بسم الله الرحمن الرحيم
محاولات الأعداء تجريد أحكام الإسلام من مصاديقها
إن من بركات هذه الثورة، توفير فرصة الاجتماع مع السادة والالتقاء بهم عن قرب. فقبل ذلك لم يتسن مطلقاً إقامة مثل هذه التجمعات التي تلتقي فيها كبار الشخصيات والسادة العلماء.
لقد كان لصلاة الجمعة والمساجد في صدر الإسلام الأول، وضع خاص، غير أنها فقدت مصداقيتها بمرور الوقت. فهناك طائفة من المسلمين لا تقيم صلاة الجمعة أصلًا. وطائفة أخرى تقيمها بنحو مجرد من مصداقيتها تقريباً، حيث تقتصر على عدة كلمات في النصائح الأخلاقية.
بيد أن المسجد وصلاة الجمعة في صدر الإسلام، كانا يمثلان الأداة للمسؤولين المضطلعين بإدارة شؤون البلاد. فمن داخل المسجد كان تنطلق القرارات والتوجيهات. ولم تكن صلاة الجمعة بهذا النحو. لاحظوا نصوص الخطب التي كانت تلقى في صلاة الجمعة آنذاك وتأملوا في مضامينها. ولكن- للأسف- فإن أيادي خائنة عملت منذ البداية- تقريباً- على إضعافها بالتدريج بنحو لم يعد لصلاة الجمعة أي مصداقية تذكر.
كما أن اهتمام الحوزات العلمية اقتصر على جانب واحد أيضاً حيث كانت تكرس كل جهدها للدراسة وابحاث العلوم الإسلامية. بل إن معظم أبواب الفقه التي كانت تدرس، كانت أبواباً منسية ما عدا بعض الأحكام الفقهية التي كانت تتركز الجهود حولها مما كان متداولًا آنذاك. واننا اليوم نواجه مشاكل كبرى في القضاء، والسبب في ذلك أن القضاء لم يكن بأيدي علماء الدين أصلًا، ولذلك لم يخوضوا فيه، أو قلّما اهتموا به. حتى أن لدينا اليوم علماء كباراً لا يوجد لديهم اطلاع على القضاء. علماء مبرزين في المعارف الإسلامية الأخرى، وعلى درجة عالية من الكفاءة في الأصول والفقه، غير أنهم لدى مواجهتهم مسألة في القضاء لا بد لهم من المراجعة. وهذا أحد الموضوعات التي تعاني منها الحوزات العلمية.
والأكثر من ذلك أن قضية التدخل في الشؤون السياسية كانت قد أضحت عيباً ومهانة، والآن أيضاً ربما يعتبر البعض ذلك عيباً ويتساءل مع نفسه ما علاقة المعمم الفلاني بما يجري في إيران؟ فما عليه سوى أداء الصلاة والعودة إلى البيت للانشغال بالدعاء والذكر.
لقد كان ذلك مخططاً فرض علينا جميعاً الى حدٍّ بحيث صدّق الجميع بأنه لا شأن لرجل الدين بما يجري للمسلمين. بيد أن الأمور كانت بنحو آخر عندما كانت بأيدي علماء الإسلام في صدر الإسلام، حينما كانت بيد الرسول الأكرم- عالم الإسلام الأكبر وأعلى مرجع إسلامي-، وكذلك بيد الإمام علي، غير أن الوضع أخذ يتضاءل بالتدريج حتى أصبح من الصعب على المجتهد وعالم الدين ورجاله أن يذكر اسم السياسة على لسانه أو التدخل في شأن من شؤونها، لأنهم كانوا سيواجهونه بالقول: ما علاقتك بذلك؟ إجلس في مكانك ولا شأن لك بأمور السياسة. حتى أنه تذكر حكاية عن أحد السادة- رحمه الله تعالى إن شاء الله- وكان رجلًا مؤمناً ونزيهاً للغاية وكان عالماً- تقريباً- ولكنه صدّق ما كان يقال، فكان يقول: (ما شأننا بذلك؟) واصبحت هذه العبارة بمثابة مقولة ترددها الألسن. ما شأننا بما يجري للمسلمين وما يحصل للإسلام!! وأستمر الوضع بهذا النحو، وراحوا يرددون: ما شأننا بما يجري للمسلمين خارج إيران؟ ما شأننا بما تقوم به إسرائيل؟ لقد اضحت عبارة (ما شأننا بذلك؟) بمثابة شعار يردده الجميع. وكانت النتيجة أن وصلت أوضاع بلاد المسلمين إلى ما هي عليه الآن، ميدان تجول وتصول فيه أميركا. تأتي من الجانب الآخر من العالم وتريد أن تتولى إدارة شؤون المسلمين، وتعتبر نفسها وصيّاً وقيّماً عليهم.
لقد أمست أميركا الآن وصياً على أمور المسلمين، حيث ترى لنفسها الحق بالتدخل في جميع أمورهم، وإدارة شؤون البلاد الإسلامية. وكل ذلك لأننا جردنا الإسلام من مضمونه. واليوم أيضاً لا تجد استغاثة المسلمين آذاناً صاغية. بيد أن إيران استجابت لذلك والحمد لله وإن الأمور تسير نحو الأفضل، وأما بالنسبة للبلدان الأخرى فلا حياة لمن تنادي.
يقول السيد موسوي خوئينيها «1» إنه قد تم الاتفاق مع الحكومة السعودية- بعد ضغوط كثيرة- بأن يتحدث أئمة الجمعة في إحدى الجمع عن القضية الفلسطينية ... وأنا أتساءل من الذي يعتبر ذلك حراماً ويحول دون أي تحرك إسلامي ويرى كل شيء غير المناسك العبادية للحج، بدعة يجب التصدي لها؟ وان كل الضرب والشتم الذي تعرض له حجاجنا، والإهانات التي لحقت بهم والاعتقالات، إنما كان بسبب منع ذكر اسم إسرائيل في الحج. فهل هذه مناسك الحج؟ إن هذا مخالف لسنّة رسول الله.
احياء المضمون الأصيل لصلاة الجمعة
انني آمل أن تقوم صلاة الجمعة في إيران بإحياء مفهومها الأصيل الذي كانت عليه في صدر الإسلام، وسينتقل ذلك- دون شك- إلى الأماكن الأخرى. فعندما يرى المسلمون وجوب أن يكون الحج بهذه الصورة، وأنهم كانوا غافلين عن ذلك، فسوف يحاولون أداءه على هذه الشاكلة بالتدريج حتى وان كانت حكوماتهم تعارض ذلك.
الأمر المهم الآخر، هو أن هناك مسؤوليات جسيمة في هذه المرحلة الحساسة تقع على عاتقنا، وينبغي لنا اداء مسؤولياتنا بنحو لا نكون موضع مساءلة أمام الله تبارك وتعالى ... يجب أن تكون مواقفنا واضحة في صلاة الجمعة وفي المساجد وفي كل مكان، وأن يعمل أئمة الجمعة والجماعات على نشر الإسلام في العالم، مثلما كانت عليه الحال في صدر الإسلام، حيث كان المسجد وإمام الجمعة وسيلتين بأيدي المسلمين، وكلما أرادوا التوجه إلى الحرب كانوا ينطلقون من المسجد. وإذا ارادوا اتخاذ قرار مهم، كانوا يعلنون الصلاة جماعة، فيأتي المسلمون يؤدون صلاتهم ويخططون لشؤونهم السياسية ويتخذون قراراتهم في مختلف شؤون حياتهم. ونحن نأمل أن يعود هذا المفهوم لصلاة الجمعة، وأن يزول التصور الخاطئ: وهو" ما شأن رجل الدين بالسياسة؟" ما شأن المعمم بأمور المسلمين؟".
لقد أوصى رسول الله بضرورة الاهتمام بأمور المسلمين. فهل الاهتمام بأمور المسلمين هو أن نتحدث عن عدد ركعات الصلاة وكيفية تلافي الشك الحاصل لدى أدائها فحسب؟ هل هذا هو الاهتمام بأمور المسلمين؟ إن مجرد طرح المسألة لا يعتبر اهتماماً بأمور المسلمين. أمور المسلمين تعني الشؤون السياسية للمسلمين، تعني الأمور الاجتماعية للمسلمين، تعني هموم المسلمين ومعاناتهم، ومن لا يهتم بذلك ليس بمسلم حسبما ورد في الحديث النبوي الشريف «2». ونحن نأمل أن لا نخرج من هذه الدنيا ولم نعمل بذلك على أقل تقدير، فلا يقال لنا بأنكم لم تكونوا مسلمين لأنكم لم تهتموا بأمور المسلمين. فلا بد لنا من الاهتمام بهذا الأمر وايلائه عناية فائقة ومتابعة أمور المسلمين بدقة وحرص شديد. طبعاً نحن لا نعني التدخل، فالتدخل غير صحيح ولا نؤمن به، وإنما ندعو إلى الإرشاد والتوجيه، وهذه مسؤولية تقع على عاتقكم .. إنكم مسؤولون. وهذا يعني أني- أنا طالب العلم الجالس هنا- إذا لم أتمكن من فعل شيء فأنتم المسؤولون. الجميع مسؤول، كل من موقعه، عن الاهتمام بأمور المسلمين، الاهتمام بالمؤسسات والمراكز التي تقدم خدماتها للمسلمين.
واني آمل- إن شاء الله- أن توفقوا في إعادة مساجدنا إلى الحالة التي كانت عليها في صدر الإسلام الأول، لا أن يعرّض إمام الجمعة أو الجماعة للطعن والإساءة إذا أراد أن يقول كلمة حول اجتماع المسلمين، لا بد من التخلص من هذه الحالة. بل على العكس يجب أن يوجّه الطعن والإساءة للذين يتنصلون عن مسؤولياتهم ويعتزلون الحياة ويرفضون الاهتمام بأمور المسلمين.
لاحظوا أن قضية العزلة لم تكن موجودة في الإسلام أصلًا. وليس لها جذور في الإسلام، وهي من الأمور التي كانت متداولة لدى طوائف من غير المسلمين، ومن ثم انتقلت إلى المسلمين حتى وصل الأمر إلى أن يقال:" إن فلاناً رجل جيد، لأنه لا يعبأ بما يجري من حوله أصلًا؟" فعدم الاهتمام هذا كان مدعاة للمدح والثناء.
حكى المرحوم الحاج السيد حسين «3»- رحمة الله عليه-، ويبدو أنه كان في مشهد، قال: كنت أسير مع أحد الأشخاص، ومررنا من أمام أحد الباعة، فسألني: ما هذا الشيء؟ وكان واضحاً ومعلوماً. فقلت له: ما هذا التصرف منك؟ فقال: إسمع ما يقوله. فأصغيت السمع، فرأيته ينادي رفيقه ويقول له: انظر إلى هذا كم هو رجل طيب إنه لا يميز بين الأقط والباذنجان على سبيل المثال. فكان ذلك جزءاً من المحاسن آنذاك ثم أخرج مالًا واعطاه. وهكذا فان مثل هذا السلوك يصبح مدعاة لأن يحاول، حتى الشخص الذي يميز بين الأمور، التظاهر بعدم القدرة على التمييز. إن مثل هذا داء كبير بدأ يستشري غير أن الله سبحانه وتعالى تلطف بحال هذا الشعب، وعلينا أن نشكر الله تعالى إلى الأبد الذي منّ علينا بهذا التحول والتغيير.
عناية الله في التحول المعنوي
إن هؤلاء الشباب الذين كانوا يساقون آنذاك إلى مراكز الفحشاء والفسق والفجور، يتوجهون اليوم إلى جبهات القتال للدفاع عن البلد وتحقيق النصر له والذود عن كرامة الإسلام، بدءً من الشباب الجامعيين وانتهاء بالشباب الكسبة. ومثل هذا الأمر ليس من السهل تحقيقه على يد إنسان. إن قلوب الناس بيد الله تبارك وتعالى، أي إنسان بمقدوره تعبئة الناس جميعاً ابتداءً من الطفل الصغير وانتهاءً بالشيخ الكبير، بحيث يدعو الجميع إلى هدف واحد؟ إنه أمر غير مسبوق. إن كل ما كان في العهد البائد كان مسخراً لترسيخ الانحراف وإشاعة الفساد. وإن الذين لم تكن تغريهم هذه الفحشاء، لم يكونوا يعبؤون بها. وإذا ما كان هناك مجلس للوعظ والإرشاد، فإن كلام المتحدث لم يكن يتعدى الكلام العادي وقراءة الدعاء. وإذا كان هناك محراب، فإنه كان على هذه الشاكلة هو الآخر.
إن إرادة الله تبارك وتعالى هي التي اقتضت أن يتغير كل شيء، وأن يهتدي الناس إلى الصراط المستقيم ولله الحمد لذا فنحن اليوم مسؤولون جميعاً. وما سنسأل عنه في الغد علينا أن نعمل به الآن، ولأننا مسؤولون فإن علينا التمسك بتعاليم الشرع والعمل بأمر الإسلام وتوضيح ذلك للناس.
اننا نواجه اليوم إعلاماً واسع النطاق يمارس ضدنا عبر الإذاعات ومحطات التلفزة الأجنبية، وقد استنفروا كل قواهم لتشويه صورة إيران وكيل التهم إليها. كما أن هناك البعض في الداخل يمارس نشاطاً مماثلًا. وكل هذا يحتم علينا- أيها السادة- توعية الناس واطلاعهم على حقيقة الأعمال التي انجزت والمكاسب التي تحققت في هذه الفترة القصيرة من عمر الثورة. لقد أزيلت إمبراطورية جثمت على صدور الناس 2500 عام، وقد تمكن الشعب من إزالتها والتخلص منها، وإقامة الجمهورية الإسلامية التي تسير على خطى الإسلام إن شاء الله تعالى. فمثل هذا الإنجاز العظيم ليس من المعقول أن نقلل من شأنه بالاعتراض على عدم حصولنا على كمية كافية من الوقود مثلًا؟ أو أن لعبة الأطفال الفلانية فرضاً لم تعد موجودة في الأسواق. أو أن مواد غذائية معينة باتت مفقودة. فمثل هذه الأمور لا تستحق أن نتذمر بسببها ونفقد صبرنا ونقول بأنه لم يتحقق شيء لحد الآن!
لابد من المعاناة وشحة المواد في كل ثورة
أنا أعلم بأن هناك معاناة ومصاعب، ولكن أي مكان لا توجد فيه معاناة؟ حتى المناطق التي لا توجد فيها حروب تعاني من الغلاء أكثر مما هو موجود في بلدنا. إن كل الدول التي حدثت فيها ثورات واجهت مشاكل ومصاعب، ولكن لا توجد ثورة حققت كل هذه الإنجازات في فترة قصيرة مثلما تحقق لشعبنا بعد الثورة .. لقد قمتم بعمل كبير، وعندما يكون العمل الذي انجزتموه عظيماً، فإن التبعات المترتبة عليه تكون تبعات كبيرة أيضاً. ومع ذلك فإن ما نعاني منه ليس كبيراً. فلا توجد مجاعة في إيران اليوم، إذ أن من الأمور المهمة التي اقترنت بالثورات التي شهدها العالم، حدوث المجاعات وانتشار الأوبئة، ومثل هذا لم يحدث في إيران ولله الحمد. صحيح أن الغلاء موجود، غير أن ذلك لا ينفي تحقيق شيء يذكر لمجرد وجود الغلاء. وهل ثارت إيران من أجل البطن؟. إن الشعب الإيراني لم ينهض من أجل البطن، وانما ثار من أجل الله سبحانه وتعالى.
اننا عندما ننظر في تاريخ صدر الإسلام، نلمس مدى المشاكل والمعاناة التي كان يواجهها أولئك الذين كانوا يعملون من أجل الله. فكم عانى الرسول الأكرم والإمام علي، وكم اشتكى القرآن الكريم من أولئك الذين كانوا غير مستعدين للتوجه إلى الحرب، وتقديم المساعدة. كم عانى الرسول الأكرم نفسه من ذلك. وكم تحدث الإمام علي حول هذا الأمر حتى أنه كان يدعو أحياناً على الذين لم يكونوا مستعدين لأداء أي عمل. بيد أن الناس هنا على أتم الاستعداد للمساهمة والمشاركة الطوعية في إنجاز الأعمال لصالح الإسلام والبلاد. وقد أراد الله تبارك وتعالى ذلك لنا. وهو نعمة منّ الله تعالى بها علينا، فالشعب بأسره متواجد في الساحة. ولا بد لنا من احباط دعايات السوء، وان جانباً من ذلك يقع على عاتق علماء الدين ورجاله، إذ ينبغي لهم الاضطلاع بمسؤولية توعية أبناء الشعب بما يحاك ضدهم في الداخل على أقل تقدير. فمن خلال تواجد علماء الدين في المساجد واتصالهم بالناس، ينبغي لهم توعيتهم ولفت انظارهم إلى أن المشاكل التي تواجهنا في الوقت الحاضر مشاكل طبيعية تواجه كل ثورة.
الحفاظ على الإسلام وقيمه رهن التضحية
لقد قدّمنا رجالًا عظاماً في هذا الطريق، ولحقت بنا خسائر لا تعوض، ولكن ألا يستحق ما تحقق كل هذه التضحيات؟ ففي صدر الإسلام ضحى سيد الشهداء بنفسه وهي خسارة لا تعوض واسمى من كل الخسائر. لقد كان سيد الشهداء يعي تماماً ما الذي أقدم عليه وكيف سيكون مصيره. ويبدو ذلك واضحاً من خلال خطبه وأحاديثه التي ألقاها في الطريق إلى كربلاء. غير أن الأوضاع كانت بنحو لا بد من التضحية كي يتحقق الاصلاح.
واليوم أيضاً فإن كل ما لدينا هو وليد تلك التضحية التي كانت من أجل الإسلام. ولا بد لنا من حفظ هذا النهج وهذا المبدأ وتوعية الناس بضرورة التضحية. فالأمر لا يقتصر على البكاء على سيد الشهداء، علماً أن هذا هو بحد ذاته أمر عظيم أيضاً، ولكن يجب الالتفات إلى تضحياته. لا بد من إدراك واستيعاب قيمة العمل الذي أقدم عليه الإمام الحسين وتصديه بكل حزم للظلم ومواجهة يزيد الذي اشاع الكفر واضاع أحكام الإسلام.
وعملكم أيضاً كان على هذا النهج، فالاوضاع التي عمل على إشاعتها محمد رضا، وما كان في عصر أبيه رضا شاه، وكيف أنهما اشاعا الفساد ونشرا الظلم، هي التي دفعت ابناء الشعب للنهوض والثورة واحباط مخططات هذين المجرمين والقضاء عليهما. فلا يمكن لأحد اليوم أن يرى محلًا يبيع الأشياء الممنوعة في مختلف انحاء إيران. ولكن كل شيء كان مباحاً في العهد البائد، ومن كان في طهران يتذكر كم من مراكز الفساد كانت منتشرة في العاصمة. والأسوأ من ذلك ما كان بين طهران ومنطقة شميرانات حيث كانت مراكز الدعارة والفساد منتشرة بشكل مثير. والشيء نفسه يقال بالنسبة للوضع الذي كان سائداً على سواحل البحر. وقد انتهى كل هذا الآن وهي نعمة منّ الله تعالى بها علينا .. فلا بد من توعية الناس بكل هذا حتى يدركوا أهمية المكاسب التي حققتها الثورة وانجزتها الجمهورية الإسلامية.
توضيح القضايا وبركات الثورة من قبل أئمة الجمعة
فكما هو واضح فإن البلد كان يفتقر إلى القضاة الشرعيين، وأن بعض القضاة السابقين كانوا من الماركسيين وقد تركوا العمل، فهل يعقل أن تترك الأمور على حالها كي يعود هؤلاء الماركسيون، أم يتم الاعتماد على رجل الدين الملتزم وإن لم تكتمل فيه شروط القضاء الكبرى، ليتسلم مهام القضاء بإذن حاكم الشرع؟ إن العقل يأمر الإنسان بالتصدي للفساد وإن كنا نفتقر إلى القاضي الذي حدد مواصفاته الشارع المقدس، حتى يتم إعداد قضاة مؤهلين لتولي مهام القضاء.
على أية حال، نحن نواجه اليوم- داخل البلاد وخارجها- دعايات مغرضة تتطلع للنيل منّا. كما أن هناك تحركات مسلحة تحاول الاضرار بنا. غير أن الرد على التحركات غير المسلحة يكون اصعب بكثير من الرد على المسلحين، ولا يخفى أن الدعايات المغرضة وإثارة الفوضى وبث الشائعات يعقد الامور. ولذلك ينبغي للسادة الخطباء والوعاظ الرد على ذلك من على منابرهم وفي مساجدهم وخلال خطبهم، وتوضيح المكاسب التي حققتها الثورة للناس.
لقد تسلط رجال العهد البائد على رقاب الناس طوال خمسين عاماً ونهبوا ثروات البلد وخيراته. فانظروا إلى القرى والأرياف، إنكم تجدون فيها شيئاً، فيما عدا بعض المناطق التي يمر منها (صاحب الجلالة). فإذا ما اراد أن يمر من مكان ما، وربما كان برفقته أحد ضيوفه الأجانب، فانهم يأتون ببعض الاشخاص من طهران بلباس جيد ليصطفوا إلى جوار الطريق بعد أن تم تعبيده. وبعد ذلك يزعمون بأن إيران وصلت- بحمد الله- إلى وضع أصبح فيه الفلاحون يمتلكون كذا وكذا. ولكن إذا ما ذهبت إلى ما وراء ذلك فستجد الفقراء المحرومين والجياع الذين يقفون على اعتاب الموت. فلا يتوفر لهم طبيب ولا صيدلية ولا مستوصف ولا أي شيء حتى الخبز. فنحن نرى كل ذلك عن كثب والحكومة منهمكة بالبناء والإعمار. وإذا ما كان الإعمار يجب أن يبدأ من الصفر، فكيف يمكن تحقيقه في يوم وليلة؟ فلا بد إذن من الشروع من الصفر وإعادة بناء كل هذا الدمار الذي خلّفه النظام البائد. لقد نهبوا خيرات البلاد وهربوا، حيث أعلنت المصارف عن افلاسها بسبب سحب كل أرصدتها.
على أية حال، لا بد لنا من توعية الناس ولفت انظارهم إلى ذلك. وان الناس يمتلكون المؤهلات اللازمة ولله الحمد فهم يقدمون شبابهم ويفتخرون بذلك. وهم محقون. لا بد من الافتخار، لأننا من الله ويجب أن نضحي من أجله. كما أن السادة أئمة الجمعة يتوجهون أحياناً إلى جبهات القتال. فالسيد اشرفي «4» ورغم تقدمه في السن يتوجه إلى جبهات القتال ويتحدث إلى المقاتلين. وآمل أن تحافظوا على اندفاع الناس وحماسهم بهذا النحو لإيصال الثورة إلى مرحلة نتمكن فيها من تطبيق إسلامنا في كل مكان إن شاء الله. وبطبيعة الحال يجب أن يتم ذلك بالتدريج. وما تحقق لحد الآن يعتبر معجزة. فلو كنا نريد أن نتخلص من محلات بيع الخمور ومراكز الفساد والفحشاء بالطريقة الاعتيادية لتطلب ذلك وقتاً طويلًا، ولكن الله تعالى أراد أن يلتفت الشعب إلى ذلك وينهي الأمر مرة واحدة والى الأبد.
والآن أيضاً نأمل أن يعمل السادة على توعية الناس وإرشادهم من خلال خطبهم ومواعظهم، والتقليل من أهمية المشاكل الطارئة التي يعانون منها في الوقت الحاضر، فمثل هذه المشاكل ليست بالحجم الذي يبتلى بها عادة البلد الذي يشهد ثورة، ناهيك عن أن الثورات التي شهدها العالم لم تتسم بالتوجه الإلهي. غير أن ثورتنا اتسمت بفكرها الإلهي وبتواجد الجماهير في الساحة، ولذلك تقلصت المشاكل. وإذا تقرر أن تتولى الحكومة اداء جميع الأعمال لكنا قد تأخرنا ولم نستطع تحقيق شيء يذكر.
ولكن كل شيء يسير الآن في الاتجاه الصحيح، وعلى طريق الاصلاح والرخاء. وبطبيعة الحال سيتحقق المزيد من الرخاء أيضاً. ولو كانت أميركا باقية في هذا البلد، لكان كغيره من البلدان التي لا يسمح فيها باطلاق كلمة إسلامية واحدة، بل وتعمل بما يتعارض مع تعاليم الإسلام. فإذا ما لاحظتم تصريحات بعض حكّام هذه البلدان، فسترون مدى معارضتهم لإيران وإسلامها. كما أن بعض مثقفينا يعارضون إسلامنا أيضاً. فإذا ما طالبنا بالجمهورية قبل الجميع بذلك. غير أنهم يتساءلون عن معنى الجمهورية الإسلامية ويرونها بدعة غير مسبوقة. وأن انصار الملكية يوافقون على (الجمهورية الديمقراطية).
ومهما يكن، فإن علينا التحلي بالصبر وتوعية الناس كي لا يخشوا مثل هذه الأقاويل، وهم كذلك والحمد لله. لقد رأوا بأم أعينهم ما حدث، فليس هناك أكثر من أن يضحي الإنسان بنفسه وقد ضحى أبناء الشعب أملًا في حاكمية الإسلام.
وفقكم الله تعالى وسدد خطاكم جميعاً. وأسأله تعالى أن يوفقنا للدعاء، ويوفقكم لإرشاد الناس، ويوفق الناس للتواجد في الساحة والدفاع عن الإسلام وصونه إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته