بسم الله الرحمن الرحيم
عشية بدأ السنة الخامسة من انتصار الحق على الباطل وحزب الله على الأحزاب الشيطانية، نتقدم بالشكر والعبودية إلى المحضر المقدس لله المتعالي حيث إنا لله وإنا إليه راجعون، وإن الانتصارات المتلاحقة هي من لطفه وكرمه.
كما نتقدم بالتحية الصادقة والمخلصة للمقام المقدس لولي الله الأعظم وبقية الله في أرضه- أرواحنا لمقدمه الفداء- إذ أنه واسطة فيض الحق تعالى وألطافه، وصالح دعائه يحيط بامة جده العظيم- صلى الله عليه وآله-.
وأتقدم بالتهاني والتبريك غير المتناهي للشعب الايراني النبيل المؤمن، الذي تواجد بكل جد وإخلاص في ميادين الثورة وضحى بالغالي والنفيس بفخر واعتزاز منذ بداية النهضة وحتى الثورة الاسلامية العظيمة، ومنذ الثورة وحتى الانتصار، ومن يوم النصر وحتى يومنا هذا؛ ودافع عن حريم الاسلام العزيز وعن بلده، ومنّ علينا وعلى الجميع بتضحياته. فلو لم تكن تضحياته لما كانت الثورة ولما تحقق النصر بهذه العظمة للاسلام والبلد الاسلامي. وإننا نشكر الله تعالى على هذه النعمة التي منّ علينا بها بامداداته الغيبية حيث أوجد كل هذا التحول الإلهي لدى هذا الشعب المظلوم الأعزل، وأحاطه برحمته، ونصره على أعداء الاسلام والبشرية بما منّ عليه بنصيب من قدرته الأزلية. وإننا نسأله تعالى بكل خشوع أن يديم على هذا الشعب ألطافه ونعمته ويجعلها من نصيب كافة المسلمين في العالم.
كما أتقدم بشكر وتقدير لا حصر لهما إلى الجنود الأعزاء الأبطال من أفراد الجيش والحرس وقوات التعبئة والشرطة واللجان الثورية والجندرمة والعشائر المحترمة وكافة أفراد القوات المسلحة الذين وجهوا بأيديهم المقتدرة- التي تتمتع بالامدادات الغيبية- صفعة قوية إلى وجوه الصداميين الكريهة، وإلى أركان حماته، وإن حزب البعث العفلقي لن يستطيع تلافي الخسائر التي لحقت به مهما حاول أن يتشبث ومهما حاول قائد القادسية المنحوس أن يمد يده الذليلة إلى كل صوب ويتطلع إلى المجرمين المفلسين لعلّه يتمكن من مواصلة إجرامه بحق الشعب العراقي المظلوم والمسلمين العرب وغير العرب في ايران وبقية دول المنطقة، أيام معدودة أخرى .. لقد أضحى بدرجة من ا لذلة والعجز دفعته لأن يشطب بكل وقاحة وبالحبر الأسود على كل مزاعمه الفارغة وبات صديقاً حميماً لاسرائيل- الذي كان يدعي معاداتها بالأمس- ويعقد آمالًا عريضة من التبعية على أميركا التي يزعم أنه قطع العلاقة معها. وأخذ الآن يتطلع بتملق وخنوع إلى الدويلات التابعة لأميركا- التي أفرغ جيوبها بالتخويف والإرعاب والعربدة- ويعقد آماله على حسني «1» وحسن «2» وحسين «3» والنميري «4»، وغيرهم من جناة التاريخ الذين هم ليسوا أكثر من بائسين.
وقد هبت وسائل الاعلام إلى نجدة هذا الغريق العاجز «5»، من خلال دعاياتها المغرضة وأكاذيبها الفظيعة التي هي غير خافية على الجميع، لعلها تحجب شمس الاسلام العالية المشرقة أياماً معدوة أخرى، رغم علمهم بأن هذا السيل المتدفق للرحمة الإلهية الذي يهدف إلى إنقاذ المسلمين وكافة المستضعفين والمحرومين في العالم، ليس بوسع أحد التصدي له بالحيل الشيطانية، وإن الاعلام الكاذب والمضلل أعجز من أن يتمكن من إطفاء شمس سماء المعنويات. ونأمل أن يتحقق الوعد الإلهي بإرادة المنّة- ونريد أن نمنّ- بحق المستضعفين عن قريب، وأن تخرج يد الحق تعالى المقتدرة من أكمام الشعوب المظلومة ويتحقق التحول الإلهي الذي وجد لدى الشعب الايراني، لدى كافة الملل والنحل بإرادته تعالى، وتقطع أيدي الظالمين كي لا تتمكن من قتل وظلم المستضعفين في العالم، وأن ينال المظلومون حقوقهم الضائعة.
وبهذه المناسبة أرى من الضروري تذكير الأخوة والأخوات المحترمين ببعض النقاط، رغم اطلاعهم على قضايا الاسلام والعصر ولله الحمد:
أولًا: لقد سبق لي أن ذكرت هذا الموضوع كراراً وأعيد التذكير به هنا أيضاً وهو: على الشعب العزيز المجاهد أن يعلم، لا سيما الأبطال من الجنود المجاهدين في سبيل الله، بأن الاغترار بالانتصارات التي تحققت آفة كبرى يوجدها الشيطان الباطني لدى عباد الله لحرفهم عن طريق الحق ومن ثم تثبيط عزائم خلق الله تعالى في السعي لتحقيق الأهداف الإلهية، وإذا ما وجدت هذه الحالة الشيطانية- لا سمح الله- في جبهات القتال فسوف تتوقف الانتصارات، بل ومن الممكن أن تتحول بالمكر الشيطاني إلى هزيمة. فإذا ما ظهرت هذه الآفة التي تقضي على الضمير والوجدان، فإن الانسان سيغفل عن نفسه وعن ربّه ويعتبر القوة والنصر من عنده. وكل ذلك نتيجة لنسيان مصدر الوجود الذي بيده الأمور والذي هو منبع كل كمال وجمال وقوة.
لقد أدرك الشعب العزيز والقوات المسلحة طوال مراحل الثورة وهذه الحرب، بأنه لو لم يكن المدد الإلهي والألطاف الربانية الخاصة، لما كان بالامكان أبداً مواجهة النظام الشيطاني الذي كان مدججاً بالسلاح ومدعوماً من القوى العالمية. ولكن وبفضل الثورة الاسلامية المستلهمة من التحول الإلهي الذي شهده أبناء الشعب، استطاعوا أن يهزموا القوة الكبرى في المنطقة ويحققوا لايران وللاسلام كل هذه الانتصارات المعجزة في الحرب غير المتكافئة من حيث السلاح والدعم غير المحدود الذي كان يحظى به النظام الشاهنشاهي من قبل الشرق والغرب ودول المنطقة .. يجب أن لا تنسى فتوحات كبيرة مثل فتح خرمشهر، حيث كان العدو المدجج بالسلاح يتخندق في خنادق محصنة إلى حد كبير، فيما انطلق في المقابل أبطال الاسلام في هجومهم من العراء، وقد ألقى الله تعالى الخوف والرعب في قلوب أعدائنا إلى درجة أنهم راحوا يسلمون أنفسهم بالآلاف مع أسلحتهم، بينما فرّ بعضهم بنحو مذل ومخز .. يجب على جنودنا الأعزاء أن لا ينظروا إلى هذا النصر المعجز بمعزل عن المدد الإلهي. وأن ما ينبغي التفكير به هو أننا نحظى بعناية القادر المتعال وليس لدينا من أنفسنا شيء، كل ما لدينا من عنده سبحانه وينبغي التضحية به في سبيله. وإذا ما كان تفكيرنا هذا فإن الله تعالى سيواصل ألطافه علينا وتواصلون أنتم بطولاتكم وحربكم النبيلة من أجل الدفاع عن الاسلام والبلد الاسلامي والتمكن من تحقيق النصر النهائي بمشيئة القادر المتعال.
ثانياً: اليوم حيث تخلصت ايران- بحمد الله ومنّه- من تحركات المجرمين الأشرار، هؤلاء الذين يزعمون كذباً الدفاع عن الشعب و (الخَلْق) حيث كشفوا بأيديهم الخبيثة عن وجههم القبيح والتحقوا بأعداء الاسلام ممن هم على شاكلتهم وشاكلة أسيادهم؛ وهدأت البلاد واستقرت بعون الله تعالى، فإن من الضروري للشعب المسلم المتدين العظيم أن يعمل بكل ما في وسعه على إعمار البلد وتلافي النواقص التي هي أمر طبيعي يعقب كل ثورة، وبالنسبة إلى الثورة الايرانية التي تتكل على قدرة الحق تعالى الأزلية وعلى الهمة العالية لفئات الشعب المحترمة، فإن خسائرها أقل من خسائر الثورات الأخرى الكبيرة ومكاسبها أكبر بكثير. كما أنه مطالب بالعمل على انتهاز الفرص دون تأخير ودفع البلد لمزيد من تحقق المظاهر الاسلامية في مختلف مرافق النظام الاسلامي وكافة مؤسساته بدءاً من السلطات الثلاث التي هي أساس النظام وانتهاء بالحوزات العلمية والجامعات التي تشكل أساس الثقافة. وهكذا في صفوف القوات المسلحة العسكرية والأمنية التي هي أساس الأمن، وفي أوساط الكسبة والفلاحين والعمال الذي يعد كل واحد منهم ركناً مهماً من أركان اقتصاد البلد.
ومعلوم أنه إذا لم يساهم الشعب بأسره في هذا الأمر العظيم بمختلف أبعاده الواسعة والذي يعتبر مصير الأمة الاسلامية مرهوناً به، ولم ينهض نهضة فاعلة، فسوف لا تتحقق الأهداف الاسلامية السامية. وباتحاد الكلمة ووحدة الصف وتظافر جهود الجميع الذين ترعاهم وتساندهم يد الحق تعالى المقتدرة، ستتحقق النتائج المرجوة. أما كيفية المساعدة فهي:
أ: إن القوة القضائية اليوم بحاجة ماسة إلى علماء متقين من أصحاب الفضيلة لأداء مهامها في القضاء الشرعي. وعلى الحوزات العلمية في كل مكان لا سيما الحوزات الكبيرة، أن تنظر إلى هذا الأمر بمثابة واجب شرعي كفائي هام. وكي يتسنى لها تحقيق هذا الهدف الاسلامي الهام، فإنها مطالبة بدعوة العلماء المتواجدين في الحوزات والمناطق الأخرى للتركيز على هذا الجانب. ولا يخفى على العلماء الأعلام أن القضاء أمر هام للغاية وكان قد أوكل إلى غير المؤهلين في الأنظمة الطاغوتية. وكنا معذورين في النظام السابق لأنهم لم يسمحوا للمؤهلين بالالتحاق للعمل في أي مجال فضلًا عن القضاء الشرعي. ولكن لا يوجد اليوم، حيث يراد تطبيق القضاء الاسلامي، أي عذر. وواجب على كل من يجد في نفسه الكفاءة الالتحاق بذلك وحث الآخرين وتعبئتهم للالتحاق به.
كما أن من الضروري لأساتذة الحوزة المحترمين والعلماء الأعلام والمجتهدين العظام، الاهتمام بالكتب التي كانوا يطلقون عليها (العلوم الغريبة) لأنها كانت مهملة في بحوث الحوزات العلمية لعدم الابتلاء بها. فنحن اليوم بأمس الحاجة إلى كتب أمثال كتاب القضاء والشهادات والقصاص والحدود والديات وغيرها من الكتب موضع الحاجة، وأنتم مطالبون اليوم بوضعها موضع البحث والتدريس والتحقيق، كي لا نعاني في المستقبل من قلة المختصين في هذا المجال مثلما نحن عليه اليوم، وكلنا أمل في أن يتم الاهتمام بهذا الأمر من أجل رضا الله تعالى والعمل بالواجب، وأن يتم ببركة المراجع العظام والعلماء الأعلام تلافي النقص في كوادر القضاء الذي يعتبر اليوم من التحديات المهمة التي تقف في مواجهة الجمهورية الاسلامية. كما أن مجلس القضاء مطالب أيضاً باعداد القوانين الخاصة بالقضاء بجدية تامة، وإن مجلس الشورى الاسلامي مدعو لإعطاء الأولوية للمصادقة على القوانين الشرعية كي يتسنى تطبيق القضاء الاسلامي في البلاد.
ب: ان مجلس الشورى الاسلامي المحترم، الذي يقف في طليعة مؤسسات النظام الاسلامي، ويضم في عضويته علماء ومفكرين ومثقفين، يستحسن به أن يقوم بدعوة الأصدقاء المتدينين وأصحاب الرأي والخبرة إلى اللجان المختصة في الحالات الضرورية كي يتسنى من خلال تلاقح الآراء والأفكار، انجاز الأعمال بدقة وسرعة كبيرتين. وأن يطلب من الخبراء والمختصين المتدينين تقديم آرائهم ومقترحاتهم بالنسبة لتشخيص الموضوعات فيما يتعلق بأحكام الاسلام الثانوية كي يتم انجازها بما يليق.
وأرى التذكير بهذه الملاحظة ضرورياً أيضاً وهي: ان رفض الأحكام الثانوية بعد تشخيص الموضوع وفقاً للخبرة المتعارفة، لا يختلف عن رفض الأحكام الأولية لأن كليهما أحكام الله. كما أنه لا علاقة للأحكام الثانوية بمهام ولاية الفقيه، ولا يحق لأي مسؤول رفضها بعد مصادقة مجلس الشورى وإقرار مجلس صيانة الدستور، وعلى الحكومة تنفيذها دون أي تردد. ويعتبر تشخيص ثلثي أعضاء مجلس الشورى الاسلامي، الذين هم من العلماء الأعلام والمجتهدين والمفكرين والمتدينين المتمسكين بالاسلام، بالنسبة للموضوعات العرفية التي يعتبر تشخيصها استناداً للعرف، مع استشارة الخبراء، يعتبر حجة شرعية وإن معارضته بدون حجة أقوى تعد خلافاً لمنطق العقلاء. مثلما ان تغيير الأحكام الأولية من خلال التشكيك في الموضوع ومصداقيته، يخالف منطق العقلاء.
ج: ان حكومة الجمهورية الاسلامية التي تتصدى لإدارة شؤون البلد والتي هي مسؤولة عن التصرف إزاء أي طارئ، غير قادرة في الظرف الراهن على إيجاد حلول لجميع المشاكل والمعضلات دون مساعدة الشعب، وهي بأمس الحاجة للمساعدة في إدارة شؤون البلد والتصدي للأعداء المهاجمين وتلافي مشكلات الحرب الكثيرة. ولأن القضية قضية دفاع عن الأرواح والأعراض وثروات البلد والذود عن الاسلام، فإن من الواجب على الجميع المساعدة بما يكفي في التصدي للخطر العظيم الذي يستهدف الاسلام والمسلمين. ومسؤولية ذلك تقع على عاتق الطبقة المرفهة بنحو أكبر ومن بعدها الطبقة المتوسطة بما يتناسب وأحوالها، لا الطبقة الفقيرة والمحرومة التي يتراوح دخلها على قدر معيشتها على الرغم من ان الخدمات التي تقدمها هذه الطبقة تفوق خدمات الطبقات الأخرى.
إنني أتقدم بالشكر والتقدير إلى كافة المواطنين الأعزاء المتواجدين في الساحة منذ بداية الثورة وحتى الآن وأسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لمزيد من التواجد في الساحة. وعلى الحكومة المحترمة أن تعمل على ترتيب الأوضاع وتنظيمها، إذ أنه تقع على عاتقها مسؤولية عظيمة في هذا الجانب مثلما هو تكليف إلهي يقع على عاتق جميع أبناء الشعب. وعلى الرغم من أن قضية الحرب تقف في طليعة الأمور وإن الشعب يعتبر تقديم الدعم لها بمثابة أمر ضروري، وإن الحكومة تبذل كل ما في وسعها بهذا الشأن، إلّا أن التذكير بهذه الأمور عدة مرات يعتبر ضرورياً ولابدّ من توسيع نطاق المساعدات التي تقدم لجبهات القتال يوماً بعد آخر حتى تحقيق النصر النهائي.
إن القوات المسلحة الاسلامية لن تتردد- ولله الحمد- في بذل كل ما في وسعها دفاعاً عن الاسلام والوطن العزيز منذ أن شن الأشرار حربهم ضد هذا البلد وحتى الآن، وقد استطاعت أن تلحق هزائم متكررة بالقوى الشيطانية من خلال تضحياتها وعشقها للقاء الله تعالى. وكانت أكثر قوة وإيماناً في كل مرحلة من مراحل مسيرتها الظافرة. وإننا جميعاً والوطن الاسلامي مدينون لتضحيات هؤلاء الأبطال. ولو لم تكن القوة الروحية والربانية لهؤلاء البواسل، لما كان معلوماً كيف سيكون حال بلدنا مع كل هؤلاء الأعداء ودعم القوى الكبرى والصغرى لهم.
ان الشعب المتدين المجاهد لم يتوان عن تقديم المساعدات اللائقة إلى جبهات القتال وخلف الجبهات طوال مراحل الثورة والحرب المفروضة. وإن أحد أركان النصر هو تواجد الشعب في كافة الميادين لا سيما ميدان الحرب. والحق أن هذا الشعب النموذجي يحظى بمكانة عظيمة عند الله تعالى، ويتوقع منه المزيد من الدعم والتأييد حفاظاً على الاسلام وبلده الاسلامي، وهو حاصل بالفعل، نظراً إلى أن حجم نفقات الحكومة يزداد يوماً بعد آخر.
وفي الوقت الذي تتضاعف مشاركة الشعب الايراني النبيل ومساعداته إلى الحكومة وجبهات القتال يوماً بعد آخر، فإن عدداً من المحتكرين والجشعين الذين لا يعرفون الله، لا يكفون عن أساليبهم الدنيئة ولا يعبؤون بحالهم وبلدهم، ويجب أن يخشوا الغضب الإلهي وأن لا يفضحوا أنفسهم أكثر من هذا أمام الله وخلقه.
د: أما بالنسبة للثقافة فإن كل ما يقال عنها قليل، ويعلم الجميع بأنه إذا ما حصل انحراف في ثقافة نظام ما، وكانت جميع مؤسساته ومسؤوليه متمسكين بالصراط الإلهي والانساني المستقيم ويؤمنون باستقلالية الشعب وتحرره من القيود الشيطانية ويعملون على تحقيقه، وكان الشعب حريصاً على اتباع أحكام الاسلام وتعاليمه القيمة؛ فإنه سوف لا يمر وقت طويل حتى يعم الانحراف الثقافي كافة مرافق النظام ويجر الجميع إلى الانحراف شاؤوا أم أبوا، وينشأ الجيل الجديد بنحو ينظر الى الانحراف بظاهره المباشر والجميل على أنه طريق النجاة، ومن ثم يقبل الاسلام المحرّف بدلًا من الاسلام الحقيقي، ويصب على رأسه وعلى بلده من المصائب ما عانت منه البلاد طوال العصور المظلمة لا سيما السنوات الخمسون السوداء الأخيرة.
لذا على مجلس الشورى والشعب والمفكرين الملتزمين، أن يعوا هذه الحقيقة وينظروا بجدية إلى موضوع إصلاح الثقافة بما في ذلك إصلاح مراكز التعليم ابتداء من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعة، وأن يبذلوا كل ما في وسعهم لسد طريق الانحراف. ولا يخفى أن عدة معدودة غير قادرة وحدها على الاضطلاع بهذه المهمة الشاقة والمتشعبة. فنحن كلنا مسؤولون عن ذلك ومطالبون جميعاً أن نبرئ ذمتنا أمام الله والخلق. وحيث تتوفر لدينا فرصة قيمة، لن يقبل أي عذر من أحد، وعلينا أن نسعى جميعاً كل على قدر استطاعته في انجاز هذا الأمر الحياتي حتى لا تذهب دماء شهدائنا الأبطال المجاهدين وتضحيات الشعب وجهوده الصادقة هدراً.
ثالثاً: لقد أعلن كبار المسؤولين في هذا البلد كراراً للدول الاسلامية في المنطقة، بأن الجمهورية الاسلامية التي انطلقت على أساس العدل الاسلامي وتعهدت بالدفاع عن هويتها الاسلامية مهما كان الثمن، لا يحق لها ممارسة الظلم والاعتداء على الآخرين، وإن هذا التعهد الإلهي يشكل أساس نظام الاسلام والجمهورية الاسلامية. وقد نصحنا كراراً وكلما سنحت الفرصة، دول المنطقة والآخرين ودعوناهم إلى احترام حسن الجوار والأخوّة الاسلامية مراعاة لأحكام الله والقرآن المجيد. وكونوا على ثقة بأنكم إذا ما خطوتم خطوة واحدة على طريق مراعاة الأخوّة، فإننا سنخطو عدة خطوات في الاتجاه نفسه ونشد على أيديكم من أجل التخلص من القوى العظمى. وقد أعلنا مراراً بأنه إذا ما عمل المسلمون بأحكام الاسلام وحافظوا على وحدة كلمتهم وكفوا عن الاختلاف والتنازع الذي هو مصدر هزيمتهم، فسيكونون تحت ظلال راية (لا إله إلّا الله) في مأمن من تجاوز أعداء الاسلام وناهبي العالم، وسوف تقطع يد الشرق والغرب عن بلاد المسلمين العزيزة. لأن عدد المسلمين في تنام مستمر وذخائرهم لا حصر لها. وفوق كل ذلك تساندهم قدرة الله اللّامتناهية وتحميهم، وإن القوى الكبرى بحاجة إليهم. وقد سبق لي أن ذكرت هذه الحقيقة كراراً وتم لمسها وهي أن المجرمين الدوليين سواء في الشرق أو الغرب، لا يفكرون بغير مصالحهم الشيطانية ونهب أموال الآخرين والتسلط عليهم. وإنهم يعلنون بكل صراحة: ان لدينا مصالح في المنطقة ولابدّ من الحفاظ على مصالحنا!! واعلموا بأنهم إذا قدموا لكم دولاراً واحداً كمساعدة فسوف يسترجعونه مئات الأضعاف. وإن هذه التحركات السياسية والمساعدات التسليحية والعسكرية لا تهدف سوى إلى ترسيخ نفوذهم في البلدان الاسلامية وغير الاسلامية. وسواء مارست وسائل الإعلام دورها الدعائي المغرض والكاذب أم لم تمارس، وسواء أغمضتم عيونكم وآذانكم عن الحقيقة الساطعة، فإن صدام العفلقي وحزب البعث العراقي، هم أعداء الاسلام أصلًا ويثيرون الفتن في المنطقة.
إن أميركا استغلت جهل صدام وغروره وأحلامه المريضة ودفعته للهجوم على ايران. وفي المنطق الأميركي، فإن هزيمة العراق وايران وتدمير كلا البلدين أو ايران، يصب لصالحها في كل الأحوال. وإن صدام قد أخطأ في حساباته حيث كان يحلم بأن يصبح شرطي المنطقة وقائد القادسية العظيم. غير أن الذي يجهله ولا يريد أن يفهمه هو قدرة الاسلام العظيمة وتضحيات جند الاسلام الأوفياء. وبسبب هذا الجهل والحماقة ألقى بنفسه في الفخ الذي ليس بوسع أية قوة إنقاذه منه. وإننا نحذر دول المنطقة من جديد بأن لا يجهدوا أنفسهم أكثر من هذا لانقاذ وحش مجرم إذا ما وجد الفرصة فسيشعل المنطقة بأسرها. فلا تلقوا بأنفسكم في دوامة ا لموت والهلاك .. ولا تخدعكم وعود أميركا والآخرين، لأنه إذا ما استمر تقديم الدعم لعدو الاسلام فمن الممكن أن يحتم الواجب على الشعب والحكومة الايرانية اتخاذ موقف لا نرغب فيه. وطالما هناك متسع من الوقت، يستحسن أن تنصاعوا إلى أحكام الاسلام وتعاليمه الباعثة للحياة، وتنقذوا بلادكم من شرّ القوى التي تسعى إلى خداعكم. واعلموا أن اللجوء إلى الاسلام والعيش بسلام مع الجمهورية الاسلامية، يصبان لصالحكم. وإن الحكومة والشعب الايراني أفضل لكم من أميركا وصدام ومصر والماكرين الآخرين.
فلابدّ أن تكونوا قد أدركتم حقيقة أن قوة كل دول المنطقة لم تكن تساوي أقل من نصف قوة الشاه المخلوع والمعدوم. وإن قوة ايران اليوم ببركة الاسلام وتواجد الشعب في الساحة، هي أضعاف قوة النظام البائد. وإن أميركا التي تخلت في الظروف العصيبة عن الشاه المخلوع- إذ أنها لم تستطع ولم ترغب في مساعدته-، لن تساعدكم إذا ما احتجتم إليها أنتم الذين تعتبرون بالنسبة لها أقل أهمية من الشاه .. إن أميركا وغيرها من القوى الكبرى قد جعلت منكم مجرد وسيلة لتأمين مصالحها في المنطقة. وإذا ما وقعتم في الفخ فإنهم لن يكلفوا أنفسهم عناء انقاذكم.
رابعاً: على المتصدين للأمور ومجلس القضاء الأعلى وهيئة المتابعة، السعي سريعاً لمتابعة أوضاع السجون وأحوال السجناء. وإذا ما كان هناك أشخاص لا يترتب أي ضرر على الجمهورية الاسلامية من العفو عنهم ويستحقون العفو، فليتم إعداد لائحة بأسمائهم والعفو عنهم سريعاً، وإن الذين حدد الاسلام عقوبتهم، فلتنفذ أحكام الله عليهم وليتم إطلاق سراح من يؤتمن جانبهم. ولتكن القاعدة العفو والرحمة. ولكن ينبغي التعامل بشدة مع المفسدين والجماعات الفاسدة والمفسدة ما لم يتوبوا ويتضح أن توبتهم جدية، حينها يمكن إطلاق سراحهم بكفالة.
خامساً: إن من الأمور المهمة التي تقلقني قضايا الحوزات العلمية لا سيما الحوزات الكبيرة أمثال حوزة قم المقدسة. لذا على السادة العلماء الأعلام والأساتذة المحترمين الذين ينشدون خير الاسلام والدولة الاسلامية أن يحذروا بشدة لئلا تخدعهم المظاهر والشكليات وينحرف اهتمامهم عن الأهداف الأساسية والمهمة للحوزات العلمية المتمثلة في الاشتغال بالعلوم الاسلامية الشائعة لا سيما الفقه على طريقة السلف الصالح. وحذار من أن يحول- لا سمح الله- الاشتغال بالمبادئ والمقدمات دون تحقق الغاية الأصلية وهي بقاء ونمو بحوث العلوم الاسلامية لا سيما الفقه على طريقة السلف الصالح وعظماء المشايخ أمثال (شيخ الطائفة) «6» ونظرائه- رضوان الله تعالى عليهم- ومن المتأخرين أمثال (صاحب الجواهر) «7» والشيخ الأعظم (الأنصاري) «8»- عليهم رضوان الله تعالى-. فإذا ما فقد الإسلام- لا سمح الله- كل شيء وبقي فقهه بالطريقة الموروثة عن الفقهاء العظام، فإنه باستطاعته أن يواصل نهجه وطريقه، ولكن إذا ما توفر له كل شيء وضاع منه- لا سمح الله- فقهه على طريقة السلف الصالح هذه، فإنه لا يستطيع مواصلة طريق الحق وسوف يمنى بالانحراف. وعلى الرغم من علمي بأن هذا الأمر غير خافٍ على المراجع العظام والعلماء الأعلام والأساتذة المرموقين- دامت بركات وجودهم- غير أننا نخشى إذا ما شاع الاهتمام بالمظاهر والشكليات والبهرجة والماديات، من أن يترك تأثيره على الأجيال القادمة، وسيحل- لا سمح الله- على رؤوس الحوزات ما كنا نخشاه. لذا من الضروري بالنسبة للسادة الذين هم على صلة بهذه الأمور والمتصدين لهذه القضايا، أن يلتفتوا إلى ضرورة الحيلولة دون الإفراط وليكن كل ما يفعلونه يصب في خدمة الحوزات العلمية وفي خدمة الاسلام والعلوم الاسلامية، ويحاولوا الاحتراز من الإفراط والتفريط. وأسأل الله تعالى التوفيق للجميع على طريق خدمة العلم والعلماء والاسلام والشعب.
سادساً: ان الموضوع الذي ينبغي أن يهتم به الجميع دائماً ويصروا عليه، هو الحفاظ على وحدة الكلمة واجتناب الفرقة. إذ أننا نعلم جميعاً أية آثار اعجازية كانت ولازالت رهن وحدة الشعب. وفي المقابل كم من النكبات أنزلتها التفرقة والتنازع على رؤوس المسلمين طوال تاريخهم. وينبغي للشعب الايراني العظيم، الذي رأى كلتا الحالتين وعانى من التشتت وذاق شهد الوحدة- ولله الحمد- ولمس اعجازها منذ بداية النهضة وطوال مراحل الثورة وحتى الآن، ينبغي أن يحذر ولا يسمح للأيادي الشيطانية الخبيثة وعملاء الاستكبار العالمي الأذلاء، باختراق صفوفه المقدسة وبث الفرقة في أوساطه. ومتى ما رأى مثل هذه الخيانات سواء من أشخاص أو جماعات، فليتصد لها بأسرع وقت وإطلاع الجهات المعنية والكشف عن هوياتهم.
ومثل هذا الأمر يحظى بالأهمية بالنسبة لكافة أبناء الشعب، غير أنه ذو أهمية خاصة بالنسبة لفئتين: الاولى فئة الطلبة لا سيما الجامعيون حيث ينبغي مراقبة أوضاع وأحوال الطلبة والجامعيين بكل حذر لئلّا تساق- لا سمح الله- مراكز التعليم والتربية في وقت ما إلى أمور كنا قد ابتلينا بها في السابق. كان الله ناصراً ومعيناً للجميع.
الفئة الثانية هي القوات المسلحة. ففي هذا الوضع الذي يهددنا الأجانب ونعاني من مؤامرات القوى الشيطانية، يعتبر هذا الأمر مهماً بالنسبة للقوات المسلحة أكثر من أي وقت آخر. ولابدّ لكافة القادة وأفراد الجيش والحرس والتعبئة والعشائر والقوات العسكرية والأمنية، من إيلاء أهمية خاصة لهذا الأمر الحياتي. فإذا ما ابتليت- لا سمح الله- هذه الفئات الملتزمة العزيزة بالاختلاف على أيدي المجرمين ومثيري الفتن والتآمر واعتبر كل واحد نفسه هو المحور، فكونوا على ثقة بأن الشياطين والشيطان الكبير قد نفذوا إلى صفوفكم وسوف لا يمر وقت طويل حتى يجر الجميع إلى التيه والضياع وتكون هزيمتهم حتمية. وإذا ما هُزم هؤلاء، سيواجه الاسلام الهزيمة في هذا البلد وفي البلدان الأخرى ولن يتمكن من تلافي تبعاتها على مدى قرون.
لذا فمن الضروري للأخوة في القوات المسلحة والأعزة من أبناء الشعب وحماة الاسلام والجمهورية الاسلامية، أن يتحلوا بالحيطة والحذر لأن الشياطين يتربصون بهم، وإن أقل هفوة أو غفلة منهم ستلحق أكبر فاجعة بالاسلام والشعب المسلم .. حفظنا الله الكريم الرحيم جميعاً من شرّ هؤلاء.
سابعاً: وفي الختام أتوجه بكلامي إلى محضر الله المنّان.
إلهي! لقد مننت علينا ونصرتنا على عدوك في الثاني والعشرين من بهمن. وأخذت بيد هذا الشعب المظلوم ورفعته بلطفك من الانحدار والسقوط وجهنم في كلا الدارين، إلى القمة السامقة، وحققت لهذا الشعب المستضعف طوال تاريخ الامبراطورية الظالمة، العزة الخالدة. وجعلت من الشباب الباسل لهذا الشعب عشاقاً لك وللشهادة، واستجبت دعاء الذين يحيون الليالي بحقنا نحن القاصرين.
إلهي! لا تحرمنا من ألطافك وكرمك، وارض عنا ناموس الدهر وولي العصر- أرواحنا فداه- واجعلنا من المستفيدين من نور هدايته دائماً. إنك مجيب قريب.
إلهي! ان هؤلاء هم شبابنا الأبطال الذين اندفعوا بوحي من عشقهم لجمالك وأملًا في لطفك وكرمك، للتصدي للعدو المعتدي- الذي هجم فجأة على عبادك وأراق دماء الأبرياء ودمر بيوتهم على رؤوسهم ولم يرحم الصغير والكبير والعرب والعجم وفعل ما هو أسوأ من فعل المغول- اندفعوا للتصدي بكل شجاعة للعدو وشتتوا صفوفه في حرب غير متكافئة، حيث أن أحد الأطراف مدجج بالسلاح ويمتلك أنواع الأسلحة وتتدفق عليه المساعدات التي لا حصر لها من كل صوب، من الشرق والغرب ودول المنطقة، فيما يقف في الطرف الآخر المسلمون الأطهار والعاشقون القائمون في الأسحار، وأبطال زهاد مرتبطون بك من خلال قوة (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) «9». حيث يقومون في كل ناحية بأسر هؤلاء جماعات جماعات والاستيلاء على غنائم كثيرة فأذاقوهم الذل والمهانة وأجبروهم على التقهقر والانسحاب، وجعلوا مساعدات الشرق والغرب تذهب هباءً منثوراً.
إلهي! منّ على هؤلاء بواسع رحمتك وحقق لهم النصر النهائي، واحشر شهداءهم مع شهداء صدر الاسلام في ركاب الرسول الأكرم. واحشر الآباء والأمهات الشرفاء الذين ربوا في أحضانهم الرؤوفة هؤلاء الأعزة وضحوا بهم على طريق الاسلام، مع الأولياء العظام- عليهم السلام- إلى جوار رحمتك. ومنّ على أزواجهم وأخواتهم وإخوتهم والمقربين منهم بالصبر والعزة. وامنح الشعب الايراني القدرة والقوة، إذ أنه كان سبباً في عزة الاسلام في العالم، وصنع دولة نموذجية يؤمل أن يشع نور شمسها على مشارق الأرض ومغاربها، وتحقق النصر للمستضعفين المظلومين في العالم على المستكبرين إن شاء الله.
تحية كبيرة لكافة المجاهدين في طريق الحق من الأنبياء العظام والأولياء الكرام والصالحين والمصلحين على مرّ التاريخ لا سيما خاتم الأنبياء وأشرف نسل آدم محمد المصطفى- صلى الله عليه وآله وسلم- وأحفاده المعظمون لا سيما بقية الله خاتم الأولياء- أرواحنا لمقدمه الفداء-. وتحية إلى الثاني والعشرين من بهمن يوم الله، وعلى صانعيه. والسلام على عباد الله الصالحين.
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
الذكرى الرابعة لانتصار الثورة الاسلامية
تقييم أوضاع الثورة الاسلامية عشية بدأ السنة الخامسة لانتصار الثورة، ووصايا لأبناء الشعب والمقاتلين والسلطات الثلاث
الجهاز الحكومي والقوات المسلحة ومختلف شرائح الشعب
صحيفة الإمام الخميني ج ۱۷ ص ۲۵۲ الى ۲۶۲
«۱»-«»-الرئيس المصري حسني مبارك. «۲»-«»-الملك المغربي الحسن الثاني. «۳»-«»-الملك الأردني حسين بن طلال. «۴»-«»-الرئيس السوداني جعفر النميري. «۵»-«»-إشارة إلى صدام حسين الذي كان قد تشبث بأميركا والحكومات العربية الرجعية بعد عمليات الفتح المبين وفتح خرمشهر للحيلولة دون تكبده هزائم أكثر، وذلك خلافاً لادعاءاته في الأيام الأولى من اعتدائه على إيران. «۶»-«»-الشيخ أبو جعفر الطوسي، من كبار مراجع الشيعة وكان يلقب بشيخ الطائفة. «۷»-الشيخ محمد حسن صاحب كتاب جواهر الكلام أحد أبرز المؤلفات الفقهية الشيعية. «۸»-الشيخ مرتضى الأنصاري، من كبار الأصوليين وفقهاء الشيعة. «۹»-سورة الأنفال، الآية ۱۷.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417