بسم الله الرحمن الرحيم
أعظم جرائم أميركا والخونة المحليين
لقد سعدت كثيراً لما سمعته. طبعاً كنت أعلم بأن النظام البائد لم يكن يسمح بنمو الأدمغة ولكنها نمت اليوم، غير أنه لم تكن لدي تفاصيل كثيرة بهذا الخصوص. وقد سعدت الآن كثيراً لما سمعته، ولا بد لي من شكر هؤلاء الشباب الأعزاء على جهودهم والمفاخر التي حققوها ويحققونها لبلدهم وللإسلام. اننا في كل خطوة نخطوها نتعرف أكثر على حجم الخيانات التي ارتكبت بحق هذا البلد، وعلى الجرائم التي ارتكبتها أميركا وأمثالها بحقنا على يد هؤلاء المجرمين المحليين. وان أعظم الجرائم هي تلك التي تمثلت في عدم فسح المجال لنمو وتقدم هؤلاء الشباب. فلو كان الجيش جيشاً إسلامياً منذ البداية ومتمسكاً بالإسلام ويعمل وفقاً لأحكامه، لكان وضعنا الآن غير هذا الوضع، لكنهم لم يسمحوا بذلك. ومع ذلك فان الله تبارك وتعالى ظلل هذا الشعب بعنايته بأن أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن وحال دون تحقيق ما كانوا يصبون إليه. فكل شيء في هذا البلد يحتكم اليوم إلى الإسلام. وطبعاً لا زلنا في منتصف الطريق وسيتحسن الوضع أكثر فأكثر.
واني آمل أن يلتفت السادة إلى أن ما يقدمون عليه هو عبادة. العمل الذي تقومون به عبادة كبرى، وليكن من أجله سبحانه كي يؤجركم عليه. إن هذه الأعمال التي تقومون بها سوف تثبت إن شاء الله في صحيفة أعمالكم وفي الدنيا أيضاً.
صيانة القيم الإنسانية، من مكتسبات الثورة والدفاع المقدس
إننا في ذات الوقت الذي فقدنا في هذه الحرب الكثير من شبابنا الأعزاء ومن الشخصيات العزيزة، وصبرنا على كل هذه الجرائم والخيانات، سيما الجريمة الأخيرة التي شهدتها مدينة دزفول حيث كانت حقاً من أعظم الجرائم. فعلى الرغم من كل هذه الجرائم التي ارتكبت بحقنا، غير ان ما تحقق لبلدنا لا يقدر بثمن. طبعاً خسارة الأفراد لا يمكن تعويضها ونسأل الله تعالى أن يعيننا على ذلك. بيد أن الدمار والتخريب يمكن تعويضه وهو ليس بالشيء المهم. ولكن يجب أن نرى ما الذي تحقق لنا مقابل ذلك؟ علينا أن نفكر بذلك مليّاً.
إن هؤلاء المتشائمين لا يرون غير نقاط الضعف، وليس لديهم ما يقولونه غير أن عدد القتلى بلغ كذا والجرحى في المستشفيات كذا والمعاقين كذا. ولكن لا بد من النظر إلى الجانب الآخر، إلى ما حصلنا عليه في مقابل ذلك. علماً أننا لم نبدأ الحرب وقد فرضت علينا. اننا نعلم جيداً أن المواجهة مع أميركا والقوى الأخرى تترتب عليها استحقاقات. وان هؤلاء الذين يشكلون علينا ويتساءلون: لماذا تعادون أميركا حتى تلجأ إلى خلق المشكلات لكم بما فيها الحرب؟ عليهم ان يشكلوا على الرسول الأكرم ويتساءلوا: لماذا حاربت أمثال أبي سفيان حتى يقتلوا عمك «1»؟ حتى يقتلوا أمثال هؤلاء العظام؟ كان ينبغي لك أن تستسلم وتعتزل الناس حتى لا يقتل أمثال هؤلاء العظام!! كذلك يمكن ايراد مثل هذا الاشكال على الإمام أمير المؤمنين. فإذا كان إشكال السادة وارداً بالنسبة لنا، فهو وارد بالنسبة للإمام علي: لماذا عارضت معاوية؟ إذ كان الجميع يطالبه بالابقاء على معاوية في الشام، فلماذا كان يقول- سلام الله عليه-: لا أسمح ببقاء الظالم في منصبه ولو ساعة واحدة؟ لقد كانت النتيجة أن يقتل رجال عظام أمثال عمار «2».
فإذا كان هذا المنطق صحيحاً، فمن الممكن أن يؤاخذ عليه الإمام سيد الشهداء- سلام الله عليه- أيضاً، مثلما كان يشكلون عليه بأنك كنت جالساً آمناً في المدينة فلماذا نهضت وتحركت بهذا العدد القليل لمواجهة حكومة طاغية؟ حسناً، إذا كان الانبياء قد اخطأوا- حسب منطق هؤلاء-، فالدنيا يجب أن تؤخذ بمنطق القوة وشريعة الغاب، وحينها يجب أن نعترف بأننا قد أخطأنا نحن أيضاً مثلما اخطأ الانبياء في التاريخ.
وإذا لم تكن القضية بهذه الصورة وانما هي قضية الإنسانية والقيم الإنسانية، قضية التصدي للجرائم التي يمارسها الطغاة بحق البشرية وبحق الإنسانية، قضية الحؤول دون سوق الإنسانية إلى التيه والضياع، إذا كانت هذه هي القضية فنحن منتصرون. إن نفس هذا الموضوع الذي نقلتموه عن إبداع هؤلاء الشباب وابتكارهم ما كان له أن يتحقق أبداً لو كنا اعتزلنا الناس وفضلنا الجلوس في المنازل، وكانت أميركا تصول وتجول في هذا البلد. ولكان ينبغي علينا مد أيدينا إلى أميركا والتودد إليها كي تمنّ علينا بالخبز وتزودنا بالسلاح. إن السلاح والمعدات العسكرية التي كانت تزود النظام البائد بها كانت تكدس في قواعد أميركية حتى تكون جاهزة إذا ما حصلت يوماً مواجهة مع منافس أميركا الاتحاد السوفيتي. لقد نهبوا ثرواتنا ليقيموا قواعد لهم في إيران. غير أن الله تبارك وتعالى وفقنا للاستيلاء على كل هذه القواعد التي اعدوها لهم. إنها غنائم حرب وفقنا الله تعالى للاستيلاء عليها وتسليمها بأنفسهم.
على أية حال، علينا أن نضع هاتين القضيتين في الميزان. قضية الخسائر التي لحقت بنا، وقضية المكاسب التي تحققت لنا. نحن نسلّم بأننا خسرنا الكثير من أبنائنا، الكثير من شبابنا الأعزاء والشخصيات الناشطة. وهناك الكثير من المعاقين ومن النساء الأرامل. كل هذا نعرفه، ونعلم أيضاً أن دماراً كبيراً قد حصل في هذا البلد. ولكن لماذا لا نفكر بالذي تحقق لنا؟ لماذا لا نفكر بأننا قد تخلصنا من نظام كان يعمل على ضياع الإسلام، نظام ساق شبابنا إلى مراكز الفسق والفجور، واوصل شعبنا إلى حالة يرثى لها. لقد رحمنا الله سبحانه بأن جعل أبناء هذا الشعب ينتفضون كتلة واحدة لوضع حد لكل هذه المعاناة والخروج من هذا المستنقع. فالذي تحقق لنا هو أننا أحيينا الإسلام في هذا البلد. إن اسم الإسلام كان يتردد كثيراً، غير أن الإسلام لم يكن موجوداً أصلًا، أي أنهم كانوا يعادون الإسلام، أرادوا القضاء على الإسلام ولكن بصورة تدريجية. فلم يجرؤوا في البدء على القول بأننا لا نريد الإسلام، وانما كانوا يقولون اننا نقبل الأصول. ثم راحوا يضربون الأصول الواحد تلو الآخر. لقد قضوا على أحكام الإسلام.
ولكن الناس الآن يرون مظاهر الإسلام في كل مكان من هذا البلد، وقد تم التخلص من الفساد والفحشاء التي كانت تعج بها المدن الإيرانية. لقد تخلص الشباب مما كان يسوقهم إلى التيه والضياع. وقد ادرك الجميع بأن عليهم اليوم التصدي لأميركا، عليهم مواجهة الجبروت والطغيان، والمحافظة على استقلالهم. فإذا لم يكن قد تحقق لنا غير هذا فهو يكفي. غير أن هناك الكثير مما تحقق لنا. لقد حقق لنا هؤلاء الشباب ما لم نكن نحلم به ولم يكن يخطر على بالنا. واننا نأمل أن تتمكنوا من تحقيق المزيد والأسمى. ونرجو أن يوفقنا الله تعالى- إن شاء الله- لإنقاذ هذا الشعب الذي كان يرزح تحت سلطة الأجنبي ويُسْحَق تحت أقدام الانظمة الفاسدة. وسيتم إن شاء الله تعالى تلافي كل النواقص، ويجب أن لا تيأسوا من رحمة الله. إن كل هذه المعاناة ستنتهي وستكونون مرفوعي الرأس أمام الله تبارك وتعالي وأمام العالم. حفظكم الله تعالى بمشيئته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته