهلوي
لو أننا نطالع الأحداث التي وقعت في إيران، منذ أن قام رضاخان بإنقلابه ووصوله للسلطة في إيران على ما أتذكر- على يد الانجليز، حتى مجيء ابنه محمد رضا- ولا يمكننا أن نقول أيّهم كان الأخبث، إلا أن الثاني كانت آثار خبثه أكثر، فقد جاء به الحلفاء، بإعتراف منه شخصياً حيث ذكر ذلك في كتابه، ربما لا يكون موجوداً ذلك في كتابه الآن، ولكن مَن عنده الطبعة الأولى من هذا الكتاب، سيجد ذلك فيه حيث كتب قائلًا: إن هؤلاء رأوا من الأصلح أن أكون أنا على رأس الحكم والسلطة- لندرس هذه الفترة منذ تولي رضاخان الحكم حتى سقوط عرش ابنه، ولننظر مع أي من المجموعات كان هؤلاء على صراع، ومع أيٍّ منها كانوا على صلح واتفاق. فعندما جاء رضاخان، ليس عندنا أدنى شك بأنه كان مجرد شخص عادي، إلا أنهم أدركوا أن بإمكانه أن يفعل شيئاً، وذلك لما كان يتمتع به من جسارة وقوة واقتدار، لذا فإنهم جاءوا به إلى الحكم، وقد صرّحوا هم أنفسهم بذلك، من خلال إذاعة دلهي التابعة للإنجليز- ربما أنتم لا تذكرون، ولكن أولئك الذين هم أكبر منكم سناً يذكرون ذلك جيداً، عندما قالوا من خلال إذاعة دلهي: بأننا نحن من أتينا برضاخان إلى الحكم، وعندما اكتشفنا بأن له علاقات وزيارات متبادلة مع الألمان، أقصيناه عنه. فإن هؤلاء أدركوا من خلال دراساتهم، بأن هذا الشخص المستبد، مع ما يفتقده من الحس السياسي، يمكنه أن يكون آلة في أيديهم يحركونه كيفما يشاؤون، ولهذا جاءوا به وأوصلوه إلى الحكم من خلال إنقلاب مدبّر، وقاموا في ذلك الوقت بإعتقال الكثير من الأشخاص التابعين لمختلف الطوائف. فمنذ البداية كانوا يُعدونه ويرسمون له الخطط، حتى يصل إلى هذا الأمر، وهو بدوره كان ينفذ كل ما يطلبونه بحذافيره، فأول ما شرع به هو الإلتزام والحضور الدائم، في مجالس العزاء الحسيني، لدرجة أنهم يقولون بأنه لم يترك مكاناً من الأماكن التي تقام فيها هذه المجالس في طهران إلا وذهب إليه حافي القدمين، هذا بالإضافة إلى المجالس التي كان يقيمها بنفسه، والعلاقات القوية التي كان يكوّنها مع جميع الناس وفي مختلف المناطق، إلى أن إشتدت قدرتُه وذاع صيته، واستحكم أمره. ولنرى الآن بعدما أصبحت القوة والسلطة في يده، مع من، ومع أي من المجموعات كان خلافه شديداً، ومع أي من المشاريع والطروحات كانت مخالفته شديدة.
سعي رضاخان لمحاربة الدين والقضاء على علمائه
إن الكثيرين يتذكرون، بأن أول ما فعله رضاخان، هو مخالفته لرجال الدين تحت اسم التحديث والإصلاح، فأول شيء فعله ضمن هذا الإطار، أمر بإقامة جلسات امتحان لطلاب العلوم الدينية في الفيضية وغيرها من مراكز العلوم الدينية على امتداد البلاد، وذلك للفصل والتمييز- حسب زعمهم- بين طلاب العلم الحقيقيين، وأولئك غير اللائقين حتى لا يتلبّسوا بهذا اللباس، وقد كانوا يبعثون بأشخاص من طرفهم لإجراء هذه الامتحانات، ويروّجون لها بشكل مكثف ومدروس، بحيث سقط في أحابيلهم وخدع بها بعض السادة المحترمين في قم، مثل المرحوم السيد فيض «1»، الذي قال لي يوماً: إن هذا عمل جيد وليس من أعمال التخريب، أن يأتي هؤلاء إلى المدرسة الفيضية ويميّزوا بين السيئين والجيدين، فأجبت سماحته بنعم، هذا صحيح، فإنهم يريدون أن يميّزوا بين السيئين والجيدين، ولكن من أجل أن يقضوا على الجيدين لا السيئين، وفعلًا هذا ما حدث. ففي البداية جاءوا تحت هذا العنوان، ويعلم الله مدى المرارة التي تحملناها من هذه الامتحانات وهذا الأمر، ثم بعد ذلك وبحجة أن الجميع عليهم أن يلبسوا زيّاً موحّداً، خلعوا العمائم من على الرؤوس، وارتكبوا من أعمال التخريب ما يسوَدُّ له وجه التاريخ، طبعاً إنها مسائل كثيرة يصعب ذكرها جميعاً، ولكن لا بأس من الذين عندهم إطلاع أن يُسجلوها للتاريخ.
بعد ذلك، أو في تلك الأثناء أيضاً، عملوا على منع مجالس العزاء الحسيني بشكل جدي ومتشدد، بحيث لم تعد ترى في المدن مجالس عزاء علنية كالمجالس المتعارفة، فإنني أتذكر أنه في قم كان أحد السادة، يقيم مجلساً مكوناً من عدة أشخاص وذلك بين الطلوعين، بحيث كان يبدأ قبل طلوع الفجر، وينتهي ويتفرقون قبل طلوع الشمس، وغالب ظني أنهم استطاعوا اكتشاف حتى هذا المجلس ومنعوه. إن هذين الجناحين واللذين يعودان في الأصل إلى جناح علماء الدين، أي جناح الخطباء وجناح رجال الدين (الروحانيون)، كانا المستهدفين والمقصودين أكثر من غيرهما بالهجمات التي كان يشنها هؤلاء، فقد كانوا يجبروهم على خلع العمائم من على الرؤوس. فقد قال أحد الذين كانوا يشرفون على هذه الأعمال في قم، إنه لا ينبغي أن يكون في كل إيران أكثر من ستة معممين، مع أنه كان يكذب في ذلك إذ لو أمكنهم، لما سمحوا حتى لشخص واحد أن يضع عمامة، فإن الذي نفهمه من هذه الإعتداءات على رجال الدين، وعلى مجالس العزاء، أن وجود هذين الجناحين، يشكل تهديداً لمصالح ومشاريع الدول الكبرى في البلاد، ولذا فإنهم يعتبرونهما من ألد أعدائهم ولذا تعرض هذان الجناحان إلى المضايقات والأذى أكثر من غيرهما.
رضاخان المنفذ لمؤامرة كشف الحجاب الاستعمارية
بعد ذلك، أثاروا قضية كشف الحجاب وعملوا على تطبيقها بشكل فاضح ومُشين. فقد كان هدفهم من هذا العمل مضايقة وإيذاء أولئك الذين كانوا يعشقون الإسلام، وملتزمين بأحكامه وتعاليمه. فكم من الجنايات ارتكبوها فى هذه المسألة، حتى العلماء الكبار لم يسلموا من أذاهم وراحوا يحثونهم ويقترحون عليهم تشكيل مجالس مختلطة مع نسائهم وأن يأتوا برفقتهن لحضور تلك المجالس بناءً على أوامرهم، فقد نقلوا أن أحدهم ذهب إلى المرحوم السيد كاشاني وقال له: بأن الأوامر جاءت بوجوب مشاركتك في هذا المجلس المختلط فأجابه سماحته: لابد وأن هؤلاء يهذون من الشرب، فقال له إنها أوامر من السلطات العليا، فأجابه: وأنا أقصد السلطات العليا، نعم، فقد كان يريد هؤلاء ومن خلال التخويف ونشر الرعب والتهديد أن يفرضوا ما يشاؤون، ولكن السيد كاشاني لم يخضع لهم، ولذا لم يتعرضوا له بسوء فإن كل من كان ضعيفاً، ضعيف النفس والقلب كان يخضع لهم ويشارك وكل من كان قوياً، كان يرفض ذلك ويمتنع عنه. فعلينا أن نأخذ عبرةً من هذه المسائل، فقد استطاع هؤلاء ومن خلال وسائل الدعاية المختلفة المقروءة، والمكتوبة، والمسموعة، أن يصلوا إلى ما كانوا يطمحون إليه من مسائل، من خلال دراساتهم ومطالعاتهم، بعد أن كانت هذه المسائل عصية عليهم في البداية، والطريق إليها مليء بالعقبات. فقد نجح هؤلاء في الوصول إلى ما يريدون، على نحو ما ذكرته مرات عديدة ينقل المرحوم الشيخ عباس الطهراني «2» قائلًا: إني كنت في أراك وأردت القدوم إلى قم أو الذهاب إلى طهران، ولكي أغادر أراك، أردت أن آخذ سيارة، فقال سائق السيارة التي كنت أريد تأخيرها، بأننا عاهدنا أنفسنا على أن لا ننقل طائفتين، الفاجرات، ورجال الدين. فقد استطاع هؤلاء، تلويث الجو العام بسمومهم لدرجة أن أحد الشعراء، ولا بد أنكم قد سمعتم ما قاله؛ قال: «مادام في هذه البلاد المعمّم والقاجار، فأين لنا أن نذهب بهذا العار». هذا ما قاله هذا الخبيث الملحد «3» في شعره.
أمروا الشعراء أن يقولوا شعراً، وأقاموا أنواع المجالس والمحافل، وبلّغوا وروّجوا ولم يتركوا وسيلة أو أسلوباً يستطيعونه إلا فعلوه، من أجل إسقاط رجال الدين والمتدينين، لكن هدفهم الأصلي كان القضاء على الإسلام، فقد أدرك هؤلاء، بأن الإسلام ما دام قوياً في بلدٍ ما، فلن يتمكنوا من إحكام السيطرة عليه كما يريدون، لذا عليهم أن يقضوا على الإسلام وجميع مظاهره وأحكامه حتى ينجحوا في الوصول إلى أهدافهم، ولهذا راحوا يدرسون أي الأشياء تخدم الإسلام أكثر، وأيّها تحافظ عليه وتقوّيه وتعززه أكثر، فضربوها، وأي من أحكام الإسلام الرائجة بين الناس أكثر ويتمسك بها الناس أكثر، فأمعنوا في القضاء عليها أكثر.
اليقظة مقابل خطط الأجانب
علينا أن نتنبّه لهذا الأمر، وهو أن لا نظن بأن جميع مسائل ومشاكل إيران قد انقضت وانتهت، كلّا أبداً، فمسائلها الثقافية والكثير من المسائل الأخرى، لم تنته بعد. فعليكم أن لا تخافوا مما ترتكبه الحكومة العراقية الغاصبة من إنتهاكات، وإنما عليكم أن تخافوا من تلك الخطط والمؤامرات التي كانت تحاك قبل الثورة زمن رضاخان ومحمّد رضاخان، أن تخافوا من أن تزداد أكثر الآن، لقد وجد هؤلاء ومن خلال دراساتهم وتحليلاتهم العلمية أن أخطر ما يمكن أن يهدد مصالحهم ومشاريعهم في المنطقة، ويقف حجر عثرة في طريق تحقيق أهدافهم ومآربهم، هو الإسلام ومظاهره واتساع رقعة امتدادهما وتحوّلت مخاوفهم إلى يقين عيني، بعد ما تلقوا هذه الصفعة الموجعة على يد الثورة الإسلامية في إيران، وشاهدوا قوة الإسلام بأعينهم من خلالها، فراحوا يُعيدون حساباتهم بدقة أكثر، ويقولون: إن في هذا العالم ما يزيد على المليار مسلم، وقد استطاع ثلاثون مليوناً منهم أو يزيدون أن يفعلوا بنا ما فعلوه، فماذا سيحل بنا لو أن هؤلاء المليار مسلم أصبحوا جميعاً مثل إيران؟ وما الذي يمكننا فعله عند ذلك؟ لذا فإن خططهم ومشاريعهم الراهنة والمستقبلية، سوف تكون أشد وأكثر دقة، ولهذا علينا أن نفتح أعيننا وآذاننا أكثر من السابق. وإنكم تشاهدون اليوم كيف تتعالى الأصوات من هنا وهناك بأن الحكومة أصبحت حكومة رجال الدين (الملالي)، وذلك لأن هناك أربعة، أو عشرة من رجال الدين يعملون للثورة وللبلاد بكل إخلاص وصدق. إن هذه التمتمات الجديدة المتدرجة شيئاً فشيئاً هي نفس أسلوب خططهم السابقة. ففي ذلك الوقت لم تظهر دفعة واحدة أيضاً، وإنما في البداية شرعوا بحملات الانتقاد شيئاً فشيئاً، وبواحد واحد أو اثنين اثنين من أهل العلم وأهل المنبر، ثم وسعوا دائرة انتقاداتهم وأشركوا معهم الصُحف والمجلات، وأقاموا لذلك المجالس والندوات حتى وصلوا إلى غايتهم، والآن هم ينفذون نفس الخطط.
فلسفة العزاء على سيّد الشهداء (ع)
من المصطلحات التي اختلقوها وراحوا يروجون لها في ذلك الوقت اصطلاحهم على الشعب الإيراني بأنه «شعب البكاء» وذلك لينفّروه من مجالس العزاء ويقضوا عليها، ولذلك قاموا بتعطيل جميع مجالس العزاء في ذلك الوقت وعلى يد من؟ على يد شخص كان مواظباً على إرتيادها بنفسه ثم إختلق هذه الألاعيب. فهل القضية كانت قضية نفس هذه المجالس، أم أنهم كانوا يفهمون منها شيئاً آخر جعلهم يسعون للقضاء عليها وإزالتها؟ وهل القضية كانت قضية نفس هذه العمامة، أم أنهم كانوا يفهمون منها شيئاً آخر وعلى هذا الأساس راحوا يهاجمونها؟ لقد أدرك هؤلاء أن هذه المجالس والعمائم، يمكنها أن تخلق لهم الكثير من المتاعب، وأن تحول بينهم وبين ما يريدون تحقيقه من أهداف ومشاريع تخدم مصالحهم. فهذه المجالس والتجمعات الحاشدة على امتداد البلاد، والتي يجمعها موضوع واحد وعنوان واحد، لا تظنوا أن الهدف منها مجرد البكاء والتباكي على سيد الشهداء (ع) فإن سيد الشهداء ليس بحاجة إلى هذا البكاء، ولا هذا البكاء في حد ذاته يمكنه أن يفعل شيئاً، ولكن قدرة هذه المجالس على خلق هكذا أجواء جماعية حارّة، وتوجيهها لهذه الجموع نحو وجهة واحدة، جعلها ذات أهمية وقيمة سياسية كبرى، بحيث يمكن للعلماء والخطباء الواعين أن يستغلوها أيما إستغلال في تعبئة الجماهير من أجل الإقدام على مسائل في غاية الأهمية لصالح الأمة، وهنا بالذات تكمن أهميتها، فإن الأبعاد السياسية لهذه الشعائر والمجالس تفوق في أهميتها سائر الأبعاد والأمور الأخرى، ولهذا فليس من العبث ما كان يوصينا به بعض أئمتنا من إقامه مجالس العزاء عليهم، وأمرهم لنا بالبكاء والإبكاء والتباكي، وأن من يفعل ذلك فإن له كذا وكذا من الأجر، فالمسألة في جوهرها ليست مجرد مسألة البكاء والتباكي، وإنما هي مسألة سياسية، كان الأئمة يهدفون من ورائها ومن خلال نظرتهم الإلهية للأمور إلى تعبئة هذه الشعوب وزيادة أواصر التلاحم فيما بينها، وذلك لئلا تكون عرضة للأخطار في المستقبل.
الطابع السياسي لأغلب احكام الإسلام
إن أغلب أحكام الإسلام، هي أحكام سياسية، يغلب فيها الطابع السياسي على غيره من الأمور، فهذه الاجتماعات الحاشدة، التي دعا الإسلام إليها، وأوجب بعضها وفرضه، واستحب الآخر وأكد استحبابه جميعها، ذات طابع سياسي، فمسألة الحج ووجوب اجتماع الناس من كافة أنحاء العالم الإسلامي سنوياً في مكة، وعلى هذه الصورة من التوحّد في اللباس والمظهر والأعمال التي يتم أداؤها، كل هذه المسائل ذات أبعاد سياسية. فالله سبحانه وتعالى غني وغير محتاج لعبادتي وعبادتك، ولكنه يريد لأتباع الإسلام أن يجتمعوا ويطرحوا قضاياهم فيما بينهم ويتباحثوا حولها ويفكروا بحلول لها، ولهذا أوجب عليهم الاجتماع هناك، لكن مع الأسف، إن جهلنا بهذه الأبعاد الحقيقية للحج جعلنا نجتمع هناك دون أن نتناول المسائل والقضايا الهامّة والمصيرية التي تخصُّنا كمسلمين، مع أن الحال في الآونة الأخيرة بات أفضل قليلًا من السابق، إلا أنه علينا كمسلمين أن نعرف كيف نستغل هذا الاجتماع الحاشد وهذا المؤتمر العظيم الذي فرض الله تبارك وتعالى على كل مسلم مستطيع حضوره والمشاركة فيه على الأقل مرّة في حياته. ففي أيّ من دول العالم يمكنكم أن تجدوا هكذا اجتماع ومؤتمر ضخم؟ بل أيّ من دول العالم الكبرى والصغرى قادرة على تنظيم اجتماع كهذا؟ إنهم جميعاً يعجزون عن ذلك، ولكن الله الذي لا يعجزه شيء تفضل على المسلمين وأنعم عليهم بذلك، دون أن يزعجوا أحداً أو يثقلوا على دولة، وإنما على نفقاتهم الخاصة. فلهذا الاجتماع المبارك أبعاده السياسية التي علينا أن نلتفت إليها كمسلمين. فمن أبعاده السياسية الهامّة، أن يطّلع المسلمون على أحوال بعضهم البعض، وأن يتفاهموا ويتآخوا، وأن يطرحوا فيما بينهم قضايا ومسائل بلادهم، والسعي إلى ايجاد الحلول والسبل الكفيلة بمعالجتها. فنحن لو كنا نؤدي مراسم الحج وفق هذا المعنى، الذي يمثل روح وجوهر الحج، لما ابتُلي المسلمون بكل هذه المصائب والمشاكل التي وقعت لهم.
ضرورة أن تستغل الدول الإسلامية اجتماع المسلمين في الحج
لو كانت الدول الإسلامية تصحوا على نفسها، لأدركت مدى الأهمية والفائدة الكبرى لهذا المحفل العظيم. الذي أوجب الله تعالى حضوره على بعضنا وجعله مستحباً للجميع لو أن هذه الدول تهيء الإمكانات وتقدم التسهيلات اللازمة لشعوبها كيما تذهب إلى هناك وتلتقي مع بعضها البعض في جو تملأه الأخوة والتفاهم، فيتبادلون فيما بينهم أطراف الحديث عن آمالهم وآلامهم، عن مشاكلهم وهمومهم، والتحديات التي يتعرض لها إسلامهم، وما تسببه لهم دول الاستكبار العالمي من مصائب وويلات، يتباحثون ويتحاورون ويتناقشون حول هذه المسائل ثم يعودون إلى بلدانهم بآفاق تفكير أرحب، وبمعلومات ووعي أنضج، فيطرحونها على أبناء محلتهم وبلدتهم فيزيدهم ذلك وعياً وعلماً. فلو كانت هذه الدول، دولًا مدركة لأبعاد هذه المسائل وأهميتها، ولا تريد أن تكون خاضعة لسلطة القوى الكبرى، وتدرك لذة حكومة تحكم مجتمعاً يقظاً وواعياً هي أكبر بكثير من حكومة تحكم مجتمعاً جاهلًا لا يفقه شيئاً، وأن التحرر من سيطرة وهيمنة القوى الكبرى، مهما جرّ ذلك علينا من المصائب والمتاعب، هو خير من جلوسنا في القصور الفخمة وركوبنا للسيارات الفارهة ونحن عبيد للآخرين. ولو كانت هذه الدول تدرك هكذا أمور، لكفّت عن ممارساتها الخاطئة ضد شعوبها، ولتوحّدت مع هذه الشعوب، وهيأت لها الإمكانات والوسائل اللازمة لتؤدي مناسك هذا الحج العظيم كما يجب وينبغي، لا كما هو سائدٌ الآن، ولشاركوا هم أنفسهم في ذلك المحفل، وجلسوا إلى بعضهم البعض ليعالجوا قضاياهم ومشاكلهم بأنفسهم، عندها يمكن للإسلام أن يتحول إلى قوة عظيمة، لا يمكن لأية قوة في العالم أن ترهبه أو تقف أمامه. هذا كلّه، يعني دعوة الناس من كافة بلدان العالم للاجتماع في مكة لأداء مراسم الحج على نحو الوجوب كما ورد في الآية الشريفة «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلًا» «4». هذا كلُّه يمثل أحد الطرق، فهناك طرق أخرى تدعو إلى هكذا اجتماعات، ولكن على نطاق أضيق فأضيق. منها اجتماعات العيدين عيد الأضحى وعيد الفطر مرتين في السنة. ويحتشد فيها أبناء البلدة الواحدة، هي الأخرى ذات أبعاد سياسية، صلاة الجمعة والتي تقام كل أسبوع مرّة واحدة أيضاً من المسائل ذات الطابع السياسي. هذه الاجتماعات يجب أن تقام كما ينبغي، وتعالج فيها قضايا اليوم وأحداث الساعة، حتى يتحقق الغرض الكامل منها. وبحمد الله إن السنوات الأخيرة شهدت تحسناً في هذه المسألة وعلى السادة أن يبلّغوا لكي يزداد هذا التحسن أكثر فأكثر. كما أن هناك الاجتماعات التي تحدث في صلاة الجماعة والتي يجتمع لأجلها الناس كل يوم في المساجد، هي الأخرى ذات بعد سياسي، ولكن على أن يجتمع فيها شباب وليدعوا الشيوخ وكبار السن.
فلو كنا ندرك ما لهذه الاجتماعات، والتي أعدها الإسلام لنا وأمرنا بها، من فوائد، وما لها من أبعاد وتأثير في حلحلة الكثير من قضايانا السياسية والبلايا والمصائب التي نحن فيها، لما تعاملنا معها على هذه الحال من الضعف والتهاون بحيث تصبح مساجدنا مركزاً لبعض كبار السن والعجائز من النساء والرجال، ولكن عندما يشارك جميع الناس في هذه الاجتماعات، ويحضرها مختلف شرائح المجتمع وفئاته، ويقوم الخطيب فيها بطرح ومعالجة مسائل اليوم، ومشاكل المجتمع، عندها ستصبح هذه الاجتماعات اجتماعات حيّة مثمرة وفعّالة، تساهم في حلحلة الكثير من القضايا والأمور. نفس هذه الشهور الثلاثة، رمضان ومحرم وصفر، فيها من البركات والخير ما لا يمكن إحصاؤه، هذه المراسم والاجتماعات التي تقام في عاشوراء في ذكرى استشهاد أعظم شهداء العالم، الإمام الحسين (ع)، هي في حد ذاتها تشتمل على الكثير من البركات والفوائد، فكيف إذا طرحت فيها المسائل السياسية، وأهم قضايا اليوم والساعة.
الدعاية المنظمة من أجل إضعاف شعائر ومظاهر الإسلام
إننا اليوم أحوج ما نكون لهذه المجالس، فلا تصغوا إلى الكلام الذي يقال، بأن علينا الآن، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، أن نترك الاهتمام والإنفاق على هذه المجالس ومجالس العزاء، ونحوّل ما ننفقه فيها لننفقه على المتضررين من الحرب، كلّا؛ ليست المسألة كذلك، فالمتضررون في الحرب علينا أن نساعدهم ونؤمن لهم نفقاتهم، وأمتنا وشعبنا مطالبون بتقدير هذه الجهود والتضحيات التي بذلها شباننا في الحرب، وإعانة أولئك الاشخاص الذين تضرروا منها، واستقبال الذين شُرّدوا وأُبْعِدوا عن بيوتهم على إثرها، فهذا واجب إنساني، إلهي، ولكن هذا ليس معناه أن نترك جميع أعمالنا الأخرى، ونتمسك فقط بهذا الأمر، بل علينا أن نتمسك بها جميعاً.
فاليوم نحن بحاجة أكثر مما مضى لمجالس العزاء الحسيني هذه، فإن هذه التجمعات والاجتماعات التي تحدث في هذه المناسبة وتعمُّ أرجاء البلاد راحت تأخذ طابعاً سياسياً اليوم، والحق هو هذا، فلو أن هؤلاء الثلاثين مليوناً أو يزيدون من أبناء أمتنا، شاركوا في مجالس واجتماعات أيام محرّم التي أعدها الله لنا وهيأها، وأكثر أئمتنا الأطهار من التوصية والتأكيد عليها، بحيث من يحضرها فإن له من الأجر والثواب الكثير عند الله. أقول: لو شارك هؤلاء الخمسة والثلاثون مليوناً في شهر محرّم وفي هذه الأيام العشرة منه، وقام الخطباء بمعالجة وطرح مسائل وقضايا اليوم عليهم، وقرأوا لهم مجالس العزاء، وأبكوهم على سيد الشهداء، لتحولت هذه المجالس إلى مجالس ثورة، ومنابع للثوار والأحرار. فإن هذه المجالس هي عنوان وشعارٌ إلهي.
«لقد قمنا اليوم بثورتنا وانتهى الأمر، ولم يعد هناك حاجة لمجالس العزاء هذه» إن هذه العبارات الخطيرة التي جعلوا الألسنة تلوكها، تعادل تماماً قولنا: لقد ثرنا وانتصرنا، ولم يعد هناك حاجة لأن نصلي. نحن ثرنا لكي نحيي شعائر الإسلام، لا لنقتلها ونميتها فالحفاظ على عاشوراء حيّة، من القضايا السياسية- العبادية الهامة، وإقامة العزاء على الشهيد الذي ضحى بكل ما يملك في سبيل الإسلام وإعلاء كلمته، مسألةٌ سياسية كان لها بالغ الأثر في تقدّم ثورتنا وانتصارها. إننا نستفيد من هذه المجالس والاجتماعات. إننا نستفيد من نداءات «الله أكبر» وقد استفادت أمتنا منها. فعلينا أن نحفظ نداءات «الله أكبر» هذه. عليكم أن تدركوا أن هذه الشعائر والمظاهر والأمور التي أوصانا بها الإسلام، ليست مجرد قضايا سطحية يراد منها أن نجتمع ونبكي وانتهى الأمر، كلّا؛ ليس الأمر كذلك، وإنما نحن أمةُ البكاء السياسي، نحن أمةٌ تصنع من دمع مآقيها سيلًا عرمرماً يحطم كلَّ السدود التي تقف بوجه الإسلام. فإن كان البكاء أمراً معيباً، فلماذا أقام هؤلاء زمن رضاخان مجالس احتشدوا فيها يبكون هزيمة إيران على يد الإسلام؟ إن كان في البكاء ما يعيب، فكيف بكى هؤلاء؟ إنهم كانوا يريدون بأعمالهم هذه أن يحيوا المجوسية وقوميتهم التي يفتخرون بها، ولهذا كانت تقام هذه المجالس ويُدار فيها الحديث، وتجري فيها الدموع، أن لماذا هُزم المجوس على يد الإسلام؟ وإن هذه الأفكار المهترئة لا تزال إلى الآن في أذهان البعض. إنهم لا يريدون لكم أن تبكوا على شهيد الإسلام، ولكنكم لو بكيتم على هزيمة فعندها سيقولون: كلا، البكاء شيء جيد. فهؤلاء لا يريدون لكم أن تبكوا ذلك الشخص الذي ضحى بكل ما يملك في سبيل نصرة الإسلام. إن هؤلاء لا يريدون لكم أن تُبقوا على حياة تلك الواقعة التي استطاعت تحطيم عروش الظلم والاستكبار، لأنها ستلهمكم وتولّد فيكم الكره للظلم وللاستكبار، وهذا ما لا يرضون وقوعه. ومن المؤسف أن عمل هؤلاء المنحرفين المأمورين هو نشر هذه الدعايات الباطلة والترويج لها وقد نجحوا في خداع الكثير من شبابنا، بحيث أن بعضهم صدّق هذه الدعايات. فعلى شبابنا أن يدركوا أن أي دعاية فيها استهدافٌ لواحدة من مظاهر الإسلام أو شعائره، إنما هي من صنع أولئك الكبار الطامعين والذين ينفذونها على أيدي عملائهم في الداخل، وذلك لضرب الإسلام وإضعافه. على شبابنا المؤمن والفعّال والنشط أن يفكّر بالأسباب الكامنة وراء مخالفة ومعاداة هؤلاء لكل واحدة من شعائر الإسلام تلك. فما الذي تخفيه العمامة حتى يحاربوها ويعادونها بهذا الشكل، وما الذي تخفيه مجالس العزاء حتى يعملوا جاهدين للقضاء عليها؟ ما الذي يمكن أن تصنعه هذه المجالس، وأن تتفق جميع الأمة على الخروج إلى الشوارع للهتاف واللطم؟ لو أنهم فكروا بهذه المسائل في وقت من الأوقات، ولو أن العلماء والخطباء المنتشرين بينهم، تواعدوا ونسّقوا معهم في تلك الأيام على الخروج والتحرك ضد قوة ما، فما الذي يمكن أن يحدث عندها؟
إن كل خوفهم هو من هذا، فهم ليست عندهم مشكلة مع البكاء، وأن تجلسوا لتبكوا وتلطموا، ولكن على أن تعطوهم نفطكم وثرواتكم! أقيموا من المجالس ما تشاؤون، ليست عندنا مشكلة، ولكن لا تسخِّروها لمخالفتنا!
فهؤلاء يخافون هذه المجالس، يخافون من أبعادها السياسية. واليوم لم تعد مجالسنا كالسابق فقد طرأ عليها تغيّرٌ وتحوّل ملحوظ شمل جميع المجالس وجميع أبناء أمتنا، ولكن هذا ليس معناه أن يظن أولئك التنويريون من المهتمين بالجوانب السياسية بأن مجالس البكاء هذه لم تعد لها جدوى، فإن هذه الدموع وهذا البكاء هو الذي دفعنا إلى الأمام، وإن هذه الاجتماعات والمجالس هي التي أيقظت الناس. فعلينا أن نعتبر من حملة المعارضة التي وقعت زمن رضاخان والتي لا نشك بأنها كانت مبيتة، فليس من المعلوم أن يتفوَّه رضاخان بذلك، دون أن يأتيه أمرٌ منهم، فعلينا أن نأخذ درساً من هذه المعارضة التي حدثت، فننظر إن كانوا مخالفين لمجالس العزاء، فنعلم أن مجالس العزاء تتعارض مع مصالحهم، أو كانوا معارضين لرجال الدين، فمعناه أن وجود رجال الدين فيه ضرر عليهم، أو كانوا مخالفين للجامعة، فمعناه أن الجامعة مخالفة لهم فالجامعة الحقيقية يمكن التعرف عليها من معارضتها أو موافقتها لهؤلاء. ولهذا فمن الطبيعي أن تكون الجامعات التي تم تأسيسها من قبلهم، والتي يوظفون المتخرجين منها للعمل لحسابهم، موالية لهم ولا تعارضهم، ولكنهم اليوم وفي ظل الثورة الإسلامية، فإنهم معارضون لكل شيء، معارضون لجامعاتها، معارضون لمجالس عزائها، معارضون لرجال دينها، مخالفون حتى للكسبة من شبابها المتدينين.
فاليوم، يوم معارضة القوى العظمى الشاملة لهذا الشعب وفي جميع مظاهره الإسلامية، فعلينا أن نكون يقظين متنبّهين. فحملاتهم الدعائية أخطر علينا من شنهم حملات عسكرية، لذا علينا أن لا نتعامل ببساطة مع دعايتهم هذه، فما الذي يُخيفنا من الحرب؟
فالأمة التي تستعد للاستشهاد وتعتبر الاستشهاد فوزاً عظيماً، فما الذي يُرهبها من هكذا مسائل؟ بل إضافةً إلى مسألة عدم الخوف، فإن نفس الحرب إذا اشتعلت تبعث على إيقاظ الأمة وتزيد من حركتها وفعاليتها.
انظروا إلى الحرب التي فرضوها على إيران، هذه الحرب التي قام بها عددٌ من الخونة والأعداء الألدّاء للإسلام، انظروا كيف أنها بعثت الحياة في إيران من جديد، وكيف وحّدت إيران كلها، وساقتها نحو هدف وغاية واحدة، لتنطلق في ثورة جديدة. فأي من الأمور كان بإمكانه أن يعبّيء الجماهير على هذا النحو؟ إنها الحرب وحدها التي استطاعت ذلك، إذاً ففي الحرب أشياءٌ قد تبدو لنا بأنها سيئة، ولكن سرعان ما يتضح أنها جيدة. بكل تأكيد أننا فقدنا الكثير من شبابنا فيها، والإسلام فقد الكثير من هؤلاء الشباب، ونحن في حربنا لم نفقد حتى الآن بمقدار ما فقده المسلمون في حرب صفين، بل أقل من ذلك بكثير، ولكن كل ذلك في سبيل الإسلام وعندما يكون في سبيل الإسلام، فمما خوفُنا؟ فالحرب استطاعت إيقاظنا والقضاء على حالة الخمول والكسل والضعف التي دبّت فينا، لتُعيدنا إلى حالة الصلابة والفعالية والنشاط التي كنا عليها.
إن أكثر ما يخيف الإنسان، حملات الدعاية المنظمة هذه، التي يديرها هؤلاء فإنها أوّل ما تظهر تظهر على شكل عبارات يتناقلها عدد من الأشخاص هنا، وآخرين هناك ثم لا تلبث أن تتفشى في المجتمع كلِّه، وتؤثر على الرأي العام فتغيره. فعلينا أن نخاف قليلًا من هذه الألاعيب الشيطانية وأن نكون على حذر منها والاهتمام بها.
بما أن هؤلاء يجعلون المجالس الإاسلامية ومجالس العزاء (غير دافئة) في أعينكم، ويذهبون إلى القرى، وإلى هنا وهناك ويقولون بان فلاناً قال ان مجالس العزاء غير ضرورية، وأنتم كونوا في خدمة هؤلاء، فكيف لفلان أن يتفوه بمثل هذا الكلام؛ فمن الذي يعلم مدى البعد السياسي والإسلامي لمجالس العزاء؟ ومن الطبيعي أن يتم دراسة هذه الأمور، وهو واجب الحكومة والشعب، والجميع، فاولئك هم جزء منا، إنهم إخواننا. دمّروا بيوتهم، وقتلوا البعض منهم وقضوا عليهم، وبات هؤلاء من دون مأوى. فجاؤوا إلى هنا، وأينما حلّوا فيجب استضافتهم.
طرح المسائل السياسية والاجتماعية في مجالس العزاء
إن مسألة اجتماعنا واستنفارنا لجميع طاقاتنا وقوانا من أجل ضرب القوى الكبرى وإفشال مخططاتها، لا يعني أبداً إهمالنا وتركنا للمسائل والقضايا الأخرى، بل علينا أن نتمسك بجميع المسائل. فمجالس العزاء يجب أن تكون، وأن تبقى كما هي، وعلى الخطباء وأرباب المنابر أن يسعوا جاهدين للإبقاء على ذكرى شهادة الإمام الحسين (ع) حيّةً. وعلى الأمة بأسرها أن تسعى وبكل قوة واقتدار لإبقاء الشعائر الإسلامية وهذه المناسبة بالذات حيّة خالدة، فإنما الإسلام يحيا، بإبقاء ذكرى شهادة الحسين حيةً. فما رُوي عن رسول الله (ص) بأنه قال: «حسين مني وأنا من حسين» «5» معناه أن الحسين مني وإني أبقى حيّاً به، لأنه يشكل إمتداداً لي.
فلشهادة الحسين بركاتٌ جمّة لا يمكن إحصاؤها، مع أن أعداء الإسلام حاولوا ومنذ القدم محو آثارها من الوجود، وكانوا في صدد إجتثاث بني هاشم من الأساس، «لعبت هاشمُ بالكذا» «6»، فقد كانوا يخططون للقضاء على أساس الإسلام، وتحويل الدولة الإسلامية، إلى مملكة عربية، مما جعل المسلمين، عربهم وعجمهم، وجميع المسلمين يتنبهون إلى أن القضيّة ليست، قضية عربية أو عجمية أو فارسية، وإنما القضية هي الله والإسلام.
فعليكم أن تحفظوا هذه المجالس، فإن هذه المجالس والاجتماعات الدينية والإسلامية هي التي تحفظ الإسلام حيّاً في قلوبنا، فحافظوا على الجماعات وحافظوا على الجُمعات، وحافظوا على الأعياد الإسلامية وما فيها من شعائر. حافظوا على مجالس العزاء بنفس هذه العظمة وهذا الزخم الذي كنتم تؤدونه، بل اجعلوها أعظم من ذلك.
وأمّا الخطباء وأرباب المنابر- أيدهم الله تع%