بسم الله الرحمن الرحيم
تعامل الحكومة القاجارية والحكومة البهلوية مع الناس
أرحب بجميع السادة الذين قدموا إلى هنا وأسأل الله تبارك وتعالى للجميع التوفيق لخدمة الاسلام والمسلمين وخدمة بلادهم. قد لا يوجد بينكم من عايش في العصر القاجاري وبدايات العهد البهلوي، وإن وجد فهم قلة. إذ عاصرتم نهايات العهد البهلوي التي كانت مختلفة عن بداياته. إن طبيعة الحكومة آنذاك وطبيعة المسؤولين في الجهاز الحكومي سواء مسؤولو المحافظات أو القائم مقاميات أو مسؤولو القرى وغيرهم، كانت طبيعة خاصة متناسبة مع النظام الشاهنشاهي. كان يستحيل حضور مدير الناحية في محفل يحضره الناس البسطاء من المزارعين والحرفيين وجلوسه معهم في مكان واحد. لقد كانت الحاله خاصة حيث أن قائم مقام في مدينة صغيرة لا يمكن أن نقارنه برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في الوقت الراهن. لقد كانت حياتهم تسير على نمط خاص فلو أن مسؤولا صغيراً كان يدخل في مكان ما فالخدم ومن كانوا في حاشيته كانوا يبعدون الناس حتى يمرّ هذا المسؤول. فكيف كانوا سيعاملون الناس إذا كان ذلك المسؤول وزيراً أو رئيساً للوزراء .. لقد كانوا يتبخترون أمام شعبهم ولكنهم كانوا ضعافاً وأذلاء أمام البلدان الأخرى كانوا يتعاملون مع الرعية تعاملا غير انساني وكانوا يحتقرون الناس ويسيئون إليهم ويؤذونهم ويستغلونهم مادياً، ولكنهم كانوا أذلاء أمام سفير أحد البلدان الأجنبية.
شعبية المسؤولين في النظام الاسلامي
إننا نشاهد اليوم مسؤولي القائم مقاميات في جميع أرجاء البلاد، كما أشار أحدهم، وكذلك مسؤولي النواحي وعدداً من المزارعين والناس العاديين يجلسون في مكان واحد. وإن رئيس الوزراء ووزير الداخلية جالسان هنا فلو أن رئيس الجمهورية وسائر المسوولين كانوا موجودين لكانوا يجلسون بين الناس بحيث لو دخل غريب لايستطيع أن يميز ما بين الوزير والقائم مقام ومدير الناحية والمزارع العادي. وهذا يشبه ما ورد في رواياتنا بأنه إذا كان يدخل أحد مسجد الرسول وهو جالس مع أصحابه كان لا يميز بينهم فكان يسأل من هو الرسول؟ بينما كان الوضع في السابق بحيث أنه إذا كان يدخل أحد مكاناً ما كان يدرك بسرعة من هو المسؤول الحكومي. لأنه كان يتصدر المجلس بكل أبهة، كان الناس يدركون من هو المسؤول لأنه كان في وضع خاص. ولكن رسول الله عندما كانت المدينه مقر حكومته وكانت حكومة كبيرة آنذاك، عندما كان يأتيه العرب كانوا يشاهدون عدة أشخاص جالسين في حلقه فلم يكن بوسعهم أن يعرفوا من هو المسؤول والحاكم، ومن هم الناس العاديين. كان ذلك وضع الرسول لكي يعلّمنا كيف يجب أن نكون وما هو واجبنا. أنتم الآن مسؤولو الأقضية والنواحي وأصحاب المناصب الأخرى آمل أن تكون حالاتكم المعنوية والروحية مثل حالاتكم الظاهرة البعيدة عن التكلف والرياء. كما أن أميرالمؤمنين- سلام الله عليه- قال عندما أخبر بأن خلخالًا قد خلع ظلماً من رِجل امرأة يهودية أو نصرانية: فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ماكان به ملوما «1». إنكم جميعاً في محضر الله أينما كنتم، إن قلوبكم و سواعدكم وعيونكم وكل جوارحكم في محضر الله والله حاضر في كل مكان.
الإقتداء بأئمة الدين في التعامل مع الناس
حاولوا أن تتعاملوا مع عباد الله كما كان يتعامل أئمتكم وكما كان الرسول وسائر الأنبياء يتعاملون معهم. فلا تظنوا أن مناصب مثل رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية أو رئاسة المجلس أو مسؤولية المحافظه أو القضاء والناحية تعد شيئاً مهماً، المهم هو نيل رضا الله وهو يتم من خلال نيل رضا عباد الله، فعندما تتعاملون مع الناس يجب أن تكسبوا رضاهم. إن هؤلاء المتواجدين في السوق والمزارعين الأعزاء والموظفين والعمال الكادحين في المصانع، هم الذين يشكلون الفخر والانتصار لكل شعب. إنهم هم الذين حققوا النصر لنا ولكم وهم أسيادنا ولابد لنا من أن نتحسس ذلك في قلوبنا وأن تعاملهم الأسياد بشكل يرضي الله. فلا يظنن مسؤول في منطقة بأنه يستطيع أن يحتقر من يعمل في السوق والناس العاديين كما كان يفعل المسؤولون في العهد البائد. إن الفرق ما بين الجمهورية الاسلامية والنظام الشاهنشاهي هو أن الجمهورية الاسلامية منبثقة من الناس وقد تحققت على أيدي هؤلاء البسطاء. في حين أن النظام الشاهنشاهي كان يصر على إستعباد الناس والتسلط عليهم فكانوا يتعاملون مع الناس من هذا المنطلق. عاملوا عباد الله معاملة طيبة لأن الانتصار قد تحقق لنا بفضلهم وعلى أيديهم.
الحفاظ على النصر أصعب من النصر نفسه
اعلموا أن الحفاظ على النصر أصعب من النصر نفسه. إن فتح البلاد أسهل من الحفاظ عليها. إننا الآن نمر بمرحلة صعبة، مرحلة الحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية، أي إن المرحلة الأولى تمثلت بمرحلة النصر قد مّرت وانتصرتم بحمد الله، لكن ديمومة هذا النصر واستمرارية هذه المنجزات التي تحققت تعتبر أصعب من النصر نفسه. مما تحقق لم يتحقق بسهولة بل كلفكم هذا النصر غالياً وليس شيئاً هيناً مانلتموه. أنا وأمثالي لا نستطيع أن نقدر ما تحقق لهذا الشعب من الناحية المعنوية، وهو امر لايقدر عليه إلّا الله سبحانه وتعالى. ومن حيث الظاهر فإن ما تحقق اليوم لهذا البلد الاسلامي والشعب الايراني لم يتحقق طول التاريخ الإيراني. لقد كان في إيران الكثير من الطغاة المستبدين ولكنهم كانوا ضعفاء أمام الدول الأخرى ينحنون أمامها لاسيما في القرون الأخيره. وكلما طال أمد الحكم الشاهنشاهي كلما زاد هذا الضعف بحيث أن سفير بريطانيا آنذاك أو السفير الأميركي في الفترة الأخيرة كانا يسيطران على مصير البلد الذي يقيمان فيه. لقد كان مصير بلادنا بأيدي الآخرين. إن ما حققتموه هو أنكم تقررون اليوم مصير بلادكم، لقد قطعتم أيدي أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا من بلادكم، وطردتموهم. وليس هذا شيئاً يستهان به، إنه شيء كبير والحفاظ عليه أكبر. إن من انهزموا أمامكم سوف لا يجلسون مكتوفي الأيدي، بل سيحاولون تلافي هزيمتهم وذلك حسب ظروفهم وما هو معروف عنهم يتطلعون إلى تحقيق ذلك على أيديكم، يريدون أن تكون هزيمتكم بأيديكم وهذا أمر مهم لابد من التدقيق حوله. فإذا مادفعوا الناس في المصانع وفي المزارع عبر عملائهم إلى أن يتقاعسوا عن العمل، لاسيما في مجال الزراعة الذي هو اساسي بالنسبة لبلد كايران، وإذا دفعوا العمال في المصانع إلى عدم الجدية في العمل وإلى أمور أخرى، فإن ذلك سيكون منطلقاً لهزيمتنا.
الواجب الشرعي في الانتخابات
ولكون اليوم يوماً مصيرياً لابد لي من أن أتحدث عن واجبنا في الانتخابات. فالذين يتطلعون إلى هزيمة هذه الثورة يعقدون آمالًا كبيرة على المجلس. إن المجلس ليس مما يستهان بعمله. فالمجلس يأتي في طليعة جميع أمور البلاد. أي إن المجلس الجيد يحسّن كل شيء وان المجلس السيء يدمر كل شيء. ولذلك كان الذين يحكمون هذه البلاد سابقاً يسعون إلى السيطرة على المجلس. فعندما تحققت الحركة الدستورية وتشكل البرلمان، حاولوا السيطرة عليه. فعندما يكونوا قادرين على إجبار الناس على اختيار أشخاص معينين كانوا يقومون بذلك بالمكائد عبر عملائهم في البلاد فكانوا يخدعون الناس البسطاء أو كان الاقطاعيون يجبرون الناس على ما يريدون. وعندما جاء رضاخان فإن القضية كانت على أساس رغبه الشاهنشاه فكان كل شيء بيده. طبعاً كان الوضع كذلك في الفترة الأخيرة أيضا. كان من واجب مسؤولي الأقضية والنواحي أن يستخرجوا من الصناديق أسماء أشخاص معينين. فإذا كان بإمكانهم كان يجب أن يستخرجوا من الصناديق أسماء أشخاص معينين وإلّا فكان عليهم أن يدفعوا الناس إلى مايريدون وكان كل شيء بأيديهم وإذا ما تنحى الناس بسبب يأسهم، يبقى الطريق مفتوحاً أمامهم. إن إحدى الطرق التي ينفّذون عبرها أهدافهم، تتمثل في بثّ اليأس في نفوس الناس بمختلف شرائحهم، من أنهم غير قادرين على فعل شيء: إننا لا نستطيع فليأتي الغربيون للاصلاح، لدينا الجارة الفلانيه. كانوا يحاولون نشر هذه الفكرة وإذا ما عارضهم أحد في المجلس تصدى له عملاؤهم في المجلس وقضوا عليه. حتى الطبيب لم يكن مستعداً للقيام بعملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية. إنه أمر مؤلم جداً. فعندما أفكر بأن علاج الزائدة الدودية كان يتطلب في عهد محمد رضا إحضار الأطباء من الخارج، يحزنني الأمر كثيراً لأنه كان يعني الاساءة إلى أطبائنا المحترمين. كانوا يأتون بالخبراء من الخارج. كان يجب أن يكون المستشار في الجيش أمريكياً. كانوا يُحضرون لنا الخبراء من الخارج للمصانع حتى لا يسمحوا لكم بأن تفهموا شيئاً. كان الخبير العسكري يأتي لكي يمنع أفراد الجيش من أن يفهموا شيئاً. لم يكن وجودهم لأجل تعليمهم بل منع تعلمهم.
تقرير مصير الانتخابات بيد الشعب
لقد أصبح مصير بلادكم بأيديكم وليس هناك من يسيطر عليكم ويأمركم أن أعمل كذا أو اعمل كذا. لا تستطيع قوة أجنبية في إيران أن تفرض علينا شيئاً. عليكم اليوم أن تديروا أموركم. يجب ألا تكون الانتخابات كالسابق حيث كان يتم تعيين الأشخاص من المركز وكان لا يحق لأحد أن يقول شيئاً. ان الانتخابات بيد الناس. لا فرق بين رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء وبين المزارع الذي يعمل في مزرعته أو الكاسب الذي يعمل في السوق، فهم متساوون في أمر الانتخابات. أي لرئيس الجمهورية صوتاً واحداً كما لرئيس الوزراء صوتاً واحداً. وكذلك فإن المزارع العامل في أقصى نقطة من البلاد لديه صوتاً واحداً أيضاً. لا فرق بين أصواتهم كلهم مسؤولون. لا تعتمدوا على الآخرين في معرفة الجيّد والسيء إلّا إذا كان هناك أناس يوثق بهم مائة في المائة. أقول ذلك للناس ولكم كمسؤولين عن إجراء الانتخابات بأنه إذا حصل انحراف في عملكم مما ينتهي إلى توجيه ضربة إلى الجمهورية الإسلامية فإن مسؤولية ذلك على عاتقكم. فلو أن الاسلام تلقى ضربة فستكونون أنتم المسؤولون، ولو تم الكشف عن ذلك ستتم معاقبتكم. يجب أن تعملوا دون الالتفات إلى الأوامر التي تصدر من هنا وهناك ولا يحق لأحد أن يصدر الأوامر إلا وزير الداخلية الذي يصدر الأوامر بحسن إجراء الانتخابات وأن تحافظ على سمتها الإسلامية. ولكن إذا أمركم أحد من المسؤولين بأن فلاناً يجب أن يكون نائباً في البرلمان فإن هذا غير موجود في الاسلام ولايصح وجوده في إيران. أنا أقول هذا الكلام حتى تعرف الأجيال القادمة بأنها يجب أن تكون كذلك فلا يوجد لدينا اليوم من يصدر الأوامر فهناك مرشح والناس أحرار في اختيارهم. فلو أن جميع المسؤولين اقترحوا فلاناً نائباً للمجلس وكنتم غير مقتنعين بذلك، فلا تصوتوا له حتى تتأكدوا بأنفسكم من أنه إنسان جيد.
حاجة المجلس واللجان للخبراء المختصين
إن مجرد كون الشخص طيباً جداً، يصلي أول الوقت ويتهجد في الليل ليس كافياً، إن المجلس بحاجة إلى السياسيين والاقتصاديين إنه بحاجة إلى رجال السياسة المطلعين على أوضاع العالم. يجب أن يكون النائب ملتزماً بالاسلام موافقاً للجمهورية الاسلامية اضافة إلى تلك الصفات. يجب أن يتوفر كل شيءٍ في المجلس ففي لجانه تناقش القضايا العسكرية والزراعية والاقتصادية وجميع الأمور. يجب على هؤلاء أن يكونوا مطلعين، يجب أن يكون في هذه اللجان متخصصون في الاقتصاد والزراعة والشؤون الإدراية والقضايا العالمية فالمجلس يريد إدارة إيران أمام العالم. لا يقتصر عمل المجلس على إيران بل إن إيران محط أنظار العالم كله. ومن غير الصحيح أن يكون المرء تابعا للآخرين متأثراً بآرائهم. وليس صحيحاً في الاسلام ولا يجب أن يكون في الجمهورية الاسلامية. أنتم المسؤولون عن الأقضية والنواحي وكذلك الأفراد المحترمون في المراكز الاسلامية في أرجاء البلاد، كلكم مطالبون بالدقة في هذا الأمر ليتم بشكل جيد وحتى لا يحدث أي غش في الأمر أو احتيال يتمكن من خلاله الفاسدون من إختراق صفوفهم مما تترتب على ذلك أمور كثيرة. فهذا من واجباتكم والناس مكلفون شرعاً بالمشاركة في الانتخابات صيانة للإسلام. فالإنسحاب من الساحة يعد خلاف الشرع وهو خلاف مصالح الاسلام. إن عمل المقدس الذي يجلس جانباً ولا يتدخل في الشؤون الاسلامية مخالف للإسلام. طبعاً إذا وجد شخص كهذا- لا سمح الله- وكذلك من يتغافل عن انحراف شخص أو جماعة فإن ذلك يتعارض مع مصالح الاسلام فمثل هذه الأمور كانت موجودة في عصر صدر الاسلام أيضاً. كما كانت موجودة في عصر أئمتنا. حسناً كل ذلك كان موجوداً لكن هؤلاء تنحّوا جانباً وانشغلوا بأعمالهم. أقول للشعب شاركوا في الانتخابات وتعرفوا على الأكفاء لهذا المنصب. سلموا زمام أمور بلادكم لمن يفيدونها سياسياً واقتصادياً وفي مختلف المجالات. فلو تساهلتم ولم يعرف الأمر اليوم أحد، فإن الله موجود فهو يعلم ويرى، إنكم في محضر الله أينما كنتم، إن جميع الخلق في محضره أينما كانوا. فإذا ما ارتكبت عملًا منكراً فإن الاسلام بريء من ذلك العمل. اعملوا لأجل الاسلام ما شأنكم بالشخص الفلاني إذا كان مسيئاً أو محسناً، فإذا أساء عليكم أن تحسنوا للاسلام حتى يتحول ذلك السيئ إلى الجيد تبعاً لعملكم إن شاء الله. لا تتنحوا جانباً، على السادة العلماء ألا يتنحوا جانباً، طبعاً ليس مهماً من أية طائفة يكون النواب المهم أن تكون لديهم الكفاءة وأن يكونوا مخلصين. على كل حال فإنني أدعو لكم بالتوفيق والتأييد إن شاء الله بأن تنفذوا هذا الأمر الذي يعد من الفرائض بشكل لائق. وعلى الناس أن يشاركوا بشكل لائق، فإن لم يشاركوا وتضرر الإسلام بسبب ذلك، سيكونون مسؤولين جميعاً. وفقكم الله وسدّد خطاكم بمشيئته.
والسلام عليكم ورحمة الله