بسم الله الرحمن الرحيم
غاية الكمال إدراك العجز عن عبادة الله
بدوري اهنئ السادة الحاضرين وكافة الشعوب المظلومة في العالم بهذا العيد السعيد. واني لا استبعد أن يكون الهدف من العيد بعد انتهاء شهر رمضان المبارك ضيافة الله، لأن المسلمين قد دعوا إلى ضيافة الله تعالى وامضوا مدة الضيافة. فالعيد هو من أجل ضيافة الله.
ينقل عن السيد أبن طاووس- رضوان الله عليه- بأنه احتفل يوم بلوغه سن الرشد، حيث أذن له بالعبادة في محضر الله تبارك وتعالى. ولو لم يكن أمر الله تعالى لست أدري كيف كنا سنسمح لأنفسنا بمدح الله والثناء عليه. لاحظوا الصلاة التي هي في طليعة جميع العبادات، حيث تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتكبير أيضاً. كما أن فحواها التكبير والتسبيح والتحميد. ربما هذا من أجل أن يفهم الإنسان بأنه ومنذ اللحظة الأولى التي يريد أن يلج فيها أكبر عبادات الله تعالى، ويدخل في العبادة، عليه أن يلتفت إلى أن الله تبارك وتعالى أكبر من هذا الذي نعبده. ففي كل مقطع من المقاطع هناك تسبيح وتكبير. التسبيح هو تنزيه من أن الله أكبر من الذي تعبدونه. وفي ذات الوقت الذي تحمده تسبح له وتكبّره .. تدخل الصلاة فتكبر. تبدأ الحمد فتعتبر الحمد خاصاً بالله. ولا اعتقد أن إدراك أبعاد هذا الأمر ولطائفه، من أن الحمد خاص بالله تعالى هو واضح لأحد غير الذين أذن لهم الله تعالى بذلك، لأن أصل التحميد لا يقع لغير الله تعالى. حتى أنت عندما تثني على زهرة وتعظّم تفاحة، فانما تعظم وتمجد الله تعالى، لأن التفاحة بحد ذاتها لا تساوي شيئاً. كما أنك عندما تمجّد إنساناً كاملًا انما تمجّد الله تعالى.
ليس الإنسان بشيء حتى الأنبياء. غاية كمال الإنسان هو أن يدرك أنه عاجز، عاجز عن عبادة الله تبارك وتعالى. فمن يقف في طليعة سلسلة الأنبياء والأولياء يقرّ بأننا لم نعرفك- وهذا صحيح-. ولم نعبدك «2» وهذا صحيح أيضاً، لأن العبادة فرع من فروع المعرفة، وهذه المعرفة في حدود أبعاد الإنسان، وعلى النطاق الإنساني. فهؤلاء لديهم معرفة، واعظمهم الرسول الأكرم. ولكن معرفة الله أكبر من هذا القدر المحدد في نطاق الإنسان. إنه وحده الذي يعرف نفسه ويثني عليها. ولو لم يكن الإذن بأن يخوض الإنسان في العبادات، جميع العبادات، فإن الإنسان لا يجرؤ على الوقوف امام الله لحمده وتمجيده. فمثل هذا مجرد إدعاء. التحميد والتمجيد مجرد إدعاء بأني عرفتك. والإنسان أعجز من أن يحيط بمعرفة الله، ولكن لا خيار آخر لأنه هو الذي أمر بذلك وان على الجميع الطاعة وإن كانوا قاصرين عن تحميد الله وتنزيهه. واينما كان هناك تكبير يتبعه تنزيهه. ومثل هذا في الصلاة أيضاً. إذ يقول المصلي: سبحان الله ثم الله أكبر. في البدء ينزه الله ثم يحمده، ثم يكبره، حيث يقع حمد الله بين التنزيه والتكبير. ولدى الركوع يكبّر، وعندما ينهض من الركوع يكبر. ففي الركوع تنزيه. وعندما يريد السجود يكبر أيضاً. وبعد السجود يكبر. انك تكبر وتسجد وتنزه في صلاتك. كل ذلك من أجل أن نفهم بأن الأمر أكبر من هذا الذي نفعله. هذا هو وضع الصلاة والعبادات الأخرى. ولو لم يكن أمر الله وضرورة طاعة أمر الله، فلا بد من القول أن الإنسان الذي حظه من المعرفة ضعيف، لا يجرؤ على الوقوف أمام الله وعبادته. ولكنه تعالى هو الذي سمح بذلك.
تبسيط المعارف والحقائق للتمكين من استيعابها أكثر
وهكذا فإنه يتدنى بجميع المعارف ليصل بها إلى هذا المستوى كي يتسنى إدراكها. فقد أنزل القرآن من حجاب إلى حجاب وتدنى بالطبقات وانزل الحجب حتى أوصلها إلى الفاظ تتلائم مع فهم الإنسان. حتى هذه الألفاظ تستعصي على فهم الإنسان. فمنذ البداية حيث يبدأ القرآن بفاتحة الكتاب، ومنذ اللحظة الأولى حيث يختص الحمد به تعالى، يدرك الإنسان بأنه عاجز عن الفهم. إذ أن كل المحامد له. فلا أحد يليق به الحمد ولا أحد يُحْمَد غيره. حتى أن البعض يتصور أن (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) «3» هو قضاء تكويني، قضاء الله بأن لا يعبد غيره. يتصورون بأنهم يسجدون للوثن، يمدحون الإنسان، يمدحون الشمس. ولكن المدح منه كلّه. وان الجميع يمدحونه وهم لايفقهون. كما أن معاناة الإنسان في العالم الآخر هي بسبب عدم الفهم هذا. ولهذا ثمة حجاب بين الإنسان والحقائق. فلو تمعن الإنسان قليلًا حتى في هذا العالم المادي، في هذا الموجود في عالم المادة، وفي حدود ما تصل إليه يد الإنسان، سوف يدرك مدى قدراته على الفهم والاستيعاب، فكيف الأمر إذن بالنسبة إلى ذلك الذي لم تصل إليه يد الإنسان.
انظروا إلى لغة القرآن: (زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب) «4» فانها على العكس من هيئة بطليموس «5». السماء الدنيا تعني هذه الكواكب التي ترونها. كل هذه السماء الدنيا وبالقدر الظاهر منها تعتبر زينة. وفوقها ملايين الشموس وفوقها مليارات الأجرام السماوية، وما وراء ذلك ما لا يعلم به غير الله. إن هذا العالم المادي الذي وصلت إليه يد الإنسان حتى الآن، ليس في ذروته ولا في حضيضه. فالإنسان بما لديه من أجهزة دقيقة يستطيع رؤية الذرات المتناهية في الصغر ولكنه غير قادر على فهم ما دون ذلك . إن ضعف الإنسان يتجلى في انانيته وعبادته للمنصب والمقام. فكم الإنسان ضعيف كي تستحوذ عليه أنانيته في هذه الدنيا. وكم الإنسان جاهل حتى ينظر إلى كل هذه الأمور ويعتبرها منصباً وجاهاً.
ولكننا عندما ننظر إلى أصحاب المقامات الروحية والمعنوية، عندما ننظر إلى ادعيتهم نراهم أكثر عجزاً منّا لأنهم أدركوا حقيقة الأمر. فأنتم عندما تقرأون دعاء كميل، عندما تقرأون المناجاة الشعبانية والأدعية الأخرى الواردة عن المعصومين- عليهم السلام- ترون أن لغة هؤلاء غير لغتنا العامة نحن الذين إذا ما علمنا مسألة فقهية تصورنا أننا أصبحنا شيئاً. ولو تسلمنا مقاليد الأمور في بلد تصورنا بأن ذلك أمر مهم. ولو حصلنا على مقام معنوي تصورنا أننا حققنا كل شيء. ولكن عندما ينظر الإنسان إلى أقوال أولئك الذين وصلوا إلى هذه المقامات التي يعجز عن الوصول إليها الآخرون، يجدها لا تكف عن تصوير عجزهم من أولها إلى آخرها، ويجب أن تكون كذلك لأنهم لم يصلوا ولن يصلوا أبداً. ولكننا ملزمون بأن ندعو، أمرنا بأن ندعو وان نحمد وان نسبّح، أمرنا بالصلاة.
بعثة الأنبياء، تجلٍ للمعنويات وتحرر الإنسان من العبودية
الأنبياء أيضاً بعثوا من أجل أن تتفتح معنويات الناس وقدراتهم، ففي ظل تلك القدرات يدركون بأننا لسنا شيئاً، إضافة إلى العمل على إخراج الناس والضعفاء من هيمنة المستكبرين. فمنذ البداية كان عمل الأنبياء يتمحور حول جانبين؛ الجانب المعنوي حيث إخراج الناس من قيد النفس وأسر ذواتهم التي هي الشيطان الأكبر، والجانب الاخر هو تحريرهم من هيمنة الظالمين. فعندما ينظر الإنسان إلى النبي موسى، إلى النبي إبراهيم، وما افاده القرآن عنهما، يرى بأنهما اهتما بهذين الجانبين. الأول دعوة الناس إلى التوحيد، والثاني إنقاذ التعساء من الظلم. وإذا كان هذا الجانب مهمشاً في تعليمات السيد المسيح- سلام الله عليه- فهو لأن سيدنا عيسى لم يعمر طويلًا وكان احتكاكه بالناس قليلًا، وإلا فان نهجه هو ذاته نهج النبي موسى وجميع الأنبياء.
والأسمى منهم جميعاً رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- حيث نرى هذين الجانبين بارزين في سيرته- صلى الله عليه وآله- حسبما أفاد بها القرآن والسنة. فقد دعا القرآن إلى المعنويات بالقدر الذي يستطيع الإنسان تحقيقه. ومن ثم إقامة العدل. وكان النبي محمد (ص)، والذين كانوا لسان الوحي، مهتمين بكلا الجانبين. وكانت سيرة الرسول تدل على ذلك أيضاً، حيث عمل على تقوية المعنويات إلى ما قبل تشكيل الحكومة. وما أن تمكن من تشكيل الحكومة حتى عمل على بسط العدل إضافة إلى المعنويات. فقد شكّل الحكومة وانقذ هؤلاء المحرومين من سلطة الظالمين بالقدر الذي تسنى له ذلك.
هذه هي سيرة الأنبياء، وينبغي للذين يعتبرون أنفسهم اتباع الأنبياء الحرص على هذا النهج. سواء في الجانب المعنوي حيث يجب على الذين هم على درجة من المعنويات العمل على تقوية هذا الجانب لديهم ولدى الناس أيضاً. وعلى الناس الاهتمام بهذا الجانب وبالجانب الآخر وهو اقامة العدل. والحكومة الإسلامية مطالبة باقامة العدل. فإذا كنا اتباع الإسلام واتباع الأنبياء، فهذه هي سيرة الأنبياء المتواصلة. وإذا افترضنا استمرار بعثة الأنبياء إلى الأبد فلن تحيد سيرتهم عن ذلك. حيث الاهتمام بالجوانب المعنوية للإنسان بالقدر الذي يستوعبه الإنسان، والعمل على بسط العدل بين بني الإنسان وقطع دابر الظالمين. وعلينا نحن أن نعمل على تطبيق هذين النهجين.
تقوية الحكومة الإسلامية لإقامة العدل
علينا جميعاً أن نعمل على تقوية الدولة الإسلامية كي يتسنى لها إقامة العدل. وعلى الحكومة الاهتمام بالجوانب المعنوية أيضاً. ولأن حكومتنا تابعة للإسلام، فيجب أن تكون مستلهمة من الإسلام. والرؤية الإسلامية تهتم بهذين الجانبين حيث نص الإسلام على ذلك، نص على حفظ المعنويات وبسط العدل وإنقاذ المظلومين من أيدي الظالمين. ولا فرق في ذلك سواء كانوا يظلمون من قبل الحكومات أو الطغاة أو المستبدين .. الإسلام جاء من أجل ذلك، ويجب أن نحرص عليه لأننا أتباع الإسلام. يجب أن نحرص على القوانين الإسلامية في أسمى حالاتها. فاذا تمت المحافظة على القوانين الإسلامية بأفضل مستوياتها فسوف يتحقق هذان الهدفان اللذان هما هدف جميع الأنبياء. هدف ارتقاء المعنويات لدى الناس وهدف إقامة العدل في المجتمع، لذا ينبغي لأولئك الذين يقفون في المقدمة وأولئك الذين يشكلون السلطات الثلاث وغيرهم ممن هم خارج الجهاز الحكومي، ينبغي لهم جميعاً تحمل عبء هذه المسؤولية الجسيمة. وان يحذروا الاختلافات. فالهدف واحد وعلى الجميع المساهمة في تحقيق هذا الهدف. إذ ينبغي لأبناء الشعب المشاركة في تحقيق هذا الهدف، ويجب على الحكومة والمجلس والسلطة القضائية المساهمة في تحقيق ذلك. مثلما ينبغي لعلماء البلاد اينما كانوا المشاركة في ذلك.
طلب الجاه نتيجة لعدم تهذيب النفس
الهدف يكمن في حاكمية الإسلام، وليس أن أطبقه أنا دون غيري. فمن الأمور التي ابتلي بها الإنسان هذه الشيطنة الباطنية حيث تحرص قلة لأن تتصدى للأمور بنفسها. وإذا كان بوسع الآخرين أداء ذلك بنحو أفضل فانها تغضب، لأنها تريد أن تبرهن على وجودها. وكل هذا من الشيطنة الباطنية للإنسان. إذ يحاول الإنسان أن يطرح نفسه بظاهر مقدس قائلًا: إني أريد أن أنال هذا الثواب. فلو قيل له بأنك ستنال أكثر من هذا الثواب لو قدّمت المساعدة لهذا الذي بوسعه أن يؤدي العمل أفضل منك، لن يرضى. فالمسألة ليست أني أريد الثواب وانما أريد الدنيا. فإذا ما ظهر الاختلاف بين الأشخاص فليتمعنوا في ذواتهم ليتحققوا هل المسألة هي حقاً مصلحة الإسلام والمسلمين أم مصلحتهم هم؟ هل وراء ذلك دافع نفسي أم دافع إلهي؟ فإذا كان بوسع شخص آخر أن يؤدي العمل أفضل مني فهل سأفرح أم اغضب لو تصدى لهذا العمل؟ فإذا كان العمل من أجل الله تعالى فيجب أن لا يكون مثار اختلاف. ونحمد الله بأنه لا يوجد اختلاف إن شاء الله. يجب أن نكون يداً واحدة كما أمرنا الإسلام: المسلمون يد واحدة على من سواهم. يد واحدة لا يدان. فلو قيل" يدان" فربما تؤدي هذه اليد عملًا لا توافقه اليد الأخرى. يجب أن نكون يداً واحدة، واليد الواحدة تعني سحق النفس الأمارة، تبديد الآمال التي تتصورون بأنها تشكل شيئاً. حاولوا أن تتأملوا فيمن نكون نحن وما هذه المنظومة الشمسية وهذه الإجرام السماوية في مقابل عظمة الله تعالى حتى تدركوا بأننا نعاني من شيطنة خبيثة، وليست شيطنة فحسب، خاصة تلك الكامنة في نفوسنا والتي هي شيطنة خبيثة وحقيرة. ولا بد لنا من العمل على إنقاذ أنفسنا، إنقاذ أنفسكم. فإذا تحررتم من هذا القيد فما يلي ذلك سيكون سهلًا. ستكون الوحدة سهلة يسيرة. ولكن يجب أن نتخلص من هذا القيد، من قيد الأنانية حيث كل ما موجود هو لي أنا لا غير. ومثل هذا تعاني منه كل النفوس ما لم يتم تهذيبها، لأنها فطرة الله، إذ أن فطرة الله التوجه للكمال المطلق، فالإنسان ينشد الكمال المطلق لنفسه طالما كان ناقصاً. يريد القوة لنفسه لأنه ناقص. لكنه ينشد قدرة الله ولا يدري بأن فطرته تتجه إلى الله. الفطرة هي التوحيد لأن جميع الناس على هذه الفطرة. وربما كان أحد أقوى الأدلة على التوحيد هي هذه الفطرة. فمن المحال أن لا يطلب الإنسان المزيد مهما بلغت قدرته، لأنه يسعى إلى امتلاك ما يفتقر إليه، فالرأسمالي يسعى إلى المزيد كلما تضاعفت ثروته. والسلطة تسعى لمزيد من التوسع مهما كان حجمها. وترون أنتم القوى الكبرى بهذا النحو أيضاً. كلها تسعى للمزيد من القوة. وهذه الفطرة موجودة لدى الجميع. فلو وضع هذا العالم كلّه تحت نفوذكم وخضعت دول العالم كلها لكم، وسئلتم هل تريدون المزيد، فمن المحال أن ترفضوا. إلا أن يصل الإنسان إلى معدن الكمال ويبدد الحجب. وهذا قليل جداً.
السعي لتقوية المعنوية وسحق النفسانية
علينا ان نسعى إلى تقوية المعنوية وسحق النفسانية بكل ما نستطيع، فإذا تحقق ذلك فستحل كل القضايا الأخرى، لأن الاختلافات تكمن في ذلك. فلا يقع أي اختلاف في العالم دون أن يكون سببه هذا. وقد اعترض الشيطان منذ اليوم الأول قائلًا: (خلقتني من نار وخلقته من طين) «6» فعصى الله تعالى. وهذا إرث شيطاني ورثناه جميعاً. كلنا نرى ما عندنا أفضل مما لدى الآخرين. نتجاهل عيوبنا ونرى العيب الصغير لدى الآخرين كبيراً. انها الفطرة الإلهية التي عملنا على حرفها. (كل مولود يولد على الفطرة) «7» إلا أن أبواه- وربما أبويه ولكن هذا هو نص الحديث- يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه. وهكذا بقية الأمور. فالفطرة مجبولة على التوحيد، ولكن عندما تصل يد الشيطان إلى الإنسان فإنها تحرفها.
فلو كانت هذه الحكومة الإسلامية- على سبيل المثال- تتشكل من فئة أخرى، لقالوا إنها سيئة لأنها بأيدي غيرهم. ولو لم تكن السلطة القضائية، التي قدّمت كل هذه الخدمات، بأيديهم، لقالوا عنها: ليس هذا عدلًا وانما ظلم. وكل هذا ناتج عن أن الإنسان لم يهذب ذاته حتى يطلب العدل من أجل العدل وليس من أجل نفسه. ونحن أيضاً إذا أردنا العدل فاننا ننشده من أجل أنفسنا .. نحن لا نحب العدل من أجل العدل. فإذا طبق العدل علينا وكان لا يروق لنا سوف نرفضه. وإذا كان الظلم لصالحنا نقبل به. ان جذور كل ذلك تكمن في ذات الإنسان. فإذا تم اجتثاث هذه الجذور أو إضعافها على الأقل، فسوف تحل كل القضايا ويصبح الجميع أخوة فيما بينهم ويساعد بعضهم البعض الآخر. ولكن إذا ما سيطرت الأنانية على قلب الإنسان فانه يرفض العدل وإن كان خالصاً. وهذه الجذور الفاسدة تحرف الإنسان.
الإسلام ينشد الخير لجميع الشعوب
إن هذا الانحراف الذي يعم العالم اليوم بأسره، كان موجوداً على الدوام، إلا أنه أصبح على نطاق أوسع. ففي السابق لم يكن بهذه الدرجة من الاتساع والانتشار، لأن الوسائل لم تكن متوافرة بهذه الدرجة، لم تكن وسائل العمل بهذا القدر، حيث بات بمقدور القوى الكبرى أن تضرم النار في العالم بأسره لو لم تخش الآخرين. وان هذه النيران التي تم اشعالها يجب أن يتم إخمادها ببركة الشعوب. يجب أن تدرك الشعوب بأن القوى الكبرى تسخرها من أجل مصالحها. إن القوى الكبرى تنظر إلى هؤلاء الذين يقدمون لها كل شيء نظرتها إلى حجر الاستنجاء، فإذا ما انتفت الاستفادة منه رمته بعيداً. الشعوب لا تدرك أن أولئك لا يريدون الخير لهم وانما يفكرون بمصالحهم فحسب. إن الذي ينشد الخير للجميع هو الإسلام. الذي يسعى لأن يعم الخير العالم بأسره هو الإسلام والأديان التي لم تحرّف. ولذلك يتم تضليلهم وتضييع كل شيء من أجل الأهواء النفسية، من أجل البقاء في السلطة أياماً معدودة أخرى. فمن أجل البقاء أياماً معدودة يقدمون كل ما لديهم ويتمادون في تقديم الخدمة الذليلة لإحدى القوتين كي تعمل على فرضهم على شعوبهم ودعم تسلطهم. وهذا خطأ جسيم يرتكبه هؤلاء. فلو عادوا إلى أحضان الإسلام، فإن الإسلام أفضل لهم جميعاً. الإسلام يعمل على التربية الذاتية والحفاظ على المصالح الدنيوية أيضاً. فلو تصالح هؤلاء الحكّام مع شعوبهم، لكان ذلك في صالحهم أيضاً. غير أن العداء الذي يكنه هؤلاء لشعوبهم لا يوجد لدى أي شخص آخر. وان قمة العداء أن يقدموا ثروات شعوبهم إلى أعدائهم مقابل الحصول على وسائل القمع والبطش. فهذه ذروة العدائية التي ابتليت بها البشرية اليوم والشعوب المظلومة. وما لم تفق الشعوب وتصحُ فلن يتغير شيء.
النفسانية سبب المعارضة ووضع العراقيل
ولكن علينا أن نبدأ من أنفسنا، فإذا ما أصلحنا أنفسنا فستنتقل الأهداف التي نتطلع إليها إلى العالم مثلما هو حاصل الآن. وإذا ما أضحت أهواؤنا النفسانية- لا سمح الله- سبباً في أن يتحول العتاب إلى شكوى والشكوى إلى معارضة، ففي ذلك اليوم يجب أن نقيم مأتماً على البلد، وان ذنب ذلك يقع على رقابنا لأننا لم نسحق أهواءنا النفسية.
احرصوا على وحدتكم فالعالم كله يقف ضدكم. فإذا لم نتكاتف ونتآزر، وكنا متآكلين من الداخل، فلا شك ستعود بعد فترة المشاكل التي كنا نعاني منها وبنحو اسوأ من قبل. يعود الإسلام الشاهنشاهي مرة أخرى. فأمثال هؤلاء يعلمون بأنه ينبغي لهم أن يرددوا إسم الإسلام ولكن أي إسلام؟ فأميركا أيضاً يتحرق قلبها من أجل الإسلام، غير أن الإسلام الأميركي كان موجوداً في زمن الشاه أيضاً، ولم يكن يحق لأحد التدخل في كل شيء. كان الإسلام الأميركي يصرّ على أن يتفرغ الملالي إلى دروسهم ولا يكون لهم شأن بالسياسة. وكانوا يقولون ذلك بكل صراحة. ولكثرة ما لقنوا العقول بذلك بدأت تصدق بأنه ينبغي لنا التوجه إلى المدرسة والتفرغ للدرس، ولا شأن لنا بما يجري على الشعب. فالحكم من شأن قيصر فما نحن وذاك. فيما ترى فئة أخرى ضرورة تزايد ارتكاب المعاصي كي يمهد الطريق لظهور صاحب الأمر. فلماذا يظهر صاحب الزمان؟ يظهر للقضاء على المعاصي. وعلينا ارتكاب المعاصي حتى نسهّل ظهوره!
حاولوا التخلص من هذه الانحرافات. تخلصوا من هذه التكتلات من أجل الله إن كنتم مسلمين، ومن أجل بلدكم إن كنتم وطنيين، فلا تسيروا عكس التيار الذي يسير قدماً بهذا الشعب، لأن أمواجه ستحطم أياديكم وأرجلكم.
إن إيران ستواصل طريقها بكل عزم وإرادة وقوة رغم كل هذا العداء الذي تواجهه على صعيد الخارج وأحياناً على صعيد الداخل. وستواصل الحكومة تحقيق المزيد من المكاسب من أجل الله، وتعمل القوة القضائية على إصلاح جهازها القضائي بكل عزم وقوة. ويواصل مجلس الشورى مهامه بكل اقتدار. وعلى الشعب أن يدعم الجميع.
وجود الانحرافات والسعي لإزالتها
إن دعم مجلس الشورى والسلطة القضائية والحكومة، انما هو دعم للإسلام، لأنهم منشغلون في خدمة الإسلام. فالانحرافات موجودة في كل زمان. وقد كانت موجودة في عهد الإمام أمير المؤمنين- سلام الله عليه-، إلا أنها كانت انحرافات جزئية. وكذلك في عهد الرسول الأكرم- صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا ما تأملتم في القرآن الكريم سترون كم اشتكى من هؤلاء الناس. فالاختلافات لم تكن وليدة اليوم. ولكن لا بد من المقارنة بين الانحرافات قبل قيام الجمهورية الإسلامية والانحرافات الآن. يقولون: حسناً، لم تكن باسم الإسلام، لم تكن باسم الإسلام لأن الإسلام لم يكن موجوداً، ان القوة القضائية تعمل اليوم كل ما في وسعها لأسلمة القوانين. وربما يقع خطأ هنا أو هناك. ألم يحصل مثل هذا في عهد الرسول؟ ألم يحصل في عهد الإمام أمير المؤمنين؟ كيف تصرف الناس مع الإمام الحسن؟ وماذا فعل أصحابه معه؟ هل الشعب الإيراني أفضل أم أولئك؟ هل الإسلام اليوم أفضل، ام يوم كانوا يؤذون الرسول باسم الإسلام، ويقتلون أولاد الرسول باسم الإسلام. لماذا تقود العقد القلبية الإنسان إلى الانحراف وتدفعه الأهواء النفسانية إلى أن لا يرى غير العيوب فقط؟ حتى أنه إذا ما رأى عيباً واحداً رفع عقيرته قائلًا: انتهى الإسلام. إذا ما انحرف أحد القضاة في مكان ما، قالوا: انتهى الإسلام، وهذا الإسلام لا ينفع. فهل ينفع الإسلام في العهد الذي كانت الشوارع فيه تعج بالفساد وبشكل علني؟ هل ترضون بذلك ولا ترضون بهذا. ولو كان النظام السابق أمهل قليلًا يعلم الله ما الذي كان يخطط له ضد الإسلام. كان الإسلام بالإسم ولكن كيف كانوا يعرفون الإسلام. الإسلام الذي لا يعترض على بيع الخمور، الإسلام الذي لا يعبأ بتطبيق الحدود الشرعية، الإسلام الذي ينبغي له أن لا يعترض على انتشار مراكز الفحشاء. هذا هو الإسلام الذي كان في عهد النظام الشاهنشاهي.
كان الإسلام موجوداً بالاسم غير أن مراكز الفحشاء كانت منتشرة في كل إيران من أقصاها إلى أقصاها. كان الإسلام إلا أنهم كانوا يلعنون الإسلام. يشتمون نبي الإسلام ولم يعترض أحد. سواء في عهد رضا خان الملعون، أو ما كان في عهد إبنه الذي كان اسوأ. إذ كان هذا أكثر شيطانية من ذلك، ويعلم الجميع ما الذي فعله هؤلاء بشبابنا والى أين ساقوهم.
ولكننا اليوم- ولله الحمد- نعمل على تصحيح كل شيء. فالحكومة تعمل كل ما في وسعها على إعمار البلد وتجاوز العقبات التي تطوع الجميع إلى وضعها لإعاقة تقدم إيران. غير أن الجمهورية الإسلامية تسير بخطى ثابتة واثقة وتذلل جميع العقبات التي تعترض مسيرتها الواحدة تلو الأخرى بإذن الله. وعلى الشعب أن يتحلى بالصبر ويدعم الحكومة في أداء مهامها. فإذا كنتم تريدون أن تكونوا أعزاء، وان لا تكونوا خاضعين لأحد، وان لا يأتي الأميركان ويتحكموا بكم، وان تحافظوا على عزتكم وعلى إسلامكم، يجب أن تصبروا وتتحملوا قدراً من المعاناة التي تحملها نبي الإسلام. تتحملوا قدراً من المتاعب التي تحملها علي بن أبي طالب- سلام الله عليه-. فانتم من شيعته وأبناء امته. فلا تتوانوا عن تقديم المساعدة لهذه الحكومة، لهذا البلد، وللإسلام الذي وضع قدمه المباركة في بلدكم. وفقكم الله تعالى جميعاً للتسليم لإرادة الله تبارك وتعالى والعمل بأحكامه وأوامره.
والسلام عليكم ورحمة الله