ضيافة الله ومراتبها
أرفع أسمى آيات التبريك والتهنئة في هذا العيد السعيد لكافة المسلمين والمظلومين في العالم، لاسيما الشعب الايراني النبيل.
أعتقد أنّ هذه الضيافة التي دعيتم لها- أيها المؤمنون- ضيافة الله، لقد دعينا لضيافة الله، وضيافة الله في عالم المادة هي التي تجنبنا جميع الشهوات الدنيوية، هذه المرتبة المادية لضيافة الله، فعلى كافة المدعوين لهذه الضيافة أن يعلموا بأنّ ضيافة الله في هذه الدنيا عبارة عن التغاضي عن الشهوات، و ترك ما ترغب به روح الانسان الطبيعية، فيجب الاقلاع عن كل ذلك.
هذه ضيافة الله، وما هي إلا ظل للضيافات المتحققة في عالم الوجود، وكل ما في الأمر أنّها تظهر في عالم المادة بشكل ترك الشهوات الطبيعية والجسمانية، وفي عالم المثل بشكل ترك الشهوات الخيالية، وفي عالم بعد المثل بشكل ترك الشهوات العقلانية والروحانية.
تتحق الشهوة في كل مكان بشكل معين؛ ففي هذا العالم تتحقق بالشكل الذي تعلمون، وفي العالم المثالي تكون شهوات الانسان أكبر بكثير من شهواته في عالم الطبيعة، وكبح جماحها أكثر مشقة وعسراً أيضاً؛ فضيافة الله هناك هي أن يدع الانسان الشهوات، كالشهوات النفسية التي ينهمك بها عالمنا.
أما الشهوات العقلانية التي هي أرفع درجة من هذه الشهوات فيجب التخلي عنها هناك أيضاً. والشيطان موجود في جميع هذه المراتب، من أجل صدكم عن استثمار هذه الضيافة؛ يصدكم في عالم الطبيعة وفي عالم الخيال والمثل وفي عالم العقل أيضاً، والتخلي عن الآمال العقلانية أصعب من التخلي عن غيرها؛ الآمال النفسانية الأوطأ درجة من الآمال العقلانية أضرمت النار في العالم.
تنشأ جميع الحروب والنزاعات في هذا العالم، سواء ما وقع منها في نفس العائلة أم الواقع في العالم بأسره، والذي يمثل عائلة أيضاً، تنشأ من طغيان وتمرد النفس.
إنّ ضيافة الله هناك التي دعينا لها هي أن نتخلى عن شهواتنا النفسية، وهذا أمر عسير جداً.
هذا العالم ظل لذاك العالم، وذاك روح لهذا، والشهوات العقلانية التي ألقت بظلالها في أغلب أنحاء العالم أرفع درجة من الشهوات الروحانية والنفسية والجسمانية، وضيافة الله الموجودة هناك ايضاً تتحقق بترك الشهوات.
لاتطبق ضيافة الله إلا بالتخلي عن كل ذلك؛ لأنّ الضيافة تعني حضور المدعو لدى صاحب الدعوة، وهو الله سبحانه وتعالى، ونحن على أثر هذه الدعوة نرد عليه جل وعلا.
هل تخلينا عن شهواتنا الجسمية فضلًا عن الشهوات الخيالية والنفسية والعقلانية في هذا الشهر الشريف عندما وردنا هذه الضيافة؟
هذا يرتبط بالشخص نفسه، فعليه أن يتروى وينظر ما فعل؛ هل لبينا دعوة الله تعالى لما دعانا فحضرنا مجلسه؟ وهل استجبنا لدعوته كي نستفيد أم لا؟
كل هذه مراتب لتلك الضيافة، فبالاضافة الى هذه الضيافة هناك ضيافة العارفين، فقد دعا الله الجميع لهذه الضيافة، فيرد العارفون والكُمّل من الأولياء أيضاً، ويستطيعون اجتياز الاختبار الذي نادراً ما يجتازه أحد. فوق كل هذه المراتب مرتبة سامية تخلو من الضيافة؛ فلا ضيافة ولا مضيف ولا ضيف.
معنى استغفار المعصومين من الذنوب
من ضمن ما يحمله لنا شهر رمضان قضية الأدعية المأثورة فيه؛ عندما ينظر الانسان الى أدعية الأئمة (ع) في شهر رمضان وفي غيره يصاب باليأس والقنوط لولا النهي عن اليأس من رحمة الله تعالى.
هذا الامام السجاد (ع) بعظمته يناجي لله- كما تلاحظون- ويخشى من المعاصي؛ الموضوع أكبر مما نتصور بكثير، وأعظم من أن يدركه فكرنا أو عقل العقلاء أو عرفان العرفاء؛ ولايدرك هذه القضية سوى أولياء الله.
إنّهم يعلموننا في هذه الأدعية، وليس معنى ذلك أنّ أدعيتهم جاءت من أجل تعليمنا فقط، بل كانت الأدعية لهم أنفسهم، فهم يخشون الله، ويقضون الليل بالبكاء والنحيب من أجل ذنوبهم.
كانوا جميعاً بدءاً بالنبي وانتهاءاً بصاحب الزمان يخشون الذنوب، بيد أن ذنوبهم ليست كذنوبي وذنوبكم، أولئك وصلوا الى مرحلة من العظمة والإدراك، فالاهتمام بالكثرة يعد من الكبائر لديهم.
قال الامام السجاد (ع) ذات ليلة: «اللهمُّ ارزْقنا التجافي عن دارِ الغرور، والإنابة الىدارِ السرورِ، والاستعدادَ للموتِ قبلَ حلولِ الفًوتِ» «1».
الأمر أمر عظيم، فعندما ينظر هؤلاء الى أنفسهم ويرونها لاتعدل شيئاً أمام عظمة الله جل وعلا- وهذا هو واقع الأمر- يجهشون بالبكاء ويتضرعون إليه تعالى، لذا ينسب الى رسول الله (ص) أنّه قال: «ليُرانُ على قَلبي فإنّي لأستغفر اللهَ في كلِّ يومٍ سبعينَ مرّةً» «2».
كان أولئك في ضيافة الله، بل فوق تلك الضيافة، ومع حضورهم أمام الله تعالى يدعون الناس للتضرع والدعاء، ويحصل لهم من ذلك استياء وتبرم. إنّ الالتفات الى المظاهر الالهية بنظرهم- مع كونها إلهية- تعد من الكبائر، ومن الذنوب التي لاتغتفر؛ لمخالفتها لذلك الغيب الذي يطمحون إليه، وهو «كمال الانقطاع إليه»؛ فهذا يمثل دار غرور لدى الامام السجاد (ع)، ملاحظة الملكوت دار غرور بالنسبة لهم. وكذلك ملاحظة ما فوق الملكوت؛ هؤلاء يرومون الانقطاع الى الحق تعالى بدون أن تكون هناك ضيافة، وهذا يختص بكُمّل أوليائه تعالى.
نسأل الله أن يرزقنا عدم إنكار هذه الأمور، فإنّ إنكار هذه المقامات من جملة ما يقف بوجه تقدم الانسانية، وهي حصر كل شيء في دائرة فهمنا فقط. اذا خطا شخص خطوة أبعد من ذلك- ولو باللفظ فقط- فقد خرج عن الدين بنظرهم؛ وهذا يمثل عائقاً.
الخطوة الأولى عبارة عن اليقظة، فيجب على الانسان أن يصحو؛ لأنّ الناس نيام، وعندما يحل الموت يستيقظون، ولكن أين هو الموت؟
المهم أن يلتفت الانسان الى الأمور المحيطة به، ويتمعن في جميع أقوال أهل المعرفة لأنّها أقوال علمية، وقد وردت في الأدعية؛ فإن أنكرها فقد أنكر قائليها، وأنكر أقوال الأئمة (ع) برغم عدم قصده، وهذا الإنكار يقف بوجه رقي الانسان، وهذه المآرب والأهواء النفسانية منشأ لجميع المفاسد في العالم؛ هذه المفاسد التي تجر الدنيا نحو المحرقة.
الهمجية بنظر الساسة الأمريكيين
حتماً سمعتم ما قاله الرئيس الأمريكي مؤخراً بأنّ ايران أو النظام الايراني همجي ومتوحش، فاذا كان المراد من كلمة «متوحش» صعب الانقياد وغير مطيع لكم، أي ليس بقرة حلوباً فسموه بما تشاؤون.
و ان قصد من لفظ المتوحش ذلك المعنى المعروف فهذا عين الهراء.
هل المتوحش والهمجي هو من لا يسمح للمستبدين بالتجاوز عليه، أو هو من يريد التجاوز على الآخرين؟ لايجب إلقاء الكلام على عواهنه، فلئن أجريتم استفتاءاً لشعوب العالم حول أكثر الأنظمة همجية في العالم، فأنا أعتقد أنّأمريكا ستحصل على المركز الأول.
الهمجي والمتوحش من جاء من أقاصي العالم لتهديد الشعوب، أو من يطالب بالحرية والاستقلال لشعبه؟
في منطق أولئك، المتوحش هو من لا يذعن لهم، كما أن الارهابي هو من لم يخضع لهم، ولهذا ترون أنّهم كانوا يضعون العراق في خانة الارهاب طالما لم يكن طوع عنانهم، ولما أطاعهم وانقاد لهم أخرج من تلك الخانة، ووضع غيره بدلًا منه.
لما يريد الانسان أن يستبد برأيه تكون هذه النتيجة، وانطلاقاً من ذلك نرى رؤساء الدول في العالم باستثناء النزر القليل يفكرون بهذه الطريقة، فيعتبرون كل من اتخذ مصالحهم بعين الاعتبار، وأصبح بقرة حلوباً لهم غير متوحش! وأما من امتنع عن إطاعة أوامرهم فهو متوحش وهمجي! هذا منطق ريغان وأمثاله، وعلى الشعوب المستضعفة أن ترفض هذا المنطق بشدة، فعلى أساس هذا المنطق استعمروا العالم، ووطأوا المظلومين بأقدامهم؛ فإن تهاونتم قليلًا وطأوكم بالأقدام.
تعزير الجبهات واستبعاد الخلافات
أولئك القائلون بوجوب الهدنة، هل يعلمون بأنّنا لو أجرينا تسوية فسوف نداس؟ هل يقبلون بهكذا هدنة؟
أولئك يقولون: أطيعونا ونفذوا أوامرنا، والتفكير محظور عليكم، قوموا بتغليف أفكاركم ووضعها جانباً.
يريدون استتباب الأمن في العالم، ولايحصل هذا الاستباب إلا بإذعان الجميع لهم.
يجب على الشعوب أن تستيقظ وتفكر، لاسيما الشعب الايراني، فإن تهاونوا لحظة واحدة ظلوا الى الأبد تحت الأقدام؛ في الوقت الذي يؤول فيه صدام وأتباعه الى الهاوية حان وقت مضاعفة الجهود من قبل القوات المسلحة بجميع صنوفها والشعب بكل فصائله؛ إن أمهلتموه فسيزداد قوة ويزداد الموضوع تعقيداً، فلتتظافر جهودكم لتفادي حصول التعقيد. دعوا عنكم المهاترات والنقاشات اللفظية، وليكن همكم الأول والأخير ألا تدعوا القوى العظمى تقرر مصيركم. إنّهم الآن يتسابقون مع بعضهم للتدخل في أمور المسلمين في الخليج.
يجب منعهم وعدم الخشية من صخبهم، يثيرون هذه الضجة المفتعلة لإرعابنا، إنّهم يتصورون أنّ الشعب الايراني يخاف من تحليق طائراتهم فوق سمائه وقصفهم لبعض الأمكنة؛ لقد مرّ الشعب بهذه التجربة، وأبلى بلاءاً حسناً.
الشعب الذي يبحث عن الشهادة، وأفراده الذين لايأبهون بقطع أيديهم وأرجلهم، وان قطعت يشكون الى الله عدم استشهادهم ويقولون: أما كان حري بنا أن نستشهد؟ هذا الشعب لايخاف من تهويلاتكم، إفعلوا ماشئتم، فلن تتمكنوا من ارتكاب أي حماقة بشأنه.
ترغب القوى العظمى باستعباد العالم بأجمعه، وهؤلاء الخليجيون مثل الكويت ابتلوا بهذه الوساوس، فيظنون أنّ النجاة تكمن بالارتماء في أحضان أمريكا، وهذا خطأ كبير؛ تريد أمريكا نهب ثرواتكم والتسلط عليكم عن طريق هذه الألعاب. انتبهوا الى عاقبة أمركم! والى اليوم الذي تتخلى فيه أمريكا عنكم.
المهم أن يكون شعبنا منسجماً الى أبعد الحدود، ويدع عنه النقاش والسجال الى وقت آخر، فليس هناك متسع من الوقت لتلك الأفعال، فعليكم بتدارك ذلك قبل فوات الأوان؛ لأنّه لايورث إلا الحسرة والندامة.
اتحدوا لطرد هذه الشياطين عن بلادكم، بعد ذلك افعلوا ما يحلو لكم.
إنّ لكل شيء أواناً. وليس هذا أوان الجدل والنقاش والتجاذب؛ هناك من ينصحنا بالصلح والهدنة، وهذا عمل الضعفاء؛ هناك أشخاص ضعفاء وقعوا في ربقة الفخ الأمريكي يتحدثون عن هذه المواضيع باستمرار، لكننا ما فتئنا نجاهد ريثما تخلصنا من هذا الفخ، ولسنا مستعدين لولوجه مرة أخرى؛ ولن يرضى شعبنا بعودة المستشارين الأمريكان مرة أخرى وتنصيبهم للحكومة التي يريدون، كفانا هذا المقدار من التخلف بسببهم. أنا أدعوا الله أن يوقظنا؛ ويهلك أعداء الاسلام؛ ويعرفنا بواجباتنا في هذا العالم وواجباتنا في العوالم الأخرى؛ ويهبنا مقداراً من هذه الضيافة.
و السلام عليكم ورحمة الله