بسم الله الرحمن الرحيم
(إن فاطي «2» التي طلبت مني رسالة في العرفان بالله كأنها طالبت نملة باحضار عرش سليمان وكانها لم تسمع كلام من قال (ما عرفناك) «3» حينما طلب جبرئيل من الله نفخة روحانية) «4». لقد أرغمتني أخيراً على أن اكتب اسطر عما لايعرفه قلبي وأنا بعيد عنه كل البعد كالببغاء في الوقت الذي سلبني الضعف والشيخوخة القليل الذي كنت أحفظه وأعرفه، فضلًا عن المشاكل التي لايمكن البوح بها ولا الكتابة عنها. ويكفي أن أذكر تاريخ هذا المكتوب ليعرف من خلاله القراء الأوضاع العالمية وأوضاع إيران وهو تاريخ 24 شعبان المعظم 1404 ه- ق/ الموافق 5 خرداد 1363 ه- ش إذ بدأت بالكتابة حتى لا أرفض طلبك.
ولكن من أين أبدأ؟ فالأفضل أن أبدأ بالفطرة (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) «5» واكتفي هنا بالفطرة الانسانية وإن كان ماذكر عنها من خواص الخليقة (وإن من شيءٍ إلا يُسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) «6» (فالجميع يقولون إننا نسمع ونبصر ونعي ولكننا نسكت عنكم لأنكم غير جديرين بمعرفة ذلك) «7». إننا ننظر الآن إلى العرفان الفطري عند البشر فنقول بأن الانسان لا يمكنه أن يتجه نحو شيءٍ غير الكمال المطلق حسب فطرته وخلقه ولايمكن أن يتعلق بغيره، إن جميع النفوس والأفئدة تهوي إليه ولا تريد غيره فالجميع يحمدونه ويثنون عليه والثناء على شيءٍ يعني الثناء عليه فالذي يثني يظن بأنه يثني على غيره. مادام الحجاب يحيط بقلبه. وكذا الأمر في التحليل العقلي الذي هو حجاب آخر. إن من يطلب الكمال- كائنا ماكان- فإن في قلبه حباً للكمال المطلق لا الناقص. فكل كمال ناقص محدود بعدمه وإن الفطرة تكره العدم. إن طالب العلم يريد العلم المطلق وهو يحب العلم المطلق، وكذا طالب القدرة وطالب أي كمال آخر.
إن الانسان بفطرته يحب الكمال المطلق، فهو يبحث في الكمالات الناقصة عن الكمال الذي ليس ناقصاً. فالفطرة تكره ذلك والحجب النورانية والمظلمة هي التي توقع الانسان في الخطأ، فالشعراء المادحون يظنون بأنهم يمدحون الأمير القوي الفلاني، أو الفقيه العالم الفلاني، إنهم يمدحون القدرة والعلم لابشكلهما المحدود وإن ظنوا بأن ما يريدونه محدود. فلن تتغير هذه الفطرة (لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) «8».
وما دام الانسان في حجابه مشغولًا بنفسه ولم يخرق الحجب النورية فإنّ فطرته محجوبة، وإن الخروج من هذا المنزل يتطلب اضافة إلى الترويض والمجاهدة، هداية الحق تعالى، فأنت تقرئين في المناجاة الشعبانية المباركة (إلهي هب لي كمال الانقطاع اليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعزّ قدسك، إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالك فناجيته سراً) «9».
إن كمال الانقطاع هذا هو الخروج عن منزل النفس والأنا والجميع والالتحاق به، والانقطاع عن الجميع وهي هبة تمنح للأولياء المخلصين بعد أن صعقوا بملاحظة الجلال التي هي بمثابة غمزة منه في تعبير (لاحظته) ... الخ. ما لم تشرق أبصار القلوب بضياء نظرته فلا تخرق حجب النور، وما دامت هذه الحجب باقية فلا يوجد طريق إلى معدن عظمته ولن تدرك الارواح التعلق بعزّ قدسه فلا تحصل مرتبة التدلّي (ثم دنى فتدلّى) «10» والأدنى من ذلك هو الفناء المطلق والوصول المطلق. (أيها الصوفي لابد من التنعم بالحب والوفاء بالعهد الذي عاهدته، ومادمت (أنت) فانك لن تبلغ وصل المحبوب فلا بد من التفاني في طريق المحبوب) «11».
إن المناجاة السرية بين الحق وعبده الخاص لن تتم إلّا بعد الصعق واندكاك جبل الوجود «12». رزقنا الله وإياك.
بنيّتي! إن الانشغال بالعلوم وحتى العرفان والتوحيد إن كان بهدف جمع المصطلحات- وهو كذلك- وبهدف هذه العلوم نفسها لن توصل السالك إلى هدفه بل تبعده عن ذاك. العلم هو الحجاب الأكبر. وإذا كان الهدف طلب الحق وحبّه وهو نادر جداً، فإنه سيكون سراجاً للطريق ونوراً للهداية (العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء) «13» وإن بلوغ جزء منه يتطلب التهذيب والتطهير والتزكية. تهذيب النفس وتطهير القلب من غيره، فما بالك بالتهذيب من الأخلاق المذمومة التي يتطلب الخلاص منها جهاداً كبيراً وكذلك تهذيب العمل مما يخالف رضاه- جل وعلا-. والمواظبة على الأعمال الصالحة نظير الواجبات التي هي في المقدمة والنوافل قدر المستطاع، حتى لايصاب الانسان بالغرور والتكبر.
بنيّتي! إن التكبر والغرور يمثلان غاية جهل الانسان بحقارته وعظمة الخالق. فلو نظر الانسان إلى عظمة الخلق حسب ما توصلت إليه العلوم الحديثة التي كشفت قليلًا منها فإنه سيدرك حقارته وحقارة المجموعة الشمسية والمجرات وسيشعر بالخجل من تكبره كما يشعر بجهله. ففي قصة سليمان- عليه السلام- أنه عندما كان يمر بوادي النمل: (قالت نملة ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون) «14» فقد وصفت النملة النبي سليمان وجنوده بأنهم لايشعرون ويقول له الهدهد: (أحطت بما لم تحط به) «15» إن من عميت قلوبهم لا يتحملون نطق النملة والطير فكيف يمكنهم تحمل نطق ذرات الوجود وما في السموات والأرض حيث قال خالقها ... (إلّا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) «16».
إن الانسان الذي يعتبر نفسه محور الخلق- وهو صحيح بالنسبة للانسان الكامل- قد لايكون كذلك في نظر سائر الكائنات، والانسان الذي لم يبلغ الكمال ليس كذلك (مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار) «17» فهذا يشمل التطور العلمي الذي يفتقر إلى التهذيب فقد ورد في وصف هؤلاء قوله عزّ من قائل: (كالأنعام بل هم أضل) «18».
بنيتي! لقد بعث الأنبياء بهدف إيصال البشر للكمال المعنوي وإنقاذهم من الحجب فوا أسفاً إن الشيطان الذي أقسم، قد منع الأنبياء من تحقيق ما كانوا يريدونه (فبعزتك لأغوينهم أجمعين) «19» وقد فعل ذلك على يد أتباعه. إننا جميعاً نيام ونعاني من الحجب (الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا) «20» وكأن جهنم محيطة بنا ولكن حجاب الطبيعة يمنعنا من الشهود والإحساس (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) «21» إن للكفرمراتب فإن التكبر والانخداع بالعالم المادي والنظر إلى غيره من مراتب الكفر. فلو أننا نظرنا إلى السورة الأولى في القرآن وتدبرنا فيها بعين غير هذه العين الحيوانية التي لدينا بعيداً عن الحجب المظلمة والمنيرة، فإن ينابيع المعرفة ستتدفق إلى القلب ولكننا مع الأسف نجهل حتى مفتاحها فمن عرف لم يخبر أحداً بما عرف «22». إنني قائل جاهل غير عامل وأقول لابنتي أن تدبري في القرآن الكريم هذا الينبوع الفياض بالفيض الالهي وإن كانت تلاوته لوحدها ستترك آثاراً جذابة لأنه من المحبوب إلى مستمع محجوب بالحجب. ولكن التدبر فيه يوصل الانسان إلى مراحل سامية (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) «23» وما لم تفتح هذه الأقفال والقيود ولم يتم تحطيمها فلا تحصل نتيجة من التدبر نفسه، فقد قال الله تعالى بعد القسم العظيم (انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لايمسه إلّا المطهرون) «24» وإن أكبر مصاديق المطهرين هم الذين نزلت بحقهم آية التطهير. وأنت لا تيأسي فاليأس من الأقفال الكبيرة واعملي جاهدة قدر المستطاع على رفع الحجب وكسر الأقفال للوصول إلى الماء الزلال وينبوع النور. ومادام الشباب لديك فاعملي في تهذيب القلب وكسر الأقفال ورفع الحجب فآلاف الشبان يفوزون ولا يفوز شيخ واحد إذ أنهم أقرب إلى أفق الملكوت. إن القيود والأقفال الشيطانية إن غفل عنها الانسان في الشباب فانها تتعزز وتستحكم جذورها كلما مرّ العمر وانقضى. إن الشجرة الفتية يمكن اقتلاعها بقوة شخص واحد فإن تركتها ردحاً من الزمان فلن تستطيعي اقتلاعها بقدرة من في الأرض. إن من مكائد الشيطان ومكائد النفس التي هي أخطر منه هي أنهما يعدان الانسان بالصلاح في آخر العمر وعند الشيخوخة مما يؤدي إلى تأجيل التهذيب والتوبة إلى الله إلى اليوم الذي استحكمت جذور شجرة الفساد وشجرة الزقوم وضعفت عزيمة القيام بالتهذيب بل ماتت في الانسان. لا أريد أن أبتعد عن القرآن فإن في هذه المخاطبة بين الحبيب والمحبوب والمناجاة بين العاشق والمعشوق أسراراً لا يدركها أحد كما لايمكن الخوض فيها أبداً. وقد تكون الحروف المقطعة في بعض السور مثل (الم) (ص) (يس) من تلك الأسرار، كما أن كثيراً من الآيات الكريمة، التي يفسرها أهل الظاهر والفلاسفة والمتصوفة والعرفاء كل على حسب تصوره، من هذا القبيل وإن كان كل فريق ينال حظاً على أساس استيعابه، وإن جانباً من هذه الأسرار ينتقل إلى الاخرين على قدر مؤهلاتهم عبر أهل البيت الذين جرى على أيديهم ذلك من ينابيع الوحي المتدفقة، ويبدوأن اكثر الأدعية قد اختيرت بهذا الهدف. إن ما نجده في أدعية المعصومين ومناجاتهم- عليهم صلوات الله وسلامه- قد لانجدها في الأخبار التي تصطنع لغة العرف والعامة. ولكنّ لغة القرآن لغة أخرى انها لغة يدعي كل عالم ومفسر معرفتها ولكن الأمر ليس كذلك، إن القرآن الكريم من الكتب التي لا مثيل لمعارفه، كما أن تصور كثير من معارفه أصعب من تصديقها. فقد يستطيع الانسان إثبات موضوع بالبراهين الفلسفية والنظرة العرفانية ولكنه يعجز عن تصوره. إن كثيراً من الأمور لم يتمكن من تصورها إلا المخاطب وأقرباؤه من خلال التعليم حيث كانوا يدركون هذه الأمور. فمن جملة هذه الأمور: تصور ربط الحادث بالقديم الذي عبّر عنه القرآن بطرق مختلفة، وكذلك موضوع كيفية معية الحق للخلق أهي كما قال البعض معية قيومية وهي مما تعتبر من المعضلات عند قائليها، وكذلك موضوع ظهور الحق في الخلق وحضور الخلق عند الحق وأقربيته جلّ وعلا من حبل الوريد إلى الخلق وكذلك مضمون (الله نور السموات والأرض) «25» وقوله (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) «26» وقوله (وما يكون من نجوى ثلاثة) «27» وقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) «28» وأمثال ذلك تعتبر من هذه الأمور، وإن الوصول إليها يتطلب جهاداً مشفوعاً بالتهذيب ووا أسفا على هذا المسكين الذي قلمه عاجز عن التعبير فقد مضى عمره. (إن القيل والقال في المدرسة لم يجدياني في شيء إلّا الكلام المزعج الذي جاء بعد الصراخ) وقد مضى الشباب الذي هو ربيع البحث ولا أرى الكلام القديم إلّا ألفاظاً. أوصيك أنتِ وجميع طلاب المعرفة بأنكم وجميع الكائنات من تجليات ظهوره فحاولوا أن تدركوا لمحة من تلك التجليات حتى تنصهروا فيها وأن تبلغوا الحياة المطلقة من العدم (ثم أتحول إلى العدم فالعدم يقول لي كالقيثارة إنا إليه راجعون) «29».
بنيّتي! إن الدنيا وما فيها هي جهنم التي يظهر باطنها في نهاية الطريق وإن ما وراء الدنيا حتى آخر مراتبها جنة وهي تظهر في نهاية المسير بعد الخروج من حجاب الطبيعة، فإننا جميعاً نتحرك نحو جهنم أو الجنة والملأ الأعلى.
لقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً يوماً بين أصحابه فجاءصوت مخيف فقيل له من أين هذا الصوت؟ قال إن حجراً وقع من حافة جهنم قبل سبعين عاماً فبلغ قعرها «30» الآن. فقال أهل المعنى: إننا سمعنا أن رجلًا كافراً كان يبلغ السبعين من العمر قد توفى الآن وبلغ قعر جهنم «31» إننا جميعا في الصراط وإن الصراط جسر على متن جهنم يمر عليه الخلائق «32» ويظهر باطنه في عالم الاخرة، وإن لكل إنسان في هذا العالم صراطاً خاصاً به وهو يسير فيه فهو إما أن يسير في الصراط المؤدي إلى الجنة وأعلى منها أو في صراط الانحراف إلى اليسار أو اليمين اللذين ينتهيان إلى جهنم وإننا نسأل الله الصراط المستقيم (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) «33» الذي هو انحراف وكذلك (ولا الضالين) «34» الذي هو انحراف آخر وإن هذه الحقائق تظهر في الحشر للجميع. وقد وصف صراط جهنم بالدقة والحدة «35» والظلام هو باطن الصراط المستقيم في هذا العالم. ما أشد دقة هذا الطريق وظلامه وما أصعب اجتيازه لأمثالنا من المساكين. إن من سلكوا الطريق دون أدنى انحراف يقولون (جزناها وهي خامدة) «36» فإن كيفية سير كل شخص في الصراط هنا تظهر هناك أيضاً. دعى الغرور والآمال الشيطانية الكاذبة جانباً واعملي للتهذيب والتربية إذ أن الرحيل قريب وكلما مر يوم وأنت غافلة فإن الوقت سينقضي. ولا تسألي لماذا لست أنت بنفسك مستعداً؟ (انظر إلى ما قال لا إلى من قال) «37» فكل واحد منا يتحمل بنفسه مسؤولية أعماله فإن جهنم كالجنة نتيجتان لأعمال الشخص فكلما زرعناه حصدناه. إن فطرة الانسان وجبلته على الاستقامة والخير وإن حب الخير من جبلة الانسان وإننا نعرف هذه الفطرة ونبسط الحجب وننسج الخيوط من حولنا.
(إن هؤلاء المتيمين السائرين في الصراط يبحثون عن ينبوع الحياة جميعاً، إنهم جميعاً يطلبون الحق ولكنهم لا يعلمون إنهم في وسط الماء ويبحثون عن الفرات).
سألتيني ليلة أمس عن الكتب العرفانية. يابنيّتي (إجتهدي في إزالة الحجب وليس في جمع الكتب) «38». فلو فرضنا أنك نقلت الكتب العرفانية والفلسفية من السوق إلى المنزل ومن مكان إلى آخر أو حشرت نفسك في مستودع الألفاظ والمصطلحات وعرضت في المجالس والمحافل ما حفظته وبهرت الحضور بمعلوماتك وزدت أعباءك بالخديعة الشيطانية والنفس الأمارة التي هي أخبث من الشيطان وأصبحت زينة المجالس بألاعيب ابليس فجاءك غرور العلم والعرفان وهو قادم فهل إنك زدت على حجبك بهذه الأعباء الثقيلة أم أنك نقصتيها، لقد أنزل الله عز وجل لتنبيه العلماء الآية الشريفة (مثل الذين حملوا التوراة) «39» حتى يعلموا أن جمع العلوم- حتى علوم الشرائع والتوحيد- لن تزيل الحجب بل تزيدها وتجره من الحجب الصغار إلى الحجب الكبار.
لا أقول لك دعي العلم والعرفان والفلسفة وعيشي جاهلة لأن ذلك انحراف بل أقول حاولي واجتهدي أن يكون الدافع الهياً ولأجل الحبيب وإن عرضت شيئاً فليكن لله ولتربية عباده وليس للرياء والتظاهر إذ تصبحين لاسمح الله من علماء السوء الذين تؤذي رائحتهم النتنة أهل جهنم «40» إن من وجدوه وتمتلئ قلوبهم بحبه ليس لديهم دافع إلّا بهذا الدافع فإن جميع أعمالهم إلهية سواء في ذلك قتالهم وصلحهم والضرب بالسيف عندهم وجهادهم وكل ما تتصورينه (ضربة علي- عليه السلام- يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين) «41» فلولم يكن الدافع إلهياً وإن ترتب عليه فتح كبير فإنه لن يساوي شيئاً. لايظن أحد بأن مقام الأولياء، خاصة ولي الله الأعظم- عليه وعلى أولاده الصلوات والسلام- ينتهي إلى هذا الحد، فالقلم عاجز عن الحركة والبيان عاجز عن الشرح، فماذا نقول نحن المحجوبين لسائر المحجوبين فماذا نعلن نحن حتى نقوله وإن ماهو موجود لايقال فهو أعلى من آفاق وجودنا ولكن قد يؤثر ذكر الحبيب على القلب والروح وإن لانخبر عن ذلك بشيء. كالعاشق الأمي الذي ينظر إلى سواد رسالة المحبوب، ويفرح بأن هذه رسالة المحبوب وكالناطق بالفارسية الذي لايعلم العربية فيقرأ القرآن ويلتذ بقراءته لأنه منه، فهو أفضل آلاف المرات من الأديب العالم الذي يشغل نفسه بإعراب القرآن ومزاياه الأدبية والبلاغية وبفصاحته. وكذلك أفضل من الفيلسوف والعارف اللذين ينظران إلى الأمور العقلية والذوقية ويغفلون عن المحبوب وينظرون إليه نظرتهم للكتب الفلسفية والعرفانية وينشغلون بمحتواه دون قائله.
بنيتي! إن موضوع الفلسفة هو مطلق الوجود من الحق تعالى وحتى مراتب الوجود وإن موضوع علم العرفان والعرفان العلمي هو الوجود المطلق أو الحق تعالى وليس فيه كلام عن غير الحق تعالى وتجلياته- التي ليست إلا هو- فإن ناقش كتاب أو عارف موضوعاً غير الحق فإن الكتاب ليس من العرفان في شيء كما أن قائله ليس عارفاً.
وإن نظر فيلسوف في الوجود كما هو وناقشه فإن نظرته إلهية وإن كلامه عرفاني وإن ذلك كله مختلف عن الذوق العرفاني الذي هو بعيد عن البحث ولايستطيع الأغيار إدراكه فما بالك بالشهيد الوجداني ومن ثم الانعدام على الرغم من الفرق في الحياة. (أطفئ السراج لأن الشمس قد طلعت) «42».
بنيتي! لقد سمعتك تقولين أخاف أن أتأسف أيام الامتحان متحسرة على أني لم أعمل في أيام الاجازة، إن هذا التأسف وما شابهه سهل وعابر. وإن الأسف الأبدي والسرمدي هو أن تستفيقي فتجدي أنك ترين الأشياء كلها إلا هو، ففي ذلك اليوم لايمكن إزالة الحجب والأغطية. يقول أمير المؤمنين في دعاء كميل (فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك) «43». وأنا بقلبي الأعمى لم أتمكن من قراءة هذه الفقرة وسائر فقرات هذا الدعاء بشكل جادّ بل أقرأها دوماً على لسان علي عليه السلام ولاأدري ما الذي يكون الصبر عليه أصعب من تحمل عذاب الله في جهنم إن ذلك العذاب الذي قيل عنه (تطلع على الافئدة) «44». ويبدو أن القصد من عذابك في الدعاء هو (نار الله) «45» تحرق الافئدة فقد يكون هذا العذاب فوق عذاب جهنم حيث لا نستطيع نحن الذين عميت قلوبنا أن ندرك هذا المفهوم الذي يفوق فهم البشر وإدراكهم، دعي الأمر ولنتركه لمن هم أهله وهم قليلون جداً.
على كل حال فإن للكتب الفلسفية خاصة لكتب فلاسفة الاسلام ولكتب أهل العرفان والطريقة، تأثيراتها كل على حدة. فكتب الفريق الأول تطلع الانسان ولو بشكل بعيد على ما وراء الطبيعة، وكتب الفريق الثاني وبخاصة بعضها مثل (منازل السائرين) «46» و (مصباح الشريعة) «47» الذي يبدو أنه منقول عن الامام الصادق عليه السلام عبر أحد العرفاء تستطيع أن تعدّ القلوب للوصول إلى المحبوب، والأفضل من ذلك كله مناجاة أئمة المسلمين وأدعيتهم التي تأخذ الانسان إلى الهدف ولاتدله على الطريق فحسب وهي تأخذ بأيدي الانسان الذي يبحث عن الحق وتأخذه إليه ووا أسفاً إذ أننا بعيدون عن ذلك مئات الأميال بل مهجورون عنه. ياابنتي! حاولي ألا تنكري مقامات العارفين والصالحين وألا تعتبري معاندتهم من الواجبات الدينية إذا لم تكوني منهم، إن كثيراً مما ذكره هؤلاء قد ورد في القرآن الكريم بشكل الرموز المغلقة كما ورد في أدعية المعصومين ومناجاتهم بشكل أوضح، ولأننا نحن الجاهلين محرومون منها فإننا نخالفها. يقال بأن صدر المتألهين شاهد شخصاً في جوار مرقد السيدة المعصومة- سلام الله عليها- يلعنه، فسأله لم تلعن صدر المتألهين؟ فأجابه قائلًا: إنه يؤمن بوحدة واجب الوجود فقال له: العنه إذاً. إن ذلك حتى لوكان قصة فإنها تدل على الواقع المؤلم الذي رأيت منه قصصاً مؤلمة أو سمعتها وكانت موجودة في زماننا. إنني لا أريد تطهير الأدعياء، إذ أن (رُبّ صوفٍ يلبسه الصوفي يستحق النار) «48» بل أريدك الّا تنكري أصل المعنى والمعنويات تلك المعنويات التي ذكرها الكتاب والسنة ولكن مخالفيها تجاهلوها أو فسروها تفسيراً عامياً. وإنني أنصحك أن الخطوة الأولى هي الخروج عن الحجاب، الانكار الضخم الذي يمنع أي تقدم أو أية خطوة ايجابية. إن هذه الخطوة ليست هي الكمال بل تفتح الطريق للكمال. كما أن اليقظة التي هي من المنازل «49» الأولى للسالكين لا يمكن اعتبارها من المنازل بل هي مقدمة لفتح الطريق لمنازل السالكين. على كل حال من يتصف بروح الانكار لايستطيع بلوغ المعرفة.
إن من ينكرون مقامات العرفاء ومنازل السالكين ينكرونها لأنانيتهم وغرورهم ولأنهم لايعرفون بجهلهم عندما لايعلمون شيئاً بل ينكرونها حتى لا تخدش أنانيتهم، (إن وثن النفس أم الأوثان) «50». فطالما بقي هذا الوثن الكبير وهذا الشيطان القوي لايتيسر الطريق اليه- جلّ وعلا- وما أصعب تحطيم هذا الصنم وإخضاع هذا الشيطان، فقد روي عن المعصوم قوله (شيطاني آمن بيدي) «51» ويظهر من هذه الرواية أن لكل شخص مهما علت مرتبته شيطاناً وإن أولياء الله نجحوا في إخضاعه بل في جعله يؤمن. أتدرين ما صنع الشيطان بجدنا آدم- صفي الله- فقد أهبطه من جوار الحق وبعد وسوسته له واقترابه من الشجرة- التي قد تكون هي النفس أو بعض مظاهرها- وصله الأمر بأن (اهبطوا) «52» وأصبح مصدراً للفساد والعداوات. لقد تاب آدم- عليه السلام- بلطف الله تعالى وجعله الله صفيه. ونحن لإبتلائنا بالشجرة الابليسية علينا بالتوبة وأن نطلب من الله في الخفاء والعلن مستغيثين أن يرحمنا بأي شكل يراه وأن يوصلنا للتوبة بل والإستفادة من اصطفاء الله للبشر. وهذا لن يحدث إلّا بالمجاهدة وترك شجرة ابليس بجميع أغصانها وأوراقها وجذورها التي تنتشر فينا وتستحكم كل يوم. لا يمكن بلوغ الهدف دون أدنى شك بالتعلق بالشجرة الخبيثة وأغصانها وجذورها فقد هدد ابليس بذلك وقد نجح في ذلك، ولايستطيع الهروب من مكر الشيطان والنفس الخبيثة التي هي مظهر الشيطان إلا قليل من عباد الله الصالحين، فلن يستطيع الخلاص من أغصانها وجذورها الدقيقة والمعقدة إلا برحمة من الله تعالى كما أنقذ منها صفيه، ولكن أين نحن والاستعداد لقبول الكلمات.
إن الآية الكريمة في هذا الباب جديرة بالتأمل إذ قال: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) «53» فلم يقل وألقى إليه كلمات. وكأنه تلقى الكلمات بالمسير إليه. وإن كان قال (ألقى إليه) فإن امكانية القبول كانت غير ممكنة دون السير الكمالي، كما لابد من التفكير في آية أخرى أشارت إلى هذه المسألة حيث قال: (فلما ذاقا الشجرة) «54» وكأنه لم يكن إلّا ذوقاً وطعماً ولكن لصدوره من آدم أبي البشر فكانت له تلك التبعات. علينا اليوم أن ننظر إلى وضعنا إذ أننا مرتبطون بلا أدنى شك بجميع أغصانها وأوراقها وجذورها.
بنيتي! إن آفات الطريق كثيرة وإن لكل عضو ظاهر فينا أو باطن آفات وكل واحد منه حجاب وإن لم نتجاوزه فاننا لا نستطيع أن نخطو الخطوة الأولى في السلوك إلى الله. إنني أعاني وإن جسمي وروحي ألعوبتان بيد الشيطان وأود الاشارة إلى بعض آفات هذا العضو الصغير أي اللسان الذي إن خنته خانك وعندما يتحول إلى لعبة للشيطان ويصبح ألعوبة بيده فانه يفسد نفسه وروحه وفؤاده. لا تغفلي عن عدو الانسانية والمعنويات هذا فعندما تجمعك مع صديقاتك مجالس الأنس اذكري الأخطاء الكبيرة لهذا العضو الصغير قدر الامكان وانظري ماذا يصنع هذا العضو بساعة واحدة من عمرك التي يجب أن تنقضي لكسب رضا المحبوب. وما هي المصائب التي يسببها للانسان إحداها اغتياب الاخوة والأخوات، انظري ماذا تصنعين بسمعة بعض الأشخاص وما هي أسرار المسلمين التي تفشينها وتخدشين شخصيات الأفراد وتهدمينها. ثم اجعلي هذا الاجتماع الشيطاني مقياساً لتنظري ماذا صنعت في هذه السنة وماذا سوف تصنعين في الخمسين أو الستين سنة القادمة وما هي المصائب التي ستخلقينها لنفسك ولكنك في نفس الوقت تستصغرينها وإن ذلك من مكائد ابليس التي أرجو أن يحفظنا الله منها.
بنيّتي! إن نظرة على ما ورد من كلام حول الغيبة وإيذاء المؤمنين والبحث عن عيوبهم وكشف أسرارهم واتهامهم تربك القلوب التي لم يختمها الشيطان وتحول طعم الحياة من الحلاوة إلى المرارة، وإنطلاقا من حبي لك ولأحمد أحذركما من الآفات الشيطانية وبخاصة آفات اللسان الكثيرة وحاولا صونه إنه يبدو صعباً في بداية الأمر ولكنه يهون بالعزيمة والتفكير في عواقبه. اعتبري من التعبير القرآني المعبّر للغاية حيث قال: (ولايغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) «55» وهذا قد يكون إخباراً عن الصورة البرزخية لهذا العمل. وقد يكون في الحديث الذي روي عن سيد الموحدين في مواعظه لنوف البكالي إشارة إلى هذا الأمر حسب أحد الاحتمالات فقد جاء في الحديث أن نوفاً طلب منه وعظاً فقال له: (اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار) ثم قال: (يا نوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة) «56». وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال (وهل يكبّ الناس في النار يوم القيامة إلّا حصائد ألسنتهم) «57» فإننا نفهم من هذا الحديث وغيره من الأحاديث بأن جهنم هي الصورة الباطنية لأعمالنا.
يا الهي أنقذنا وهذه العائلة والعوائل المرتبطة بنا من الآفات الشيطانية. ولا تجعلنا من الذين آذوا المسلمين بلسانهم وعملهم. لقد كتبت هذه الصفحات بناء على طلب (فاطي) «58» وأعترف بنفسي أنني لم أتمكن من الهروب من مكائد الشيطان على أمل أن تستطيع (فاطي) التي تحظى بنعمة الشباب نيل هذا التوفيق.
والسلام على عباد الله الصالحين.
12 شهر رمضان المبارك 1404 ه- ق
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
نصائح أخلاقية - عرفانية
فاطمة «1» الطباطبائي
جلد ۱۸ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۳۵۰ تا صفحه ۳۶۰
«۱»-زوجة السيد أحمد الخميني نجل الإمام الخميني. «۲»-ترخيم لفظة فاطمة في الفارسية للتحبب. «۳»-اشارة إلى رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله:«ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك»-مرآة العقول ۸، ۱۴۶. «۴»-هذه أبيات شعرية من نظم الامام بالفارسية ترجمت نثراً وهناك ابيات من هذا النسق ترد تباعاً مترجمة إلى العربية نثراً.«المترجم»- «۵»-سورة الروم، الآية ۳۰. «۶»-سورة الاسراء، الآية ۴۴. «۷»-مثنوي معنوي، الدفتر الثالث ۴۳۳/ ۱۰۱۹ وهوديوان شعر للشاعر الصوفي مولانا جلال الدين البلخي الرومي. «۸»-سورة الروم، الآية ۳۰. «۹»-اقبال الأعمال ۶۷۸. «۱۰»-سورة النجم، الآية ۷. «۱۱»-بيتان بالفارسية ترجما نثراً إلى العربية«المترجم»-. «۱۲»-اشارة إلى مضمون الآية ۱۴۳ من سورة الأعراف«فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخرً موسى صعقا»-. «۱۳»-بحار الانوار ۲۲۵: ۱/ ۱۷. «۱۴»-سورة النمل، الآية ۱۸. «۱۵»-سورة النمل، الآية ۲۲. «۱۶»-سورة الاسراء، الآية ۴۴. «۱۷»-سورة الجمعة، الآية ۵. «۱۸»-سورة الاعراف، الآية ۱۷۹. «۱۹»-سورة ص، الآية ۸۲. «۲۰»-بحار الأنوار ۴۳: ۴/ ۱۸. «۲۱»-سورة التوبة، الآية ۴۹، وسورة العنكبوت، الآية ۵۴. «۲۲»-شطر من أبيات كتاب كلستان للشاعر الايراني سعدي الشيرازي، ديوان سعدي ۳۰ الديباجة. «۲۳»-سورة محمد، الآية ۲۴. «۲۴»-سورة الواقعة، الآيات ۷۷- ۷۹. «۲۵»-سورة النور، الآية ۳۵. «۲۶»-سورة الحديد، الآية ۳. «۲۷»-سورة المجادلة، الآية ۷. «۲۸»-سورة الفاتحة، الآية ۵. «۲۹»-مثنوي معنوي، الدفتر الثالث ۵۷۶/ ۳۹۰۷. «۳۰»-علم اليقين ۱۰۲: ۲، مسند أحمد ۳۷۱: ۲. «۳۱»-الفتوحات المكية ۲۹۸: ۱ علم اليقين ۱۰۰۲: ۲. «۳۲»-علم اليقين ۹۶۷: ۲. «۳۳»-سورة الفاتحة، الآيات ۵- ۷ «۳۴»-سورة الفاتحة، الآية ۷. «۳۵»-بحار الأنوار ۶۴: ۸- ۷۱. «۳۶»-علم اليقين ۹۷۱: ۲. «۳۷»-غرر الحكم ودرر الكلم ۱۹۴: ۱/ ۱۱. «۳۸»-شطر من بيت للجامي. «۳۹»-سورة الجمعة، الآية ۵. «۴۰»-إشارة إلى رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: وإن أهل النار ليتأذون بريح العالم التارك لعمله. أصول الكافي ۴۴: ۱/ ۱. «۴۱»-بحار الأنوار ۱: ۳۹- ۲. «۴۲»-الفترة الأخيرة لحديث الحقيقة الذي رواه كميل بن زياد عن علي عليه السلام إذ سأله ماهي الحقيقة فعندما أدرك الجواب: قال أطفئ السراج فقد طلع الصبح. جامع الأسرار ومنبع الأنوار: ۲۹. «۴۳»-اقبال الأعمال ۷۰۸. «۴۴»-سورة الهمزة، الآيات ۶- ۷. «۴۵»-سورة الهمزة، الآيات ۶- ۷. «۴۶»-كتاب في العرفان والسير والسلوك العملي من تأليف خواجه عبد الله الانصاري«۳۹۶- ۴۸۱»-وللكتاب شرحان مهمان أحدهما من ملا عبد الرزاق الكاشاني والثاني من عفيف الدين التلمساني. «۴۷»-مصباح الشريعة ومصباح الحقيقة كتاب في المعرفة والوعظ والأخلاق يشتمل على مائة باب يبدأ كل باب منه بتعبير قال الامام الصادق. وهوكتاب مهم استند إليه جمع من كبار الامامية منهم سيد بن طاووس، ابن فهد الحلي، العلامة المجلسي، الشهيد الثاني، ملا محسن فيض الكاشاني، الكفعمي، ملا مهدي نراقي، رضوان الله تعالى عليهم. «۴۸»-ديوان حافظ الشيرازي ۲۸۰. «۴۹»-شرح منازل السائرين عبد الرزاق الكاشاني ۳۴. «۵۰»-مثنوي معنوي، الدفتر الأول ۴۹. «۵۱»-فقد روي عن الرسول الأكرم- صلى الله عليه وآله- أنه قال:«ما منكم ألّا له شيطان»-فسئل هل لك شيطان أيضاً فقال: نعم إن لي شيطاناً ولكن شيطاني آمن بيدي. علم اليقين كنز العمال ۲۴۷: ۱/ ۱۲۴۳. «۵۲»-سورة البقرة، الآية ۳۶. «۵۳»-سورة البقرة، الآية ۳۶. «۵۴»-سورة الأعراف، الآية ۲۲. «۵۵»-سورة الحجرات، الآية ۱۲. «۵۶»-بحار الانوار ۲۴۸: ۷۲/ ۱۳. «۵۷»-اصول الكافي ۱۱۵: ۳/ ۴. «۵۸»-ترخيم فاطمة.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417