بسم الله الرحمن الرحيم
معاناة النبي والأئمة في إقامة الحكومة الاسلامية
أبادل الحضور وجميع المسلمين والمستضعفين التهاني بمناسبة هذا العيد السعيد. إن القضايا المرتبطة بالمبعث النبوي وأبعاده المختلفة لايمكن إيضاح القليل الذي أدركناه منها في مثل هذه العجالة. فما هو أصل البعثة؟ وما معنى نزول الوحي؟ وكيف تم نزول الوحي؟ انها أمور تبقى مستعصية على الفهم دوماً. إن ما ندركه من البعثة هو البركات الحاصلة منها. ولوجود المشاكل التي ظهرت في عهده، فإن الرسول الأكرم مع الأسف لم يتمكن من العمل على النحو الذي كان يريد، فقد ابتلى منذ اليوم الأول لدخوله المدينة بالحروب التي منعته من تأسيس حكومته بالشكل الذي كان ينوي إقرارها، كما لم يتمكن من عرض المعارف التي كان يريد عرضها على البشر بشكل مطلوب، وإنما نزل القرآن وهو يمثل كل شيءٍ، ولكن فيما يتعلق بكلامه فإن المشاكل منعته من عرضه كما يجب حتى في الحجاز، كما أن معاناة أميرالمؤمنين- سلام الله عليه- كانت اكثر بعد الرسول. وعلينا أن نعيش بهذه الحسرة ما دمنا أحياء لأنهم لم يسمحوا له أن يؤسس الحكومة التي كان يريد تأسيسها. لقد أشعل أدعياء الاسلام نيران الحروب وعارضوا الاسلام باسم الاسلام بل وجّهوا إلى الاسلام الصفعات باسم الاسلام والقرآن الكريم حتى منعوه من بلوغ الهدف. فلو أن المتظاهرين بالاسلام من أدعياء القداسة لم يمنعوه من دحر خديعة معاوية، ونجح أمير المؤمنين في هذا الأمر، لكان مصير الاسلام غير ما نشاهده اليوم وكان مختلفاً عنه في المستقبل. فلربما لم تكن تحدث مشاكل الامام الحسن- سلام الله عليه- ولا قضية كربلاء. وإن اولئك المتظاهرين بالقداسة في النهروان هم الذين يتحملون تبعات ذلك فلعنة الله عليهم إلى الأبد. فلولا المشاكل التي واجهت الرسول لكان باستطاعته تأسيس الحكومة التي كان يريدها بل وكان يستطيع خلق وضع مثالي كان يطمح إليه ولم يحصل ماحصل، ولكنهم منعوه فقد عادى بعضهم أمير المؤمنين باسم الإسلام، ومنعه من العمل جمع من الحمقى من أصحابه وذلك بادعاء الاسلام. وهذا شيءٌ يبعث على أسف المسلمين إلى الإبد. فلو سارت الأمور في عهد الرسول كما كان يريدها وسارت في زمن أمير المؤمنين كما كان يريدها لما حدثت هذه المشاكل. ولكن التقدير الالهي شاء ذلك. فلو أردنا ذكر ماشهده ذلك العصر والذي يشبه إلى حد كبير معاناتنا اليوم، فسوف نعجز عن ذلك. إننا نعاني اليوم من نفس المشاكل ولكن بشكل آخر. وقد توسعت هذه المشاكل نظراً لتغيير أوضاع العالم. فيومذاك منع الرسول صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين سلام الله عليه من إيصال صوتهما وأن هذا المقدر الذي وصل أضاء العالم بنوره. والاسلام اليوم يعاني المشكلة نفسها ولكن بشكل أوسع، حيث يحولوا دون تأسيس حكومة إسلامية باسم الإسلام. إن مجموعة من الجهلاء وجمع من العلماء المتهتكين يحول دون تأسيس حكومة إسلامية. لقد قال الرسول الأكرم (مامعناه): قصم ظهري اثنان: عالم متهتك وجاهل متنسك. وإني لا أدري أيهما وجّه إلى الاسلام ضربة اكبر العلماء المتهتكون أم الجهلاء المتنسكون. فعلى كل حال عانى الإسلام من كلا الفئتين وهو مانعاني منه الآن وسيظل موجوداً في المستقبل. فحتى عند ظهور ولي الأمر فإن بعض الروايات تقول بأن العلماء يكفرونه وهذا ابتلاء موجود في العالم.
أحابيل الأعداء في بثّ الإختلافات
يجب ألا نظن بأن أيدي الأعداء كفت اذاها. على الشعب الايراني أن ينتبه إلى أن المؤامرات لازالت مستمرة. ففي الانتخابات التي جرت بشكل جيد وبكل حرية بحمد الله، وكان الناس موجودين في الساحة وأرجو أن يواصلوا تواجدهم في الدورة الثانية عندما تتم الانتخابات وأن يؤدوا واجبهم الإلهي، فإن هناك عملاء في الداخل والخارج يسعون إلى بثّ الخلاف بين من كان لهم دور في الانتخابات، فلا تظنوا أن الأجانب وعملاءهم يدبرون لإنقلاب عسكري هنا، إنهم أعجز من ذلك. فالبلد الذي يستعد الجميع فيه للاستشهاد ليس بوسعهم الدخول فيه ولكنهم سوف يعملون على هدّ أركانه من الداخل. إن من القضايا التي يعملون عليها اليوم هي إيجاد الخلاف بين من فازوا في الانتخابات ومن خسروها. فهم يستخدمون تعابير مثل الفوز والخسارة والهزيمة والإنتصار لايجاد الخلافات بين شعبنا. فالانتخابات التي يجب أن تنتهي على أفضل وجه ويجب أن تؤدي إلى زيادة الوحدة فإنني أخاف أن تنتهي إلى بثّ الخلافات. وهذه من مكائد الشيطان التي تتم على أيدي الشياطين. إذا كان يريد أحدهم العمل لله وقد رشح نفسه لخدمة الاسلام والمجلس، فإذا ما انتخب فلا يسمى هذا انتصاراً بل هو خدمة يتولاها وإن مشاقها كثيرة جداً. وإذا ما لم يتم انتخابه فلا يتصور بأنه نُحّي وأن ذلك عيب عليه. فليست القضية فوز أو خسارة بل هي الخدمة في هذا المنصب أو ذاك. على إيران أن تعي أن هناك من يريد إيجاد الخلافات داخل الأسرة الواحدة. علينا أن نتعظ من التاريخ أي من عهد الثورة الدستورية فمن كانوا يريدون زعزعة الإستقرار في إيران في العهد الدستوري ليظل الاستبداد قائماً استطاعوا ايجاد الخلافات بين الأشخاص والمجموعات والأحزاب إذ قيل آنذاك أن الإبن والأب داخل الأسرة الواحدة كانا متخاصمين فهذا منحاز للثورة الدستورية وذاك للإستبداد. وأدى هذا الخلاف إلى ألّا تحقق الثورة الدستورية أهدافها كما كان يريدها العلماء، إذ أدت هذه الخلافات إلى هجوم جمع من المنبهرين بالغرب حيث ألقوا القبض على المسؤولين وفرضوا الاستبداد على إيران تحت غطاء الثورة الدستورية. وماأشبه اليوم بالبارحة، فإن لم يستيقظ الشعب الايراني ولم ينتبه علماء الإسلام، وإن لم يفيق علماء قم وأساتذتها وطلاب العلوم الدينية، وعلماء طهران ورجال الدين المجاهدين وجميع علماء البلاد، والشعب الإيراني، فإن الأعداء يخططون للوصول إلى الوضع الذي أوجدوه في عهد الثورة الدستورية وسنكون جميعاً مسؤولين عن ذلك.
عدم أهمية المنصب والرئاسة في الاسلام
إن كرسي البرلمان ليس مهماً في الإسلام، كما أن الرئاسة ليست مهمة، وكذلك رئاسة الجمهورية والوزراء، فمن توهم أن هذه الأشياء مهمة فإنه لم يعرف الإسلام. إنكم شيعة ذلك الرجل الذي لا تساوي الامارة عنده حذاء بالياً إلا أن يسعى لإحقاق حق. فأنتم الذين تريدون إحقاق الحق والمضي بالاسلام قدماً فما الفرق بين أن تعملوا في المجلس أو في المدرسة أو في الأماكن الأخرى؟. يجب الاهتمام بألّا يتكرر تاريخ الحركة الدستورية ولن تتكرر إن شاء الله. حتى لايقول الإعلام العالمي إن ايران في حالة البلبلة وجاء دورنا الآن. كلّا إن أحلامهم لن تتحقق. إن كلامي هذا لايعني أننا متورطون في مشاكل اليوم بل إننا نريد الحؤول دون المشاكل التي يسعى هؤلاء إلى ايجادها. يجب ألا يتصوروا بأن هناك مشاكل في ايران. لقد أجريت في ايران انتخابات لم يشهد العالم مثيلًا لها. إنكم جميعاً إخوة وأصدقاء. فلا تهتموا بأن يكون هذا الصديق في المجلس أو ذلك الصديق أو أنا بنفسي أكون فيه. فلا تهتموا بهذه الأمور وهي ليست مهمة عند الشعب الايراني إن شاء الله. إن الانتخابات القادمة ستجري بعد عدة أيام بهمة السادة المسؤولين نظير وزيرالداخلية ومجلس صيانة الدستور، وأرجو أن تتم الإنتخابات في وقتها حتى لايكون بلدنا من دون المجلس ولو يوماً واحداً، وقد بشّرني السيد امامي «1» بأن الأمر كذلك. وأرجو أن يشارك الشعب في الانتخابات كما في السابق وأن يقدّروا هذه الحرية التي نالوها دون التأثر بأحد. إذ لم يجبرهم أحد في أرجاء البلد على التصويت لصالح شخص، كما لم يجبرهم أحد على المشاركة بل الواجب الشرعي هو الذي دفعهم للمشاركة.
عدم التأثر بإيحاءات الأعداء
إننا عندما نتحدث نذكرهم بالواجب الشرعي فحسب، فهم مطالبون شرعاً بحفظ هذه الجمهورية الاسلامية ويتم ذلك من خلال التواجد في الساحة ونبذ الخلافات جانباً وعدم المفاخرة بالفوز عندما يفوز أحدهم في الانتخابات، وبأن لايظن من خسر الانتخابات بأنه خسر كل شيء. فليس هذا مطروحاً أبداً. المهم هو خدمة الإسلام. وقد كنتم تتطلعون لخدمة الإسلام من خلال المجلس، فإن لم تتمكنوا من ذاك فاخدموه في مكان آخر.
فأنتم كنتم تودّون خدمة الاسلام في المجلس فلم يحصل ذلك فاخدموه في الحكومة أو في المناصب الأخرى، اخدموا الاسلام في المدرسة وابدأوا بالتدريس. إنني أقول ذلك مطالباً الشعب بألّا يتأثروا بإيحاءات العناصر التي تريد ايجاد الخلافات. إنكم اخوة جميعاً وتعاملوا معاً بأخوة فاذا ما حصل خطأ أو تزوير في الانتخابات فسوف يتم متابعته ويقوم مجلس صيانة الدستور بإلغاء نتائج تلك الصناديق مثلًا أو الانتخابات بالكامل. وهذا أمر اعتيادي موجود في كل مكان وليس ذا أهمية، وإنني أرجو أن يشارك السادة في الانتخابات بكل اخلاص وأن يدلوا بأصواتهم، وعلينا أن نحفظ نتائج أتعاب الأنبياء. ونحن نجتمع بمناسبة ذكرى البعثة النبوية التي أشعّت بنورها على العالم.
إن الشيء الوحيد المطروح الآن هو هذا الأمر وذلك لأنهم يخافون من تحقيق الاسلام مما يعني القضاء على أحلامهم. لا شك في أنكم تشاهدون دعاة السلام المجتمعين وقد ذهب الأمريكان إلى الصين ليقرأوا الأشعار هذا يقرأ الأشعار لذلك وذاك يقرأ الأشعار لهذا. والجميع يطالبون بالسلام والمودة و ((بأننا نريد أن يعيش شبابنا في الصلح والمودة والسلام والهدوء)). إن وضع العالم أصبح بشكل يريد هؤلاء هدوءً من هذا القبيل ويمنعونا من تحقيق مانصبوا إليه. إذاً علينا أن ننتبه إلى الأمور وأن نسعى إلى حفظ شعبنا وأن ننقذ العراق من حزب البعث الفاسد كما أنقذنا إيران من النظام الشاهنشاهي. وفقكم الله جميعاً ووفق الشعبين الإيراني والعراقي، ومنّ علينا بالنصر بمشيئته.
والسلام عليكم ورحمة الله