بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية دور الجامعة في البلد
مع أنه لم يكن من المقرر أن أتحدث في يوم السبت، ولكن لأن السادة جامعيون وقد تكلموا حول المسائل الجامعية والثورة الثقافية، سأتكلم بضع كلمات.
إن أعلى شيء قد وضع أعداء الدول المستضعفة والدول الإسلامية أصابعهم عليه من المخالفين للبشرية هو الجامعة، لأنهم يعلمون بشكل جيد أنه لو كانت الجامعة في خدمتهم، معناه أن كل الدولة ستكون في خدمتهم.
الجامعة هي التي تدير أمور البلد، وهي التي تربي الأجيال القادمة. ولو أن الجامعة كانت في اختيار قراصنة الشرق والغرب، فإن البلد تحت تصرفهم. لقد كانت الجامعة هدفاً للكثيرين حيث لم يكن أي مكان آخر كهذا الهدف. فإن العلماء بجانب الجامعة أيضاً. ويريد أولئك أن يُدخلوا الجامعيين بتلك التربية الشرقية أو الغربية إلى الساحة.
وكانوا يريدون أن يُخرجوا علماء الدين من الساحة لكي يكون أولئك تحت تصرفهم ولكنهم كانوا يائسين من ذلك. فهم لم يكونوا يريدون الجامعة ولا جامعات العلوم القديمة. فقد سعوا أن تكون هاتان الفئتان وهاتان الجامعتان اللتان يمكن أن تسيطرا على مصير البلاد كلها، فيربوا أحدهما تربية أجنبية وشرقية وغربية ويجعلونها تدخل الساحة أما الأخرى فلم تكن تربيتها بيدهم ولم يستطيعوا طوال ألف سنة أن يجعلوا فيها شرخاً، فقد كانوا يريدون أن يخرجوها من الساحة.
فماذا يفعلون من أجل أن يخرجوها من الساحة ويضعوها تحت تصرفهم واختيارهم؟ فأحد الأعمال المهمة هو أن يجعلوا نظرة الجامعات بالنسبة إلى العلماء نظرة سيئة، ونظرة العلماء أيضاً نظرة سيئة بالنسبة للجامعات. فقد سعوا طوال هذه المدة أن يوجدوا بين هاتين الفئتين اختلافاً وشرخاً، بل يجعلون بينهم العداوة.
عندما كنا نذهب إلى الجامعة كان اسم (الشيخ) هناك يعني المخدرات! وعندما كنا نذهب بين طلاب العلوم الدينية، فإن (الجامعي) مطابق لمن ليس له دين! فقد كانوا يوقعون بينهم الخلاف ويفرقون بينهم حتى يستفيدوا الفائدة التي يجب أن يجنوها، فلم يكن عبثاً بأن لا يسمحوا خلال الخمسين سنة التي كانوا مسيطرين فيها على الجامعة بأن توجد جامعياً مرتبطاً ببلده، أو أن يتخرج جامعي قد درس وتعلّم لمصالح بلده وأن يتخرج إنسان عالم من أجل مصالح البلد.
أنا لا أقول أنهم قد وُفقوا بشكل كلي، لكنهم كانوا في صدد أن يوفّقوا بشكل تدريجي بحيث أن كل من يتخرج من الجامعة تكون قبلته الشرق أو الغرب.
فعندما تكون الجامعة بهذا الشكل وقد أصبح رجل الدين معزولًا وقد قطع ارتباطه بها، فسوف تكون كل قدرات البلد في أيديهم.
أهمية وضرورة الثورة الثقافية في الجامعات
فكما كانوا قد تسلطوا على الجامعات وكانوا يسعون وبكل قدراتهم كي يسيطروا على الجامعة بأيديهم وأن يسيطروا لدرجة على الأشخاص في الجامعة الذين لهم اتجاه شرقي والأكثر نحو الغرب ويربوا الجامعيين ويبعدوا العلماء إلى الهامش، ويجعلوهم عديمي الفائدة ويلبسوهم خلعة الشرق أو الغرب، كذلك فإننا نلاحظ أنّ هذه الثورة قد وضعت إصبعها على هذه النقطة الحساسة أيضاً.
وعلى راس الأمور كانت الثورة الثقافية والجامعية في البرنامج، أي ما كانوا يريدون أن يفعلوه خلال الخمسين سنة.
فبعد الثورة وضع أولئك الأشخاص الذين كانوا يحبون بلدهم ويحبون الإسلام إصبعهم على هذه النقطة الحساسة وأرادوا الثورة الثقافية والثورة الجامعية. وقد رأيتم منذ اليوم الأول أن أولئك الذين كانت قبلتهم موسكو أو أمريكا بدأوا بالمخالفة، واعتبروا أن هذا عمل رجعي.
وقد وجهوا الاتهامات عندها بأننا لا نريد علماً ضمن هذا العمل ولا تخصصاً، ولابد أننا نريد أن نعلمهم التيمم والوضوء في الجامعة! وقد غفلوا عن أن هذه الدعايات ولو أنها أثرت كثيراً قبل البدء بالعمل، فإنها لن تترك أثراً فيهم بعد الثورة ويقظة الجماهير المليونية في إيران.
فأولئك يعلمون بأنكم عندما تقولون (رجعي) فإن قصدكم هو أن تتركوا أيدينا مفتوحة حتى نكون راقين ونضع بلدنا في حضن الغرب الراقي! أو في حضن الشرق والمعسكر الشيوعي حيث إنهم راقون أيضاً! فالمقصود من الرجعيين المسلمون والمحبون للإسلام والمحبون لبلادهم والمقصود من الراقي أولئك الذين يريدون أن يجروا البلد إلى الشرق أو الغرب ولم يكن لهم وسيلة إلا أن يجروا الجامعة للشرق أو للغرب.
الاهداف المشؤومة في المخالفة للثورة الثقافية
لقد بدأت المخالفات منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه الحديث عن الثورة الثقافية. فلو أنكم رأيتم الفئات التي خالفت هذه المسائل ورأيتم الأشخاص الذين أصرّوا على افتتاح الجامعة قبل الإصلاح، ترون أن هؤلاء يصرون على ذلك من أجل الشرق أو الغرب.
وأنتم شاهدتم وتشاهدون منذ بداية الثورة أنهم بدأوا بالعمل خطوة بخطوة، جماعات وأقلاماً وألسنة ضد هذه الثورة، وخالفوا أي خطوة من أجل الإصلاح. فلو كان الحديث عن الجامعة، فكان المخالف للإصلاح هو أولئك الذين كانوا قد جعلوا من الجامعة مركزاً للفساد، وأولئك الذين كانت قبلتهم الغرب أو الشرق. فقد كان خوفهم كي لا تصبح الجامعة جامعة إسلامية حتى تختفي أيدي الشرق والغرب إلى الأبد من الجامعة، وأن تزول من البلد.
أولئك الذين كانوا يريدون أن تكون أيدي الشرق أو الغرب مبسوطة وكانوا يعتبرون أن مصلحتهم الشخصية في هذا الأمر، سعوا إلى أن يدينوا بالقلم واللسان إصلاح الجامعة وثورة الجامعة.
لو أنكم رأيتم وعلمتم أي المجموعات خالفت وتخالف أيضاً وهم مصرون على أن تفتح الجامعة كما كانت في الوضع السابق لفهمتم ما هو سلوك هؤلاء الأشخاص. فنحن نعرف الأشخاص الذين يطرحون هذه المسائل في البلد.
كان أولئك المخالفون للثورة الثقافية مشغولين بالتبليغات على أساس أن هؤلاء يريدون في الأصل أن يغلقوا الجامعة وأنهم لا يريدون أن تبقى الجامعة فاعلة، فئة منهم مجموعة كانت قد جعلت من الجامعة حصناً وقد أوجدت- كما قيل- غرفة للحرب في الجامعة! وفئة من أذيال الغرب كانت تعتقد أن أسلمة الجامعة وأسلمة شبابنا وعلمائنا مخالفة لأهدافهم فقد أطلقوا عليهم أنهم رجعيون، فالرجعيون هم أولئك الذين لا يريدون أن يذهبوا نحو الشرق مركز الحضارة- حسب زعمهم- ولا يريدون أن يذهبوا نحو الغرب! حيث أنهم كانوا يعتبرون الشرق والغرب أفضل من الإسلام.
فهم لا يريدون أن يكون هناك إسلام، يريدون أي شيء ولا يريدون أن تكون هناك تربية إسلامية في الجامعات، ولا مانع من أي شيء آخر، فهم يريدون أن لا يكون هناك أي ارتباط بين الجامعة والمدرسة الفيضية، لأن هذا الارتباط يؤدي إلى أسلمة الجامعة ويكون هذا الارتباط سبباً في زوال النظرة السيئة التي كانت سائدة طوال مدة طويلة بين الجامعة وطلاب العلوم الدينية.
فعندما تزول هذه النظرة السيئة وتنشغل الجامعة والمدرسة الفيضية بالعمل معا، سوف تقطع أيدي هؤلاء الذين قِبلتهم الشرق أو الغرب.
لهذا يسعون ويعملون بكل طاقاتهم من أجل أن يفرقوا بين هاتين الفئتين ويجعلوا العلاقة بينهم سيئة.
فعندما تتفرق هاتان الفئتان وتصبح العلاقة سيئة بينهم، ينجزون أعمالهم بأي شكل يريدون. وهم لم يرفعوا الآن أيديهم عن مطلبهم وقصدهم.
والآن أيضاً تريد تلك الفئة أن تفتتح الجامعة بدون أن يحصل أي ترتيب صحيح، وبالشكل الذي هي عليه، وتحدث المسائل السابقة، فالمنبهرون أمام الغرب أو الشرق، يريدون أن يجعلوا شعبهم فداء للمعسكر الشرقي أو المعسكر الغربي.
ضرورة انتباه ويقظة الطلاب
ويجب أن تكون الجامعة واعية ومدركة لهذه الأدوار والمخططات. ولينتبه شبابنا الأعزاء الجامعيون إلى هذه المسائل، بحيث أنه يمكن أن يصلح الشعب من الجامعة ومن الجامعة يستطيع الشعب أن يتجه نحو الفساد. فهذه الجامعة والتربية الجامعية التي تجر شبابنا نحو الغرب أو الشرق وتفرغها من محتواها وتجعل توجههم نحو الغرب والشرق حتى يتغلب الشرق ويقضي على كل أنحاء إيران وعلى كل الشرق وكل بلدان المسلمين أو يتغلب الغرب ويأخذ منا كل ثقافتنا وكل أشيائنا الأخرى ويضعون بدلًا من ذلك عقلًا شرقياً أو غربياً ويجرون شعبنا نحو الفساد.
لكن بحمد الله فإن شعبنا يقظ ولن يسمح بهذه الأمور التي هي لمصلحة الشرق أو الغرب. وقد انتبه شعبنا إلى أنه من الجامعة يمكن أن يكون البلد بلداً مستقلًا، ومن الجامعة يمكن أن يكون البلد بلداً تابعاً.
طبعاً يجب أن يضع الطلاب والعلماء أيديهم بأيدي بعض حتى تفتتح الجامعات بأسرع وقت بالطريقة الإسلامية والطريقة الشعبية، جامعة تكون ملكاً للشعب نفسه، جامعة إسلامية ملك للشعب وأن تمنع أيدي أولئك الأشخاص الذين يريدون أن يجروا الجامعة إلى الشرق أو الغرب وأن يأخذ المعلمون والأساتذة قدرات الجامعة بأيديهم وتكون الجامعة جامعة شعبية للشعب، وليس أن يتعب الشعب بنفسه وأن يدفع الشعب مصروف الجامعات وتكون الجامعة بحيث يأتي أشخاص إليها من الخارج أو أشخاص قِبلتهم إما الشرق أو الغرب.
تفتتح الجامعة ولكن بحيث تكون التربية فيها إسلامية وشعبية وإنسانية. فليس الأمر بأننا نريد مجرد أن تفتح.
لقد كانت مفتوحة، لمدة خمسين عاماً كانت مفتوحة ولكن من الأشخاص الذين تخرجوا؟ فالأشخاص الذين جروا الشعب إلى الفساد هم أيضاً الأشخاص الذين لا يرفعون أيديهم عن هذه الأمة.
فنحن نريد جامعة تهيئ شعباً مستقلًا وغير مرتبط بالشرق والغرب، لا أن تجر الشعب نحو الشرق، ولا أن تجره نحو الغرب، بل أن يكون شعباً مستقلًا، بفكر مستقل، جامعة مستقلة حيث أن البلد يستقل باستقلال الجامعة.
جامعة تضع يدها بيد المدرسة الفيضية لتبعد الشرق والغرب جانباً وأن تعمل من أجل مصالح بلدها ومن أجل مصالح الإسلام العزيز وأن تربي فتياننا الأعزاء بحيث أن لا تكون قبلتهم موسكو ولا لندن ولا واشنطن وقبلتهم الكعبة وأن يكونوا ملتفتين إلى الله تبارك وتعالى وأن يحتضنوا الإسلام، إذ أن استقلالهم وعزتهم في ظل الإسلام.
استقلال البلد رهن باستقلال المراكز الثقافية
إن الإسلام تحدث عن أجر العلم إلى درجة أنه ربما لم يتحدث عن الأمور الأخرى لهذه الدرجة.
فالإسلام يقدر العلماء إلى درجة أنه ربما لا يقدر الأمور الأخرى بقدرها. فالعلم اهم شيء في الإسلام، ولكن ليس العلم الذي يأخذنا إلى الفساد، ولا العلماء الذين يأخذون شعبنا إلى حضن الغرب أو الشرق. يسعى الإسلام لكي يُنمِّي العلم في العقول المستقلة، في العقول غير المتوجهة نحو الغرب والشرق، في العقول التي تفكر في الإسلام.
وهذا هو الاستقلال الذي يستطيع أن يجعل البلد مستقلًا. فاستقلال بلدنا مرتبط باستقلال هذه الجامعات والمدارس الدينية (كالفيضية). فلتتعاون الجامعة والمدرسة الفيضية ولتتحد لحفظ استقلال البلاد لتخييب آمال الأعداء في جامعة غير إسلامية وإبعاد الفيضية الإسلامية عن الآخرين. ويجب ألا تهتم بما يقال- مثلًا- يقولون لماذا يربطون الجامعة بالشيوخ.
فهؤلاء يخافون حتى من ظل الشيخ! برنامجهم هو أن يفصلوا الجامعة عن الفيضية.
لقد كان هدفهم خلال سنوات طويلة أن يفصلوا بين هاتين الفئتين- حيث أن سعادة هذا الشعب وعظمته واستقلاله مرتبطة بهاتين الفئتين فإن فئة علماء الدين وفئة الجامعيين هما العقل المفكر لشعب ما- لكي يتنازعا فيما بينهما. ونحن رأينا وأنتم رأيتم أن هاتين الفئتين كانتا عدوتين.
حتى ظهرت الثورة الإسلامية وبدأ الإسلام دعوته. دعوة الإسلام هي أن تلتحم كل الفئات وخصوصاً الجامعة والفيضية. وعندما تلتحم هاتان الفئتان يبقى استقلال البلد محفوظاً.
فعلى الجامعة أن تفتح عيونها وعلى الفيضية أيضاً! فاعلموا أنه ما تزال هناك أيدٍ تعمل من أجل أن يفصلوكم عن بعضكم! فأولئك هم المستعمرون، وهم التابعون للمستعمرين، وهم أولئك الذين قبلتهم هي لندن أو واشنطن أو موسكو، فيعتبرون أن التحام هاتين الفئتين مضر لمصالحهم ولمصالح اسيادهم ومن هذه الناحية هم بصدد ان تكون هاتان الفئتان منفصلتين عن بعضهما.
كما رأيتم فخلال الخمسين سنة- حيث أثبتت السلطة البهلوية المنحوسة أنها سلمت أمورها إلى الدول الأجنبية- قد تمكنوا من الفصل بينهما حدث بينهما العداء واستطاع الآخرون والمخالفون لهذا الشعب أن يصطادوا في الماء العكر. فقد جعلوا ثرواتكم في مهب الريح خلال الخمسين سنة وخصوصاً في سنوات محمد رضا. وهذا نتيجة للعداء بين الجامعة والفيضية. فقد أمّن عداء الجامعة والفيضية ويؤمّن- لو عاد لا سمح الله- مصالح القوى العظمى.
أعزائي الجامعيين وأعزائي في الفيضية، كونوا يقظين فإنهم بصدد أن يفرقوا بينكم! وانتبهوا أنه لو أصلحت الجامعة والفيضية فإن بلدكم يضمن الإستقلال الحقيقي لنفسه!
فتلك الأقلام والألسنة التي تسعى إلى أن تفصل بين هاتين الفئتين، فهي التي قبلتها موسكو أو واشنطن. وكونوا حذرين لكيلا تخسروا هذه المصلحة الكبيرة، وهي وحدة الجامعة والفيضية!
وأتمنى أن تُوَفقوا لإدارة بلدكم بأنفسكم وأن ترجعوا من ناحية الغرب والشرق إلى أنفسكم، وأن يعود شر الشرق والغرب من بلدنا اليهم. الله تبارك وتعالى عون وحام للفيضية والجامعة وعون لكل الأمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.