بسم الله الرّحمن الرّحيم
خوف القوى العظمى من انتشار الإسلام
أشكر السادة الذين تكبدوا عناءالحضور إلى هنا، سواء أعضاءمجلس الخبراء وأئمة جمعة البلاد وضيوفنا الأعزاء في عشرة الفجر، أسأل الله تعالى الهداية لنا جميعاً إلى الطريق الذي يريده سبحانه.
إنكم جميعاً تعلمون بالمصائب والآلام، تعلمون كلكم أنَّ الإسلام اليوم يواجه تحديات جلبتها له القوى العظمى والأجهزة والأشخاص المرتبطون بها. فالسادة القادمون من بلدان أخرى عليهم أن يلاحظوا جيداً هل إنَّ الدعايات التي تبثّ في الخارج ضد الجمهورية الإسلامية وهي في الحقيقةضد إيران هل، تنطبق على الشعب الإيراني والحكومة الإيرانية والروحانيين الإيرانيين أم لا؟ فإن كانت تنطبق وكان لها مصداق هنا فعليهم أن ينصحونا، وإن لم تكن تنطبق فالسادة الضيوف ملزمون شرعاً كل في بلده وبحضور مجتمعه أن يعرضوا أوضاع إيران كما شاهدوها على حقيقتها. وإنَّ الأمر الذي دفع هؤلاء لإثارةهذه الدعايات ضدنا ليس هو الخوف من إيران بالذات بل إنهم يخشون أن ينتشر الإسلام كما هو الآن ويتوسع ليشمل كل البلدان الإسلامية، ويبث إشعاعاته إلى مستضعفي العالم جميعاً. إنَّ هذا هو ما يخشونه ولهذا يخافون من الإسلام. الحقيقة أنَّ حملتهم موجهة ضد الإسلام، غاية الأمر أنَّهم يتخذون إيران ذريعة فيتهمونها ويقولون: إيران كيت وكيت ولا يتمكنون من القول إنَّ الإسلام كيت وكيت، فهم لا يريدون الإسلام. فلو كانت الجمهورية الإسلامية جمهورية ليبرالية لما كان لهم ما يقولونه، لكن الجمهورية الإسلامية والقوانين الإسلامية لاتسمح لهم بالنهب وفرض إرادتهم بالقوة.
حبَّ الذات والأنانية منشأ مفاسد العالم
إننا نتصوّر أنَّ القرآن الكريم في قصة آدم- التي يجب القول بأنها قصة رمزية ولكنها تعليمية بشكل كبير- وجّه إلينا أوامر بحيث لو عمل بها البشر لشكلت حلًا لجميع المشكلات، لقد قال الله للملائكة- قبل أن يخلق آدم- سأقوم بهذا العمل- فالملائكة ينظرون ناحيتهم التقدسية من جهة وينظرون ناحية فساد أدم من جهة أخرى فيقولون: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك؟ فينظرون إلى أنفسهم بمنظار التقدّس، وينظرون إلى آدم بمنظار الفساد، فيرون في أنفسهم الناحية الإيجابية وفي آدم الناحية السلبية فيقول الله لهم:» إنّي أعلم ما لا تعلمون « «1»، أنتم لا ترون إلّا أنفسكم فأنتم أنانيّون، ولا ترون الكمالات في آدم. وبعد ذلك يُكمل القصّة بأنَّ الله علّم آدم «الأسماء» التي هي في حقيقتها» أسماء الله «، وكل شئ هو أسماء الله (ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم تعلمون) فلما رأوا أنهم عاجزون تراجعوا، وبعد خلقه آدم أمرهم بالسجود» فسجد الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس لم يكن من الساجدين «والسبب في عدم سجود إبليس هو الأنانية حيث يقول:» خلقتني من نار وخلقته من طين «، إنه أدنى مني وأنا أرفع منه. في هذا أيضاً الوجهة الأنانية ولهذا السبب لم يسجد. لذلك طرد، ثم هدد الله بعد أن طلب الإمهال فقال:» أنظرني إلى يوم يبعثون «وبعد أن منح الفرصة واطمأن نراه ينذر الله بالقسم بعزّته إذ قال:« فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم «ثم لآتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين «2»».
من هنا نفهم أن قضية الأنانية إرث الشيطان، إذ كانت هذه القضية منذ بدء العالم حين وسوس لآدم وأغواه بأنهم يريدون حبسك هنا فلو قبلت مشورتي ونصحي لكان لك أكثر من هذا. ومن الجهة الأخرى نجد آدم يقبل بذلك. إن هذا تعليم عام باق لحد الآن حيث يجب أن يكون لنا عبرة. اعلموا أن الأنانية وحب الذات إرث شيطاني، وكل المفاسد التي تحصل في العالم سواءكانت مفاسد أفراد أو مفاسد حكومات أو مفاسد مجتمعات ناتجةعن هذا الإرث الشيطاني، وكل المفاسد التي تحصل في العالم تنشأ من مرض الأنانية سواء كان الشخص جالساً في زاوية بيته ومشغولًا بالعبادة وأعجب بذاته، أو كان داخل المجتمع وعلى اتصال مباشر بالناس وظهر منه الفساد فذلك من أنانيته، وحتى الحكومات منذ أول حكومةظهرت في الدنيا وإلى اليوم فان كل فساد ظهر فيها كان من هذه الخصيصة.
التزكية والتهذيب مقدّمان على الأمور كلها
هذا الداء لا يداوى إلّا بزوال هذه الخصيصة الشيطانية. فلو أراد شخص معالجة نفسه بنفسه فعليه التخلص من هذه الخصيصة، فيجب أن يروّض نفسه ولا يرى نفسه كبيراً فلا يقول إني عالم وإني مقدّس- كما قالت الملائكة- ولا يقول إني مثري ولا زاهد ولا عارف، ولا يقول إني موحّد فلو كانت هذه الخصيصة الشيطانية واحداً من هذه الأمور- ولو كان من أعلى العلوم كالفلسفة والعرفان- لكانت حجاباً «العلم الحجاب الأكبر» ولو أراد شخص معالجة نفسه فعليه أن يتنبّه إلى هذه الخصيصة إذ إن مقاومتها أمر صعب، فلو أراد شخص أن يتهذب فالعلم لا يهذبه، لأنَّ العلم لا يهذب الإنسان، بل قد يبعث به إلى جهنم، وعلم التوحيد قد يرسل الإنسان كذلك إلى جهنم، وعلم العرفان قد يرسل الإنسان إلى جهنم أحياناً وأحياناً يرسل علم الفقه الإنسان إلى جهنم وقد يرسل علم الأخلاق الإنسان إلي جهنم. فالإنسان لا يصلح بالعلم بل بالتزكية، فالتزكية مقدّمة على كل شئ فالطالب الذي يدرس في المدرسة يجب أن تكون التزكية عنده مقارنة للدرس غير منفكّة عنه، وإمام الجمعة الذي يريد أن يهدي الناس عليه أن يزكّي نفسه أوّلًا ليتمكن من هداية الناس، والدولة التي تدعو الناس إلى القيام بالأعمال الحسنة يجب عليها أن تزكي نفسها أوّلًا «3». والعارف الذي يريد أن يدعو الناس إلى المعارف الإلهية فلن يمتلك القدرة على ذلك ما لم يزكّ نفسه أوّلًا. والفيلسوف الذي يريد أن يعلّم الناس التوحيد لا يستطيع ذلك ما دامت هذه الخصيصة الشيطانية في داخله، يعني أن اللسان لسان شيطان لكنه ينطق بالتوحيد، والضمير ضمير شيطان تلقى التوحيد، والقلب قلب شيطان تعلّم الفقه ويعلّمه، وما دامت هذه الخصيصة قائمة فكل الأمور معاقة في الأشخاص الذين يريدون تهذيب أنفسهم أو الذين يريدون تهذيب المجتمع.
تهذيب المجتمع واجب العلماء والفضلاء المهذبين
من المسؤول عن تهذيب المجتمع؟ هل هم العلماء؟ هل هم الفضلاء؟ هل هم المفكّرون؟ هل هم أئمة الجمعة؟ هل هم الاساتذة؟ هل هم علماء البلاد؟ الكل مسؤولون. أما من يتزيّا بهذا الزيّ ويظهر نفسه بمظهر المعلّم والأستاذ والمدرس والفقيه والمفكّر وأمثال هؤلاء فعليه أن يهذب المجتمع بعد أن يبدأ بتهذيب نفسه أوّلًا ثم يؤدّي واجبه في تهذيب المجتمع، فإن لم يتهذب هو فلا يتمكن من تهذيب المجتمع. فإذا كان الشخص فاسداً في نفسه فلا يستطيع أن يتكلّم كلاماً يصلح الناس أو يؤثّر فيهم، الكلام المؤثر هو الذي يصدر عن قلب مهذب طاهر، فإن صدر عن قلب غير طاهر، أو عن قلب شيطاني وبلسان شيطاني فلا يمكن أن يؤثر في قلوب الأشخاص. فإن صار القلب رحمانيّاً وإلهيّاً وتوجّه إلى الله وطلب منه كل شئ وعلم أنَّ كل شئ بيده، عند ذلك يتمكن من تهذيب الناس. وهذا الأمر مسؤولية ملقاة على عاتق علماء البلاد أينما كانوا، ومفكّري البلاد أينما كانوا، والمدرسين والخبراء أينما كانوا. هذه وظيفة كل شخص وفي كل مكان. فالمسؤولية تتوجّه الى هؤلاء أوّلًا، والناس كلهم ملزمون بذلك لكنَّ هؤلاء قد وضعوا أنفسهم في هذا الموضع فإن أردتم تهذيب المجتمع بحيث لو ذكر أحدهم إسم الإسلام في مكان من العالم لا يعارضه أحد فعليكم بتهذيب الناس وتعريفهم بحقيقة الامور.
السعي لإيقاظ الشعوب وتوعيتها
ليت السادة- الذين جاءوا من الخارج وأقاموا في إيران مدة من الزمن- يذهبون إلى جبهات الحرب ويشاهدون شبّاننا والجرائم التي مورست بحق هذا الشعب المسلم. ليتهم يذهبون إلى السجون ويشاهدون السجناء. يذهبون ليشاهدوا هؤلاء السجناء ويرون ما الخبر هناك؟ وعند ما يعودون إلى بلدانهم يعرضون الأمور كما رأوها، نحن لا نتوقع منهم أن يقولوا كلمة واحدة خلاف ما رأوا، إننا نتوقع منهم أن لا يكون مجيئهم إلى هنا للاجتماع واستماع خطب وإصدار بيان ختامي وينتهي الأمر ويعود كل شخص إلى مكانه وينشغل بعمله. فلو اجتمع أئمة الجمعة في مركز مّا ودعوا أئمة الجمعة من الخارج واجتمعوا بهم فلا يحصروا الأمر بالاجتماع وإلقاء بعض الخطب والكلمات الرنّانة ثم يصدرون بياناً ختامياً يدينون فيه هذه الجهة وينصحون تلك ثم ينتهي كل شيء ويذهب كلُّ منهم إلى منزله، إنَّ هذا يخيّب أمل الإنسان.
إن من يريد تهذيب المجتمع، تهذيب الشعب، تهذيب مجتمع صغير يجب عليه مواكبة الاحداث. عند ما يعقد هنا اجتماع للمفكّرين واجتماع للضيوف واجتماع لأئمةجمعة البلاد وسائر البلدان فيجب على هؤلاء أن يخططوا لما سيعملونه عند ما يعودون إلى مراكزهم، فلو أصدرتم مئة بيان ومئة خطاب ومئة إدانة، واكتفيتم بها ولم تتابعوا تنفيذها فقد انتهت ولم تحصلوا على أية نتيجة غير إطلاق الكلام وتحمّل المشاق. أمّا لو تقرر أن كلًا منكم يعود إلى موطنه ويتابع القضايا ويطلع الناس على المفاسد التي رآها، المفاسد التي تمارسها القوى العظمى ضد البشرية ويتحدث إليهم عن طفيليات القوى العظمى التي تعيث في المسلمين فساداً. فإنَّ النتيجة تكون إيجابية. تحدّثوا إلى الناس عن كل ما شاهدتموه في إيران لينتبه الناس، فالشعب الإيراني لم ينم ليلًا وينهض صباحاً ليجد نفسه قد استيقظ من غفلته.
لقد تحمّل علماء إيران المشاقّ الكبيرة في تلك الأجواء التي ضاق فيها عليهم الخناق، وتحمّلوا مشاق التعذيب والسجون. لقد تحدّثوا للناس مع كل هذه المشاقّ عن الجرائم التي تمارس حيث ما حلّوا، والناس قد وعت قلوبهم وعند ما تعي القلوب تطلب الشئ الجيّد، إنه لأمر فطري أنَّ الإنسان عند ما يرى خيراً يطلبه. قولوا للناس الخير والشر ليتوجه الناس بفطرتهم نحو الخير ويهربوا من الشرّ. لا يكن أمركم بأنكم شرفتم البلاد وتحدّثتم وقيل لكم: أحسنتم ثم ينتهي كل شيء وتغادرون إلى بلادكم لتناموا، كلّا هذا لا يكون. هذا يزيد الأمر سوءاً، لأنَّ الأعداء سيفهمون أن لا عمل يصدر منكم بل مجرّد كلام وبيان ختامي لاغير. فالبيان الختامي يحتاج إلى عمل وتطبيق كما حصل في إيران. وشبّاننا قدموا الضحايا والدماء وما يزالون كذلك حتى الآن. اذهبوا أنتم وشاهدوا بأنفسكم الخنادق في ساحات القتال فهذه الخنادق هي مراكز للعرفان والتوحيد. في هذه المراكز يحيون الليل، وفي النهار يقدمون التضحيات. كل هذا نتيجة نشاطات متواصلة على مدى عشرين سنة تقريباً، لقد عمل العلماء والفضلاء في هذه البلاد وأيقظوا الفئات فتبدلت أحوالهم، فلولا هؤلاء لذهب شبّاننا من أيدينا. ولأخذوا من الإسلام وأودعوا مراكز الفحشاء، لو لم تحدث هذه النهضةالإسلامية والثورة في إيران، لعلم الله ماذا كانوا سيفعلون بمقدراتنا.
تهم الأعداء ودعاياتهم ضد النظام الإسلامي
و هذا الأمر الموجود في إيران موجود في كل مكان، نحن نشاهده في إيران وأنتم تشاهدونه في بلادكم، انظروا الآن ماذا عن أحكام الإسلام هناك وماذا عنها هنا؟ فهؤلاء الذين يفترون على إيران على الدوام، وأية إذاعة تستمعون إليها تجدونها تفتري على إيران، إنهم يتحدّثون عن تشنّج الأوضاع في إيران، ويتحدثون عن الجرائم والسجون والتعذيب والقتل بدون محاكمة في إيران. حسناً، انظروا إلى الخارج وحققوا الآن في هذا الأمر، لقد جئتم والأبواب مشرعة لكم، اذهبوا وحققوا، أنتم تشاهدون الآن السوق والشارع والزقاق فهل وجدتم شيئاً يهدد الناس ويؤذيهم؟ وعند ما ذهبتم إلى صلاة الجمعة هل رأيتم شخصاً مسلّحاً يهدد الناس بسلاحه ويرغمهم على المشاركة في صلاة الجمعة؟ حسناً، هذا ما يقولونه ضدنا، وأنتم عندما تشاهدون المفاسد تزاداد خارج إيران وفي بلادكم فاعلموا أنهم يخشون أن ينقلب الحال هناك من الفساد إلى الصلاح وإلى الإسلام، فيحاولون الحيلولة دون ذلك ويقيمون سدّاً ويمنعون هذه الموجة التي ظهرت ولا يسمحون لصوت إيران أن يصل إلى الدول الأخرى، وهذا هو الخطأ الذي يرتكبونه، فكلما ارتفعت أصوات الأبواق تزداد إيران قوة أكثر فأكثر، وكلما يتهمون إيران بالفساد والاستبداد والفاشية وأمثال هذه التسميات، وهكذا كلَّ اغتيال يقع في أرجاء العالم فإنَّ يتهمون ايران بالوقوف ورائه، فإنهم بهذه الاتهامات يقوّون إيران ولا يضعفونها. حينما ترى الشعوب أنَّ أمريكا تقيم الحواجز حول قصرها وحول البيت الأبيض كي لا يذهب الإيرانيون إلى هناك ويفجّرونه، سيعرف الناس مدى قوة إيران وقدرتها على القيام بمثل هذا العمل، ويفهمون أنَّ للإسلام مثل هذه القدرة والقوة. إنهم يطلقون الأكاذيب ضدنا ظناً منهم أنهم يضعفوننا، إنهم يكذبون، فإيران تعارض كل هذه القضايا، وإيران لديها الحجة والدليل، إننا نتقدم بواسطة القرآن ونهج البلاغة ولسنا في حاجة إلى القيام بالاغتيالات إن المعارضين لنا هم الذين يمارسون الاغتيالات. وهم منشغلون الآن بإيران، غاية الأمر أنهم لا يقدرون على ذلك. افترضوا أنهم يغتالون بقالًا. حسناً، هذا اغتيال أعمى لا هدف له.
إصلاح المجتمع مكافحة الفساد
أولئك الذين يعارضون الإرهاب هم مركز الإرهاب، فالأمريكي الذي يتحدث كثيراً عن محبةالإنسان ورئيس جمهوريته الذي يتحدث هكذا عن الإنسانية ومحبتها، الأمريكي الذي أحرق الدنيا بنيرانه، الأمريكي الذي يحاول إبادة العالم، هؤلاء محبّون، للإنسان والإسلام ليس كذلك؟! غير ان إيران ليست كما يصورونها. إخواني الأعزاء عند ما تخرجون من هنا عليكم أن تطرحوا هذه القضايا، لا تجلسوا في بيوتكم إلى أن يهجم أولئك عليكم. بادروا أنتم بالهجوم ليتراجعوا هم. لا تجلسوا في بيوتكم خائفين بانتظار ما سيحدث، إنَّ ما كان في إيران كان أكثر ممّا هو في أكثر البلدان، لكنَّ علماء إيران نشطوا في العمل فأيقظوا الشعب وأروهم المصلحة وتحدثوا لهم عن الإسلام، والشعب بطبعه مريد للإسلام لأنه شعب مسلم وأنتم بدوركم تحدّثوا للناس عن الإسلام وأحكامه، لا تتحدثوا عن الصلاة والصيام فقط فالإسلام ليس مقصوراً على الصلاة والصيام. تحدثوا عن الصلاة والصيام وتحدثوا عن أحكام الإسلام الأخرى، لماذا لا تقرأون لهم سورة البراءة؟ لماذا لا تقرأون لهم آيات القتال؟ أنتم دائماً تقرأون لهم آيات الرحمة، والقتال رحمة أيضاً لأنه يريد أن يصلح الإنسان، فأحياناً لا يصلح الإنسان كما لا يشفي المرض أحياناً إلّا بالكيّ «4». فيجب أن يؤخذ ويُكوي ليشفى المجتمع. فهؤلاءالفاسدون يجب أن يبعدوا عن المجتمع. وهذا كله رحمة غاية الأمر أنَّ بعض السادة يتصورون أنَّ الرحمة هي أن يمهل هؤلاء حتى يقتلوا الناس! هل هذه هي الرحمة؟!
أخرجوهم من السجون لينهالوا على الناس قتلًا، هل هذه رحمة؟! عليكم أن تعملوا بأوامر القرآن وتعليماته. فالقرآن يتعامل أخويّاً مع المسلمين المؤمنين المعتقدين بالله. أمّا من ليسوا كذلك فيقول اقتلوهم واضربوهم واحبسوهم، (أشّداءُ على الكفار)، فلو تقرّر أننا نتقبّل جانباً واحداً من الإسلام فقد تمسكنا بجهة واحدة هي الرحمة كما اصطلحتم عليها، لكنني أفهم أن جهاته كلها رحمة حتى طرد اللصوص والمفسدين والقتلة، فدعوا عنكم هذا التفكير. إنَّ هذه الرحمات التي تتصورونها ليست رحمة بل هي مخالفة لله وهؤلاء مخالفون لله. أنتم أيها السادة عند ما تعودون إلى بلدانكم عليكم أن تطرحوا هذه القضايا على الناس، وأن تقرأوا لهم قول الله تعالى:» أشدّاء على الكفار رحماءُ بينهم « «5»، وتشرحوا لهم معناه وماذا علينا أن نفعل مع هؤلاء الذين هاجموا البلدان الإسلامية كلها ونهبوا كل شئ فيها.
سيرة الأئمة الأطهار (ع) في مقاومة الظلم والفساد
إننا من جهة نجد علماء القصور والبلاط يفسدون وينشرون الدعايات المغرضة ضد الإسلام ويفرقون صفوف المسلمين. ومن جهةأخرى نراهم ينثالون على الناس يسلبونهم كل ما عندهم وننعزل نحن جانباً ونقف متفرّجين، نتفرّج ولا نحرك ساكناً ولا نهتم لما يحدث، بل نطأطئ رؤوسنا ونذهب لنصلى ونصوم فقط! هل هذا هو كل ما يجب علينا أن نفعله؟! هل كان أمير المؤمنين عليّ- عليه السلام- هكذا ولو كان سيد الشهداء- عليه السلام- يفكر هكذا لما ذهب إلى كربلاء بهذه العدة المعدودة من أصحابه. كلّا لم يفكّر هكذا ولم يخطر على باله فكرنا الخاطئ هذا. ولو تساهل أمير المؤمنين عليّ (ع) مع معارضيه، لما جرّد سيفه وقتل سبعمئةشخص في وقت واحد، ولواصل هؤلاء الثورة ضده وضد الإسلام دائماً وأبداً. بل أعمل سيفه فيهم وقتل أكثرهم ولم يسلم منهم إلّا فئة قليلة هربوا بأنفسهم ثم عادوا بعد ذلك وعاثوا في الأرض فساداً، لتعلموا أنَّ السجناء عندنا هم أشخاص مفسدون ونحن لا نحب أن يبقى في السجن أيّ شخص إذا لم يكن مفسداً. أيّ واحد من هؤلاء يطلق سراحه فإنه يحاول أن يعود إلى قتل الناس ثانية لأنَّ هؤلاء لم ينصلحوا بعد، فإلى متى نبقي نغطّ في نوم عميق!؟ إلى متى نبقى سطحييّ التفكير؟ لماذا تفكرون أيها السادة تفكيراً سطحياً؟ عند ما تعودون إلي بلادكم عليكم أن تقولوا للناس وتعرّفوهم بالذي تفعله القوى العظمى. ماذا تفعل بالضعفاء، فالأثيوبيّون المساكين يعانون الآلام والمعاناة ويموتون جوعاً في الوقت الذي يلقي المستكبرون بقمحهم في البحر ويصرفون الأموال الطائلة في صنع أنواع الأسلحة ليبيدوا بها العالم فهل هؤلاء يحبون الإنسان ويدافعون عن حقوقه؟! إنهم بهذا الأسلوب يقضون على المحبة الإنسانية، وبإدعائهم الدفاع عن حقوق الإنسان يقضون على حقوق الإنسان.
منطق الأنبياء في التعامل مع الكفار والمؤمنين
أسأل الله تعالى أن يرحمنا ويوقظنا ويرشدنا إلى أحكام الإسلام بجميع جوانبه ومواضيعه وجهاته، لا تتصوروا أنَّ الإسلام ينحصر فقط في الصلاة والصوم. كلّا، فلو كان كذلك لجلس النبيّ الأكرم (ص) في مسجده وانهمك في الصلاة، لماذا عانى الأمرّين منذ بدء حياته إلى نهايتها متحملًا المتاعب والمشاقّ والقتال والكّر والفرّ والهزيمة والنصر، وعمل بكل جهده حتى وصل إلى ما وصل إليه، وكذلك فعل أمير المؤمنين عليّ (ع) والآخرون كذلك والصلحاء مثلهم، فالأشخاص الواعون هم هكذا، لا أنهم يجلسون في المسجد ولا دخل لهم في هذه الأمور. ويجلسون في بيوتهم وليكن ما يكون، ويكونون محايدين ولا يهمهم ما يحدث لغيرهم. لو كان هذا منطق الأنبياءلما ذهب موسى إلى فرعون يدعوه لو كان هذا منطق الأنبياء لما اقدم إبراهيم (ع) على مااقدم عليه، ولا فعل النبيّ (ص) ما فعل. كلّا، ليس هذا منطق الأنبياء. إنَّ منطق الأنبياء هو (أشدّاء) على الكفار وعلى من هم ضد الإنسانية، ورحماء بينهم، وتلك الشدّة هي رحمة لأولئك. رزقنا الله جميعاً اليقظة والوعي، ومنحنا وإياكم السلامة والنصر، ورزق البشرية المظلومة الخلاص من أيدي القوى العظمى ويحفظ للجميع ديننا ودنيانا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته