بسم الله الرحمن الرحيم
مؤامرة الأعداء، عزل علماء الدين
في البداية لا يسعني إلا أن أتوجه بالشكر إلى جميع العلماء الأفاضل في البلاد، وخصوصاً الإخوة أئمة الجمعة من السنة والشيعة الذين تجشموا عناء السفر والقدوم إلى هنا. كما أتوجه بالشكر إلى جميع الإخوة المتواجدين معنا الآن ويعانون من الجلوس والوقوف في هذا المكان الضيق.
هناك جملة من المسائل التي أرى من اللازم التنبيه إليها وإن كنتم تعرفونها، المسألة الأولى والتي نعرفها وتعرفونها جميعاً هي أن شياطين العالم الكبار والصغار، وأولئك الذين أرادوا ويريدون إحكام سيطرتهم على مصادر القوة والقدرة في العالم، والطامعين بنهب ثروات الشعوب وأموالها، كانوا ومنذ سنوات طويلة يرسمون خططاً جهنمية ضد بلداننا وشعوبنا، ولكن المؤسف في الأمر هو أن ترى شرائح كبيرة من مجتمعاتنا غافلة عما يحاك ضدها في الخفاء من مؤامرات وخطط. ومن جملة هذه الخطط والمؤامرات؛ مسألة عزل علماء الدين سياسياً وعدم السماح لهم بالتدخل في السياسة وأمورها. حيث ينحصر عملهم في هداية الناس ومسائل الصلاة والصوم ونظير ذلك، ومكانهم وعملهم هو المسجد والبيت، يأتون إلى المسجد فيصلّون ثم يذهبون إلى بيوتهم ليستريحوا، وقد نجح هؤلاء في ترويجهم لهذه الأمور لدرجة أن الجميع تقريباً صدّقوا ذلك، وبات تدخل عالم الدين في السياسة مذموماً وبمثابة إساءة له، حتى إذا ما قيل إن العالم الفلاني سياسي، كان ذلك بمثابة ذم وسبّ وشتم له، وقد صدّق أكثر الناس بل أكثر علماء الدين هذه المسألة. فعالم الدين الذي كان يتطرق في حديثه وخطبه لبعض القضايا الاجتماعية ويتحدث عن هموم الأمة والشعب أو يخوض في بعض القضايا السياسية كان يقال عنه بأنه سياسي وخارج عن الموازين العلمائية. هذه هي المسألة التي روّجوا لها كثيراً في الداخل والخارج لدرجة أنه بات من الصعب محوها من أذهان الناس بسهولة، فهؤلاء كانوا يريدون تغييب وعزل شريحة كبيرة ومهمة من المجتمع- والتي يتَّبعها أغلب أفراده- ليحلّوا هم مكانها، فالحكومة لنا وصلاة الجمعة والجماعة الجافّة التي لا يُتطرق فيها للقضايا الاجتماعية والسياسية هي لكم.
هناك قصة سمعتها من المرحوم الحاج السيد روح الله خرم آبادي «1» وأنا شخصياً لي قصة، يقول السيد روح الله عندما ابعد المرحوم السيد الكاشاني «2» إلى خرم آباد وتم حبسه هناك في قلعة تسمى فلك الأفلاك «3»، ذهبت إلى ذلك الشخص المسؤول عن وضع السيد تحت المراقبة والمشرف على أمور سجنه وكان قائداً للجيش هناك- الآن وأنا أتحدث عن السَجْن في زمن رضاخان، فلا تظنوا أنه مثل السَجْن المتعارف في زمن غيره، صحيحٌ أن الابن لم يكن أحسن حالا من الأب، إلا أن السجناء في زمن رضاخان حتى السجناء العاديين منهم كانوا يتعرضون لدرجة من الرعب لا يجرؤون معها على النطق ولو بكلمة واحدة ضد الدولة و حتى السجَّان المشرف عليهم- ورجوته أن يسمح لي بزيارة السيد كاشاني ومقابلته فوافق على طلبي هذا وأخذني إليه، كنت أنا وهو والسيد كاشاني عندما بادر قائد الجيش هذا بالتحدث وقد التفت إلى السيد كاشاني متسائلا، أيها السيد لم ألقيت بنفسك في هذا العناء؟ أصلا لم تتدخلون في السياسة؟ إن شأنكم أجلّ منها، فلماذا تتدخلون فيها؟ وراح يتحدث بهذه الكلمات، فأجابه السيد كاشاني قائلا «إنك لحمارٌ حقاً»!- إنكم لا تدركون ماذا يعني التفوه بمثل هذه الكلمة في ذلك الوقت، إنها كانت تعادل القتل- قال «إنك لحمارٌ حقاً، إذا لم أتدخل أنا في السياسة فمن يتدخل فيها»؟ وهناك قصة لي أنا شخصياً؛ بعد إخراجنا من السجن الذي كنا فيه، تم اقتيادنا إلى منطقة القيطرية «4» لنوضع فيها تحت الحصار والمراقبة، حيث كان ينتظرنا هناك رئيس الأمن آنذاك «5»، أخذونا إليه ومن بين الكلام الذي قاله لنا: أيها السيد! السياسية عبارة عن الكذب، عبارة عن الخداع والتدليس، عبارة عن إحتراق النفس، فدعوها واتركوها لنا، فأجبته قائلًا: «إن هكذا سياسة هي التي تعرفونها أنتم»، طبعاً بعد ذلك جاء وكذب علينا بأن (فلاناً) قرّر عدم التدخل في السياسة، ونحن بدورنا رددنا عليه، فالمسألة هي هذه؛ أن السياسة التي يتحدث عنها هؤلاء ويقولون عنها بأنها كذبٌ بكذب، واحتيال ونصب على الناس ونهبٌ لأموالهم بالتزوير والخداع وغيرها من الأمور، هذه السياسة ليس لها أي علاقة بالسياسة الإسلامية، إنها سياسة شيطانية، وأمّا السياسة بمعنى إدارة شؤون البلاد والمجتمع والسير بهما وهدايتهما لما فيه الخير والصلاح للمجتمع فإنها ثابتة في رواياتنا عن النبي الأكرم (ص) وبنفس اللفظ (السياسة)، وفي الزيارة الجامعة ورد هذا اللفظ بهذا المعنى حسب الظاهر عند قوله «ساسة العباد» «6»، وفي إحدى الروايات ورد ما مضمونه أن النبي (ص) إنما بُعث ليتولى سياسة البلاد والعباد «7».
المعنى الصحيح للسياسة
ما أريد أن أقوله إن السياسة حقٌ من حقوق الأنبياء والأوصياء وعلماء الدين، ولكن مفهوم السياسة عند هؤلاء أوسع نطاقاً ودائرة من مفهومه عند أولئك. فلو افترضنا وجود شخص يريد أن يطبق وينفّذ مبادئ السياسة بمعناها الصحيح لا بمعناها الشيطاني الفاسد، أو أن حكومة ما أو رئيس جمهورية ما أو دولة ما تريد الالتزام بتطبيق السياسة الصحيحة وأن تعمل لخير الأمة وصلاحها، فإن كل هذا لا يمثل إلا بعداً واحداً من أبعاد السياسة لدى الأنبياء والأولياء والآن لدى علماء الإسلام. فالإنسان كائنٌ متعدد الأبعاد، كما أن المجتمع متعدد الأبعاد أيضاً، فمن الخطأ الكبير أن نقتصر على تأمين حاجات البعد الحيواني في الإنسان من مأكل ومشرب ورفاه وغيرها من الأمور، ونغفل أبعاده الوجودية الاخرى. فالسياسات الشيطانية وحتى السياسات السليمة، على فرض وجودها، تقتصر في إدارتها وهدايتها لشؤون المجتمع على الجانب المادي منه، وهذا لا يمثل إلا جزءاً صغيراً من السياسة الثابتة للأنبياء والأولياء في الإسلام. فإنهم مكلّفون بهداية الأمم والمجتمعات والشعوب وقبل كل شيء الإنسان، دون إغفال أي بعد من أبعاده المتعددة ليأخذوا بيده إلى طريق سعادته وصلاحه، ذلك الطريق الذي عبّر عنه القرآن بالصراط المستقيم «إهدانا الصراط المستقيم» «8» والذي نسأل الله الهداية إليه في كل صلاة نصليها، هذا الطريق الذي يبدأ من هنا لكن نهايته هي الآخرة، وهي الوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
فالسياسة الحقّة هي السياسة التي تقود المجتمع وتسير به آخذة بعين الاعتبار جميع المصالح والأبعاد المتعددة للإنسان والمجتمع وتعمل على تنمية هذه الأبعاد وهدايتها لما فيه خير المجتمع والشعب والأفراد وصلاحهم، وهي من خصائص الأنبياء دون سواهم، لأن الآخرين لايقدرون على إدارة سياسة البلاد بهذه الشمولية، فهذا اللون من السياسة مختصٌ بالأنبياء والأولياء ومن ثم أتباعهم من علماء الإسلام اليقظين. والآن يقولون أنتم لا تتدخلوا في السياسة واتركوها لنا، إن السياسة التي تطمحون إليها، على فرض سلامة سياستكم فإنها سياسة حيوانية، فالأشخاص الفاسدين سياستهم شيطانية لا تنظر إلّا إلى الجوانب المادية والحيوانية للإنسان. أمّا الأنبياء فبالإضافة إلى ما سبق؛ يسعون لتأمين حاجات الإنسان الروحية والمعنوية، فهم يريدون له الصلاح والفلاح في هذا العالم وفي ذلك، وما هذا العالم عندهم إلا طريق إلى ذلك العالم، فهم يريدون خير الإنسان وصلاحه في كلا الجانبين المادي والمعنوي ويريدون أن يرقوا به في كلا هذين الجانبين من أدنى المراتب إلى أسمى مراتب الكمال. فالإنسان له مراتب كمال. فالسياسيون الإسلاميون، السياسيون الروحانيون، الأنبياء (ع) إنما شغلهم السياسة، وإن الدين هو عين السياسة التي تريد أن تأخذ بأيدي الناس وتسير بهم في طريق صلاحهم وفلاحهم وسعادتهم الدنيوية والاخروية، هذا الطريق الذي عبر عنه القرآن الكريم بالصراط المستقيم.
ضرورة تدخل علماء الدين في القضايا السياسية والاجتماعية
على السادة أن يتنبّهوا وجميع الشعب إلى أن هؤلاء كانوا يربوننا سابقاً وعبر الدعاية التي كانت تنظمها لهم القوى الكبرى الطامعة، على نحو يفصلوننا معه عن السياسة، والتدخل في الشؤون الاجتماعة والسياسية للناس، وذلك ليستلم الحكومة وشؤون البلاد السياسية والاجتماعية وكل شيء فيها، موظفو القوى الكبرى في الداخل، ليجرنا هؤلاء بدورهم إما إلى المعسكر الشرقي أو إلى المعسكر الغربي. إن هذه السياسة سياسة شيطانية، وحتى على فرض صحة وسلامة توجهاتهم السياسية إلا أن سياستهم لاتنظر إلا إلى بعدٍ واحد، وهو البعد المادي والحيواني، أمّا سياسة الأنبياء وورثة علمهم من العلماء الملتزمين فتشتمل على جميع الأبعاد. لا تظنوا أبداً أن القوى الكبرى ستتركنا وشأننا، إنهم الآن مشغولون بالتخطيط ونصب المكائد لإقصائنا عن الحكومة والتدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية للبلاد، نعم؛ كنت قد قلت عندما كنت في النجف أن علماء الدين أجلّ شأناً من أن يتدخلوا في الشؤون الإدارية والتنفيذية، لكن بشرط أن يكون المتصدون لأمور البلاد أفراداً مؤمنين ملتزمين بالإسلام، ويديرون دفة الحكم والسياسة على ضوء الموازين الإسلامية، لا بمعنى أنه إذا تعذر وجود هؤلاء، أو وجد أشخاصٌ ولكنهم عاجزون عن إدارة البلاد وفق الموازين الإسلامية، أو أنهم في الأصل لايريدون العمل وفقها، فعلى السادة العلماء أن يكتفوا بالجلوس جانباً والتفرج، ليجرنا هؤلاء إلى حيث يشاؤون. فالمسألة ليست كذلك. وإنما المسألة هي أنه في حال وجود سياسيين قادرين على إدارة البلاد بما ينسجم والإرادة الإسلامية حتى على مستوى البعد الدنيوي المادي، بحيث تحفظ هذه السياسة حريتنا واستقلالنا، دون أن تجرنا نحو الشرق أو الغرب، إذا تحقق ذلك، فلا مانع أبداً منه، وبدورهم العلماء عندما يجدون أن الأمور لتسير على ما يرام، سيتنحون جانباً، ويشتغلون بمسؤولياتهم التبليغية والتعليمية، فهي الأخرى ضربٌ من السياسة، لكنها سياسة روحانية. وأمّا إذا وجدنا أن الأمور تسير على خلاف ما ذكرنا، فإننا مضطرون عندها للتدخل والعمل على تسليم مقاليد الأمور لأشخاص ملتزمين لا يحيدون بنا عن المسار السليم، فعلينا جميعاً وبالخصوص الأجيال القادمة أن يفتحوا أعينهم وآذانهم جيداً، لئلا يأتي هؤلاء الشياطين مرّة أخرى، ويحرفوا أذهانكم من خلال ما يبثونه في وسائل دعايتهم من أفكار منحرفة مثل: ما لعلماء الدين والسياسة، ما لعلماء الدين والتدخل في شؤون البلاد وإدارتها، وغيرها من الترهات، فإنها خطة شيطانية يعملون الآن على تطبيقها والترويج لها في وسائل إعلامهم. بناءً على هذا؛ فمن اللازم بل من الواجب على جميع أئمة الجمعة والجماعات وفي كافة أنحاء البلدان الإسلامية، أن يعملوا على توعية الناس وإفهامهم، أن هذه النغمة التي علا صوتها في جميع البلدان الإسلامية، بأن علماء الدين يجب ألّا يتدخلوا في السياسية، هي خطة رسمتها القوى الكبرى، وينفذها عملاؤها وموظفوها داخل البلدان الإسلامية، فلا تصغوا إلى كلامهم وافتحوا أذهان الشعب وأفهموهم أن هذه النغمة إنما الهدف منها، إقصاء علماء الدين عن الحياة السياسية وعزلهم، ليعود الوضع في البلاد كما كان في الماضي، فلنستيقظ ونتنبّه جميعاً لهذا الأمر، ولتلتفت الأجيال القادمة له، لئلا يضلوا عن الطريق الذي وجده إخوانهم اليوم بعد طول ضياع.
مسؤولية الجميع إزاء الإسلام
وأمّا المسألة الأخرى التابعة لهذه المسائل، هي أن نعلم أن الإسلام اليوم هو أمانة الله في أعناقنا جميعاً، الشعب، الحكومة، الجيش وجميع القوات المسلحة، التجار والكسبة، الفلاحين، العمال ... الشعب برمته، دون استثناء وخصوصاً علماء الدين أيّاً كان موقعهم، أئمة الجمعة أو الجماعة أو المبلغين العاديين، لا فرق. جميعنا مسؤولون أمام الله عن هذه الأمانة وحفظها، فلو خُنّا هذه الأمانة التي في أيدينا- لا قدر الله- عندئذ نكون قد ارتكبنا ذنباً ليس من المعلوم أن يُغفر لنا، لأنه يختلف عن الذنوب الأخرى حتى كبائر هذه الذنوب، وذلك لأن هناك الكثير من الذنوب التي تعود تبعاتها على نفس الإنسان، لا على المجتمع بأسره، لكن خيانة هذه الأمانة، هي خيانة للإسلام وخيانة لجميع الشعوب المسلمة، عليكم أن تتنبهوا إلى أنه أي شخص أو جماعة يعملون في أي من الأجهزة المستحدثة بعد انتصار الثورة سواء كانوا منتخبين من قبل الشعب، أو عيّنوا من قبل جهات مسؤولة، وخطوا في مسير مخالف للإسلام، أو مصلحة المسلمين، فإنهم مسؤولون مسؤولية أكبر بكثير من المسؤولية التي يتحملها الإنسان عادة بالنسبة لأعماله الشخصية.
خطر نفوذ العناصر الفاسدة في أجهزة الثورة
على السادة أن ينتبهوا إلى أن أعداءنا لن يقفوا مكتوفي الأيدي وأن جميع الأجهزة التي تم استحداثها بعد الثورة مثل قوات حرس الثورة، الجيش، اللجان الثورية، المحاكم ....، كلها عرضة للإختراق، وسيسعى الأعداء لتسلل عناصرهم الفاسدة إليها، ليقوموا بأعمال تخريبية، إمّا عن طريق إثارة الخلافات بين هذه الأجهزة وبالتالي ضرب وحدتها، أو عن طريق عزلها عن الجماهير من خلال تشويه صورتها في أعين الناس. يصلني الآن يومياً، مع أني لا أملك لهم شيئاً، ربما مئة رسالة وأحياناً مئتين إلا ثلاثمائة رسالة من رسائل الشكوى والإمتعاض من الأداء السيء لهذه الأجهزة. لا أريد القول إن جميع هذه الشكاوى صحيحة، فإن الكثير منها عبارة عن كلام فارغ ولكن ما أريد قوله؛ إن الكثير من هذه الشكاوى مخطط لها وتنطوي على مؤامرة، تنطلق من سائقي سيارات الأجرة والباصات لتشمل كل تجمع يجتمع فيه عددٌ من الأشخاص، فإن من بين هؤلاء أفرادٌ مكلفون بإطلاق الشائعات ونشرها. فقد نقل البعض؛ أنه ما إن نجلس في سيارة الأجرة حتى يشرع أحدهم بالتحدث والنيل من العالم الفلاني و اللجنة الفلانية أو مجلس الشورى ...، فالآن بين العاملين في جميع أجهزة ودوائر الدولة حتى العاملين في المحاكم، يتابعون الأمور القضائية، أو العاملين في الهيئات المشرفة على تقسيم الأراضي، و العاملين فى مؤسسة جهاد البناء والمؤسسات الأخرى، هناك أفرادٌ قد تسللوا إلى داخل هذه الأجهزة والمؤسسات ليقوموا بأعمال تخريبية لهم ارتباطات بشبكات وتشكيلات تعمل ليل نهار على دعمهم وتشويه صورة هذه الأجهزة، لذا ليس من المستبعد أن تفتحوا أعينكم يوماً وإذا بجميع أجهزة الدولة الإسلامية بدءاً من المجلس والمحاكم وصولًا إلى كل مكان، قد تشوهت كلياً على أيدي هؤلاء وبالتالي تشويه صورة الجمهورية الإسلامية التي هي عبارة عن هذه الأجهزة والمؤسسات، ليُفهموا العالم أجمع أن هذه الجمهورية لاتختلف شيئاً عما كان عليه النظام السابق، وأن هذا النظام مثل النظام الذي سبقه في كل شيء. ويشرعون بإطلاق الإفتراءات قائلين: إن هؤلاء يغتصبون أراضي الناس وبساتينهم دون أن تتدخل في الأمر أي جهة أو أي شخص، وأن هذه المجموعات السباعية التي تم تشكيلها وأخبرت من قبل الدولة بأنه لايحق لها التدخل في الشؤون غير المشروعة، نراها تتدخل ولا تراعي أياً من هذه المسائل، وأن أموال الناس تصادر بدون أي عذر أو مسوغ شرعي. فعليكم التنبّه لمثل هذه الإفتراءات، وإني أطالب جميع العلماء وأئمة الجمعة في البلاد أن يساهموا في متابعة هذه الأمور، من خلال تعيين لجان خاصة، تأخذ على عاتقها مهمة متابعة أولئك الذين يريدون نشر الفوضى والتمرد في البلاد ومتابعة المحاكم وما يصدر عنها من أحكام، فليس من المستبعد أن يكون هناك أشخاص قد تسربوا إلى داخل الجهاز القضائي ويمارسون القضاء وهم يفتقرون لأدنى معرفة به، فالقضاء يشترط فيه التنصيب من قبل علماء كبار، وعلى هذا لا يجوز لأي شخص أن يعتلي سدة القضاء ويصدر الأحكام كيفما يشاء، فيجب عليكم أيها السادة أن تتابعوا هذه الأمور بأنفسكم، وتعيّنوا لهذا الغرض أفراداً حياديين من ذوي الالتزام والخبرة كي يعينوكم في ملاحقة هؤلاء الأفراد المنحرفين داخل أجهزة ودوائر الدولة مثل القضاء، وجهاد البناء، وهيئة تقسيم الأراضي ...، وكشفهم واطلاعكم عليهم، لتقوموا بإصلاح الأمر، فإننا لو اكتفينا بالجلوس هنا ولم نكترث بما يدور في كل مكان، وتركنا كل شخص يفعل ما يحلو له، فسيكون لذلك عواقبه الوخيمة فيما بعد. عليكم أن تجلسوا بأنفسكم وتضعوا خطط عمل لمواجهة هؤلاء، فإن خطة هؤلاء هي تحميل علماء الدين والحكومة الإسلامية، ليشوّهوا بذلك صورة علماء الدين والحكومة الإسلامية والمجلس ويسقطوهم في أعين الناس. عليكم أن تكونوا يقظين وتحولوا بينهم وبين هدفهم هذا، فلو كنتم تنتظروني أنا، فأنا مجرد شيخ كبير ولم أعد أقوى على هكذا أمور، أمّا أنتم فلا زلتم تتمتعون بالشباب والحيوية ومتنبهين لهذه المسائل، فشكلوا بأنفسكم وفي كافة أنحاد البلاد، لجاناً مهمتها التحقيق في هذه الأمور ومتابعتها، ليقطعوا الطريق على كل من تسول له نفسه العمل خلاف الموازين الشرعية. فلو تبيّن لكم أن هناك أعمالًا في حال الوقوع والتنفيذ، فعليكم أن تكونوا السبّاقين في امتلاك زمام المبادرة والتحقيق في هذه الأمور وكشف المتورطين بها، قبل أن تضيع الفرصة عليكم ويتمكن هؤلاء الخونة من تحقيق مآربهم وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه سابقاً. فليذهب هؤلاء الأفراد الذين عينتموهم إلى حيث تقع هكذا أمور ليحققوا في الأمر والشكاوى التي تصلهم من الناس. افتحوا مكاتب للشكاوى، وحاولوا أن تتعقبوا الشكاوى وتتعرفوا على مصادرها، وتتحققوا من مدى صحتها وزيفها، كما أن عليكم إفهام الناس بحقيقة ما يجري والخطط المحاكة لهذا الغرض، وأن تحثوهم على التعاون معكم وإخبار اللجان التي شكلتموها عن كل حالة يتأكدون من ضلوعها في أعمال تخريب لتقوم هذه اللجان بوظيفتها حياله. فنحن لو جلسنا واكتفينا بالتفرج، ونسمح لهكذا أعمال مخالفة للشرع تقع في البلاد، فهذا معناه أننا نقوم بأيدينا بتحويل الجمهورية الإسلامية إلى جمهورية غير إسلامية. نحن نريد جمهورية إسلامية تطبق فيها أحكام الإسلام في كل مكان، لا أن تأتينا الشكاوى من كل حدب وصوب، بأن هؤلاء يعملون على خلاف الإسلام والشرع، وأن القاضي الفلاني أصدر حكماً خلافاً للشرع، وأن الشخص الفلاني المسؤول عن تقسيم الأراضي راح يعتدي على أراضي الناس وبساتينهم وأن الموظف الفلاني يسرق والآخر يرتشي ...، هذه الأمور يجب متابعتها، لئلا يأتي يوم تستيقظون فيه على صرخات الجماهير الغاضبة، بأن لا شيء في هذه البلاد إسلامي، وأن هذه الدولة ومجلسها ومحاكمها وجميع مؤسساتها ليست إسلامية، فيقوم الشعب ضدكم، وعندها أنا نفسي سأوافقه على ذلك.
وحدة الشيعة والسنة من البركات العظيمة للثورة
نسأل الله تعالى أن يوفقكم، ويجعل هذه الاجتماعات التي تقيمونها أكثر احتشاداً وحضوراً إن شاء الله، فإن لهذه التجمعات آثاراً وبركات كبيرة، وإن لم يكن للجمهورية الإسلامية بركات غير هذه البركة لكفت، وهي أنها استطاعت أن تجمعنا وإخواننا من أهل السنة وعلمائهم الأفاضل في مكان واحد، لنخطط ونعمل سوية من أجل الإسلام وإعلاء كلمته، فعلينا جمعياً أن نحفظ هذه الوحدة، ونكون على حذر من حملات الدعاية المغرضة التي نجحت على مرّ التاريخ بزرع الفرقة بين الإخوة، ففصلت أهل السنّة عنّا، وفصلتنا عنهم. علينا أن نتنبّه لهذه المسائل، ونعيش الأخوّة الصادقة فيما بيننا ولا نسمح للآخرين بأن يأتوا ويسلبونا كل ما عندنا، ونحن منشغلون بالتنازع والتصارع على مسائل لا يجدر بنا أن نتنازع عليها، على أي حال؛ علينا أن نقيم صلاة الجمعة والجماعات على أفضل ما يكون، وأن نزيد من اهتمامنا بها. وعلى الشعب أن يضاعف من حضوره وتعظيمه لهذه العبادات المهمة، وعلى الخطباء أن يوعوا الناس في خطبهم ويدعوهم إلى فعل الخير والصلاح، وينبهونهم إلى الخطط والمؤامرات التي تحاك من حولهم والتي تستهدف محو الإسلام والقضاء عليه، أيقظوهم عسى أن نوفق- إن شاء الله- للوصول إلى تلك المرحلة، التي تُطبق فيها جميع أحكام الإسلام في بلادنا، لتصبح بذلك نموذجاً وقدوة تحتذى لجميع البلدان الإسلامية الأخرى.
وإن هذه الجلسة التي قام السادة بتشكيلها، وجمعت الإخوة من أهل السنة والشيعة وطُرحت فيها العديد من المسائل، تعتبر عملا رائعاً بحق، وإني أشكر الجميع وأرجو منهم الإكثار من هكذا اجتماعات وأن يتابعوا قضايا الأمة ومشاكلها، وأن يوعّوا الناس لهذه المؤامرات التي تحاك وأن يعملوا على مواجهتها وإفشالها، وآمل أن لا يقتصر وجود هكذا اجتماعات على بلدنا، وأن تنتشر في جميع البلدان الإسلامية وإن تحل جميع مشاكل البلاد على أيديكم أنتم. نسأل الله أن يتفضل عليكم بطول العمر والعزة والعظمة، وأن يحرر أمتنا وجميع الأمم الإسلامية من سيطرة القوى الشيطانية الكبرى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته