بسم الله الرحمن الرحيم
بركات بعثة النبي الكريم (ص)
أرفع أسمى آيات التبريك والتهنئة لكافة المسلمين والمستضعفين في العالم في هذا العيد السعيد الذي يعد من أكبر الأعياد الاسلامية. ليست قضية البعثة من القضايا التي يتسنى لنا التحدث حولها. كل ما نعلمه أنّ ثورات وتحولات حدثت ببعثة الرسول الأكرم ما كانت لتبصر النور لولا ذلك. أرى من المتعذر على البشرية أن تدرك مقدار المعارف التى فاح أريجها في أرجاء العالم ببركة المبعث النبوي الشريف؛ معجزة فاقت الادراك البشري حدثت على يد إنسان ولد في الجاهلية، ونشأ وترعرع في ظلماتها، لقد نشأ في بيئة تفتقر الى أدنى مقومات المعارف والعلوم، وخلت تلك البيئة من الالمام بشؤون العرفان والفلسفة وسائر الشؤون الدنيوية أيضاً، وقد قضى النبي (ص) تمام عمره الشريف في ذلك المكان، قام بسفرة قصيرة استغرقت عدة أيام ثم عاد أدراجه اليها. ولما حان وقت البعثة يرى المرء أنّه أتى بمواضيع تتجاوز دائرة الادارك البشري. تمثل هذه المعجزة بنظر العلماء دليلًا على نبوة الرسول، وإلا لما تمكن لو خلى وطبعه من القيام بذلك. لم يدرس على يد أحد، حتى أنّه لايتمكن من الكتابة. فالقضية عظيمة وليس بمقدورنا التحدث عنها، ولم تتضح معالمها الى الآن. هنالك مسائل اجتماعية في الاسلام كما تعلمون، بالاضافة الى المسائل الأخرى في المجالات المختلفة التى لايطيق امرء عاش في تلك البيئة أو بيئة أخري أن يقوم بها، فاستطاع ذلك النبي القيام بها على أحسن وجه. وجاء بتعاليم لاتتنافى مع العقل في الماضي والحاضر والمستقبل. إنّ هذه لمعجزة، ولايمكن أن تكون شيئاً أخر.
نحن أيضاً مكلفون باستثمار قضية البعثة والاستفادة من بركاتها، برغم أنّ ما كان يطمح اليه النبي الكريم (ص) لم يتحقق على أرض الواقع ولن يتحقق. وان قال بعض علماء البلاط بأنّ فلان يقول: لم يستطع النبي تحقيق أهدافه، أجل ما استطاع ذلك! وإلا لما أصبحت من علماء البلاط. نعلم جميعاً بأنّ الأوضاع كانت متردية في زمن النبي الى درجة أنّه كان يستعمل التقية عند ذكره لبعض الأحكام؛ كان يحتاط من ذكر بعض الأمور، ولم يفلح باجراء كل ما كان يصبو إليه. نطق بكل شيء، فلا قصور في إيصال المواضيع وتبليغها، أما مسألة تفهيم الناس واطلاعهم على فحوى ما يريد فلم يفلح أحد في القيام بها. لذا ترون الفساد موجوداً في ذلك الزمان وفي عصرنا الحاضر، وسوف يستمر وجوده في المستقبل أيضاً. نعم تصبح الحكومة واحدة في زمن الامام المهدي (عج). وتسود العدالة الاجتماعية العالم، لكن ليس معنى ذلك أنّ الأناس يتبدلون. فالناس هم الناس، فيهم الصالح وفيهم الطالح، كل ما في الأمر أنّ الطالحين لايتمكنون من ارتكاب المعاصي. على أية حال، لا يتسنى لنا التحدث حول مسألة البعثة.
أزلية الأعمال المنجزة في سبيل الله
من الضروري أن أقدم لكم شكري الجزيل أيها السادة الحاضرون وحتى غير الحاضرين ولكافة شرائح الشعب لأنكم تمثلون أمة مثالية. وآمل أن تؤدي مثاليتكم الى ازدياد التحولات في ايران وفي العالم أكثر مما هي عليه الآن. من واجبي أن أشكر الأطباء وأذكرهم بأنّ الله تبارك وتعالى جعل منزلة للمجاهدين في سبيله، والمجاهد في سبيل الله مراتب، أحدها أن يقوم الانسان بمعالجة المصابين، خاصة في هذا الزمان الذي نعيش فيه الآن، حيث يعد عملكم إنصافاً جهاداً في سبيل الله. لكن عليكم الالتفات بكون جهدكم لله لا لغيره. عندما تكون الأعمال خالصة لله تصبح أزلية وخالدة. أما الأشياء المأتي بها من أجل المادة والطبيعة فإنّ المادة والطبيعة يفنيان، وما أتي به من أجلها يفنى كذلك. أنتم أيها الأطباء الذين تمثلون صنفاً من المجاهدين في سبيل الله التفتوا لئلا تكون أهدافكم مادية، اجعلوها أهدافاً إلهية. إن كانت أهدافكم مادية لايقبل منكم شيء حتى لو كان لله. المهم في الموضوع أن تجعل جميع فئات الشعب بالاضافة الى الحكومة والمجلس، أن يجعل الجميع أهدافهم أهدافاً الهية لتصبح كافة قضايانا الهية بحتة. حينئذ نكون قد وفقنا لجزء مما رسمه لنا الأنبياء الكرام.
تطور في الرأي العام العالمي
أنتم تلاحظون الآن بأنّنا مبتلون بأمور كثيرة في هذه الدنيا! يجب ألا نعجب ونندهش من التطور الذي اكتنف كل شيء باستثناء صروح الجبابرة. الدنيا تمر بحالة من التغير والتحول، وأولئك يظنون بأنّها كما كانت قبل مائة أو مائة وخمسين عاماً. إنّهم لم يدركوا بأنّ العالم في تطور مستمر، أو يتظاهرون بذلك. تغيرت أفريقيا عما كانت عليه، وكذلك أوربا وآسيا، فالجميع تطور إلا هؤلاء الزعماء، إما أنّهم لم يتطوروا أو يتظاهرون بذلك، ويتصورون أنّ ايران مثلًا كما كانت عليه في العهد القاجاري والبهلوي، حيث لو أراد سفير من سفرائهم القيام بعمل ما لم ينبسوا ببنت شفة ولم يجرؤوا على مواجهته، فبمجرد قول السفير الفلاني» كلا «ينتهي كل شيء. أولئك لا يريدون أن يفهموا أنّ الدنيا لم تعد تلك الدنيا السابقة! لا تنفذ الأوامر التي يصدرونها من بلادهم في هذه الدنيا العصرية.
إن لم تعوا ما يجري في الدنيا الآن فيجب القول بأنّكم على رأس الأغبياء والمغفلين في العالم، وإن وعيتم ذلك وتظنون أنّ الناس لايعونه فتلك المصيبة أعظم، وهذا يمثل خطأ فادحاً، وهو أن تتصوروا بأنّ شعوب اليوم هم شعوب القرن الماضي، كلا، ليس الأمر كذلك، لقد تغيرت الشعوب وتطورت الدنيا وحدثت فيها ثورات، وأنتم لاتعلمون وتكررون كلامكم السابق: لو حدث شيء في الخليج الفارسي فسيصبح مضيق هرمز كذا، ونفعل كيت وكيت. مازلتم في تصوراتكم السابقة، وتظنون أنّ كلمة منكم تنهي كل شيء في الخليج الفارسي وفي غيره. ليس الموضوع كما تظنون، هلموا وانظروا ما يحدث في الخليج! لذا تارة يقولون نفعل كذا في الخليج، تارة ينقلبون علىأعقابهم، وتارة أخرى ينكرون ما قالوا.
في البيت الأبيض تسير الأمور بشكل متناقض حيث يقول أحد المسؤولين سنتدخل عسكرياً، بينما يقول الآخر خلاف ذلك. إنّهم متحيرون ولا يعرفون ماذا يفعلون، مازالوا يجهلون الناس ويجهلون الدنيا. لقد تغيرت الدنيا فعليكم أن تغيروا أنفسكم أيضاً وتغيروا أفكاركم. لايتسنى لكم الأخذ بزمام الأمور من خلال الدكتاتورية أو الدعايات، تطلقون الأوامر وتتصورون أنّ الناس ينفذونها؛ كلا لاينفذون، لأنّهم تغيروا وتطوروا، ومن الضروري أن تغيروا أنفسكم لتتواءموا معهم. لاتذهبوا بعيداً وتظنوا أنّ الناس سيقفون مكتوفي الأيدي أمامكم.
لقد أضحت ايران بهذا الشكل الذي ترون، بحيث لوجاء الرئيس الأمريكي الى هنا على سبيل المثال لامتنع السواد الأعظم عن الذهاب لمشاهدته! ليس الموضوع كما تتصورون، كلا لقد اتخذ الناس والعالم منحى آخر يتفاوت عما كان عليه سابقاً، وهذا ليس في ايران فحسب، بل في كل نقطة من العالم.
اقتنع الاتحاد السوفيتي بعجزه عن فعل شيء في افغانستان، فبرغم أنّ أقطاب الحكومة الأفغانية شيوعيون يساندون الاتحاد السوفيتي، إلا أنّ الثلة القليلة من المسلمين الموجودين هناك ضيقوا الخناق عليهم وأقضوا مضاجعهم، فلا يعرفون كيف يتخلصون من هذا المأزق.
خير مثال على الاتحاد والتلاحم بين الحكومة والشعب وبين أبناء الشعب أنفسهم هي ايران، باستثناء القلة القليلة ممن تبعوا أمريكا، وهم أنفسهم لا يعلمون ما يقولون؛ و أنا أعتقد أنّ من الأفضل لهم الاتحاد مع الشعب، وعليهم أن يخرجوا من أذهانهم أنّ أمريكا تفعل ما يحلولها كما في السابق، فلا توجسوا منها خيفة.
أسأل الله تعالى أن يوفق كافة الشعوب المظلومة في العالم للوقوف بوجه الظلمة وعدم خشيتهم، لاتظنوا أنّ كل ما تقوله القوى الظالمة تفعله، كلا إنّهم يريدون تنفيذ مآربهم من خلال الدعايات، فلاترهبكم هذه الدعايات. دولة ايران لاتخاف طبعاً، انظروا الى صمودها، كذلك افغانستان التي تدفقوا عليها من كل حدب وصوب وعاثوا فيها فساداً، بينما نراها صابره صامدة وقامت باستئصالهم؛ والأكثر من كل ذلك ما حدث في لبنان!
فعلى المسلمين والمظلومين في العالم أن يتمالكوا أنفسهم ويبلوا بلاءاً حسناً بصمودهم أمام القوى العاتية. و أسأل الله أن يوفق الجميع ببركة هذا العيد السعيد، وأن ينصركم على أعدائكم، ويجعلكم سائرين على طريق الاستقلال أبداً، إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله