بسم الله الرحمن الرحيم
دوافع الثورات في العالم
باديء ذي بدء أحيي الضيوف الأعزاء الذين قدموا من مختلف نقاط العالم الى هذه الدولة المظلومة، وأسأل الله تعالى أن ينصرهم جميعاً وينصر كافة الشعوب المستضعفة في العالم على المستكبرين.
لدينا مواضيع كثيرة يجب سردها وتناولها على بساط البحث، سوف أتعرض الى جزء منها وآمل أن يلفت من يغادر الى البلدان المختلفة انتباه أهل بلده ومن يشعر بالمسؤولية الى هذه النقاط. تتشابه أشكال الأعمال مع بعضها من حيث الظاهر دائماً، فيتحد ظاهر العمل الصادر من الفاجر الفاسد أو الكافر مع ذلك الصادر من المؤمن الموحد أو ولي الله. السيف الذي سله ابن مجلم وقتل به خير خلق الله يتحد شكلًا مع السيف الذي شهره خير خلق الله وأعدم به عدو الله؛ سيف واقتدار وقتل هذا الطرف أو استشهاد الطرف المقابل. لكنّ ما يميز هذين العملين عن بعضهما، وتمتاز بواسطته جميع الأعمال الصادرة من البشر هو عبارة عن غايات الأعمال ودوافعها. لأجل أي شيء سُل هذا السيف وضرب به؟ ولماذا ارتفع هذا النداء ولماذا خفت؟ إن ارتفع هذا السيف في سبيل الله وهبط كذلك فهذا الدافع دافع إلهي وقيم في نفس الوقت؛ وإن كان لأجل الشيطان فهذا دافع إبليسي ولاقيمة له. وهذا يجري في كافة أعمال البشر، في كل أعمالهم الخصوصية والاجتماعية والسياسية والثورية الخ.
حدثت ثورات كثيرة في العالم، فذهبت حكومة وجاءت حكومة أخرى، ولى نظام وحل محله نظام آخر، لكن يجب النظر الى دوافع وغايات الثورات التي قامت وأهدافها وثمراتها. الثورة الفرنسية والروسية وسائر الثورات في العالم ما هي إلا ثورات قامت بتغيير الأنظمة واستبدال الحكومات، لكنّ الدافع كان مادياً، كانت الغاية دنيوية. لما قامت الثورة الروسية وأزالت النظام السابق كان الدافع وراء ذلك الاستئثار بالسلطة والقول بأنّ الدنيا بيدي أنا و ليست بيد النظام السابق. كذلك الأنظمة الحاكمة في عصرنا الراهن أعمالها عبارة عن رغبات دنيوية. يأكلون كما تأكل الأنعام. هذا يريد التمتع بالدنيا لوحده، وذلك يشاطره نفس الشعور. هذا يريد الاستئثار بالسلطة، وذاك يبادله نفس الرغبات. أما غاية الأنبياء في نهضاتهم وثوراتهم فلم تكن دنيوية، ولئن عمروا الدنيا فانّ ذلك حصل بالتبع، كانت دوافعهم إلهية، وقاموا من أجل بسط العدالة الالهية في المجتمع. تلك الغاية وذاك الدافع هو الذي يميز هذه الثورات عن بعضها.
حاكمية الاسلام هي الدافع الرئيسي للثورة الايرانية
قامت هذه الثورة التي فجرها أبناء هذا البلد وكما نودي منذ اليوم الأول ولحد الآن، قامت من أجل الاسلام، لا من أجل البلد ولا الشعب، ولم تقم من أجل الوصول الى السلطة؛ جاءت لتنقذ الاسلام من شر القوى الاستكبارية والجناة الأجانب ومن شر الأذواق المنحرفة في الداخل. هذا الدافع موجود لدى شريحة الشباب وعموم شرائح الشعب، ويلاحظ بوضوح، عدا بعض الاستثناءات، ومن الطبيعي أن توجد استثناءات في كل مكان حتى في زمن رسول الله (ص)، لكن لو لاحظنا الطابع العام للناس في هذه الحركة، ورأينا مدى اندفاعهم نحو الموت، ولو سألنا أي واحد منهم عن سبب ذهابه الى الجبهة لأجاب: في سبيل الله ومن أجل الاسلام، لاحياء أمر الله. أما لو سئل الجندي الروسي على سبيل المثال عن دوافع التحاقه بالجبهة لأجاب قائلًا: أريد نيل السلطة في هذا البلد، أروم توسيع رقعة سلطتي.
تجري الأحداث في العالم على هذا المنوال دائماً. علينا أن نعرف بأنّ لدينا مرارة وحلاوة. لكنّ المرارة تأتي من قلة معارفنا. لاحظوا لما استشهد خير خلق الله في عصره وسيد شباب أهل الجنة (ع) مع فتية بني هاشم وثلة من أصحابه، وبرغم كل ما جرى ترون السيدة زينب (ع) تقسم في مجلس يزيد الخبيث بأنّنا ما رأينا إلا جميلًا. شهادة الانسان الكامل جميلة بنظر أولياء الله، لا لأنّه حارب وقتل، بل لأنّ حربه كانت من أجل الله وفي سبيله، كانت ثورة ربانية. فليقم ضيوفنا الكرام بنشر هذا المعنى في أقطارهم فيخبرون الناس بأنّ شباب ايران يسارعون الى الجبهة والشهادة بكل اندفاع واشتياق، ويعتبرون الشهادة فوزاً عظيماً. وهذا الفوز العظيم لاينشأ من القتل، إنّ خصومنا يقتلون أيضاً، بل ينشأ من أنّ الدافع إسلامي ورباني. عندما يصبح الدافع هو الاسلام يشعر الانسان باللذة لا الحسرة، لكن بما أنّنا ناقصون ولم نصل بعد الى المنزلة التي يجب أن نصلها نشعر بالمرارة من هذه الناحية، وهذا شيء بديهي طبقاً للحالة الروحية التي لدينا. استشهد منا أشخاص كبار على أيدي الفجرة الأشرار، وعوائلهم وأطفالهم يقتّلون الآن، وهذا يصعب علينا، لكنّ الخطب يهون لما نلاحظ الدوافع والغايات ونفهم أهداف الأنبياء وماقاموا به وما حدث في الاسلام؛ أي يزول الخوف والرعب من قلوبنا، وتتبدل المرارة الى لذة وحلاوة، وتتحول المصيبة الى عذوبة. وكلما تقدمنا نحو هذا الدافع واستطعنا هضم هذا المطلب الروحي سوف يكون ذلك سبباً لئلا نواجه مرارة في حياتنا إلا بكون الشيء منافياً للاسلام. فما خالف الاسلام يكون مراً وما وافقه يكون عذباً.
السعي لجعل الدوافع إلهية
أنتم تلاحظون أنّ ايران تضرب كل يوم تقريباً، وتهدم بيوت على رؤوس الصبية والعجزة من النساء والرجال وسائر أبناء الشعب، وبرغم كل ذلك ينادي الجميع حتى من يخرج من تحت الأنقاض بمواصلة الحرب حتى النصر. وجد ذلك الدافع لدى شبابنا ونرجو أن يوجد عندنا. في الحقيقة عندما ألاحظ بعض الشباب، وأستمع الى بعض أحاديثهم، وأرى جذلهم وسرورهم في الجبهة، وعندما أشاهد تقدمهم برفعة واعتزاز وفرح وسرور والنار مستعرة والأتون مضطرمة أقف حائراً ومذهولًا وأتحسر على عدم وصولي الى هذه المنزلة.
حاولوا أن تكون الدوافع دوافعاً ربانية. واسعوا الى إيصال هذا المعنى لشعوبكم ولأقطاركم أينما كنتم؛ فلتكن الدوافع إلهية لامن أجل السلطة أو الدنيا. عليهم أن لايعتقدوا أنّالدنيا باقية، تدوم عدة أيام ثم تزول. لايدوم إلا ما كان لله تعالى.
«و ما عندكُم يَنفدُ وما عندَ اللهِ باقٍ» «1»، ما عند الله هو ما ينجز في سبيله.
بناءاً على هذا، إطلعوا على أوضاع هذه الدولة وهذا الشعب عن كثب وانقلوا ذلك الى بلدانكم، عسى أن توجد لديهم هذه الدوافع ويقل التسلط الأجنبي. ونحن نأمل أن يوفق شبابنا، فكما كانوا يهرعون الى الجبهات بابتهاج وسرور لنصرة الاسلام وتحريره من شر القوى الأجنبية والسلائق الداخلية المنحرفة. نأمل أن ينتصروا ويصلوا الى ما يصبون إليه من اتساع رقعة الحكومة الاسلامية وانتشار العدل الاسلامي في أرجاء العالم. والعدل الاسلامي هو أن تحكم دول العالم على ضوء الموازين الاسلامية، ونحن نأمل أن يتحقق هذا الأمر بالتدريج الى أن يعم العدل أرجاء المعمورة. وأنا أدعو الله أن ينصر الاسلام، ويغفر لمن يسير في طريق خدمته، وأسأله أن يغفر لمن استشهد في سبيله ويشافي من أعيق ويفرج عمن أسر، وآمل أن يسلمكم جميعاً ويصلح دنياكم وآخرتكم.
والسلام عليكم ورحمة الله