بسم الله الرحمن الرحيم
شهد الشعب الإيراني العظيم والنبيل، في مرحلة النضال وانتصار الثورة، وكذلك منذ بدء الحرب ولحد الآن، صدق وإخلاص ومجاهداة العمال الأعزاء والمسؤولين المحترمين عن القطاع الصناعي، لا سيما الأعزة في صناعة النفط. إذ أنهم قدموا حقاً أفضل الخدمات للثورة والوطن الإسلامي في أكثر الظروف حساسية. فلن تنسى أهمية نضال هؤلاء ضد نظام الشاه الطاغوتي في الاضراب وإغلاق أنابيب تدفق النفط بوجه الأجانب وإلحاق ضربات قاصمة بهم.
ولكن الأهم من ذلك هو أن المسؤولين والعمال الملتزمين والمخلصين للثورة، وطوال فترة الحرب المفروضة وعلى الرغم من كل المخاطر الكبيرة والقصف المتكرر للمراكز الصناعية والنفطية، وبالاعتماد على إيمانهم بالله العظيم وثقتهم بأنفسهم، لم يدعوا الضعف يدب إلى نفوسهم وصانوا سمعة الثورة بإرادة محكمة، وحرصوا على عزة الإسلام وإيران، وحافظوا في أصعب الأوضاع على إنتاج النفط وتصديره في أعلى مستوى مطلوب، فضلًا عن إعادة تشغيل المراكز المتضررة. وواصلوا تطوير هذه الصناعة الهامة ومتابعة الاكتشافات في أعماق المياه وقلب البحار وباطن الأرض وقمم الجبال، مما أدهش الكثير من الخبراء والمراقبين. إذ أن انتاج النفط وتصديره لم يتوقف يوماً واحداً حتى في ذروة تصاعد الحملات المستمرة للعدو، ولم يكن ذلك إلا بفضل عناية الحق تعالى واهتمام حضرة بقية الله أرواحنا فداه والحب الذي يغمر قلوب هؤلاء الأعزة، مثلما هو حب التعبويين في دفاعهم المقدس، وكنت قد شاهدت حالات عديدة من سعي ومثابرة هؤلاء الفنانين العشاق، عبر الصور والأفلام. وانني على ثقة بأنه لو لم يكن حب الله والدين [في قلوبهم]، لما كان هؤلاء على استعداد مطلقاً للتواجد في المراكز والمصانع والمصافي التي كانت معرضة للقصف في أية لحظة وهي مملوءة بالمواد الحارقة .. هنيئاً لكم أيها العمال وأرباب العمل والخبراء الذين اشتريتم نار الدنيا بأنفسكم أملًا في نيل رضا الحق تعالى.
إنني وإذ أعرب عن شكري للعاملين في الحقل الصناعي، لا سيما صناعة النفط والغاز، أطلب منهم جميعاً أن يبرهنوا للعالم من خلال بذل المزيد من الجهد، بأنهم قادرون على إدارة عجلات اقتصاد البلد بفضل جهودهم وقدراتهم الفكرية. وانهم ومن خلال زف بشرى تشغيل صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات كلّها في المستقبل القريب، سوف يقرون عيون أبناء الشعب الإيراني ويدخلون البهجة إلى قلوبهم.
إنكم ومن خلال بذل الجهود في هذا المجال المقدس، سوف تبرهنون للعالم بأن الضغوط الاقتصادية بعد الحرب لن تجبرنا على التبعية لأي بلد. إذ أن أعداء الثورة في داخل البلد وخارجه، والاستعمار الشرقي والغربي، لا يكفون عن الترويج في إعلامهم من أن الضغوط الاقتصادية بعد الحرب، سوف تركع النظام الإسلامي الفتي. غير أن أمثال هؤلاء يجب أن يأخذوا تمنياتهم هذه معهم إلى قبورهم.
إن الشعب الذي اعدّ نفسه لنضال طويل الأمد، دون أن يفت في عضده القصف والمصائب الأخرى، غير مستعد مطلقاً أن يتراجع أمام عالم الاستكبار. ومن البديهي لا يمكن تلافي مشاكل ومعاناة ما بعد الحرب في يوم وليلة وانها بحاجة إلى وقت كي يتم توفير كل الاحتياجات وتلافي النواقص.
وليضع الأعزة الذين يعملون في الصناعات الخفيفة والثقيلة وصناعة النفط والغاز، وفي المعادن والطاقة والبريد والبرق والهاتف والطرق والمواصلات والمجالات الأخرى؛ ليضعوا الله نصب أعينهم ولا يصغوا إلى إعلام العدو، وان يعملوا بكل ثبات ومقاومة في تشغيل العجلات الاقتصادية والصناعية للبلاد.
إن العالم اليوم يترصد أعمالكم وأعمالنا بكل دقة ليرى ما الذي نفعله والى أي حد قادرون على مواجهة المشكلات. إن والدكم الخميني العجوز، يطلب اليوم منكم، أنتم العمال والصناعيون والمتخصصون، أن تتحلوا بالحذر الشديد لئلا يقع شعبنا ثانية أسير القوى العظمى والقوى الكبرى. فالمشاكل بعد الحرب تبرز الواحدة تلو الأخرى، وان نظامنا الفتي سيصمد إن شاء الله أمامها كالطود الشامخ، وان الشعب العزيز سيواصل بكل ثبات صبره وتحمله أمام ضغوط الأوضاع الاقتصادية مثلما قاوم لحد الآن من أجل الله ومن أجل دينه، وإلا فان كل جهوده خلال هذه السنوات الزاخرة بالمعاناة والفخر، ستذهب هدراً.
إن تحلي الشعب بالوعي والحذر في الظرف الراهن يعتبر من عوامل انتصاره على الباطل. ويجب أن لا يتصور أبناء الشعب بأن أيادي الاستكبار لا سيما أميركا قد كفت شرّها عنا، بل أن تآمرهم ضدنا وسعيهم لإعاقة تقدم مسيرتنا محتمل في كل وقت وكل مكان. فلا بد من المراقبة بدقة لمحاولات الأيادي العميلة في تحريك بعض السذج من أن الحرب قد انتهت إلا أن أوضاع البلد لم تختلف عن السابق. فهل يمكن إزالة آثار الحرب في ظرف سنة أو سنتين؟ انني أُقبّل أيادي وسواعد جميع الذين يعملون بكل تواضع وجد وإخلاص، على تحقيق الاستقلال والاكتفاء الذاتي للبلد.
إنني اطلب منكم ثانية بأن تتوكلوا على الله، ولا تستسلموا للتبعية سواء للشرق أو الغرب مطلقاً .. يجب على الشعب أن يتخذ قراره: أماّ الرخاء والحياة الاستهلاكية، أو تحمل الصعاب والاستقلال. وان هذا الوضع من الممكن أن يطول عدة سنوات. غير أن شعبنا لن يختار غير طريق الاستقلال والعزة والكرامة.
ولا أرى ضرورة للتذكير بأهمية النفط في المعادلات العالمية والاقتصاد الدولي، وكذلك الدور العظيم لصناعة النفط والطاقة في اقتصاد البلدان وسياساتها. وسيعمل المسؤولون إن شاء الله ومن خلال بذل الاهتمام الكافي والدقة والبصيرة، على صيانة هذه الثروات التي حبانا بها الله تعالى، والسعي إلى تطويرها والاستفادة المثلى منها، وتوفير احتياجات المجتمع والحفاة واعطاء الأولوية للمناطق المحرومة.
نسأل الله تعالى أن يحفظ هذه الروحية المقدسة في التضحية والإيثار لدى كافة العمال والموظفين والمتخصصين، حتى تحقيق الاستقلال والاكتفاء الذاتي بالكامل. كما نسأله تعالى أن ينعم على شهدائهم الأعزاء بواسع رحمته، وأن يمن على المعاقين بالعافية، وان يعيد المفقودين والأسرى إلى وطنهم واحضان أسرهم العزيزة. والسلام عليكم ورحمة الله.
20/ 10/ 1367
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
تكريم جهود العاملين في صناعة النفط والمراكز الصناعية الأخرى
العاملون في صناعة النفط
جلد ۲۱ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۲۱۱ تا صفحه ۲۱۳
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378