شناسه مطلب صحیفه
نمایش نسخه چاپی

خطاب‏ [السر في معارضة الأعداء لعلماء الدين، بيان خصائص الثورة الإسلامية]

طهران، جماران‏
السر في معارضة الأعداء لعلماء الدين، بيان خصائص الثورة الإسلامية
جمع من أصحاب المهن والتجار ومختلف الشرائح في قم‏
جلد ۱۳ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۲۸۱ تا صفحه ۲۸۸

بسم الله الرحمن الرحيم‏

سبب خوف الأعداء من علماء الدين‏

لو دققنا في مطالعة أحداث المئة سنة الأخيرة من التاريخ، لأدركنا السبب الكامن وراء هذه الحملات المسعورة ضد علماء الدين، والتي تشنها مجموعات من المتآمرين في الخارج والداخل عبر صحفهم. فما هو السبب الحقيقي وراء هذه الحملات؟ لقد أدرك هؤلاء مدى التأثير والنفوذ والمكانة التي يحظى بها علماء الدين في أوساط الشعب ومدى خطرهم على مصالحهم وأهدافهم الاستعمارية في المنطقة وذلك من خلال عدة صفعات تلقوها على أيدي هؤلاء، كانت أولاها تلك الصفعة المؤلمة التي تلقوها على يد المرحوم الميرزا الشيرازي «2» قبل مئة سنة حيث استطاع وهو الشيخ الهرم الذي يعيش في إحدى قرى العراق النائية «سامراء» وبسطر واحد أن يلغي اتفاقية التنباك المذلة والمبرمة بين الإنكليز وناصر الدين شاه، تلك الاتفاقية الاقتصادية في الظاهر، والاستعمارية في الجوهر، التي تهدف إلى أسر إيران وإخضاعها للإنكليز. فقد لاقت هذه الفتوى تفاعلًا وتجاوباً شعبياً منقطع النظير نفذ إلى أعماق بلاط الشاه وأقربائه وحاشيته، بحيث كسر هؤلاء نارجيلاتهم إمتثالًا لهذه الفتوى، وفي أماكن أخرى تم احراق كميات كبيرة من التنباك غالي الثمن في الساحات العامة. لقد كان لهذه الحادثة دور كبير في جعل هؤلاء يناصبون العداء لعلماء الدين ويسعون لإضعاف نفوذهم والقضاء عليهم. مضت السنين واستعرت نيران الحرب العالمية الأولى‏ واقتضت طبيعة مجريات الأحداث أن يشن الإنكليز هجومهم على العراق ليحتلوه، ولكن مرة أخرى ظهرت تلك العمامة من بين الجموع لتصدر حكمها وتعطي أوامرها بالجهاد العام والدفاع عن حرمة الإسلام والوطن من أن يدنس. وقامت جموع المسلمين ملبية النداء لتهزم الإنكليز وتدحرهم لينجو العراق وشعبه من شرهم. إنها الصفعة الثانية ولكن هذه المرة على يد شيرازي ثان، وهو الميرزا الشيخ محمّد تقي «3» (رضوان الله عليه). مرة أخرى عادت العمامة لتثبت وجودها ودورها الفعال والمؤثر في القضايا المصيرية للأمة، هذه المرة مجموعة من علماء النجف وعلماء طهران يسعون لوضع حد لاستبداد الحكومة والديكتاتورية الداخلية وذلك من خلال قيامهم بحركة الدستور التي انتهت بوضع دستور جديد يحدد للشاه والحكومة وظائفهم وحدود صلاحياتهم. لقد كانت هذه بمثابة صفعة ثالثة للإنكليز على يد علماء الدين من خلال تحجيم دور عملائهم في الداخل، على إثر ذلك قام هؤلاء باعتقال أحد علماء الدين البارزين وهو العالم المجاهد والمجتهد الفاضل الشيخ فضل الله نوري الذي أصر حتى النهاية على ضرورة أن يكون الدستور شرعياً وموافقاً لقوانين الإسلام، مما حدا بهؤلاء لتدبير مؤامرة محاكمته وذلك على يد منحرف على هيئة عالم دين، ليصدر هذا الأخير حكمه المشؤوم بإعدام الشيخ، وقد نفذ هذا الحكم وتم إعدام الشيخ في ساحة توبخانه أمام الملأ العام «4».
ربما يظن البعض أني أدافع عن علماء الدين وأظهر فضلهم بدافع التعصب للجماعة ولأني واحدٌ منهم، ولكني ذكرت مراراً بأني لست على وفاق مع كل من وضع العمامة على رأسه وأطلق على نفسه لقب عالم دين. فعالم الدين الذي يعمل على خلاف الإسلام والقرآن ويحيك المؤامرات هو أخطر على الأمة من السافاكي، لأن السافاكي واضحٌ أنه سافاكي، ولكن السافاكي المعمَّم تخفي العمامة حقيقته، فليس كل من وضع العمامة كان جديراً بالاحترام والتأييد، بل إني أشعر بالنفرة ولا أعترف بالكثير منهم، وقد ذكرت مراراً أن على المحاكم ولجان الثورة أن تتوخى الحذر وأن تعتقل وتحاكم كل عالم دين يثبت ضلوعه في أعمال مخالفة للقانون. فأعداؤنا لا يكنون العداء والحقد لهذا النوع من علماء الدين وإنما يضمرون الحقد والعداء لعلماء الدين من أمثال صاحب ثورة العشرين وصاحب فتوى التنباك، وأصحاب حركة الدستور.

تآمر الأعداء لتهميش علماء الدين وإقصائهم‏

لقد كانت خطتهم تهميش دور علماء الدين ليقتصر على صلاة الجماعة والعبادة والدعاء في المساجد. ولكن في حقيقة الأمر القضية أبعد من ذلك، إذ حتى لو لزم علماء الدين مساجدهم وأخلوا الساحة لهؤلاء، فإن هؤلاء لن يتركوهم وشأنهم وسيسعون لتنظيف المساجد منهم على حد تعبيرهم. وذلك من خلال دس أفراد تابعين لهم لا يفقهون من الإسلام شيئاً ليتولوا أمور المساجد وإمامة المصلين، وشيئاً فشيئاً يسلبون المساجد من علماء الدين الحقيقيين، فقد رأيتم عهد محمّد رضا كيف كانوا يدسون في كل مسجد من مساجد طهران- ولا أعلم إن كان الوضع كذلك في المناطق الأخرى أم لا- ضابطاً متقاعداً من السافاك ليراقب الأوضاع ويترصد لهم الأخبار. إذاً حتى لو لزم علماء الدين مساجدهم لن يتركهم هؤلاء وسيسعون لأخذ المساجد منهم، فعليكم كمسلمين اليقظة تجاه هكذا أمور وعدم التهاون فيها.

الهدف الاساسي للأعداء ضرب الإسلام‏

إن الهدف الأساسي لهؤلاء هو الإسلام لا علماء الدين، لأن الذي يمنح علماء الدين القوة ويعطي لكلامهم المصداقية هو الإسلام. فالأساس هو الإسلام، وهؤلاء معارضون لهذا الأساس، وأتباع أوفياء لأمثال ذلك الشخص «5» الذي أمسك بالقرآن وراح يسي‏ء إليه وينال منه ثم قال: ما دام هذا القرآن بين المسلمين فلن يستطيع الإنكليز السيادة عليهم وإخضاعهم.
فهؤلاء هم تلامذة وأتباع لأولئك؛ ويسعون لمل‏ء أذهان تلامذة المدارس الصغار وبعض المساكين من البسطاء في التفكير، بأفكار ومفاهيم مبعِّدة عن الإسلام ومنفرة منه، وهؤلاء على بساطتهم يصدقون ذلك. فعلى عقلاء الأمة أن يفكروا جيداً بالأساس الذي ينطلق منه هؤلاء، ومالذي يريدون الوصول إليه. وإن الذي ذكرتم عما يجري في قم ليثير الدهشة حقاً، لكني أعرف قم جيداً ونشأت فيها، وعندما تتحسن صحتي سأقوم بزيارتها، وإني على يقين بأن القميين لن يتخلوا عن إسلامهم بأي شكل من الأشكال.

مناصبة العداء لعلماء الدين وتسليم البلاد للأجانب الطامعين‏

كلامي هذا موجّه للأجيال القادمة، وعليكم أنتم أن تتنبهوا له جيداً من بعدي. متى ما سمعتم شخصاً أو جماعة أو حزباً يتكلمون بكلام ضد علماء الدين أو إحدى الشخصيات‏ العلمائية البارزة والمؤثرة بينهم- طبعاً الخلافات الشخصية خارجة عن الموضوع- ويتخرصون بكلمات من قبيل أن على هؤلاء أن يلزموا مساجدهم ولا يحشروا أنوفهم في الشؤون السياسية والاجتماعات لأنهم يفسدون أكثر مما يصلحون وما شابه ذلك من التخرصات، فاعلموا جيداً أن هدف هؤلاء أبعد من ذلك بكثير، وأنه على فرض لزم علماء الدين مساجدهم وتركوا التدخل في الشؤون الأخرى، فإن هؤلاء لن يتركوهم بسلام وسيسعون لإيذائهم وتقليب الأمور عليهم حتى وهم في مساجدهم، من خلال زرع الفتنة في المساجد عبر علماء دين من أزلامهم وعملائهم، وبالتالي سلب علماء الدين آخر معاقلهم وتهميش دورهم بشكل كامل ليعيشوا على هامش الحياة. فإن الذين يخططون لهؤلاء ويحركونهم ليس هدفهم الرئيسي علماء الدين، أو هذه الشخصية العلمائية أو تلك، وإنما هدفهم الإسلام والقضاء عليه، وذلك من خلال السيطرة على مراكز حفظه ونشره وهي المساجد، لينشروا من خلالها الإسلام الذي يريدون. فاعلموا أن مساجدكم ومحاريبكم خنادق وجبهاتٌ للجهاد فحافظوا عليها من أن تسقط بأيدي هؤلاء.

دور المساجد واتحاد علماء الدين والجامعيين‏

لقد عانى هؤلاء كثيراً من المساجد، وخصوصاً في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة. فقد كانت معقلًا للثورة والثوار ومركزاً لاستنهاض الشعب ضد الظلم والطغيان، ولهذا يريدون الإستيلاء عليها، وحتى لو استولوا عليها فهل سيقتنعون بذلك؟ بالتأكيد لا؛ هذه المرة سيتوجهون نحو الجامعات ليحولوها إلى مراكز لخدمة الغرب أو الشرق بحيث لا تخرّج إلا خدّاماً أو عملاء لهم، وعلى هذا تصبح الجامعات خادمة لمصالح أولئك، وبما أن المسؤولين في الحكومة والنواب في المجلس هم على الغالب من خريجي هذه الجامعات، فستتحول هذه المراكز بدورها إلى مراكز عميلة لهم وخادمة لمصالحهم وبعد أن تصبح كل هذه المواقع المهمة في خدمتهم ورهن إشارتهم، سيكون كل ما ينتجه العمال والفلاحون والتجار لحسابهم وفي خدمتهم، فهدف هؤلاء تحويل البلد بأسره إلى مستعمرة للغرب ومركز لحماية أهدافه ومصالحه في المنطقة. فالقضية ليست مجرد قضية العداء لعلماء الدين وإنما العداء لأصل الإسلام الذي يمنحهم هذه القوة ويعطيهم هذا النفوذ والمصداقية، فقد لمس هؤلاء وقبل مئة سنة من الآن ما لهذه الطبقة من نفوذ وتأثير وامتداد في أوساط الشعب، وذاقوا مرارة الهزيمة على يديها عدة مرات، مما جعلهم يدركون جيداً أن السبيل الوحيد للوصول إلى أهدافهم إنما يكون بالقضاء على هؤلاء لأنهم يقفون حجر عثرة في طريقهم. وعلى هذا فعلينا أن نعي جيداً أن حرية واستقلال وعزة بلدنا تتوقف على مدى تكاتفنا وتضامننا كعلماء دين وجامعيين وتجار وعاملين ومسؤولين في كافة أجهزة الدولة ودوائرها. فما دمنا يداً واحدة وقلباً واحداً ينبض بحب الحرية والاستقلال، فلن يستطيع أحدٌ أن يهزمنا أو يلحق السوء بنا. ولأنهم يدركون هذا المعنى جيداً، راحوا يعتمدون أسلوب التقدم التدريجي على طريقة الجيوش في الجبهات، من خندق إلى خندق شيئاً فشيئاً في البداية يبدأون بعلماء الدين فيعملون على إضعافهم وتهميش دورهم حتى إذا انتهوا من ذلك ذهبوا الى الجامعات والجامعيين ثم الجيش والقوات المسلحة ثم الحكومة وهكذا يتقدمون خطوة، خطوة ووفق خطط مدروسة ومنطق فرّق تسد، ليجردوا هذه القوى الواحدة تلو الأخرى من سلاحها، ليبقى في النهاية زمرٌ من الناس غاطون في غفلتهم ولا يحفلون بكل ما يجري حولهم. فقد كانوا يخططون من السابق لمثل هذه الأيام، ولكنهم لم يتصوروا أن تصل الأمور إلى هذا الحد، وأن يستطيع الإسلام هدم عرش الطاغوت وطرد قوى الشر والاستكبار من إيران. فقد هالهم ما رأوا من قوة الإسلام وإقتداره، ولهذا راحوا يجنّدون كل طاقاتهم للقضاء عليه قبل أن يقضي على وجودهم في المنطقة بأسرها. فأنا إذ أقدم نصيحتي لكم وللأجيال القادمة إنما أريدكم أن تتنبهوا إلى أن أي شخص يعمل على إشاعة روح الفرقة والإختلاف في البلاد ويعمل على إضعاف علماء الدين ويسعى في عزلهم وتهميش دورهم إنما يساهم في إعانة الأعداء على تنفيذ مخططاتهم وتحقيق مآربهم، فعلينا أن نكون يقظين، ونسعى جاهدين للحفاظ على وحدتنا وتكاتفنا، ولا نسمح للأعداء بتشتيتنا وزرع التفرقة بيننا.

القضاء على الإسلام باسم الإسلام‏

ما أود أن أوصي به جميع شعوب العالم والأجيال القادمة وعلى الخصوص الشعب الإيراني العزيز، التنبّه إلى هذه المسألة المهمة والأساسية وهي أن الإسلام يتعارض كلية مع مصالح وأهداف القوى الكبرى. وعلى هذا سيعمل هؤلاء إمّا على إزالته من الوجود وإمّا على تشويهه وإعطائه صورة محرّفة تتناسب مع أهدافهم ومصالحهم. وبما أن القضاء عليه أمرٌ محال، فليس أمامهم إلا إتباع أسلوب التحريف والتلاعب وتشويه الحقائق والمفاهيم الأصيلة للإسلام وذلك على طريقة «يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض» فيقتطعون من القرآن والسنة، ما يعجبهم من الآيات والأحاديث التي تخدم مصالحهم ويذرون ما يتعارض معها، ليقضوا بذلك على الإسلام بإسم الإسلام وسيفه. فيأتون إلى القرآن فيأخذون آية من آياته ثم يذهبون إلى نهج البلاغة ليقتطعوا عبارةً منه، مع التغافل المتعمد للأخريات، ثم ليقضوا على القرآن والاسلام بنفس هذه العبارات والآيات. إنهم يريدون قتل الإسلام بسيف الإسلام. وهذا الأسلوب اتبعوه حتى في العراق فإن جدران النجف وكربلاء مليئة بأمثال هذه الجمل والعبارات وقد شاهدتها بأم عيني، نفس الجمل والعبارات التي يرددها المنحرفون عندنا، تجدها مكتوبة على جدران النجف وكربلاء. هل سمح حزب البعث الكافر بكتابتها إيماناً ومعرفة بحقها وقدرها وهو الذي يرى في الإسلام أعدى أعدائه أم ليضرب الإسلام بسيف الإسلام؟
إنهم يتلاعبون بالقرآن والسنة ليقضوا على الإسلام بإسم الإسلام. ولقد حالفني الحظ لألتقي بواحد من هؤلاء الجهال الذين يتمسكون ببعض الآيات والروايات ويغضون الطرف عن غيرها، وذلك أيام الشباب بينما كنت في طريقي لزيارة الشاه عبد العظيم، كان واعظاً وخطيباً قديراً إلا أنه كان يفتقر للكثير من العلم والمعرفة الإسلامية، عندما رأى العمامة على رأسي ناداني لأجلس إلى جانبه وراح يحدّثني بمواضيع مختلفة وأنا أصغي إليه، حتى إذا اقتربنا من الشاه عبد العظيم، خاطب السائق قائلًا: أسرع قبل أن تصبح صلاة المغرب قضاءً، مع أن الوقت كان أول المغرب، فقلت له: ولكن المغرب لا تصلّى قضاءً في مثل هذا الوقت، فقال: ولكن هناك رواية تأمر بعدم التأخير، فأجبته: ولكن هناك روايات أخرى في المسألة، فقال: ليس لي حاجةٌ بها. إن هذه الطريقة في التعامل مع القرآن والسنة، في أن نأخذ العبارة الفلانية من القرآن أو نهج البلاغة ونعرض عن غيرها مما يتناول نفس الموضوع، هذا الأسلوب الاجتزائي فيه قضاء على القرآن والسنة بل فيه قضاء على أصل الإسلام.
ومن المصائب التي نعاني منها اليوم وقد أشارت الروايات إلى وقوعها قيام بعض الأشخاص ممن لا يمتلكون عمق كاف في العلوم والمعارف الإسلامية، بالدعوة إلى نبذ الإسلام التقليدي وطرح إسلام عصري وحديث، فيأخذون من القرآن والسنة ما يناسب توجههم من الآيات والروايات والعبارات ويطرحونه على الشباب والطلاب في المدارس والجامعات وينتقدون ويصرخون، ويعبئون هؤلاء ويحرضونهم للقيام بمختلف الأعمال.
ففي الوقت الذي يفني فيه الفقيه عمره في تدقيق المسائل وتنقيحها ودراسة أسانيدها، ويلجأ إلى الإحتياط في المسائل التي لا تساعد الأدلة على الحكم الجازم بها، يأتي أمثال هؤلاء ممن لم يجلسوا يوماً للنظر في مسائل الفقه وعلومه ليطالبوا بإحداث ثورة وتغيير في نفس الإسلام، وأن على الإسلام أن يكون كذا وكذا، إن هؤلاء لا يدركون أو أن أكثرهم يدرك ما يقول ولكنهم يريدون ضرب أسس الإسلام، والقضاء على أحكامه الواحد تلو الآخر. فعليكم أيها الإخوة بالحيطة والحذر، فإني أعلم بمقدار الحب والولاء الذي يكنه القميون وجميع تجار السوق في إيران للإسلام وبمقدار التضحيات بالأنفس والأموال والأولاد التي قدموها في سبيله وأنا على يقين بأن هكذا أمة تقدّم هكذا تضحيات وتتحمل كل هذا العناء في سبيل الإسلام، لن يقدر أحدٌ على حرفها عن إسلامها بهذه البساطة، فقد مضت سنتان ولم ينجحوا في ذلك، ولن ينجحوا أبداً، بإذن الله، ولكن هؤلاء الشياطين يحسنون الطبخ على نار هادئة والتخطيط لمئة سنة قادمة، والتقدم نحو أهدافهم بشكل تدريجي‏ ومرحلي، خطوة بخطوة. فيبدأون أولًا بإضعاف علماء الدين وتفريغ المساجد الواحد تلو الآخر، ثم ينتقلون إلى الجامعات فالجيش فالحكومة وهكذا إلى أن يبسطوا سيطرتهم على الأمور كلها. فعلينا وعلى الأجيال القادمة، كلٌّ في زمانه، أن نكون على حذر من خطط هؤلاء ومؤامراتهم وأن نعلم جيداً أن هؤلاء الشياطين يكمنون لنا ويترصدون لأي غفلة منا ليقضوا على إسلامنا، فإن ما رأوه من الإسلام لم يروه من غيره، حتى المسيحية ورجال دينها تعرضوا لنفس الحملات، ومورست ضدهم نفس الأساليب، وأمروا بلزوم كنائسهم وصلواتهم وترك السياسة وشؤونها للملوك والحكام، وهذا نفس ما طرح بالأمس في قم، ونفس ما طرحه الإنكليز سابقاً وتطرحه أمريكا والآخرون اليوم.

الحكومة الإسلامية هي الضامن الوحيد لسعادة الشعوب‏

علينا وعلى الأجيال القادمة أن ندرك، أن الإسلام غني بكل شي‏ء، لذا علينا حفظه ورعايته والاجتماع تحت رايته. فالحكومة الإسلامية تختلف عن غيرها من الحكومات في أنها تسعى إلى إغناء مختلف أبعاد وحاجات الإنسان والمجتمع الإنساني، المادية منها والمعنوية، وأنه في حالة تطبيق الأحكام الإسلامية إن شاء الله كما هي وكما أنزلت على الرسول الأكرم (ص) وكما ورد في القرآن الكريم وإقوال الأئمة الأطهار (ع) فإنه ستُضمن للبشرية والأمم جمعاء سعادة الدنيا والأخرة.

الثورة الإيرانية، خسائر قليلة وإنجازاتٌ كثيرة

مما لا شك فيه أن أي ثورة تقوم، لا بد أن يواجهها بعد انتصارها الكثير من المشاكل وتحتاج معها إلى فترة زمنية، حتى تضبط الأوضاع وتمسك بزمام الأمور، وهذه الفترة تختلف من ثورة لأخرى، فها هي الثورة السوفيتية تدخل عامها الرابع والستين ولم تتمكن بعد من إدارة الأمور بشكل كامل، وغيرها من الثورات منها ما مضى عليه عشرون سنة ومنها ما مضى عليه عشر سنوات ولم تستطع ذلك بعد، لأنها ثورات قادتها أحزابٌ وجماعات ولم تنبثق عن الجماهير ذاتها، ولكن ثورتنا، وبحمد الله، مقارنة بالثورات الأخرى لم تواجه الكثير في هذا الجانب، لأنها ثورة شعبية خالصة، إنطلقت من الشعب ولأجل الإسلام، فالمشاكل الموجودة لابد منها ولكنها قليلة بالمقايسة مع الأماكن الأخرى.
في النهاية هناك جماعات في الداخل ضربت مصالحها ولم تعد قادرة على ممارسة السرقة والنصب والاحتيال، وجماعات في الخارج قُطعت أيديها عن العبث بثروات وخيرات البلاد، وهؤلاء بمجموعهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي. ولكنهم ماذا يشكلون، وماذا عساهم فاعلون، أمام هذا السيل الجماهيري الغاضب؟ إنكم مهما بحثتم فلن تعثروا على ثورة مثل الثورة في إيران من حيث كثرة الانجازات وقلة الخسائر. فالثورات الأخرى عادةً ما يرافقهاالكثير من المجازر وعمليات القتل، وربما خلّفت في بعض الأحيان مئات الألوف من الضحايا فضلًا عن السجناء والصحف التي تغلق والأحزاب التي تحل والرؤساء والقادة الذين ينفون ويعدمون. قرأت في إحدى الكتابات ومنذ فترة طويلة أن واحدة من هذه الثورات خلّفت مليون قتيل، ومليون ونصف سجين. وتم إغلاق جميع الصحف بإستثناء صحيفة أو صحيفتين حكوميتين. في حين أن ثورتنا في إيران لم تشهد شيئاً من ذلك، ولم يتم فيها إغلاق للصحف بل بقيت لعدة أشهر، مفتوحة أمام الجميع، يكتب فيها كل من يشاء، حتى من أولئك المنحرفين، كل ما يريد. واستطاعت خلال هاتين السنتين اللتين مضتا من عمرها تشكيل كل ما تحتاجه الدولة من مقومات، من دستور، وبرلمان، ورئاسة جمهورية، ومؤسسات، ودوائر حكومية، وذلك بالاعتماد على انتخابات الشعب الحرّة. في الوقت الذي نجد فيه العراق وبعد سنوات وسنوات بلا مجلس ولا دستور ولا أي شي‏ء آخر سوى مجلس إرهابي تحت اسم مجلس قيادة الثورة يقوم بجميع الأعمال بشكل تعسفي، حتى عندما أقروا تشكيل انتخابات للمجلس فرضوا على الناس فرضاً المشاركة فيها، بحيث ان مجلسهم إتخذ قراراً، على ما نقله أحد العلماء القادمين من هناك، بإعدام كل من يعارض قراراته على أي نحو من المعارضة، يعني إذا أمروكم بالذهاب إلى المكان الفلاني ولم تمتثلوا فإن حكمكم هو الإعدام، وقد أمروا أحد العلماء بعدم الذهاب لإقامة الصلاة، فذهب ولم يمتثل لأمرهم، فأخذوه وقتلوه وسجنوا من كان معه. فكل من يعارض الحاكم أو يرفض المشاركة في الإنتخاب فإن حكمه الإعدام. انتخاباتهم كانت على هذا الشكل، فالإنتخابات الحرة عند هؤلاء يعني إمّا أن تدلي بصوتك أو تقتل!! أمّا في إيران فمن أصل خمسة وثلاثين مليون نسمة، صوّت لصالح الجمهورية الإسلامية إثنان وعشرون مليوناً منهم، إنه أقرب ما يكون إلى الإجماع إذا ما حذفنا المرضى والأطفال وغيرهم ممن لم يستطع المشاركة. إنها لسابقة يصعب العثور على مثلها في التاريخ، فحافظوا على هذه الثورة، وحافظوا على وحدتكم وتلاحمكم، وليكف مكثروا الشكوى والكلام وليعلموا أن الثورات الأقدم منا عمراً كالثورة السوفيتية، التي تدخل عامها الخامس والستين، لم تتمكن من حل جميع مشاكلها بعد.
فأنتم تريدون الإسلام وترغبون في بعثه من جديد، وهذا أمرٌ يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل والتضحيات كما ضحى الرسول (ص) وأولياء الله الصالحين في صدر الإسلام. فالآن جاء دوركم لتجاهدوا وتضحوا.
أسأل الله تعالى التأييد والتوفيق للجميع، وأعود وأؤكد على ضرورة وجود مراسم العزاء الحسيني في المسيرات التي ستنطلق غداً وبعد غد. وأن يكون لها مجالسها الخاصة التي يمكن أن تكون في محل ما أو يمكن أن يؤدي الجميع مراسم العزاء في الشوارع. إن شاء الله مؤيدين وموفقين.

«۱»-تم درج هذا الخطاب في صحيفة النور، تحت تاريخ ۲۷/ ۸/ ۱۳۵۹ ه-. ش. «۲»-الميرزا حسن الشيرازي: أحد مراجع الدين العظام، وصاحب الفتوى المشهورة بتحريم استعمال التبغ والتنباك والتي أصدرها كرد على اتفاقية التنباك الاستعمارية المذلة التي وقعها ناصرالدين شاه مع الإنكليز، وقد استطاعت فتواه هذه إلغاء هذه الاتفاقية وإبطالها. «۳»-المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي؛ فقيه كبير ومرجع عظيم والعقل المدبر والمحرك لثورة العشرين ضد الإنتداب البريطاني في العراق، وذلك من خلال إصداره لحكم الجهاد ضد الإنكليز الكفار. «۴»-تم تنفيذ هذا الحكم في ۱۳ رجب من عام ۱۳۲۷ ه-. ق. «۵»-كلادستون: رئيس وزراء إنكلترا في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي.


امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417
 

دیدگاه ها

نظر دهید

اولین دیدگاه را به نام خود ثبت کنید: