أجرى المقابلة: مراسل صحيفة فيغارو الفرنسية
[مقدمة المراسل:
آية الله الخميني: (لا يمكن ان تترك الصدور العارية في مواجهة الرصاص إلى الابد).
على بعد نصف ساعة من مدينة باريس يوجد عالم آخر .. اختار آية الله الخميني، الذي يرمز اسمه إلى معارضة الشاه، الاقامة في ضاحية صغيرة من ضواحي باريس .. ان كلًا من دوريات الشرطة والعربات المجهزة بالرادارات وانتشار افراد الشرطة السرية، يشير إلى قرب محل اقامة سماحته .. نقترب من المنزل حيث يقف رجال كثيرون. مجموعة تتسم بالوقار تضم بين صفوفها عناصر متدينة وكادحة، وطلبة جامعيين إيرانيين قدموا من المانيا وتونس وانكلترا .. عند دخولنا المنزل خلعنا الاحذية وكأننا ندخل احد المساجد .. في حجرة صغيرة، كان آية الله الخميني جالساً على فراش متواضع ومن حوله اوراق وكتب متناثرة هنا وهناك .. على أي حال، أخذ آية الله الخميني، الذي كان يرتدي جبة رمادية اللون ويعتمر عمامة سوداء، يتحدث الينا بكل وقار دون ان يرتفع صوته.]
سؤال: (يتساءل الرأي العام عن اهداف خصوم النظام الحالي، هل تريد الحركة الدينية العودة إلى الأصول الإسلامية؟).
الإمام الخميني: ان معارضي النظام الإيراني واصحاب النهضة الراهنة، هم ضحايا وسائل الاعلام التي تحاول تجريدهم من طبيعتهم .. نحن عندما نتحدث عن الإسلام لا يعني ان ندير ظهورنا إلى الرقي والتقدم، بل العكس هو الصحيح. باعتقادنا ان الإسلام دين يدعو إلى الرقي أساساً، غير أننا نعادي الانظمة التي تنتهج الدكتاتورية وتمارس الظلم تحت واجهة التحديث والتجديد .. ان هذه الانظمة، كنظام شاه إيران، تسعى إلى حرف التقدم الحاصل عن اهدافه الاصلية، وتحاول تشويه صورته في انظار الرجال والنساء، الذين ينبغي لهم الاستفادة منه، ومصادرة مفهومه .. غير أننا نعتقد قبل كلّ شيء، بأن الضغط والكبت ليسا وسيلة للتقدم.
سؤال: (هل الانتفاضة الراهنة في إيران على علاقة بالحركات اليمينية واليسارية المتطرفة؟).
الإمام الخميني: لقد كنا نمتنع على الدوام من الائتلاف مع هذه الاحزاب، غير أن كافة المعارضين الإيرانيين ينضوون اليوم تحت لواء الدين ويتظاهرون باسم الإسلام الحقيقي. وسبب ذلك واضح وهو ان الفئات اليمينية والماركسية اخذت تنقرض تقريباً، وليس لديها أي دور يذكر في الانتفاضة الشعبية القائمة الآن مطلقاً. ولكن، ومن اجل خداع الرأي العام سيما خارج إيران، يسعى النظام إلى اشاعة ذلك واتهام كلّ الذين يناضلون ضد الدكتاتورية بالماركسية.
سؤال: (غير ان الماركسيين ورغم توجهاتهم المعلنة، يحاولون الاستفادة من واجهة الدين في النضال ضد نظام الشاه. فهل سيتراجع الإسلاميون شيئاً فشيئاً بسبب ضغط الاحزاب اليسارية المتطرفة ومحاولتها استلام زمام المبادرة في تنظيم الاضرابات والمظاهرات وتسخيرها لخدمة اهدافها؟).
الإمام الخميني: انظروا إلى المظاهرات الحاشدة الاخيرة، إذ استطاع الإسلاميون من حشد مليون شخص تقريباً كانوا يرفعون شعارات إسلامية في كلّ المواقف وفي كلّ مكان. فالدين هو الذي يعمل على حشد مثل هذه التجمعات وتنظيمها على الدوام .. حتى انه لم يُسمع ولا مرة واحدة ان رفعتْ شعارات اليساريين والمتطرفين.
سؤال: (في المراحل الاولى اتسم النضال ضد نظام الشاه بتحركه السلمي تقريباً سواء في الاضرابات والمظاهرات، ولم يكن هناك استخدام للاسلحة أو اقامة الخنادق في مواجهة الجيش وقوات الشرطة .. هل ترون ان الوقت لم يحن بعد لتغيير اسلوب النضال كأن يتم اللجوء مثلًا إلى اسلوب الكفاح المسلح؟).
الإمام الخميني: لقد ابقينا على اسلوبنا في النضال حتى بعد المجزرة الدامية التي شهدتها طهران يوم الجمعة وخلفت ورائها كلّ هؤلاء الضحايا «1» .. وكما يعلم العالم، ان رسالتنا لم تتعطل رغم ممارسة كلّ هذا القمع والقتل، وستتواصل هذه النهضة بالاسلوب ذاته .. وقد سئلت مرة: ألم يحن الوقت لتغيير اسلوب النضال واللجوء إلى الكفاح المسلح للرد على استخدام الجيش من قبل الدكتاتور؟ فأجبت: كلا .. ومع ذلك فاني اتساءل مع نفسي بهذا الشأن: هل يمكن ترك الصدور العارية في مواجهة الرصاص إلى الأبد؟. فالى الآن لم نحاول تغيير توجهاتنا واساليبنا في النضال، غير اننا قد نضطر إلى ذلك.
سؤال: (في الحقيقة لم نتعرف على تصوراتكم بعد. فما هي طبيعة النظام الذي تسعون إلى احلاله محل نظام الشاه؟).
الإمام الخميني: لاشك ان الابقاء على نظام الشاه بات مستحيلًا. لقد كنا نعارضه باستمرار، ويمثل اسقاطه احد اهداف نضالنا غير القابلة للتغيير. وفضلًا عن ذلك فان ظاهر النظام ليس مهماً بالنسبة لنا بقدر اهمية جوهره ومضمونه. ومن الطبيعي ان يتم التفكير بنظام الجمهورية الإسلامية، ذلك ان الفهم الإسلامي الاصيل بامكانه ان يرشدنا إلى اقامة مجتمع يتسم بالرقي ويزخر بالامكانات والطاقات الانسانية وينعم بالعدالة الاجتماعية .. فقبل كلّ شيء نحن نفكر بالبعد الاجتماعي للنظام السياسي القادم.
سؤال: (ولكن النظام الذي تنشدونه، هل سيكون ديمقراطياً؟ هل ستقبلون مثلًا بحرية الصحافة والتعددية الحزبية وحرية التنظيمات والاتحادات المهنية؟).
الإمام الخميني: نحن نقبل نظام الحريات الكاملة. ينبغي لأطر النظام القادم في إيران ان تأخذ بنظر الاعتبار المصالح العامة للمجتمع، كما هو مطروح بالنسبة لكافة الحكومات المعتمدة على الشعب. غير انه في الوقت نفسه يجب ان تكون مقيدة وملتزمة بشؤون المجتمع الإيراني، لان وجود مجتمع مطلق العنان سيسيء إلى كرامة أبنائه من الرجال والنساء.
سؤال: (هل في الجمهورية الإسلامية مكان للاقليات الدينية التي تعتبر في إيران اقليات كبيرة نسبياً؟)
الإمام الخميني: ان تعامل نظام الشاه مع الاقليات الدينية لم يكن افضل من تعامله مع المسلمين .. من الطبيعي ان تتسم نظرتنا إلى المعتقدات الدينية للآخرين بالاحترام بعد اسقاط الدكتاتورية واقامة نظام حرّ مستقل .. ان ظروف حياة الاكثرية المسلمة والاقليات الدينية ستتحسن كثيراً.
سؤال: (لا شك ان النظام الحالي سيواصل الدفاع عن نفسه. فالى مإذا سيستند النظام في ذلك؟ ومن الذي سيقف إلى جانبه ويدافع عنه؟ ومن الذي سيزوده بالقوة لسحق معارضيه؟).
الإمام الخميني: لا توجد داخل إيران اية قوة تدافع عن دكتاتورية الشاه، اذ يكفي ان تلقي نظرة إلى حقيقة ما يجري لتتعرف على ذلك، وهذا امر بسيط. اما في الخارج فان الولايات المتحدة بالذات هي التي تقدم الدعم لنظام الشاه، ولو سحبت دعمها عنه سينهار هذا النظام على الفور.
سؤال: (رغم كلّ ذلك فان بوسع الشاه ان يراهن على الجيش وعلى قوة الحراب، وهو امر محتمل إلى حد كبير.)
الإمام الخميني: بالنسبة للجيش، الامر المهم يكمن في تركيبته التي تتحدد بقيادته وسلسلة مراتبه. وقد كان الجيش لحد الآن تحت قيادة هي في الواقع اميركية. اذ تتم ادارة هذا الجيش وتدريبه، حتى على مستوى كوادره العليا، من قبل المستشارين والخبراء الاميركان. غير أن اوساط الضباط والجنود شهدت لحد الآن العديد من التحركات التي تنمي عن صحوتهم ويقظتهم ازاء نضال الشعب .. ويجب ان لا ننسى ان هؤلاء إيرانيين قبل كلّ شيء، وانهم لدى الصدام والمواجهة يقفون في مواجهة إيرانيين آخرين. وقد شوهد في حالات عديدة ان المتظاهرين وبدلًا من ان يقذفوا الجنود بالحجارة، ينثرون عليهم الزهور. كما شوهد الكثير من الجنود يجهشون بالبكاء عندما تنثر عليهم الزهور. وكانت هناك حالات عديدة انتحر فيها الجنود بعد اطلاق النار على المتظاهرين. فمادام الجيش الإيراني يرزح تحت المظلة الاميركية، ستتواصل هذه الاوضاع المأساوية المؤلمة.
باريس، نوفل لوشاتو
استعراض اوضاع إيران المستقبلية
جلد ۴ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۹ تا صفحه ۱۲
«۱»-المذبحة الجماعية التي اقدم عليها النظام في ساحة الشهداء بطهران يوم السابع عشر من شهريور عام ۱۳۵۷ ه- ش ( ۱۹۷۸ ).
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417