بسم الله الرحمن الرحيم
حاجة كل الناس للموعظة
لقد تكلمت كثيراً فيما يتعلق بالصحف وباقي المطبوعات والمجلات والراديو والتلفزيون وأيضاً فيما يتعلق بالنواحي العامة. لكن تكرار التذكير والموعظة مؤثر. فأحد الأمور المؤثرة حتى في الأمراض هي التلقين، فإما أن يلقن المريض نفسه بنفسه أو يلقنه شخص آخر، كأن تقول له أنت تحسنت، سوف تتحسن. فعندما تتكرر هذه تترك في نفس الإنسان الأثر.
فليست الموعظة هي أن يقول الإنسان كلمة ويذهب. فلو قيلت المسائل العلمية التي تُكتب في كتاب ما- فرضاً- مرتين وطرحت مرتين فهذا غلط، فإذا قيلت المسائل العلمية من أجل فهمها مرة واحدة فهي تكفي.
أما مسائل الوعظ والتنبيه والارشاد الإسلامي فعلاوة على محتواها فإن تكرارها مؤثر. فإحدى النقاط في القرآن هي مسألة التكرار ولكن بصور مختلفة. ومن إعجاز القرآن أن مسألة ما وعلى الرغم من تكرارها فيه، إلا أنها لم تتكرر، بمعنى أن المحتوى واحد ولكن يناقش بأشكال مختلفة. فهذا كي يكون الإنسان أينما نظر، فإنه يرى ويسمع تلك المواعظ.
ففي الموعظة يجب أن يعظ الإنسان نفسه بنفسه ويجب أن يستمع للموعظة من الآخرين. فكل الناس يحتاجون إلى الموعظة، فلا يوجد أحد لا يحتاج إلى الوعظ، ولكن أهل المراتب العليا يكون واعظهم هو الله وهؤلاء واعظون للناس من المراتب التالية، وهكذا حتى النهاية، حتى يصل الأمر إلينا فنحن نحتاج إلى الموعظة. فالموعظة التي استمرت العديد من السنوات لم تؤثر بي كثيراً. فيجب أن أعترف بهذا بحيث أنني وعلى الرغم من وعظي للسادة وتذكيرهم بالمسائل اليومية والمسائل الأخلاقية بشكل أكثر، ومع ذلك فإن هذه الموعظة لم تؤثر بي كما يجب أن تؤثر. وهذا لأنه يوجد في باطن كل إنسان شيطان وقف حتى يوصل الإنسان إلى الهلاك، بمعنى أنه عندما يريد الشخص أن يتحرك آخر حركة يحاول الشيطان أن يمنعه. فكل همه أن يخرجه من هنا بدون إيمان، ونعوذ بالله من أن نبتلى ونتعرض لعواقب سيئة كهذه.
كل الأعمال والأفكار في حضرة الله
موعظتي لكم أيها السادة هي أنكم في حضرة الله، وكلنا في حضرته. فهنا ونحن جالسون نتحدث سوية هنا حضرة الله. كلنا أمام عين الله، كلنا في علم الله، انه حاضر في كل مكان: (وهو معكم أينما كنتم) «1». فعندما نلقن أنفسنا هذا المعنى بشكل صحيح ونفهم أننا مسؤولون وأن من ألقى على عاتقنا هذه المسؤولية حاضر، ليست كالمسؤوليات الأخرى حيث المحاسب غائب ويستطيع الإنسان أن يتخلف عن ذلك، فلا يحدث أي تقصير لا يعلمه، فأي عمل نعمله في حضرته ويسجّل. كل هذا العالم هو دفتر لتسجيل أعمالنا، أي إن هذه الأمواج التي تحدث عن طريق ما نتكلم به وتحدث هذا التموج فإن أقوالنا وأفكارنا تسجل كذلك ونحن بهذا الشكل في حضرته، فلا يجب أن نرتكب أية مخالفة في حضوره. فمخالفة الأشخاص في حال غيابهم- فتحصل أحياناً، يتجرأ الإنسان بالمخالفة- فالمسؤولية ليست كبيرة.
فالمسؤولية هناك حيث يرتكب المخالفة في نعمة الله وفي حضرته. فكل النعم منه، فاللسان له وأعطاكم إياه، والعين والأذن له وأعطاكم إياها، وهو حاضر أيضاً.
فعندها ينتبه هذا الحاضر- وهو منتبه أزلًا وأبداً- إلى أن المخالفة تحدث بحضوره وبنعمته وتتم معصيته.
مسؤولية الكتاب الخطيرة
إن عليكم وعلى أقلامكم مسؤولية كبيرة اليوم. فالمكان الذي تديرونه ليس كإدارة لدائرة حكومية. فأي شيء يحدث في دوائر الدولة يبقى في باطنها، إلا إذا قلتم أنتم للناس أحياناً، وإلا فانها تبقى بينهم. ولكن لو أن أقلامكم زلت، فربما تزلزل أمة. فإن أصبح الراديو والتلفزيون مؤسسة فاسدة، فإنها ستفسد شعباً. فالآن الجميع يستمع إلى الراديو والكل تقريباً يشاهدون التلفزيون. فليست المسألة كمعصية تحدث هناك مثل معصية تحدث في صندوق الخزانة، فهذه معصية تكون على مرأى كل الناس. فلو أن أقلامكم- لا سمح الله- زلت وغفلتم عن التزامكم الذي من المفترض أن يكون لله تبارك وتعالى، فلن يكون الضرر لكم فقط، بل إن الضرر يعود عليكم وعلى عوائلكم وعلى أصدقائكم وعلى شعوبكم وعلى الأشخاص المعتقدين بمذهبكم وبدينكم. إذاً هو ضرر مضاعف، فليس هو ضرراً صغيراً. فيجب الانتباه إلى هذه المصلحة، وخصوصاً انتم حيث تديرون صحيفة واسعة الانتشار.
فلو أنكم- لا سمح الله- لا تلتفتون إلى هذه المسائل، عليكم مسؤولية خطيرة جداً أمام الناس، أمام الشعوب وأكبر من ذلك المسؤولية أمام الله. فلو أن هذه الصحيفة أرشدت الناس، فهذه طاعة أكبر من الطاعات التي يؤديها الإنسان في زوايا بيته، وأعلى من تلك الإرشادات التي كان يقوم بها الأكثرية وكانت غايتهم في مجلس يضم عدة آلاف شخص. إرشاد لشعب ما، لشعب يعد عدة ملايين.
فلو كان قلمكم الذي في أيديكم قلماً إرشادياً، تستطيعون هداية الشعب إلى الطريق الصحيح وتستطيعون أن تخلصوا الناس من الانحرافات. فاليوم هناك الكثير من الأقلام المنحرفة مقابل الأقلام الإرشادية، والخطابات المنحرفة مقابل الخطابات الإرشادية.
فيجب على الإنسان أن ينتبه إلى أنه من أجل ماذا يتكلم هؤلاء المنحرفون؟ ماذا يريدون القول؟ ما هي دوافعهم وغاياتهم في هذه الانحرافات؟ ماذا يقول هذا الشخص الذي هو من هذا البلد ومن أهل هذه الأرض ومن أهل هذا الشعب والذي يريد أن يُحدث انحرافاً؟ فهؤلاء هل هم في الواقع يتلوعون لهذا الشعب، وهل من أجل حبّهم لهذا الشعب يريدون أن يجتثوا مسائل الفساد تلك، أو لا، فهي وسيلة من أجل أن يفسدوا. ومن الممكن أن يوجد بينهم أشخاص يريدون فعلًا أن يذكروا المفاسد ويصلحوها. لكن في ذكر المفاسد، يفهم الإنسان من لهجة المتكلم ما هو المقصود.
فمن يقول أنني أريد أن أرشد الناس، يفهم الإنسان من قلمه أن المسألة هي مسألة إرشاد أو أشياء أخرى.
ذلك الشخص الذي يتكلم، يفهم الإنسان من كلامه، فشكل الحديث معلوم هل هو خارج عن نفس خبيثة من أجل الفساد أو من نفس هادئة من أجل الإصلاح. ونحن نرى في البعض من هذه الأقلام وفي البعض من هذه الألسن، أن الثاني، أي المعنى الإصلاحي قليل. أي أن هؤلاء المتكفلين للصحف، متكفلين للأحاديث، لا يراهم الإنسان في القلم واللسان كما يجب أن تكون السلامة في القلم وفي البيان والإرشاد، وليس كما يريد الإنسان، فهذا قليل. ومن تلك الناحية سترون إصدرات كثيرة فاسدة وتريد أن تجر إلى الفساد.
يجب أن تكونوا أنتم في مواجهتهم، يجب أن تكون إصداراتكم بحيث أنه عندما تصل إلى أيدي الناس يرد إلى ذهنهم بأن ما يعطوننا إياه جيد وبنّاء. فهذه مدرسة فتحت بهذا الشكل من أجل التعليم، ويرضون عنكم كأشخاص تحبون الله. فلا تكونوا في صدد أن ترضوا المنحرفين، فكونوا في صدد أن تصلحوا المنحرفين. فلو سعيتم لارضاء المنحرفين فإنهم سيجرونكم إلى الانحراف. ولكن لو أردتم أن تصلحوا المنحرفين، فليكن قلمكم كل يوم قلماً إصلاحياً. وما تكتبونه من مقالات فلتكن مقالات إصلاحية.
احتمال الغش في انتقاء العناوين
إن الأخبار التي تكتبونها، والعناوين التي تختارونها، يراها الإنسان في الصحف ويفهم من أين أتى هذا العنوان، ولأي هدف وضعوه. وأحياناً عندما يقرأ الإنسان فيما بعد، يرى أن المسألة ليست كذلك، فعنوانها بشكل، والمسألة بشكل آخر! ففي البداية لا يستطيع كل الناس أن يقرأ الصحيفة كلها، ينظرون إلى هذه العناوين فيرون في عنوان ما الفساد الحاصل أو الصلاح الحاصل.
ولكن عندما يقرأ الإنسان النص، يرى أن المسألة ليست كما هي في العنوان.
فيجب أن تلتفتوا إلى أن هذا غش للمسلمين بحيث أن الإنسان يكتب في العنوان شيئاً ما ومحتواه شكل آخر، ليس كما هي في تلك القوة- مثلًا- في هذا العنوان ولا هي بتلك العظمة كما هي في هذا العنوان. فهذا شكل من أشكال الغش للمسلمين.
كما أن كاسباً معيناً يضع على متاعه شيئاً جيداً، كأن يضع زيتاً جيداً فوق زيت ما آخره فاسد وهذا حرام وغش، كما تكون صحيفة بهذا الشكل فعندما ينظر الإنسان إلى العناوين فيراها صحيفة جيدة جداً أو أن هناك مسائل مطروحة هي مسائل مهمة، ومن ناحية أخرى ينتقدون شخصاً ما بأنه شخص خبيث، بهذا الشكل، ولكن عندما يقرأ الإنسان المحتوى فيرى أن المسائل ليست بهذا الشكل حتى لو كانت فهي ليست بهذه الشدة. فما تكتبونه بأقلامكم من محتوى بهذا الشكل فهو غش. كما في ذلك البائع الذي يختلف زيته في الأعلى عن الزيت الذي وضعه في الأسفل فهو غش وحرام، وهذا أيضاً ما كان عنوانه مخالفاً لمتنه ومحتواه فهو غش أيضاً وحرام.
ضرورة وجود الانتقاد الصحيح في الصحف
يجب أن تنتبهوا إلى أن عندنا يوماً آخر أيضاً، لا تشكوا في هذا. فعندنا يوم للمحاسبة، يحاسب فيه على كل الأشياء. في ذلك اليوم يحاسب الإنسان نفسه بنفسه، في ذلك اليوم تأتي الأقلام وتشهد، وتشهد الأيدي وتشهد الأعين. فالإنسان يحاسب نفسه في ذلك اليوم بنفسه. فنحن عندنا يوم كذلك اليوم. فبعده وقربه ليس مهماً كثيراً، ولكنه موجود.
يجب أن تلتفتوا الآن إلى أنكم تريدون بلداً إسلامياً، فعندما تريدون بلداً إسلامياً، يجب أن تكون مطبوعاته إسلامية أيضاً، يجب أن تكون صحفه إسلامية، وخصوصاً عندما تكون كل الأطراف تنتظر لتجد شيئاً وتضيف إليه، يرون شيئاً في الصحيفة، فعندها ترون وتسمعون في راديو لندن وراديو أمريكا وراديو ...، أنهم أخذوا كلمة وأضافوا عليها وغيروا معناها أو هي نفسها ولكن عمدوا الى تهويلها حتى يرى كل العالم أن إيران- مثلًا- عندها قضايا كهذه، إيران عندها مفاسد كهذه في العمل، في إيران الآن اختلطت كل الأعمال ببعضها، كل الأشياء كذا وكذا، فهذه لأنهم يريدون الفساد، بهذه الطرق. وأحدها أيضاً عن طريق المطبوعات.
وأتمنى منكم انتم الذين في يدكم هذه الصحيفة وعليكم مسؤوليتها، أن تكونوا في صدد أن تسعوا أولًا لارشاد الأشخاص الذين يريدون أن يوجهوا صدمة للجمهورية الإسلامية، فلو أنكم لم تستطيعوا من الوهلة الاولى أن ترشدوهم وتمنعوهم، فسوف يصلح الأمر بالتدريج بعد مدة. وفيما يتعلق بالمحتوى، فلا تعتبروا أي شخص عدواً لكم. أنا لا أقول أن لا تعتبروا صدام عدواً لكم. أما هؤلاء المتصدون لأمور الدولة الآن فليس هناك من هو عدو لكم، فلهم أذواق ووجهات نظر مختلفة.
فتظهر هذه الأذواق المختلفة من دوافع وغايات- مثلًا- في نفس الإنسان بشكل المخاصمة. فلا يجب أن تكو ن هناك خصومة مع أحد في الصحف، يجب أن تكون بصورة إرشاد.
يجب أن يذكروا المسائل. ويجب أن يكون هناك نقد، فإذا لم يكن هناك نقد وانتقاد ان يتم الإصلاح في المجتمع. فالعيب موجود في كل مكان، فالخلل موجود من رأس الإنسان حتى قدميه، ويجب أن نذكر تلك العيوب ويجب الانتقاد. من أجل إصلاح المجتمع.
حفظكم الله ووفقكم ووفق كل الأقلام للسعي الى مرضاة الله.