بسم الله الرحمن الرحيم
تفاعل الًافراد مع المسوًوليات
من اللازم في هذا اليوم ا لذي حلت فيه كارثة رئاسة الوزراء أن نذكر عبر كلمات هذين الشهيدين السعيدين، وكذلك السيد العراقي «1» الذي تربطنا به علاقة وثيقة منذ سنوات طوال. من جملة الصفات المهمة التي كان يتحلى بها السادة المذكورون والتي تجلب الانتباه هي أنّ السيد رجائي كان بائعاً متجولًا في السوق كما أخبروني. حسب دراستي ومطالعتي لسيرته يبدو لي أنّ الانتقال من البيع في السوق الى رئاسة الجمهورية لم يكن له وقع يذكر على روحه وحياته. ماأكثر الذين سرعان ما يتغيرون لو أصبح أحدهم مختار قرية نتيجة ضعفهم النفسي، سرعان ما يتأثرون بالمنصب الذي ينالونه، وثمة أشخاص يتأثر المنصب والمقام ذاته بقوة شخصيتهم. والسيدان رجائي وباهنر لم يؤثربهما منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء قط، بل هما اللذان أخضعا الرئاسة لتأثيرهما، أي جعلا الرئاسة في قبضتهما، ولم تضوهما الرئاسة تحت لوائها. وهذا عبارة عن درس لابد للانسان من وضعه نصب عينيه، والحمد لله هنالك الكثير من الأفراد في هذه الجمهورية لم يكترثوا بالجاه والمقام. لم تتغير أحوالهم عندما نالوا مركزاً مرموقاً عنه لما كانوا طلبة للعلوم الدينية أو باعة في السوق، فلم يصبهم الغرور والتكبر ولم يثيروا ضجة مفتعلة في أعقاب ذلك ليبرزوا أنفسهم، وهذه قضية فائقة الأهمية. من يقع تحت تأثير المركز والمقام هو ليس من يمتلك مقاماً في الواقع، بل هذا من باب أنّ غالبية البشر ذوو نفوس ضعيفة فيتسلط المقام عليهم ويتبعونه، هنالك تحصل الطامة الكبرى للانسان نفسه ولبلده إن كان يشغل منصباً فيه، وإن حصل العكس كانت النتيجة طيبة ومثمرة للشخص ولبلده أيضاً. لذا أوصيكم أيها السادة بالالتفات الى هذا المعنى مع أنّي «ما أبّريءُ نَفسي إنِّ النّفسَ لأمّارةُ بالسُوء» «2»، تصبح هذه المراكز بعد عدة أيام في خبركان ويطويها النسيان. ستنتهي لمن جلس على عرش مجلل ولمن زهد وقنع واكتفي من الدنيا بالنزر القليل على حدّ سواء. هذه الأمور فانية وزائلة والشي المهم أنّنا في حضور الباري تعالى، وتسجل كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة في صحيفة أعمالنا.
فعلينا أن نفكر فيما بعد ذلك. هذا ما يتعلق بأولئك الأشخاص، وإنه لمن دواعي الأسف أن يقتلوا على أيدي شرار خلق الله. لكن وبحمدلله رسخ أولئك دعائم الجمهورية الاسلامية في مماتهم أيضاً. السيد العراقي كذلك أعرفه منذ زمن طويل، تجشم العناء منذ باكورة الثورة وأضحى من أعز الأصدقاء، كان رجلًا صالحاً ونبيلًا، رحمهم الله جميعاً.
وصف الحكومة بالفشل حكم مجحف
بما أنّ هذا «أسبوع الحكومة» فأود التحدث مع السادة في هذا المضمار. يجب أن يكون تقييمنا شاملًا لجميع المواضيع، فان ركزنا على نقطة معينة يمكن أن نكبو ونخطأ، وكذلك لو ركزنا ونظرنا الى نقطة أخرى. يجب أن نقيم نتائج أعمال الحكومة بصورة إجمالية، فلننظر إجمالًا هل أفلحت هذه الحكومة التي كانت تمر بحالة من الحرب، وفرض عليها حصار اقتصادي، وعارضتها كافة الدول العظمى في العالم؟ لا نكون منصفين لو قلنا أنّها فشلت، أو لم تقدم شيئاً خلال هذه الآونة. لقد أنجزت أعمالًا عظيمة، أعمالًا لم تنجز خلال أربعين أو خمسين عاماً، وقامت بها الحكومة بكامل أفرادها، إذن كانت حكومة ناحجة وموفقة. وإنّي أوصيكم أيها السادة- وبرغم اجتيازكم الاختبار- بالسعي الدؤوب لإحراز نجاح أكبر، عليكم ألا تقتنعوا بما قمتم به وقدمتموه، مهما قدمنا لهذا الشعب فقد قدمنا له القليل، لأنّ جميع الشدائد والمصائب رفعت على يده، أسقطت الحكومة الملكية على يده، فكل مالدينا يعود له. يجب أن نقدم له الخدمات بقدر مانستطيع، ومهما قدمنا من خدمات فهي قليلة بالنسبة له. نحن لا نتمكن من شكر الله تعالى لأننا أصغر من أن نشكره، لكن شكر هذا الشعب البطل والمظلوم هو شكرلله. فمن لم يشكره لم يشكر الله لأنّهم عباد الله، إنّهم أناس يقومون بخدمة هذه الدولة في سبيل الله، والشكر هو أن نقوم بخدمتهم، كل واحد من موقعه ومكانه.
مراعاة كرامة النظام الاسلامي في الانتقادات
يجب أن أطرح موضوع مهم هو أنّ بعض الناس وبرغم كونهم أناساً صالحين لهم نفوس لا يعلمها إلا الله أحياناً، نظير الوالدين اللذين يحبان ابنهما حباً شديداً، فلايريان منه إلا خيرا وزيناً، ويغفلان عن شره وشينه؛ «حب الشئ يعمي ويصم» «3».
والعكس بالعكس فعندما يبغض الانسان أحداً أو جماعة ويعاديهم يرى كل خير يصدر منهم شراً، ولا يبقى أي أثر للخير والطيب في قلبه. أريد أن أوصي حملة الأقلام والمفوهين أن يلتفتوا الى ما يكتبون وينطقون، فقلمهم ولسانهم يتحرك بحضورالله تعالى، هنالك حساب وعقاب؛ ليس الموضوع موضوع الحكومة ورئاسة الجمهورية وما شابه، الموضوع موضوع نظام إسلامي؛ سواءاً كان السيد الخامنئي رئيساً للجمهورية أم كان شخصاً غيره، وسواءاً كان السيد الموسوي رئيساً للوزراء أم لا، ليس هذا المهم، المهم نظام الجمهورية الاسلامية، نحن مكلفون بحفظها، كافة الكتاب مكلفون بذلك. فلو كان لشخص عتاب على أحد المسؤولين أو رأي مثلبة ونقصاً في عمله، فعليه أن ينصحه، بيد أن لسان النصيحة غير لسان التهمة والتضييع. أعتقد- وكما أمرنا الشارع المقدس- أنه لو قام إنسان بتضييع حق مسلم لأجل هواه فلن يفلح في هذه الدنيا فضلًا عن مجازاته بأشد العقوبات في الآخرة. يجب أن يكون منطقنا منطق الوعظ والنصح، ونرى أحياناً خلاف ذلك.
لاتعنينا الحكومة أكثر مما تعنينا الجمهورية الاسلامية، يلاخط الانسان أحياناً أنّ الأسعار ترتفع أو تنخفض في السوق من جراء استعمال القلم وكتابة موضوع ما، فعلى من يمسك القلم بيده أن يلتفت الى أنّ الموضوع ليس موضوع فرد واحد، بل الموضوع هو الاسلام بأسره والنظام الاسلامي، ونحن مكلفون بحفظ هذا النظام. فان كانت لي تحفظات وملاحظات حول شخص رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية لايجب أن أطلق العنان لقلمي وأدعه يكتب ما يشاء. تجري هذه الاعمال بحضور الله تعالى والملائكة وتسجل في كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة. يمكن أن يكون الشخص صالحاً لكنه لايتمكن من تمالك نفسه والتغلب على مكائد الشيطان ومكائد نفسه الامارة بالسوء وجعلها منقادة له بسهولة، وكان الأنبياء يسعون الى عدم الابتلاء بهذه الأمور.
حذار لمقوضي أركان النظام الاسلامي
على السادة الكتاب أن يلتفتوا الى ما يكتبون لئلا يكون باعثاً على تقويض أركان النظام الاسلامي وتضعيفه. وإني لأرى بعض الأقلام كذلك فلينتبهوا ويحذروا. إنني أسعى دائماً للتعامل برفق ولين عن طريق النصيحة والالتماس، وإن لم يكن الحديث على هذه الشاكلة فالأفضل ألا يكون من أساسه. لكن لو اقتضت مصلحة الاسلام فسوف يكون لنا كلام آخر، مثلما لو أراد شخص النيل من الاسلام وتضعيفه وتثبيط العزائم عمداً أو سهواً فسوف نتصرف بشكل مغاير تماماً. هنا ينتهي التسامح والرفق. نحن فجرنا ثورة، أنظروا الى الأماكن التي حدثت فيها ثورة، ماذا فعلوا هناك؟ الثورة الروسية التي مضى عليها أكثر من خمسين عاماً، مازالت الصحف هناك تخضع لسيطرة الثوريين، ولا يستطيعون كتابة كلمة إضافية. الآن وكما أخبرت لا تتمكن الصحف العراقية من طباعة ونشر أي موضوع بدون موافقة دائرة الاستخبارات، أي موضوع سواء تعلق باقتصادهم أم بعملتهم أم بجيشهم، يجب أن تأذن دائرة الاسخبارات أولًا كي ينشر. طيب ماذا عنا نحن؟ نحن قلنا كل ما تمكنا منه، إقتصادنا كذا ونحن مفلسون! طيب عندما تقول سعادتك بأنّنا مفلسون واقتصادنا منهار، هل هذا يضر الاسلام أم الحكومة؟ أسأ ل الله تعالى أن يوفق الجميع لأداء واجباتهم كما ينبغي. إنّكم تعيشون جميعاً في وطن واحد. لاحظوا كم هو الانسان ضعيف، فلو أمسكت القلم وأردت كتابة موضوع حول شخص عزيز جداً فيستحيل أن يزل هذا القلم، حتى لو اتسم ذلك الشخص بألف عيب ومثلبة لايمكن أن أشير الى واحدة منها، لأنّ الصداقة تحول دون ذلك. من جهة أخرى لئن أمسكت بقلمي وأردت الكتابة حول عدو لي فيستحيل أن أذكر واحدة من محاسنه وإيجابياته، إنّ هذا قلم الشيطان. من كان قلمه قلماً إنسا نياً لا يكتب إلا بإنصاف، ولايتحد ث إلا بإنصاف؛ يجب الالتفات الى أنّ بعض الأشياء لايمكن قولها حتى لو كان القول بإنصاف نتيجة للوضع الحرج الذي نمرّ به، كما يفعل الآخرون ذلك. تلغى في الثورات جميع الصحف، ويتم الابقاء على واحدة تحت إشرافهم، وتلغى جميع الأحزاب سوى حزباً واحداً ينضوي تحت لوائهم. هكذا تفعل بقية الثورات، لايسمحون بالفوضى والاضطراب، ويفعلون كل ما يحلو لهم، ويقولون ما يشتهون. هل هذا يضر النظام ويسيء له أم لا؟ كلا، دعنا نصرع خصمنا حتى لو كان الثمن هوالاسلام! يوجد هكذا أشخاص وعليهم أن يعيدوا النظر في تفكيرهم وأعمالهم، عندما يعرف الانسان تكليفه وواجبه لا يسعه أن يقول: هذا صديقي، هذا صاحبي، هذا أخي، هذا ولدي.
أسأل الله تعالى أن يجنبنا هكذا مواضيع، وأطلب من جميع حملة الأقلام والمتكلمين والمفوهين أن يتأملوا ويصلحوا أعمالهم، لا تكن النفس الأمارة بالسوء صاحبة التأثير عليكم. كانت الحكومة ناجحة برغم ما لاقت من صعوبات. نحن في وضع حربي، نحن محاصرون، وقد وقف العالم برمته بوجهنا، فهل من الصحيح أن نجلس ويقول كل واحد منا ما يحلو له وما يخطر بباله؟ آمل أن يحذو جميع السادة حذو السيد الخامنئي والشيخ ا لرفسنجاني بتقديم النصح للجميع وعدم التركيز على العيوب فقط. لماذا لا تذكر الخدمات والمحاسن؟
بعض الكتاب لا ينبس ببنت شفة عن المحاسن، يبدأ بالعيب ويختم به. حينئذ يعود بعض الضرر على كرامة الاسلام، وبعضه على النظام، والبعض الآخر على القوات المسلحة أيضاً. آمل أن لا تتكرر مثل هذه المواضيع، أسأل الله تعالى أن ينقذنا وجميع شعبنا من هذه العثرات والزلات، وألا نرد عليه بوجوه سوداء مكفهرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته