بسم الله الرحمن الرحيم
أصحاب السماحة العلماء الأعلام وحجج الإسلام، والشعب الباكستاني الجليل أيدهم الله تعالى.
تلقيت رسائلكم وبرقياتكم المعزية والمهنئة باستشهاد سماحة حجة الإسلام السيد عارف حسين الحسيني، النصير الوفي للإسلام والمدافع عن المحرومين والمستضعفين، والابن البار لسيد الشهداء الإمام أبي عبد الله الحسين- عليه السلام-. فعلى الرغم من أن هذه الحادثة العظمى آلمت قلوب المسلمين لا سيما علماء الإسلام الملتزمين، إلا أنها لم تكن بعيدة عن توقعاتنا والشعوب المظلومة خاصة الشعب الباكستاني الجليل الذي ذاق طعم الاستعمار المرّ وحقق استقلاله بالنضال والجهاد والشهادة.
إن الواعين لآلام المجتمعات الإسلامية والذين وقّعوا ميثاق الدم مع المحرومين والحفاة، يجب أن يدركوا بأنهم في بداية طريق النضال وان أمامهم مشوار طويل لتحطيم سدود الاستعمار والاستغلال والوصول إلى الإسلام المحمدي الأصيل. وبالنسبة لأمثال العلامة عارف حسين الحسيني ليس هناك أسمى من هذه البشرى بأن ينطلق من محراب عبادة الحق في عروجه الدامي مسلّماً روحه: (ارجعي إلى ربك) «1»، ومتناولًا جرعة وصل المحبوب من شهد الشهادة، ليشهد وصول الآلاف من عطاشى العدالة إلى منبع النور .. إن الفارق الكبير بين الروحانية وعلماء الإسلام الملتزمين، وبين الذين يتظاهرون بالروحانية يكمن في أن علماء الإسلام المناضلين كانوا دائماً هدفاً لسهام الناهبين الدوليين المسمومة، وفي كل حادثة كان أولى السهام تستهدف قلوبهم. غير أن الروحانيين المزيفين كانوا دائماً في كنف وحماية عبيد الذهب وطلاب الدنيا، يروجون للباطل ويمدحون الظلمة ويدافعون عنهم.
فحتى الآن لم نرَ معمماً واحداً من معممي البلاط أو رجل دين وهابي تصدى للظلم والشرك والكفر، لا سيما لروسيا المعتدية وأميركا ناهبة العالم. مثلما لم نرَ عالم دين صادق يعشق خدمة الله وعباده، تخلى لحظة واحدة عن نصرة الحفاة في الأرض، ولم يناضل بكل كيانه ضد الكفر والشرك ومن أجل تحقيق أهدافه. وان عارف الحسيني كان من هؤلاء العلماء الصادقين. ولا شك أن الشعوب الإسلامية أدركت تماماً لماذا يكون أمثال مطهري وبهشتي وشهداء المحراب وبقية علماء الدين الأعزاء في إيران، وأمثال الصدر والحكيم في العراق، وأمثال راغب حرب وعبد الكريم عبيد في لبنان، وأمثال عارف الحسيني في باكستان، وعلماء الدين الواعين لمعاناة الإسلام المحمدي الأصيل صلى الله عليه وآله في كافة الدول؛ لماذا يكون كل هؤلاء هدفاً للتآمر والاغتيال؟
إن الشعب الباكستاني المسلم النبيل، الذي يعتبر بحق شعباً ثورياً ووفياً للقيم الإسلامية وتربطه معنا علاقات ثورية وعقائدية وثقافية قوية قديمة، مطالب بالإبقاء على أفكار هذه الشخصية الشهيدة حية فاعلة، وان لا يسمح لأحفاد الشيطان بإعاقة انتشار الإسلام المحمدي الأصيل- صلى الله عليه وآله وسلم-.
إن الاستكبار العالمي الشرقي والغربي، ونظراً لبقائه عاجزاً عن المواجهة المباشرة مع العالم الإسلامي، لجأ من جهة إلى أسلوب الاغتيال وتصفية الشخصيات الدينية والسياسية، والى إشاعة ونشر ثقافة الإسلام الأميركي من جهة أخرى. وليت كانت كل اعتداءات النهابين الدوليين علنية ووجهاً لوجه، مثلما هو اعتداء الاتحاد السوفيتي على البلد المسلم والمنجب للشهداء أفغانستان، كي يتسنى للمسلمين تحطيم ابهة الغاصبين واقتدارهم الوهمي. ولكن طريق النضال ضد الإسلام الأميركي، يتسم بالتعقيد، ولا بد من العمل على الكشف عن كل إبعاده للمسلمين الحفاة. ومما يؤسف له أن الحد الفاصل بين (الإسلام الأميركي) و (الإسلام المحمدي الأصيل) لم يتضح بعد للكثير من الشعوب الإسلامية. لم يتضح بعد الفارق بين إسلام الحفاة والمحرومين، وبين إسلام المتظاهرين بالقداسة المتحجرين والرأسماليين الذين لا يعرفون الله والمرفهين الذي لا يعرفون معنىً للألم. وان إيضاح حقيقة استحالة وجود فكر بين متضادين ومتقابلين في مذهب واحد ودين واحد، يعتبر واجباً سياسياً مهماً للغاية. ولو كان قد حصل مثل ذلك الامر داخل الحوزات العلمية لكان من المحتمل- جدا- أن يكون سيدنا العزيز عارف الحسيني بيننا الآن.
لذا فمن واجب علماء الدين العمل على إنقاذ الإسلام العزيز من أيدي الشرق والغرب، من خلال إيضاح ابعاد هذين الفكرين. طبعاً أن دماء هؤلاء الشهداء الأعزاء سوف تستأصل كل الأشواك من أمام مسيرة اعتلاء القيم المعنوية، وتلقي بجميع المروجين للباطل في البحر. ولكن يجب أن نعي تماماً بأن اليوم هو يوم استنفار أعداء الإسلام، يوم يقظة الناهبين الدوليين. ففي اليوم الذي عمل الاستعمار الشرقي والغربي على اغفال المسلمين وجعلهم يغطون في سباتهم العميق والهيمنة على كل مقدراتهم، كان يتحدث عن الخطر الكبير والكامن في الإسلام والقرآن. غير أنه اليوم وبعد أن تلقت روسيا وأميركا صفعات قاسية وفي مختلف المجالات السياسية والعسكرية والثقافية، إثر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية المقدسة، ودق ناقوس خطر الإسلام ضد مصالحهم الحياتية في كل نقطة بالعالم، يجب أن نراقب بكل دقة احابيل وخداع الاستكبار الشرقي والغربي والعمل على احباطها. وعلى الشعوب الإسلامية أن تنطلق في تعاملها مع القوى العظمى من مبدأ العداء والخداع الذي تكنه لها حتى يثبت العكس وتلمسه وتصدقه. واننا متمسكون بحبل ولاية الله والرسول والأئمة المعصومين عليهم السلام ويجب أن نبتعد تماماً عن كل ما لا يحقق رضاهم. وان نفخر بذلك ونتباهى به.
إني أتقدم بالعزاء والتهنئة بمناسبة استشهاد سماحة حجة الإسلام السيد عارف حسين الحسيني، إلى علماء الدين الملتزمين بالإسلام، والى أسرة الشهيد المحترمة، والى الشعب الباكستاني المسلم. واطمئن جميع اخوتنا واخواتنا المسلمين في هذا البلد بأن إيران تقف إلى جانبكم، وستدافع عن كرامتكم واستقلالكم وعزتكم ومصداقيتكم الإسلامية باعتبارها ناصراً أميناً وخندقاً حصيناً.
لقد فقدت أبناً عزيزاً. واسأل الله تعالى أن يمنّ علينا جميعاً بتوفيق تحمل المصائب والقدرة على مواصلة طريق الشهداء الساطع أكثر من أي وقت مضى. وان يرد كيد ومكر وتآمر الظالمين إلى نحورهم، وان يرسخ خطى الأمة الإسلامية الزاخرة بالكرامة على طريق الجهاد والشهادة. والسلام على عباد الله الصالحين.
23 محرم الحرام 1409
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
استشهاد السيد عارف حسين الحسيني
ساحة المواجهة بين الإسلام المحمدي الأصيل والإسلام الأميركي
الشعب الباكستاني المسلم علماء الإسلام
جلد ۲۱ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۱۱۱ تا صفحه ۱۱۳
«۱»-سورة الفجر، الآية ۲۸.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378