شناسه مطلب صحیفه
نمایش نسخه چاپی

خطاب‏ [فلسفة الحج وأبعاده السياسية]

طهران، حسينية جماران‏
فلسفة الحج وأبعاده السياسية
السيد موسوي خوئيني ها (مندوب الامام والمشرف على بعثة الحجاج الايرانيين)، السيد خاتمي (وزير الثقافة والارشاد الاسلامي)، علماءالدين المرافقون لقوافل الحجاج، مسؤولو وزارة الارشاد ومؤسسة الحج والزيارة
جلد ۱۸ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۴۹ تا صفحه ۵۶

بسم الله الرحمن الرحيم‏

البعد السياسي أهم أبعاد فلسفة الحج‏

أتوجه بالشكر إلى جميع السادة على حضورهم الكريم في هذا المجلس لنتحاور ونتشاور ونعرض على حضراتكم بعض ما نراه لازماً من القضايا. واني أتمنى لجميع السادة التوفيق في سفرهم هذا، وأن يعودوا منه سالمين غانمين إن شاء الله.
انكم تقبلون على الحج في سنة أوضاع العالم وأوضاع المنطقة فيها كما ترون، فالأوضاع العالمية تهيمن عليها القوى الكبرى، ومستضعفو العالم يعيشون تحت رحمة هذه القوى الشيطانية. أمّا أوضاع المنطقة فهي كما ترون بسبب تدخل القوى الكبرى السافر. تقبلون على الحج في وقت تتعرض المناطق السكنية في البلاد، إثرَ الهزيمة الفاضحة لصدام، إلى قصفٍ صاروخي شرسٍ كان آخره ما وقع وشاهدتموه في (انديمشك) واني أعزي الشعب الايراني، وأهالي (أنديمشك) المجاهدين بهذه المصائب وأتمنى من الله تبارك وتعالى أن يحشر شهدائهم مع شهداء صدر الاسلام وأن يتفضل على ذويهم بالصبر والسلامة والسلوان.
انكم تقبلون على هذا السفر المبارك في سنةٍ، تعيث فيها القوى الكبرى فساداً في المنطقة، فمن ناحية يتطاول السوفيت على أفغانستان ويقمعون شعبها المظلوم، والحمد لله أن الشعب الأفغاني يقاومهم ببسالة، ومن ناحية أخرى تتدخل امريكا، التي تقف في طليعة المجرمين، بشكل سافر في شؤون الدول المظلومة والضعيفة خصوصاً الدول الاسلامية وتخضعها لهيمنتنها، حيث تأتي من الجهة الأخرى من العالم وتعتدي على الشعوب الراغبة بالاستقلال، وتخضعها لظلمها، والمؤسف أن هذه الدول ركنت إلى الظلم وتقبلته.
وأمّا عن فلسفة الحج؛ فإن من أهم أبعاد فلسفة الحج هو بعده السياسي. الذي تسعى لتغييبه والقضاء عليه جميع الأيدي المجرمة، التي استطاعت للأسف وسائل دعايتها أن تؤثر في المسلمين بحيث بات ينظر أكثر المسلمين إلى الحج على أنه مجرد مراسم عبادية جافّة وفارغة لا تُعنى بقضايا المسلمين. في حين أن الحج ومنذ ولادته، لايقل بعده السياسي أهمية عن بعده العبادي، فالبعد السياسي، بالاضافة إلى سياسيته، هو عبادة بحد ذاته.

مناقشة أوضاع المسلمين ومشاكلهم في الحج‏

على المسلمين الوافدين من مختلف البلدان لأداء فريضة الحج خصوصا رجال الدين المحترمين أن يستغلوا فرصة إلتقائهم هناك، لمناقشة قضايا المسلمين وأوضاعهم. أوضاعهم مع حكوماتهم، وأوضاع حكوماتهم مع القوى الشيطانية الكبرى. أوضاع رجال الدين في مختلف أنحاء العالم الاسلامي وتعاطيهم مع فلسفة الحج، وفي النهاية أوضاع الشعوب المسلمة بعضها مع بعض. إنها مسائل يجب التطرق إليها ومناقشتها. فالحج لهكذا أمور. ونوعاٌ من التدارس السنوي لمشاكلهم وقضاياهم والسعي لوضع حلولٍ لها ومعالجتها. وامّا بالنسبة الى ما يقوله معممو البلاط ووعاظ السلاطين في المنطقة وغيرها، من أنه يجب عدم تسييس الحج، فإنهم يدينون بذلك رسول الله، ويدينون خلفاء الاسلام وأئمة الهدى. إنهم يجهلون بأن الحج والسفر إلى الحج إنما كان لهكذا أمور. لأجل قيام الناس، ليدرك المسلمون ويعوا مشاكل المسلمين، لترسيخ التفاهم والمودة والاخوة بين المسلمين.

تهميش الاسلام بدعاية فصل الدين عن السياسة

ومن المؤسف أن الدعاية الواسعة لأعداء الاسلام نجحت في تضليل الكثير من المسلمين وحرف أذهانهم عن الكثير من القضايا والمسائل الاسلامية، لدرجةٍ صدّق معها المسلمون، والكثير من رجال الدين، أنه لايجب الخوض في السياسة ومسائلها، زاعمين بأن مهمة رجل الدين الوعظ والارشاد والرد على المسائل الشرعية. وأمّا الخوض في السياسة، فلا، علماً أن مسائل الاسلام السياسية أضعاف مسائله العبادية. حتى المسائل السياسية ذات مدلول عبادي ايضاً، وإن الكتب الاسلامية، كتب الاسلام الفقهية تفيض بالمسائل السياسية والاجتماعية. ورغم كل ذلك تتصور مجموعة من الجهلاء ان الاسلام دين كسائر الاديان الأخرى المنحرفة- التي لم تكن كذلك وانما لعبت بها أيدي التحريف والاستعمار حتى أوصلتها إلى هذه الحال- وأنَّ على رجل الدين أن يمضي وقته بين المسجد للعبادة والمنزل للاستراحة لا غير. فهذا التهميش المتعمّد للاسلام، واقصائه عن الساحة السياسية، بدأ منذ مطلع الاسلام واستيلاء بني أمية وبني العباس على الحكم. ثم توالى على أيدي الحكومات الرجعية ثمّ على أيدي القوى الكبرى أخيراً. فالاسلام‏ الذي لايعنى بقضايا المجتمع والسياسة والحكم اسلامٌ مهمّش اسلام منزوٍ، فقد تمَّ اقصاء الاسلام بإسم الاسلام، وحصروه بين جدران المساجد الاربعة، المساجد الميتة التي لاحراك فيها، فالمسجد الحرام والمساجد زمن الرسول الاكرم كانت حيةً تعجُ بالحركة، كانت مركزاً للسياسة ومركزاً للحرب، مركزاً للعلم ومركزاً لمعالجة مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية. هكذا كانت المساجد زمن الرسول- صلى الله عليه وآله- ولم تكن مجرد أماكن للعبادة أماكن للصلاة والصوم والتنسُّك، بل منها كان يعبأُ الناس للحرب، ومنها كانت تنطلق الجيوش. ولكن من المؤسف أن هذه المساجد وعلى اثر حملات الدعاية المكثفة منذ مطلع الاسلام وتولي بني امية الحكم الى زماننا هذا، تحولت الى اماكن يدان فيها الاسلام بإسم الاسلام، ليس أن يقول شخصٌ أنا أدين الاسلام، بل أن يداس في المساجد على كل ما يريدُهُ الاسلام. فالاسلام يريد من الناس أن يعوا مصالحهم ومصالح الاسلام والمسلمين وأن يكونوا فاعلين في هذا الاتجاه، ولهذا كانت المساجد وكان الحج أفضل مكانٍ لتحقيق ذلك. فالحج من المسائل التي يغلُبُ فيها البعدُ السياسي على البعد العبادي. واليوم أنتم مقبلون على التوجه لأداء هذه الفريضة السياسية العبادية الهامّة، عليكم أن تلتفتوا إلى أن الفكر الاستعماري قد غزى عقول الكثير من المسلمين ورجال الدين في البلدان الاسلامية، ويقع على عاتقكم أنتم مهمة ازالة ذلك من أذهانهم. قولوا لهم في أحاديثكم واجتماعاتكم أن الاسلام الحقيقي هو غير ما نحن عليه الآن. فالحج ليس فقط أن نأتي إلى مكة ونطوف حول الكعبة ونقف في عرفة ..... دون أن نعبأ بما يرتكبه المستكبرون من ظلم بحق المسلمين وبحق مستضعفي العالم. ودون أن نهتم بأمور المسلمين وأوضاعهم. والمؤسف أن تجد من بين رجال الدين المسلمين من يدينون التدخل في هكذا أمور لا سيما معممي البلاط، الذين أضروا بالاسلام أكثر مما أضرت به أمريكا، لأن هؤلاء يطعنون الاسلام من الخلف ويعزلونه باسم الاسلام وبظاهرٍ اسلامي. أما أمريكا فلا تستطيع ذلك ولهذا تفرض على أمثال هؤلاء فعل ذلك. الحج الحقيقي والمقبول هو الحج الحي، الحج الصارخ بوجه الظلم والظالمين، الحج الذي يدين جرائم السوفيت وجرائم أمريكا وكل المستكبرين ويتبرأ منهم وممن يواليهم.
وأمّا أن نذهب إلى الحج ونقوم بأداء مناسكه دون أن نهتم بامور المسلمين بل على العكس ان نتستر على الجرائم التي تُرتكب ولا نسمح لأحدٍ بالتكلم عما يرتكب بحق المسلمين من جرائم على أيدي القوى الكبرى والحكومات العميلة لها، فإن هذا ليس بحج، انه صورة بلا معنى.

توعية المسلمين في الحج ودعوتهم إلى التوحد

ان الحج الذي يريده الله تبارك وتعالى والاسلام منا، هو أن نؤدي المناسك ونسعى لإيقاظ وتوعية المسلمين الآخرين بالأخطار والتحديات التي تهدد الاسلام والمسلمين، وأن ندعوهم إلى‏ الوحدة والتوحد، ونفهّمهم لماذا ينبغي لأكثر من مليار مسلم أن يبقوا خاضعين لضغوطات القوى الكبرى التي لا تتجاوز عدة مئات من الملايين. ان كل هذه المصائب يعود منشأها إلى حرف المسلمين عن مسار الاسلام الصحيح، لدرجة لايجرؤ معها علماء المسلمين في جلساتهم أن يدينوا ما يرتكب بحق المسلمين، كما حصل في احدى جلساتهم مؤخراً، وربما سمعتم بذلك إذ لم يجرؤوا على مجرد الادانة اللفظية للاتحاد السوفيتي على احتلاله لأفغانستان، حتى رجال الدين المسيحيين الذين شاركوا في الاجتماع خافوا من أن يذكروا شيئاً عن أفغانستان وما يجري فيها، فقد كنا نظن حتى الآن أن رجال الدين المسيحيين هم أمريكيون وضد الاتحاد السوفيتي، ولكن الذي تبين أنهم أمريكيون وسوفيتيون في آن واحد، والكثير من علماء المسلمين ليسوا أقلّ منهم سوءاً. فالذين يستنكرون على المسلم أن ينطق ولو بكلمة ضد أمريكا والصهيونية ويمنعونه عن ذلك، ليسوا أقل سوءاً من رجال الدين المسيحيين الذين يرون الأفضلية للسكوت، ولا من رجال الدين الموالين لأمريكا، فهم في الحقيقة موالون لأمريكا أيضاً. فلابد للمسلمين أن يستفيقوا، على هذا المليار مسلم أن يفيق ويستأصل شر هاتين القوتين وأمثالهما من القوى الظالمة التي تعبث في هذه المناطق فساداً.

رضوخ المسلمين للهيمنة منشأه اهمالهم لأحكام الاسلام‏

أليس من العار على البلدان الاسلامية أن تأتي اسرائيل وتفعل بالفلسطينين ما تفعله؟ أن يرتكبوا كل هذه الجرائم في لبنان، والمليار مسلم يكتفون بالجلوس والتفرج؟ ممن يخاف هؤلاء؟ ولماذا كل هذا الركون إلى الضعف، وشريان حياة الشرق والغرب بأيديهم؟ فالنفط شريان حياة هؤلاء، فلو قطعتم النفط عنهم عشرة أيام فقط لجاؤوكم خاضعين، فعلى رغم امتلاك هذه الحكومات المسمّاة بالاسلامية سلاح قوي كهذا، تجدهم يتزلفون لهؤلاء ويتخضعون لهم، أليست هذه بكارثة؟ أليست بمصيبة أن يقدّم المسلمون كل ما لديهم للاجانب على طبقٍ من التزلّف والاخلاص ليقبله منهم أولئك مع المنة؟
فعندما يكون الأمر على هذه الحال، بأن لايهتمّ المسلمون بالأوامر الالهية والمسائل القرآنية وأحكام الاسلام ودعوته إياهم إلى التوحُّد، عندما يهمل المسلمون كل هذا، فمن الطبيعي أن يكونوا على ما هم عليه من الحال والتزلف والخنوع وتقديم كل ما لديهم للأجانب.
أمَا آن لهم أن يفيقوا؟ ألا ينبغي لهم ان يتعظوا مما حصل في ايران؟ فاليوم كل دول العالم الكبرى، تقف ضدنا ابتداءً من الاتحاد السوفيتي، الذي ما فتئ يقدم الدعم للعراق، إلى أمريكا التي هي كذلك أيضاً، إلى فرنسا التي تدعي بأنها مهد الحريات وقد آوت الارهابيين وتقدم وبكل افتخار الدعم لصدام .. على المسلمين أن يضعوا حداً لذلك، ولو أنهم اتحدوا لاستطاعوا ذلك. وقد شهد العالم بأسره ما فعلته ايران بهؤلاء والصفعة القوية التي وجهتها لهم ببركة الاسلام واتحاد الشعب والحكومة، ولن يسمح لهم هذا الشعب المسلم أن يعودوا إلى هذه البلاد ثانية. وعلى أولئك الذين ينتظرون عودة السوفيت والامريكان إلى هذه البلاد، أن يخرجوا هذه الآماني والأوهام الباطلة من أذهانهم، فأمثال هؤلاء لن يستطيعوا العودة ثانية، على الأقلّ ما دام هذا الشعب حياً.

الشعب الايراني لم يتعب من الحرب ضد المعتدين‏

فما دام شبابنا هؤلاء المتواجدون على الجبهات والذين يصنعون هذه الملاحم والبطولات، إن شاء الله سيبقوا كذلك، لن تستطيع قوة في العالم أن تمس هذه البلاد بضرر. وأولئك الجالسون في البيوت، ويدَّعون بأن الناس قد تعبوا من الحرب، إنهم هم أنفسهم من تعب، كما كانوا منذ البداية. وإلا من هم هؤلاء الناس الذين تعبوا؟ أأنديمشك التي أصابها ما أصابها من الفجائع ولازال ابناؤها يهتفون، (حربٌ، حربٌ حتى النصر)؟ أم في سائر المناطق الأخرى كدزفول وفي كل مرة تتعرض للقصف والدمار ينهض أهلها صارخين (الموت ل- .. والموت ل- ..) و (حربٌ، حربٌ حتى النصر) أليس هؤلاء بالناس الذين تقصدون؟ أم هؤلاء الناس الذين يجتمعون في المساجد ويشاركوا في صلاة الجمعة في كافة أنحاء البلاد، ويهتفون للحرب، ويتطوعون للذهاب إلى الجبهات أليس هؤلاء من الشعب الايراني؟ أم أنهم جاءوا من المريخ؟ أم ان الشعب الايراني هو عبارة عن تلك المجموعة الجالسة في بيوتهم ولم يذهب أي منهم إلى الجبهة ولم يقدّم لها أي دعمٍ مع أن بعضهم يملكون كذا وكذا.
ان أبناء الشعب الايراني هم هؤلاء الذين يتفانون في الدفاع عن هذا البلد الذي تتهدده المخاطر من كل صوب. فهل حقاً تعب هؤلاء من الحرب؟ أم أنتم الذين تقولون تعبنا من الحرب؟ فمتى قاتلتم أنتم حتى تتعبوا من الحرب؟ من الذي ذهب منكم إلى جبهات القتال حتى يشعر بالتعب؟ مَنْ الذي كان منكم مستعداً لإدانة أميركا والاتحاد السوفيتي؟ انكم لا تفرقون عن أولئك الذين يجلسون جانباً ولا يكفون عن انتقاد هذا الشعب.
وأمّا الشعب الحقيقي فهم هؤلاء، هؤلاء الناس في الشوارع والأزقة والأسواق، هؤلاء الناس في القرى والحقول والمزارع، هؤلاء الناس في المدن والضواحي. هؤلاء هم الشعب، هؤلاء هم من يحاربون ويقدمون الدعم للجبهات، نساؤوهم وأطفالهم وشيوخهم وشبّانهم والجميع يعملون لخدمة هذه البلاد والدفاع عنها. هؤلاء لم يتعبوا، وممن يتعبون؟ هل يديرون ظهورهم للإسلام؟ إننا إن نعلن اليوم تعبنا من هذه الحرب ومن الدفاع المقدس- فنحن لم نعلن الحرب على أحد وانما ندافع عن بلادنا. ولا يزال جزءٌ من بلادنا محتلٌ من قبل صدام- فكأنما أعلنا عن تعبنا من الاسلام ومن القرآن. فأي من أبناء شعبنا، إلا القلّة القليلة من الفاسدين، تعب من هذه الحرب؟ إن شبابنا يدركون، أن لا قدر الله اذا انتصر صدام في هذه الحرب، ما الذي‏ سيفعله بها وبأهلها. أأمثال هؤلاء الشباب الغيارى الذين يحملون هكذا احساس، يجلسون في بيوتهم ويقولون تعبنا من الحرب؟! ممن يتعبون؟ أيتعبون من الدفاع عن أعراضهم ونواميسهم؟! أيتعبون من الدفاع عن إسلامهم؟! ممن يتعبون؟. ان هؤلاء الجالسين في بيوتهم لينتقدوا كلَّ عملٍ صحيحٍ وكلَّ خدمةٍ تقدمها الحكومة. وأمثالهم كانوا مخالفين ومنذ البداية لهكذا وضع، إنهم يحنون إلى عهود الرخاء السابقة، أن يذهب الشبان إلى المراقص والحانات، ويفعلوا هناك ما يشاؤون، وأن يعود للشياب مجالس أنسهم وترفهم، انهم يريدون هكذا وضع، وهذا ما لن يتحقق لهم حتى في الأحلام بعد الآن.

التحول الداخلي للشعب الايراني، والتضحية من أجل الاسلام‏

ان هذا الشعب، شعبٌ حي، شعبٌ تحسب له الدنيا بأسرها حساباً، وتقيم له وزناً بعد ان كان شعباً ميتاً لا تعبأ به حتى دول الجوار، ولا يشنفون أسماعه إلا بالدعاية لجلالة الشاه وحكومته المعطاء. فما الذي كان يملكه هذا الشعب إلا التبعية والإهمال والاستبداد الحكومي، فقد كانت أغلب المناطق على امتداد البلاد لا سيما المناطق النائية تعاني من وضعٍ مزري من الإهمال وسوء الخدمات اللهم إلا المحافظات والمدن الكبيرة وخصوصاً طهران، التي كانت تسكنها الطبقة الارستقراطية والأعيان، فلا بد من الاهتمام بها حتى يسعد هؤلاء ويطيب عيشهم. أما أبناء القرى والارياف والمناطق النائية فعليهم أن ينقلوا مرضاهم على الدواب ليوصلوهم إلى أقرب مدينة مجاورة للعلاج وربما أراحتهم يد المنية وسط الطريق. فالحكومة اليوم تعمل بجد على شق الطرقات وتعبيدها وبناء المدارس والمستشفيات وتجهيزها. فقد أُحدثت إلى الآن آلاف المدارس وشقت آلاف الكيلو مترات من الطرقات. كل هذا والبعض جالس في بيته ويدعي أن شيئاً لم ينجز. فما الذي تريدونه لينجز؟ أتريدون ما كان زمن رضا خان ومن بعده ابنه محمد رضا حيث جعلوا من الشوارع مراكز وبؤراً للفساد؟ أهذا ما تريدونه وترونه صحيحاً؟! كل هذه التحولات والانجازات التي تحققت، وعلى مختلف الأصعدة، في هذه السنوات القليلة من عمر الثورة. التحول الذي طرأ على شبابنا فجعلهم يتركون الحانات والمراقص ويلتحقون بساحات الحرب ضد الكفار، تركوا مراكز الفساد والتحقوا بمراكز الصلاح والدعاء والمنجاة. ونساؤنا اللواتي كنّ يعانين الظلم، بتن اليوم يشتغلن بالتعلُّم والتعليم، ويجاهدن في سبيل الله. فما الذي تريدونه أكثر من هذا؟ فلماذا تغمضون أعينكم عن رؤية هذه الحقائق، وتفتحون آذانكم على أبواق الدعاية الامريكية والأوربية؟ افتحوا أعينكم لتبصروا ما حصل ويحصل في ايران الاسلام. أتنتظرون من الآخرين أن يخبروكم بذلك؟ طبعاً أحياناً ما يفعلون ذلك. عليكم أنتم أن تبلغوا للاسلام، أن تبلغوا لهذه البلاد، دافعوا عن هذه البلاد بأقلامكم وألسنتكم وبكل وسيلة تستطيعونها، انتقاد، انتقاد، لأجل ماذا؟ ماالذي ينقصكم ليصدر عنكم كل هذا الانتقاد؟ والشعب كله على اختلاف شرائحه وفئاته، الفقراء، والمساكين سكان الأحياء الفقيرة في المدن يضحون في سبيل الاسلام ويبذلون الغالي والنفيس دون أن يبدوأي ضجر أو ملل. والآن ترونهم كيف يتوجهون إلى الجبهات أفواجاً أفواجاً للدفاع عن الاسلام والبلاد. ثم تقولون بأن الشعب تعب من الحرب. أليس هؤلاء من الشعب؟ أليس هؤلاء الشبان في جبهات القتال من الشعب؟ ان لم يكن هؤلاء هم الشعب، فمن هو الشعب، أهم من ستأتي بهم أمريكا؟ افيقوا على أنفسكم قليلًا، والتفتوا إلى الاحداث جيداً.

قوة المسلمين وعزتهم في عدم التبعية للقوى الكبرى‏

فالآن وانتم تنوون التوجه إلى بيت الله الحرام، عليكم وفضلًا عن سعيكم وجدكم في تبليغ أحكام الحج لمن يجهلها من الحجيج والرد على أسئلتهم واستفساراتهم الشرعية. أن تسعوا إلى اقامة علاقات مع المسلمين من البلدان الأخرى، قائمة على أساس الاحترام والود والمحبة، وباسلوب لبقٍ وحكيمٍ وحسن. تناقشوا معهم في قضايا المسلمين وأوضاعهم وما يتعرضون له من ظلم وجور، والممارسات التسلطية الطامعة للقوى الكبرى في المنطقة، خصوصاً أمريكا وسعيها للهيمنة والسيطرة على الخليج الفارسي. أفهموهم لماذا تقفون مكتوفي الأيدي وتسمحون لأمريكا وأمثالها بالسيطرة على الخليج الفارسي والتحكم بكم تحت حجج واهية كحفظ أمن الخليج الفارسي واستقراره، بينما الخليج هو لكم ولنا ولجميع المسلمين وعلينا نحن أن نقوم بهذه المهمة، لا الامريكان، أفهموهم بأننا نمد يد الأخوة إلى جميع الدول الاسلامية، وأن قلوبنا وصدورنا مفتوحة لهم، على أن يتخلوا عن اعوجاجاتهم ويمدّوا يد الاخوة إلينا.
فنحن نريد لهم جميعاً الخير والصلاح، وأن يكونوا أعزاء كرام. لا أن يكونوا خدّاماً وعبيداً للأمريكان وغيرهم، وأن يتأمِّر عليهم هؤلاء. كونوا يداً واحدة، ولتتحد حكوماتكم ولتعامل شعوبها معاملة حسنة ووفقاً للاسلام، وعندها لن ينال منكم أحد. فالحكومة الإيرانية اليوم قوية مصونة لأنها تسهر على خدمة شعبها والشعب يؤيدها ويحميها ويتبعها. لقد كان الشعب يسر ويفرح عندما كانت الحكومة تواجه أزمةٌ أو مشكلةٌ في زمن رضاخان وابنه محمد رضا. في حين أن حكومتنا اليوم اذا ما اعترضتها مشكلة ما، هبَّ الشعب بنفسه لحلّها ومواجهتها، فالحكومة هي خادمة للشعب وعليها أن تكون كذلك، والمجلس خادم للشعب وعليه أن يكون كذلك، علينا جميعاً أن نكون خداماً لهذا الشعب، علينا جميعاً أن نتوجه بالشكر إلى أولئك المتواجدين في الجبهات ويخوضون الحرب هناك. وعلى الرغم من جميع المصاعب ومقاطعة الجميع لنا ومحاولة عزلنا، فإن ايران، وبحمد الله، تحافظ على موقعها على المستوى الدولي وتلقي تأييداً ودعماً من جميع المسلمين في العالم.
وكلي أمل أن توفقوا في سفركم المبارك هذا في لفت أنظار المسلمين القادمين من مختلف بقاع العالم الاسلامي، لا سيما وعاظ البلاط الذين سيتوافدون إلى هناك حتماً. قولوا لهم: أيها السادة لماذا ترون عزكم في الخضوع إلى أمريكا، والخضوع إلى الصهاينة؟ في حال أن عزكم وسيادتكم في الاسلام، في بيت الله الحرام. اجتمعوا تحت راية الاسلام، اجتمعوا حول بيت الله وتبايعوا جميعاً على أن لا تفعلوا إلا ما فيه خير الاسلام ومصلحته، وعلى قطع دابر القوى الكبرى عن بلدانكم. ونسأل الله تعالى أن يحقق هذا التجمع الإسلامي الكبير اهدافه المرجوة للاسلام والمسلمين وأن تصلوا إلى هناك سُعداء سالمين. ادعوا للإسلام والمسلمين. ادعوا للمسلمين وقادتهم بأن يفيقوا ويهتموا بمصالح الإسلام. وادعوا لهذا الشعب الذي قدم كل ما يملك بكل سخاءٍ واخلاص لأجل الاسلام، وما يزال. وادعوا لهؤلاء عُمي القلوب المتواجدين احياناً في ايران والبلدان الأخرى، أن يهديهم الله ويعودوا إلى الاسلام، ويهتموا بمصالحه، وأن يكفوا عن معارضة هذا الشعب وينضموا إليه.
والسلام عليكم ورحمة الله‏

«۱»-ادرجت في صحيفة النور تحت هذا التاريخ ۲۶/ ۵/ ۶۲.


امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417
 

دیدگاه ها

نظر دهید

اولین دیدگاه را به نام خود ثبت کنید: