بسم الله الرحمن الرحيم
ها هي الذكرى السنوية للخامس عشر من خرداد عام 1342 (حزيران عام 1963) تحل، وقد ترك الشعب الإيراني العظيم ورائه شهر خرداد عاماً بعد عام. ورغم كل محاولات المجرمين الدوليين وعملائهم الأذلاء تهديد الشعب الإيراني المظلوم واضطهاده، واحلامهم الوردية بابتلاع البلد ونهب ثرواته طوال فترة الحكم الشاهنشاهي الظالم، فاننا نشهد اليوم الخامس عشر من خرداد عام 1362، حيث تزداد رسوخاً أسس الحكومة الإسلامية وقدرة النظام الإسلامي والقوى العسكرية والأمنية سواء الجيش وحرس الثورة الأبطال واللجان الثورية والجندرمة والشرطة والتعبئة وبقية القوى الشعبية العظيمة .. وبفضل الألطاف الإلهية وعناية الحق تعالى، ودعم ومساندة ولي العصر وناموس الدهر- أرواحنا لمقدمه الفداء- استطاع الشعب الإيراني الشجاع أن يتجاوز المشكلات التي كانت الواحدة منها تكفي لزعزعة أركان بلد قوي، الواحدة تلو الأخرى ويقف صامداً كالسد الشامخ والبنيان المرصوص في مقابل المجرمين وحثالاتهم، وان يحبط مؤامرات الشياطين الكبار والصغار في الداخل والخارج، بإذن الله القادر، وان يبدد التخيلات الفاسدة للمغرضين والانتهازيين التي كانوا ينسجونها في أذهانهم التافهة.
اننا نرى اليوم ملامح تصدير الثورة الإسلامية إلى عالم المستضعفين والمظلومين أكثر من قبل، حيث انطلق تحرك المستضعفين والمظلومين في العالم ضد المستكبرين والطغاة الجبارين، وهو في تزايد مستمر ويبشر بمستقبل مشرق ويدل على اقتراب وعد الله تعالى، وكأن العالم يستعد لشروق شمس الولاية من أفق مكة المكرمة وكعبة آمال المحرومين وحكومة المستضعفين. فمنذ الخامس عشر من خرداد عام 1342، حيث بلغت حكومة المستكبرين الجبارين ذروتها في هذا البلد وكادت أن تدوي عربدة الشؤم (أنا ربكم الأعلى) من حنجرة فرعون العصر، وحتى الثاني والعشرين من بهمن عام 1357، حيث تداعت أسس حكومة طغاة العصر في هذا البلد وذهبت مع الريح عروش 2500 عام من الظلم الشاهنشاهي الفرعوني بالأيدي المقتدرة لسكنة الكهوف والمظلومين على مرّ التاريخ، وأزيل حكم الناهبين والمتسلطين للشيطان الكبير واذنابه من الشياطين الصغار الاذلاء، في ظرف أيام معدودة.
ومنذ الثاني والعشرين من بهمن 1357، وحتى يومنا هذا حيث نحتفل في 15 خرداد 1362، ما هي إلا ساعات معدودة «1» في حساب الزمن إلا أن تحولًا عظيماً قد تحقق بمشيئة الله القادر ما كان له أن يتحقق في مئات السنين، مبشراً بتحقق وعد الله الذي بشر به القرآن الكريم. ومن الممكن أن يتحقق مثل هذا التحول في شرق الأرض ومن ثم غربها وبقية أقطار الأرض. (وليس من الله بمستنكر) حيث يحتوي الدهر في ساعة ويفوض الأرض إلى المستضعفين وارثي الأرض، يضيء الآفاق بالمظهر الإلهي لولي الله الأعظم صاحب العصر- أرواحنا له الفداء-، ويجعل راية التوحيد والعدالة الإلهية ترفرف في العالم فوق البيت الأبيض والأحمر لمراكز الظلم والإلحاد والشرك. وما ذلك على الله بعزيز.
على الشعب الإيراني العظيم أن يشكر النعم الإلهية اللا متناهية بكل ما في وسعه، وان يعتبر كل ما مرّ مصدر الألطاف الإلهية، فكل ما لدينا من عند الله تعالى ومسخر لأجله. (إنا لله وإنا إليه راجعون). وعليه أن يبحث عن سر انتصار الإسلام على الكفر العالمي في هذا القرن الذي تبلورت انطلاقته في الخامس عشر من خرداد عام 1342، في عاشوراء الحسين إذ أن الثورة الإسلامية الإيرانية قبس من عاشوراء وثورته الإلهية العظيمة.
على شعبنا العظيم أن يحيي ذكرى عاشوراء بكل عظمة واقتدار ويصون مبادئها الإسلامية. وان يحافظ على ثورته العظيمة ويرسخ وجودها من خلال التواجد في الساحة ببركة الثورة الحسينية والقيمة غير المتناهية لثأر الله. وقطع أيدي المجرمين عن بلده من خلال دعم ومساندة القوات المسلحة في جبهات القتال وخلف الجبهات. والقضاء على اطماع الناهبين الطغاة إلى الأبد. وان يعمل عبر دعمه للقوات العسكرية والأمنية، على الكشف عن مؤامرات الجماعات المنحرفة عن الإسلام واطلاع الجهات المسؤولة على ذلك.
واني انتهز فرصة الخامس عشر من خرداد عام 1362، حيث اضحت قدرة الإسلام والجمهورية الإسلامية على كل لسان في المنطقة- ولله الحمد-، لتحذير حكومات الدول الإسلامية بالكف عن أخطائهم السابقة ومدّ يد الأخوة إلى بعضهم البعض، والعمل على قطع أيدي الظالمين والطغاة واللصوص ناهبي العالم لا سيما أميركا، عن المنطقة من خلال التسليم لإرادة الله تعالى والاتكال على قدرة الإسلام. والتعبير عن استنكارهم للتوافق الأميركي الصهيوني اللبناني، الذي يعزز من هيمنة أميركا في المنطقة وهيمنة إسرائيل على البلد الإسلامي لبنان، ومن ثم على بقية الدول الإسلامية والعربية وانتهاك سيادتها عملياً. وعلى هذه الحكومات أن تعلم، وكما ذكرت ذلك كراراً وسمعتم، بأن إسرائيل لا تكتفي بهذه الاتفاقات وتعتبر الدول العربية من النيل إلى الفرات حقها المغصوب، وتتطلع إلى تنفيذ مخططها المشؤوم بمساعدة أميركا إذا ما وجدت الفرصة- لا سمح الله- لذلك وما لم تفق الحكومات العربية من نومها العميق.
أليس عاراً على المسلمين وحكومات الدول الإسلامية أن تأتي أميركا من آخر الدنيا لتتحكم بمقدراتهم، وتلقي بهم في شراك إسرائيل الكافرة الغاصبة خانعين؟ ألم يحن الوقت ليعوا عمق مؤامرة أميركا وشيطنتها في دفعها صدام العفلقي للهجوم على البلد الإسلامي المقتدر؟ ألا يعلمون بأن دفع دول المنطقة- بصورة مباشرة أو غير مباشرة- لتقديم المساعدات المالية والعسكرية والإعلامية لصدام، عدو الإسلام، ليس أكثر من مخطط شيطاني يهدف إلى زعزعة أوضاعكم بأيديكم والتمهيد لهلاككم أنتم وجميع مسلمي المنطقة؟. فهل سيستمر مسلمو المنطقة الغيارى، في صمتهم القاتل ويعطون الفرصة لأميركا وإسرائيل للتلاعب بمقدراتهم وجعل الإسلام تحت هيمنة أميركا؟ إلى متى يستمر الاتحاد السوفيتي بتعريض المسلمين الأفغان إلى أشد أنواع الضغوط، ويحتل بلدهم الإسلامي، وتلتزمون أنتم الصمت؟ وهل سيستمر في صمتهم علماء الدين الملتزمون والكتّاب والمثقفون، حيال ما يتعرض له الإسلام ومقدرات المسلمين، ويعدون الأيام في انتظار موت الإسلام؟. ما الذي تريد أن تجيب به الله تعالى يوم الحشر، هذه العدة من المعممين المتظاهرين بالقداسة، والتي هبت لخيانة الإسلام باسم الاسلام ولصالح الشرك؟
لقد أعلن المسؤولون في الجمهورية الإسلامية كراراً بأن الجمهورية الإسلامية حكومة وشعباً، تدعو إلى الأخوة الإيمانية كافة المسلمين في المنطقة والعالم، وتؤمن بالتعايش السلمي مع جميع دول العالم. واليوم أيضاً حيث تعتبر القوة الوحيدة في المنطقة، تكرر دعوتها وتعتبر صلاح المسلمين في وحدتهم وفي مواجهة الناهبين الدوليين والمتغطرسين، وتعتبر النفاق والفرقة- وكما قال القرآن الكريم- مدعاة للهزيمة والهلاك.
إن الشعب والحكومة الإيرانية باتا اليوم، حيث الذكرى السنوية للخامس عشر من 15 خرداد عام 1342، أكثر تضامناً والتحاماً وعزماً وقوة في مواجهة المعتدين ومن يدعمهم. وسوف يضطران، إذا ما استمر الدعم للمعتدي الكافر، إلى اتخاذ قرار لا يرغبان به مطلقاً. ومثلما جرا حزب البعث العراقي إلى الهزيمة والإذلال ودفعاه للتشبث بهذا وذاك، فانهما قادران على أن يفعلا الشيء نفسه مع بقية المعتدين ومن يدعمهم. وعلى دول المنطقة أن تعلم، بأن أميركا وأية قوة أخرى لن تحميهم في الأوقات الحرجة. وقد قال عز من قائل: «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار). «2»
إلهي! لقد عملنا بما أمرتنا من مراعاة حق الأخوة ونصيحة أخوتنا في الإسلام، ودعوناهم إلى السلام والإخاء، وحذرناهم من الفرقة والنزاع. فمنّ انت عليهم لأن يفيقوا من نوم الغفلة التي قادتهم إلى حافة الهاوية وحفير جهنم، وراحوا يضعون مقدرات الإسلام في أيدي أعداء الله دون أن يدركوا عاقبة فعلتهم المشؤومة هذه.
إلهي! لقد تلطفت بعنايتك بأن يتحول خرداد الدامي في عصر الطاغوت إلى خرداد الحكومة الإسلامية في دولة ولي الله الأعظم- أرواحنا لمقدمه الفداء- . اننا نسألك بكل تضرع أن تديم ألطافك الخاصة على هذا الشعب الذي نهض طلباً لمرضاتك، ولم يهدأ منذ 15 خرداد الدامي وحتى هذه اللحظة، وضحى بأبنائه وشبابه وماله فداءً للإسلام العزيز ومن أجل وطنه. وان تنصر قوات الإسلام على قوى الكفر. ونسألك أن تنشر الإسلام في بقاع الأرض وتكف يد الظالمين المستكبرين عن الاعتداء على المحرومين والمستضعفين. ونسألك أن تنور قلوبنا جميعاً بنور هدايتك، وتزيد من عزم الشعب الإيراني العزيز واقتداره، للمضي قدماً بالجمهورية الإسلامية وسحق المنحرفين والمعارضين للإسلام واتباعه، كي تتصل هذه الثورة بثورة المهدي الموعود- أرواحنا فداه- العالمية.
ونسألك أن تجعل النصر القريب حليف شبابنا الأعزاء المتواجدين في جبهات الدفاع عن القرآن المجيد والإسلام العظيم. ونسألك أن تمنّ برحمتك الخالدة على شهداء الإسلام المظلومين، لاسيما شهداء النهضة والثورة الإسلامية الإيرانية منذ 15 خرداد 1342 وحتى وقتنا الحاضر، وبالصبر والأجر الوافر لآبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وذويهم. وان تشفي المصابين في جبهات القتال وخلف الجبهات، وتمن عليهم بالعافية. ونسألك المزيد من التوفيق للسلطات الثلاث وكافة المسؤولين وخدمة الإسلام والمسلمين وخلق الله أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله.
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
ذكرى انتفاضة الخامس عشر من خرداد
من خرداد الدامي في عهد الطاغوت وحتى خرداد الحكومة الإسلامية
الشعب الإيراني
جلد ۱۷ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۳۸۷ تا صفحه ۳۹۰
«۱»-«»-مع فرار الشاه من إيران بتاريخ ۲۶/ ۱۰/ ۱۳۵۷، بدأ العد العكسي لسقوط النظام البهلوي. ومع وصول الإمام الخميني أرض الوطن في ۱۲/ ۱۱/ ۱۳۵۷ وتشكيل الحكومة الثورية المؤقتة. وإثر مطالبة الإمام الجماهير عصر يوم ۲۱/ ۱۱/ ۱۳۵۷ بالنزول إلى الشوارع وإلغاء الأحكام العرفية عملياً، فما هي إلا ساعات معدودة حتى أخذت تتداعى أركان النظام الواحدة تلو الآخر ليصل نبأ انتصار الثورة الإسلامية وسقوط النظام الشاهنشاهي في إيران إلى مسامع العالم. «۲»-«»-سورة هود، الآية ۱۱۳.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417