بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة نشاط الصحف وفقاً لدوافع الناس
في هكذا ثورة تنبثق عن الجماهير، ويقودها ويرسم أهدافها ومنطلقاتها الجماهير أنفسهم، يتوجب على كل من يريد خدمتها أن يمتثل لنفس هذه الأهداف والمنطلقات. وبما أن منطلق الثورة الإيرانية هو منطلق إسلامي وهدفها هو الإسلام والناس الصانعون لها إنما تحركوا في ثورتهم وانتصروا على هذا الأساس، فلابد لكل من يريد العمل لصالح الثورة أن يلتزم نفس الخط والمبادئ التي تبنتها وكانت وراء انتصارها. ولكن من المؤسف أن نجد بعض دور النشر تعيش بعيداً عن أهداف الجماهير وأفكارها ولا تعكس إرادة الجماهير وتطلعاتها. طبعاً ليس لدي الوقت الكافي لأطالع جميع الصحف والمجلات والكتب وما جاء فيها، ولكن من خلال نظرتي الإجمالية، ومطالعتي لما يتعلق بهذه المسائل، وجدت أن بعض الصحف تتحرك في غير المنحى والمسار الذي تتحرك عليه الأمة، مع أنه من المفترض لهكذا صحف أن تجند أقلامها لخدمة الأمة وتعكس إرادتها وتطلعاتها.
إنتهازية بعض المجموعات
جميعكم يعلم أنه لولا هذا التلاحم وهذه الوحدة التي كان يعيشها الشعب، ولولا تعلّق هذا الشعب بالإسلام، ما كنا لنحقق ما حققناه من نصر، لأننا في ذلك الوقت لم نكن نملك أي شيء، لا مؤسسات عسكرية، ولا تدريب عسكري ولا حتى أسلحة قابلة للذكر، ولكن الشيء الوحيد الذي استطاع خلط كل الحسابات والإحتمالات، وكان العامل الأساس في صنع النصر، هو إتحاد الأمة جميعاً على إختلاف فئاتها وفي كافة أنحاء إيران على مطلب واحد، وإرادة واحدة، وهو إزالة النظام السابق، وإقامة دولة وجمهورية إسلامية، ولو أن أولئك الذين اختلفوا فيما بعد، كان لديهم نية للإختلاف في ذلك الوقت ما كانوا ليجرؤا على ذلك أو حتى على إن ينبسوا ببنت شفة في ظل هكذا موجة شعبية عارمة، ومن الممكن أن يكون بعضهم قد انخرط في صفوف الجماهير ليستغل ذلك فيما بعد. وكما ترون فإن الأوضاع الآن كذلك. فكم كان هناك من الأشخاص والمجموعات التي لم تشارك الجماهير والشعب ثورته، واكتفت بالوقوف جانباً ومراقبة ساحة الصراع، حتى إذا رجحت الكفة في صالح طرف سارعوا إلى الدخول فيه ضد الآخر. والإانتهازية لا تعني شيئاً آخر غير هذا، الجلوس جانباً ومراقبة ما الذي سيحدث، ثم الإانخراط في صفوف الفئة الغالبة والتمكين لأنفسهم داخلها. ولكن هذه المجموعات سرعان ما اكتشفت أن المسألة ليست كما كانوا يتصورون بأنهم سيكونون مطلقي العنان ليفعلوا ما يشاؤون، وذلك عندما واجهتهم هذه الجماهير الراغبة للإسلام، ولهذا راحوا الآن يقومون بأعمال تخريبية وشيطانية.
تجنب الصحافة من نشر ما يسيء للإسلام
على الصحافة أن تعكس على صفحاتها، وبكل أمانة، ما هو مطروح على صعيد البلاد من مسائل وقضايا، لتكون بذلك قد خدمت الإسلام، وخدمت أمتها وبلادها. فعليها أن تتوخى الدقة فيما تختاره من مواضيع وقضايا للنشر، وعلى هذا فالمسائل غير المضرّة والبعيدة عن القضايا الحساسة والأساسية، لا مانع من نشرها، وأمّا المسائل التي تضر بوحدة الأمة والبلاد، وتمس المنطلقات والأهداف التي قامت عليها الثورة، وتمس الإسلام بسوء، فيجب الإحتراز منها والإجتناب عنها، وليحذر القائمون على رأس هذه المطبوعات من نفوذ العناصر المنحرفة والمخلّة إلى داخلها، فاليوم ترون مدى فعالية هؤلاء، كل في المكان الذي هو فيه، فاحذروا من تسلل هؤلاء لمؤسساتكم على نحو من الأنحاء، وتوخوا الدقة والحذر في إنتخابكم لموظفي هذه المؤسسات، فلا تخدعكم لحاهم ومسبحاتهم والصلاة في حضوركم وهكذا أمور، بل عليكم أن تدرسوا ماضي هؤلاء وسوابقهم والفعاليات والنشاطات التي كانوا يمارسونها، وعلى فرض إلتحاقهم بمجلتكم ما الذي يريدون تقديمه ويطمحون إليه من الأعمال، فمسألة إختيار الأفراد العاملين في مجال المطبوعات مسألة مهمة للغاية، وخصوصاً العاملين في الإذاعة والتلفزيون، ووسائل الإعلام على العموم، لأنها مراكز حساسة ومهمة، والأشخاص المفسدون سيسعون جاهدين للتسلل إلى داخلها على نحو يشعر به أحد، حتى أولئك المتنبهين لخطر نفوذهم.
خطر نفوذ الأفراد المنحرفين
كما ترون فإن مسائل الإنحراف موجودة في جميع إنحاء البلاد، وهكذا إنحرافات لا يمكن أن تصدر عن الإشخاص الملتزمين والصالحين، إذاً هذا يدل على أن هناك عناصر فاسدة ومنحرفة استطاعت النفوذ داخل دوائر الدولة ومؤسساتها، داخل اللجان الثورية، المحاكم، قوات التعبئة، الإذاعة والتفلزيون، الصحف والمجلات وغيرها من المؤسسات. وذلك من خلال إستغلالهم لسذاجة بعض المسؤولين أو من خلال تقصير وتهاون نفس هؤلاء المسؤولين، وعدم قيامهم بالتحريات اللازمة عن ماضي وسوابق هؤلاء، مما يؤدي إلى تسلل هؤلاء إلى داخل المؤسسات، ثم ما إن تمضي فترة من الزمن حتى تلتفتوا إلى أن هؤلاء يعملون على حرف الخط والمسار الذي انتهجته الأمة، خط الإسلام وخط الوحدة وإذا بالمطبوعات تسير منحرفة يميناً أو يساراً عن الطريق المستقيم الذي تسير عليه الأمة وهو طريق الإسلام. ولهذا فعلى المشرفين على وسائل الإعلام، الاذاعة، التلفزيون، الصحف والمجلات، أن يتوخوا الدقة في إنتقاء موظفيهم والعاملين في مؤسساتهم، ليحولوا ما أمكن دون تسلل العناصر المنحرفة إليها ممن يريدون التلاعب بمشاعر الإنسان والتأثير عليه بشكل مباشر أو غير مباشر وجره نحو أمريكا أو الاتحاد السوفيتي.
إن الالتفات إلى هذه المسألة غاية في الأهمية ولا يجوز أي تساهل فيها. آمل أن تكون مجلتكم التي أتيتم لتتحدثوا في شأنها ممن تضع هذه المسائل على رأس أولوياتها بحيث يتم فيها مطالعة وتدقيق ما يراد نشره من مقالات وأبحاث قبل نشرها وذلك من قبل أشخاص تثقون بإستقامتهم وكفاءتهم والتزامهم بخط الثورة والأئمة (ع) وعدم الإرتباط بأي جهة، فكونوا على حذر ويقظة من أن تنشروا شيئاً ما ثم يتبين لكم بعد نشره أن فيه إنحرافات. فممارسة الرقابة على المطبوعات وغيرها من وسائل الإعلام مسألة غاية في الأهمية. فأي كتاب يراد طبعه ونشره يجب أن يُعرض قبل ذلك على لجنة متخصصة لتطالعه وتدرس مدى صلاحيته للنشر، فقد يشتمل الكتاب على الكثير من الأفكار والمواضيع الجيدة ولكن هذا لا يعني أن لا يكون هؤلاء قد دسّوا بينها أفكاراً منحرفة على طريقة دس السم في العسل وبعد طبع الكتاب ونشره تبدأ تتكشف لنا هذه الأمور. يجب أن تكون هناك رقابة شديدة على المطبوعات، وذلك من قبل أفراد ملتزمين وكفوئين ولديهم إطلاع جيد على مختلف المذاهب والتيارات والمسارات التي تتحرك فيها، فيطالعون الكتب والمجلات قبل طباعتها ونشرها، لئلا تتسرب من خلالها الأفكار المنحرفة، ونصبح عرضة للإتهام بأن مجلاتنا وصحفنا منحرفة فالأمر في صالحكم ولصالح الأمة.
أهمية التقييم والإنتقاء في تصدي المسؤوليات
من المسائل المهمة الأخرى، والتي تقع في الدرجة الأولى من الأهمية؛ دراسة وتقييم وضع الأشخاص الشاغلين للمناصب الإدارية وذلك قبل تعيينهم، بأن ننظر إلى ماضيهم، الفعاليات التي كانوا يمارسونها، الأفكار التي كانوا يحملونها، مستواهم العلمي، كيف كان وضعهم قبل وبعد الثورة ومن هذا القبيل؛ فلو جاءكم شخص ممن كانوا يحملون فكراً منحرفاً، وادعى التوبة والرجوع عما كان عليه، فعلينا أن نقبل توبته ولكن على أن لا نسلّمه مواقع حسّاسة ومسؤوليات مهمة وخطيرة، كإدارة مجلة أو صحيفة أو إذاعة وغيرها من الأعمال المهمة، لأننا لا نعلم في واقع الأمر مدى صدقه في توبته، فربما كان يهدف من ورائها خداعنا والتلاعب بنا، طبعاً علينا أن نقبل توبته ونعامله كما نعامل سائر المسلمين من أفراد المجتمع، ولكن علينا أن لا نسلّمه الإذاعة أو التلفزيون أو الإشراف على صحيفة أو مجلة أو نفسح له المجال لدخول هكذا مؤسسات خطيرة، تلعب دوراً تربوياً وتوعوياً هاماً وتساهم في إشاعة ونشر النهج الإسلامي للشعب. فعلينا أن لا نكون بسطاء إلى هذه الدرجة، فهناك الكثير من الأشخاص ممن يتكلمون بكلام الإسلام وبكلام القرآن ونهج البلاغة، ولكن حقيقة خطهم ومسارهم غير ذلك. فمن بين هؤلاء من اتخذ هذا الطريق، ليكوّن من خلاله موقعاً اجتماعياً متميزاً، ليستغله في تنفيذ أهدافه ومآربه بين الناس. إذاً فإننا نقبل توبة من كانوا عصاة أو منحرفين ونرتب الأثر على توبتهم ونعاملهم كسائر المسلمين، ولكن لا يمكننا تسليمهم أعمالًا ومهام حسّاسة وخطيرة، فلو أن سارقاً جاء وأعلن توبته وكل الدلائل الظاهرية تشير إلى أنه تاب حقاً، فإننا سنعمل بحسب الظاهر ونقبل توبته ونعامله كباقي أفراد المجتمع ولكن هذا ليس معناه أن نسلّمه رؤوس أموالنا وممتلكاتنا، أو مهمة جباية الضرائب أو العمل كمحاسب، بالتأكيد لا نفعل ذلك بمجرد إظهاره التوبة، لأنه عمل غير عقلائي، فقد يكون هدفه من هذه التوبة خدعنا وكسب ثقتنا لنسلّمه أموالنا وثروتنا. فنحن ليس لنا علم الغيب. حتى وإن كان مستوفياً لجميع الشروط في ظاهرها، وحتى لو إقتدينا به في الصلاة، لا يمكننا أن نسلّمه الأعمال والمهام التي تستلزم الأمانة والإلتزام الديني أو ما هو أخطر كالمجلات والمطبوعات والإذاعة والتلفزيون التي تسهم في تربية وتوعية المجتمع. لنفرض أن شخصاً كان من أتباع الفكر الشيوعي المنحرف والآن جاء يدّعي التوبة وتخطئة هؤلاء وأفكارهم والرجوع عنها، حسناً هذا جيد، وتوبته مقبولة، ولكننا لا نستطيع السماح له بالعمل في الإذاعة والتلفزيون وغيرها من المؤسسات التربوية والتوعوية، لأنه ربما لا يزال شيوعياً وإنما أراد خداعنا والتلاعب بنا ليتسلل إلى مؤسساتنا والنفاذ إلى داخلها، فنحن مكلّفون بأن نأخذ بظاهر توبته ونعامله كسائر المسلمين، ولكننا لا نستطيع أن نجعل من كان شيوعياً مسؤولًا عن تربية أولادنا وتثقيفهم، حتى وإن تاب وتقيّد بآداب الإسلام وصلّى وصام أمامنا، لأنه علينا الإطمئنان بأن أولادنا وأطفالنا في أيدٍ أمينة لا تجرهم إلى الإنحراف والضلال، فعلينا أن لا نكون سُذجاً إلى هذا الحد. صحيح أن الإسلام أمرنا بأن نقبل توبة هؤلاء وأن نتعامل معهم كمسلمين، ولكنه لم يأمر بوضع مقدراتنا والمواقع المهمة والخطيرة في أيديهم، فالإسلام أمر بأن نقبلهم كمسلمين ونرتب الأثر على إسلامهم ونعاملهم كما نعامل أي مسلم، ولكننا لا نستطيع أن نسلّمهم مقدّرات البلاد ونوكل إليهم أعمالًا ومسؤوليات هامة ومؤثرة، حتى وإن كانوا جيدين في ظاهرهم. فلا يمكننا مثلا فيما إذا أراد أمثال هؤلاء العمل في الصحافة، أن نعطيهم الحرية المطلقة في أن يكتبوا ما يشاؤون، حتى أنتم لا يمكنكم توظيف أفراد ممن لهم إنحرافات في الماضي في مجلتكم على اعتبار أنهم تابوا وباتوا أناساً جيدين ومسلمين، فتوبتهم وإسلامهم أمر جيد لأنفسهم، ونحن لا نقول بأنه سيء، ولكن توبتهم وإسلامهم لا يُبيحان لنا أن نضع في أيديهم مسؤوليات يمكنها أن تؤثر على مستقبل الأمة ومصيرها. فهذا الأمر من المسائل المهمة، ويجب الإلتزام به في كل مكان. وأمّا القول بأن علينا أن لا نرد أي شخص يأتينا ويظهر عليه أنه جيد، والسماح له بتسلّم مختلف المهام والمسؤوليات حتى وإن كانت تؤثر على مصير الأمة ومستقبلها، ففي هذا الأمر سذاجة أكثر من اللازم وغفلة عن الأمور. على كل حال أتمنى أن تكون جميع كتبكم ومجلاتكم جيدة، وأن تراعوا هذه المسائل بالنسبة لموظفيكم والعاملين عندكم، سواء الموظفين السابقين أو من سيأتون فيما بعد. وأما بالنسبة للأعمال التي تتطلب لغة عربية، فعليكم أن تختاروا لإنجازها أشخاصاً عرباً على أن يكونوا ملتزمين دينياً هذا أولًا، وثانياً أن تنظروا في ماضيهم، من هم، ماذا كانوا، الأفكار التي يحملونها. فقد يكون الشخص مؤمناً وملتزماً وجيداً ولكن هذا لا يعني أنه لا يخطئ ولا يشتبه، فكل إنسان عرضة للخطأ والزلل، وخطأه بالنسبة له ليس شيئاً يذكر، ولكن بالنسبة للأمة قد يلحق بها أضراراً فادحة، فلو فرضنا مثلًا أن خطأ وقع في جيش ما أو من قبل قائد جيش ما، فإنه لن يؤاخذ أو يُعاقب على خطأه، فالإنسان دائماً عرضة للخطأ، ولكن من الممكن لخطأ ما أن يودي بحياة أمة بأسرها، وكذلك الأمر بالنسبة للعاملين في الحقل الإعلامي والصحف والمجلات، فوقوع الأخطاء أمرٌ ممكن، وليس على أصحابها شيء، ولكن لا بد من وجود أشخاص آخرين مهمتهم تدقيق ما يُراد نشره، وإصلاح ما فيه من أخطاء وهفوات قبل النشر، وهذا الأمر ينطبق على جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وهكذا أمر لا يتحمل أي مماطلة، كأن نقول: حسناً، الآن وقد أخطأنا فلن يتكرر منا هذا غداً، لأن الخطأ إذا تم نشره وقرأه الناس، فمن الصعب عندها تفاديه وإصلاحه. فقد جاءني تقريرٌ مكتوب عن إحدى الصحف مرفقاً بنسخة من نفس هذه الصحيفة، يبين إرتكاب هذه الصحيفة لأخطاء لا أقول بأنها متعمدة، ولكن من الممكن أن تكون كذلك، فقد ارتكبت أخطاء مضرة بالبلاد، والآن علت أصوات بعض المسؤولين احتجاجاً على ما وقع من الخطأ والاشتباه. على أي حال علينا توخي الدقة والحذر في هذا الجانب، وأن نتنبه للفوضى التي تثار حولنا الآن، وتحاول إضعاف النظام الإسلامي. من المسائل الأخرى الهامة التي على المطبوعات التنبه لها، تخصيص بعض صفحاتها للتحدث عن منجزات الجمهورية الإسلامية وما فعلته حتى الآن.
مؤامرة الاعداء في نشر الفوضى وتشويه الحقائق
أنتم على علم بما يفعله أعداء النظام الإسلامي، وما يثيرونه من شائعات بين الناس، من أن النظام الإسلامي لم يقدم شيئاً جديداً، وأنه لا يختلف عن نظام الشاه السابق، وغيرها من التخرّصات! حتى أن بعض الكتاب المسلمين الملتزمين، من الأناس البسطاء المثقفين أيدوا ذلك في كتابات مسهبة. ويبدو أن هؤلاء لا ينظرون أصلا إلى ما ينجز من الأعمال، ليتبين لهم ما تم إنجازه إلى الآن. فقبل عدة أيام جاء وزير التربية إلى هنا، وصرّح بأن مقدار ما تم بناؤه من المدارس في هاتين السنتين، يعادل ثلث ما تم بناؤه من المدارس في السنوات السابقة، فهكذا أمور لا يذكرها هؤلاء المغرضون وإنما يركضون خلف النقائص والعيوب التي لاترى أعينهم غيرها. فإنه يروى عن السيد المسيح (ع) أنه كان يسير مع بعض أصحابه وإذا بجيفة كلب ميت متعفنة وكريهة الرائحة وملقاة على قارعة الطريق، قال أصحاب المسيح: يالرائحته الكريهة ومنظره المقرف، أما المسيح (ع) فقال: يالبياض أسنانه «2». إن في هذه الرواية درس وتعليم لنا.
فليس من الإنصاف تنكر الإنسان لكل هذه البركات والمنجزات التي حققتها الجمهورية الإسلامية، فقد تم إغلاق جميع مراكز الفساد والحانات ومراكز بيع الخمر وصنعه، وكل ما يخالف الإسلام، وتم مد الكثير من المناطق المحرومة بما تحتاجه من شبكات ماء وكهرباء وإمدادات صحية وتعبيد للطرقات، وبناء للمدارس وتم إنشاء الكثير من الوحدات السكنية للمواطنين وغيرها من الخدمات والأعمال، فإن تجاهل كل هذه الخدمات، وإقامة الدنيا وإقعادها على مثول رجل أمام المحكمة على جرم ارتكبه، ليعتبر إنحرافاً كبيراً، وإن كل قلم كتب في هذا الصدد دون إنصاف وتحقيق لهو قلمٌ منحرف، حتى وإن كان صاحبه غير ملتفت لذلك. فإنه من غير الممكن لمجتمع مضى عليه الآن عامان، وكان كل شيء فيه خراباً وفاسداً، أن يكون كمن هو في الأربعين من عمره وقد أنجز كل ما يحتاجه، فليس من الإنصاف شن كل هذه الحملات على الجمهورية الإسلامية لإنحرافات وأخطاء تقع هنا أو هناك، أو لأجل رجل تمت إقالته من منصبه لثبوت عدم كفاءته حتى وإن كان إنساناً جيداً، فنمسك الأقلام ونسطر الكتابات والمقالات في الصحف والمجلات لأجل ذلك، ونتهم الجمهورية الإسلامية بالفساد، لأجل مفاسد تقع في هذه الزاوية أو تلك من البلاد. فلو أن محامياً من بين ثلاثمئة وخمسة وعشرين محام ارتكب جرماً ما، فهل نحكم على الجميع بأنهم مجرمون وسيئون؟ أو أن مجلس الشورى الإسلامي فاسد؟ أم نقول بأن ذلك المحامي فاسد؟ فلو فرضنا أن كل محاكم إيران وجد فيها خمسة أو عشرة من الفاسدين، فهل علينا أن نحكم على كل المحاكم بالفساد؟ إنها أخطاء يرتكبها البعض في الحكم على الأمور. وهناك من المغرضين من يروجون لها أيضاً.
ضرورة النقد وتجنّب النوايا السيئة
من الوظائف الهامة للإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات؛ الإخبار عن كل جديد يتم إنجازه، فمنذ البداية عندما كان السيد بازركان رئيساً للوزراء، نبهت السادة إلى ضرورة إعلام الإذاعة والتفزيون بكل ما يتم إنجازه وتحقيقه ليقطعوا الطريق بذلك على أولئك المدعين بأن الجمهورية الإسلامية لم تفعل شيئاً ولم تأت بجديد. طبعاً هناك الكثير مما لم يتم انجازه بعد، لكن بلداً مثل هذا يعيش الإنحراف والفساد منذ سنوات طويلة، لا سيما في الخمسين سنة الماضية حيث كان هناك خطط متعمدة لحرفه وإغراقه في مستنقع ا لتبعية على جميع الأصعدة، وتدمير إمكاناته وإفساد جامعاته، أيمكن لجمهورية في السنة الثانية من عمرها اصلاح جميع أمورها في عامين، مع هذا فإن مقدار ما حققته في هذين العامين يعتبر عملا إعجازياً، وأمّا أولئك الذين يكتبون وينتقدون، وبكل حرية، هذه الجهة وتلك من أجهزة الدولة فهل كانوا يجرأون على فعل ذلك في عهد الأنظمة السابقة؟ بل لكسّروا أقلامكم، ونكّدوا عليكم عيشكم، ولكنكم لا تعرفون قدر هذه الحرية، ولهذا أصبحت عند بعض الأشخاص نوعاً من اللعب واللهو ليكتبوا ويقولوا ما تهواه أنفسهم. على أي حال؛ مسألة إطلاع الناس على كل ما يتم إنجازه في هذه الجمهورية من مسؤولية الجميع وهي وظيفة إسلامية إنسانية. حتى الإنتقاد لا مانع منه أبداً وربما هناك تقصير في هذا الجانب؛ فيجب أن يكون هناك نقد وأن تطبع الانتقادات وتنشر، ولكن على أن يكون نقداً نزيهاً خالياً من الأغراض. فالأقلام المغرضة غالباً ما تلجأ إلى تضخيم الأمور وإعطائها أبعاداً أكبر من حجمها، أو إلى كتابة عناوين كبيرة وجذابة ليكتبوا تحتها ما يحلو لهم، بحيث أنه في بعض الأحيان لا تجد العنوان متناسباً مع الموضوع أبداً، وكأن العنوان مأخوذ من مكان آخر، فهكذا كتابات هي كتابات مغرضة، وهناك أقلامٌ تحمل هم إصلاح المجتمع وتمارس النقد في سبيل ذلك ولكن بطريقة منصفة ونزيهة خالية من النوايا السيئة، بحيث تسلط الضوء على المحاسن والإيجابيات وفي نفس الوقت على العيوب والنقائص والسلبيات.
إذاً فهناك نوعان من الأقلام ونوعان من الكتابة والكلام. فالإنسان الشريف والغيور على وطنه وأبناء أمته لا يتبع أسلوب الطعن والتهجم وإنما يتبع أسلوب النصح والموعظة الحسنة وينتقد بهدف البناء والإصلاح، لا بهدف التخريب والايذاء.
إذاً فعلى كل من يريد ممارسة النقد، أن يكون منصفاً وأن يطرح المسائل بأسلوب لطيف ومن منطلق الحرص على مستقبل الأمة، لا بأسلوب الطعن والتهجم على الجمهورية الإسلامية، لأنه لا قدر الله- إذا تزعزعت أوضاع الجمهورية الإسلامية نتيجة لما تكتبه أقلام هؤلاء فإنهم سيتحملون وزر ذلك أمام الله والشعب والتاريخ. جميع الأمم ترمق جمهوريتنا وثورتنا بأنظارها وتتحدث عنها، ونحن نجلس ونمسك بالأقلام للنيل منها والطعن بها!! ولو وقع خطأٌ أو حدث خلل أو فسادٌ هنا أو هناك حتى وإن كان متعمداً، كمصادرة أموال شخص بلا حق، أو إنحراف قاضٍ، عممنا الحكم بالفساد على كل الجمهورية الإسلامية. فنحن نوافقكم الرأي، فهكذا إنحرافات يجب أن لا تكون، ولكن لو وقع بعضها هنا أو هناك، فليس من الإنصاف قولنا إن الجمهورية الإسلامية مثل نظام الشاه السابق ولا تختلف عنه شيئاً. ففي أي من الأمور تماثل نظام الشاه؟ أفي زمن الشاه كانت هناك هكذا أسواق؟ أم كانت هناك هكذا شوارع وهكذا خدمات؟ نعم، كانت مراكز الفساد والفحشاء منتشرة في كل مكان، وقُرانا تغط في ظلام دامس إذا أقبل عليها الليل، ونفطنا وثرواتنا وكل أشيائنا كان ينهبها الغير، دون أدنى اعتراض ولو بكلمة واحدة من قبل ذلك النظام، حتى الأقلام التي كانت تشير إلى ذلك الأمر كانت تكسر، وأمّا أن يرتكب فلان من الناس خطأ هنا، أو يقتل آخر هناك وأمثالها من الأحداث، فما دخل الجمهورية الإسلامية بذلك؟ فكل مجرم أو مخطئ يجب أن يؤاخذ على ذنبه ويعاقب ويمنع عن هكذا أفعال، وليس للجمهورية أي دخل في ذلك. فعندما يرى الإنسان ما تكتبه هذه الأقلام، يدرك أن المسألة ليست مسألة النصح والنقد النزيه، وإنما هي أقلام مغرضة، وتريد أن تنفس عن الحقد والعقد التي يحملها أصحابها. ولهذا علينا التنبه لهكذا مسائل جيداً. وأمّا من جانبي فإن وظيفتي الدعاء لكم جميعاً. أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعاً ويوفقكم لخدمة أمتكم وإسلامكم وبلادكم، فكونوا على حذر فيما تخطه أقلامكم، واعلموا أن الله حاضر ويرى ما تكتبون وأنه سائلكم غداً عن كل كلمة كتبتموها، ولماذا كتبتموها؟ وإن كان بوسعكم أن تكتبوا أحسن منها فلماذا تكتبون الأسوأ؟ أيدكم الله جميعاً ووفقكم.