شناسه مطلب صحیفه
نمایش نسخه چاپی

خطاب‏ [دراسة المستعمرين لثروات إيران ونفسيات الشعب - التآمر ضد الإسلام وعلماء الدين‏]

باريس، نوفل لوشاتو
دراسة المستعمرين لثروات إيران ونفسيات الشعب - التآمر ضد الإسلام وعلماء الدين‏
جمع من الطلبة والإيرانيين المقيمين في باريس‏
جلد ۴ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۱۸ تا صفحه ۲۷

بسم الله الرحمن الرحيم‏
للأسف حينما التقي السادة تخونني تقريباً قدرة البيان. فمن جهة انا رجل عجوز وكبر سني لا يسمح حتى بوصول صوتي إلى خطوات معدودة. وثانياً ان اوضاع البلدان الإسلامية بصورة عامة والاوضاع الداخلية في إيران على الأخص، تُقضّ مضاجع الانسان وتسلبه القدرة على اداء أي شي‏ء.

جواسيس في زي السواح‏

على أي حال، ان اوضاع البلدان الإسلامية سيما تلك التي تمتلك الثروات كإيران- التي تعد في طليعة هذه البلدان- كانت موضع دراسة القوى الكبرى. ان هؤلاء السياح الذين قصدوا الشرق منذ حوالي ثلاثمائة سنة، كانوا مبعوثين سياسيين جاءوا لدراسة البلدان الشرقية. انهم جاءوا إلى إيران ودرسوا جميع المدن والقرى والثروات الطبيعية دراسة دقيقة. حتى الصحاري والفيافي التي تخلوا من الماء والزرع تماماً، ذهبوا اليها على الابل ودرسوها ووضعوا الخرائط لها وتعرفوا على مكامنها من الذهب والنحاس والنفط والغاز .. درسوها بدقة ورسموا الخرائط وحددوا الاماكن وما يفيدهم وسجلوا حولها الملاحظات.
فقبل ان تطأ اقدام اميركا هذه البلدان، وطأتها اقدام الانجليز وكذلك الروس وبعض الدول الاخرى. وعلى أي حال فان بلدان الشرق كانت مسرح لمطامح هؤلاء ودراساتهم منذ ثلاثمائة سنة أو اكثر. ومع مرور الوقت ازدادت خبراتهم ومعلوماتهم، حتى أن معلوماتهم باتت اكثر من معلومات الاهالي انفسهم. وقد سجلوا كلّ ما عرفوا عن نفسيات قبائلنا التي كانت في إيران مثل قبيلة البختيارية والقشقائية والشاهسونية. ورسم الخبراء خرائط جميع القرى من القرى الجبلية النائية إلى بقية القرى، وأينما وجدوا ما يمكن ابتلاعه سجلوه واعدوا انفسهم لنهبه.
بيد ان الحكّام والسلاطين كانوا مختلفين في مدى تأمين مصالح هؤلاء. فكان بينهم من لم يكن خائناً إلى درجة كبيرة، فيما كان بعضهم متوغلًا في الخيانة.

ذكرى من همدان‏

كنت مرة في همدان، فجاءني احد الاصدقاء بخريطة كبيرة، ربما كانت ابعادها متراً في متر، عينت عليها جميع قرى همدان، وكانت عليها نقاط كثيرة. وقال لي: ان هذه النقاط الملوّنة اشارة إلى وجود المناجم في هذه الاماكن لم يستخرج منها شي‏ء لحد الآن.
على أي حال، فقد جاءوا منذ البداية وفق مخطط وحددوا مواضع كلّ شي‏ء على الخرائط واحاطوا بأوضاع دول الشرق بما فيها إيران التي نتجرع مراراتها الآن.

الإسلام وعلماؤه عقبة امام الاستعمار

ثم قاموا بعد ذلك بدراسات نفسية لكيفية الوصول إلى تلك المناجم الغنية في البلاد الاسلامية دون ان يواجهوا معارضة، ودرسوا هذا المجال كثيراً. وقد وجد هؤلاء في البلاد الإسلامية امرين يشكلان حائلًا وسدّاً امام اهدافهم وطموحاتهم. الاول هو اساس الإسلام. فان طبّق الإسلام كما هو وكما اراده الله تبارك وتعالى فسيقضي على المستعمرين. والآخر هو علماء المسلمين، فان كانوا اقوياء لا يستطيع اولئك الاستغلال كما يحلو لهم. فالعلماء على صلة بجميع طبقات الشعب، وإذا كان بين الشعب من يتمتع بالقدرة فهو من هؤلاء، ولذلك مهدوا لتحطيم هذين السدين بيد الشعب، من خلال الدعاية التي قاموا بها منذ الازمنة السابقة. فاذا ما حطموا هذين السدين الخطيرين، فان ما عداهما من الاخطار يمكن التغلب عليها بسهولة.

التصدي للاستقلال الثقافي‏

وبطبيعة الحال ثمة مجال آخر الا وهو المانع المتمثل في ثقافة المجتمعات. فقد درسوا ووجدوا انه إذا كانت ثقافة المجتمع ثقافة مستقلة وسليمة، سيبرز من بينهم سياسيون مستقلون وأمناء، وهذا ما يضرّهم. ولذلك وجدوا في الإسلام وعلمائه سداً مانعاً. وكانوا يتوقعون من ناحية اخرى انه إذا ما كانت هذه الثقافة ثقافة مستقلة، وانشأت رجالًا وشباباً، فستقع مقاليد امور البلاد بأيديهم لا محالة وسيحول ذلك ايضاً دون تحقيق مآربهم، لذلك خططوا لتقويض هذه السدود الثلاثة.

نشر الإسلام المحرّف‏

اما فيما يتعلق بالإسلام، فقد اشاعوا اولًا بان الإسلام رسالة ترتبط بالدعاء وبعلاقة الناس بالخالق ولا شأن للإسلام بالحكومة ولا بالسياسة. وقد توسعوا في هذه الدعاية إلى الحد الذي اعتقد كثير من العلماء قائلين: ما شأن عالم الدين والسياسة؟ وما شأنه بالحكومة ونظام الحكم؟ فليذهب العالم إلى المسجد يصلي صلاته ويدرّس دروسه ويعلّم الناس الآداب الشرعية.
انهم رأوا ان صلاة علماء الدين والصلاة في الإسلام لا تضرّ بهم. فلا يكون لهم شأن بالنفط، وليصلوا ما شاؤوا حتى يتعبوا. وليدرسوا وليناضروا ما شاؤوا، ولا شأن لهم بتنفيذ السياسة الاستعمارية هنا. وقد بالغوا في اسماع الناس هذه الدعاية حتى اعتادوا عليها تقريباً. ولازال الاعتقاد بأنه ليس من شأن العلماء التدخل بالسياسة وبحث وضع الحكومة وما يعمل هؤلاء الظلمة بالناس. ان من شأن علماء الدين ان يبقوا في المدارس ويقيموا الصلاة اول وقت الظهيرة والمغرب، ولا يطلب الناس منهم اكثر من ذلك .. فما فتأوا يرددون لا علاقة للإسلام بالسياسة. والسياسة مفصولة عن الدين. والسياسة لهم والدين لنا. ومراكز القوة لهم ليعملوا ما يشاؤون، والمساجد والمسنون الموجودون فيها لنا. فكان هذا التقسيم الذي اوجدوه منذ البداية.

الدين أفيون الشعوب‏

وقال من كان اكثر جرأة: ان الدين رجعي وجاء لتخدير الناس، وأنه كان منذ البداية بيد اصحاب رؤوس الاموال وذوي النفوذ، ليهدؤوا الناس به وينهبوا اموالهم. وبالتدريج اعتقد حتى المسلمون انفسهم وبعض علماء الدين وطلبة العلوم الدينية بأن ما يرجع إلى الف عام ونيف لا يمكن تطبيقه اليوم!.
هكذا عرّفوا الإسلام للمجتمعات الإسلامية. كما بدؤوا بالدعاية ضد علماء الدين وطلبة العلوم الدينية ايضاً، بأنهم اشخاص عاطلين وليس لديهم عمل سوى اخذ اموال الناس والعيش بها.

خداع المثقفين غير الواعين‏

وهكذا حرصوا على اظهار الإسلام بأنه ليس اكثر من صلاة وصيام، ولا شأن له بحياة الناس. ومن جهة اخرى اظهروا علماء الدين وكأنهم وجدوا ليعملوا على تخدير المجتمعات. وكأنهم مكلفون بمصادرة تطلعات الناس وطموحاتهم وجعلهم يغطون في نوم عميق، كي يتمكن اولئك من سرقة ثرواتهم. لقد بثّوا الدعاية حول هذا الامر إلى درجة جعلت حتى‏ بعض مثقفينا الذين لم يعلموا شيئاً عن القرآن والسنة النبوية، ان يصدقوا ذلك، فأخذوا يرددون معهم تلك الاقوال.
لذا لابد لنا من التمحيص فيما نسمع وفيما يقال قبل تصديقه. فإذا صدّق الانسان امراً دون دليل فهو مريض، فالانسان السوي ليس بوسعه ان يصدق ما يقال له دون دليل.

القرآن كتاب النشاط والحركة

يجب علينا مطالعة القرآن ولو مطالعة عابرة- إذ لا ضرورة للتدقيق فيه- لنرى هل ان الانبياء الذين كانوا يدعون الناس (الى دينهم) قد أضعفوا جمهور الناس؟ هل كانوا يخدعونهم؟ هل كانوا عملاء للقوى الكبرى؟.
ولنطالع القرآن نفسه مرة اخرى لنرى هل ان القرآن جاء لتعليمنا الاوراد والادعية والاحراز وامثال ذلك. ام انهم لم يفهموا؟ فإذا طالعتم القرآن ستجدون انه يدعو إلى التحرك والنشاط اكثر من بقية الامور. ستشاهدون عدداً كبيراً من الآيات تحرّض الناس على القتال. قتال مَن؟ ذوي القوى. وفيه آيات كثيرة حول كيفية الحرب. إذ كانت الحروب في صدر الإسلام بين ذوي القدرة ونبي الإسلام (ص) .. القرآن كتاب يحث على التحرك اكثر من أي شي‏ء آخر. كتاب يبعث الحركة في الناس. القرآن اخرج الناس من الخمود إلى الحركة وجعلهم يواجهون الطغاة.

حروب الرسول مع اصحاب القدرة والنفوذ

فقد واجه الرسول الاكرم (ص)- عندما كان في الحجاز- اصحاب القدرة، حيث كان بعضهم من التجار ذوي النفوذ والقدرة في مكة، وبعضهم من أثرياء الطائف كأبي سفيان وامثاله الذين كانوا يعيشون كالسلاطين والامراء وكانوا يمتلكون كلّ شي‏ء. إذ تصدى نبي الإسلام (ص) لهم. وعندما قدم المدينة لم يكن مع المثرين لتخدير المجتمع، بل كان مع الفقراء لإيقاظهم. وقد أثار الفقراء على الاغنياء الذين كانوا يبتلعون اموال الناس ويظلمونهم. لقد كانت حروب الرسول (ص) كثيرة وكلها كانت مع اصحاب القدرة والمثرين والظلمة.

الانبياء الالهيون في صراع مع الاشراف والظلمة

وإذا القينا نظرة إلى ما قبل ذلك، لرأينا سيدنا موسى (ع) حمل عصاه وواجه فرعون، لا ان سلطان مصر ارسله لتخدير الناس. بل اثار الناس على فرعون عصره بالعصا وبدعوته.
ورفع النبي ابراهيم (ع) فأسه وحطّم اصنام النبلاء وتصدى للاشراف من اجل عامة الناس والحيلولة دون ظلمهم. وقد كانت الامور المعنوية- دون ريب- المنطلق الاساس في هذه الدعوات. ولكنهم عندما كانوا يرون ان هناك ظلماً يمارس في المجتمع، كانوا يرون ان من الواجب عليهم مواجهة الحكّام الظلمة ومحاربتهم.

المسلمون غير الواعين في مواجهة الإسلام‏

اذن فدعواهم بأن هؤلاء من صنائع أصحاب السلطة جي‏ء بهم لتخدير الناس، ما هو الا كلام استعماري. أي انهم جاءوا بهم لصدّكم عن القرآن والإسلام وتقويض هذا السد. وقد نجحوا في تحطيم هذا السد في اوساط المسلمين. فقد غفل المسلمون عن مسؤولياتهم نتيجة لدعايات هؤلاء، حيث هبّ المسلمون لمحاربة الإسلام دون ان يلتفتوا إلى ذلك. فهذا هو معنى من يقول ما علاقة الإسلام بواقع الحياة. انها حرب مع الإسلام. انه جهل بالإسلام. ان من يقول ما شأن الإسلام والسياسة؟ هو حرب ضد الإسلام وعدم فهم له. فمثل هذه المسألة مطروحة بين المسلمين انفسهم، وكأن حرب قامت وتقام ضد الإسلام.

حث الناس على النهوض ضد اصحاب القدرة

ومن ناحية أخرى يجب ان يلاحظ ضد من كان يقاتل اولئك الذين كانوا دعاة إلى الإسلام؟ ان نبي الإسلام (ص) نفسه كان يحارب اصحاب القدرة المكّيين والحجازيين. وان الخلفاء- سواء الذين نرضاهم أو الذين لا نرضاهم- ارسلوا الجيوش لقتال سلاطين إيران والروم، لا انهم كانوا عملاء للسلاطين ليخدروا الناس. لقد كانت مهمتهم تتمثل في حث المسلمين والضعفاء والمستضعفين على النهوض ضد الاشخاص الذين يبتلعون الناس ظلماً. فلم يكن في الامر تساوم، بل كانت الحرب مستمرة في عصر نبي الإسلام (ص) وخلفائه من بعده.

الامام علي في مواجهة الظالمين‏

وفي الوقت الذي كان امير المؤمنين (علي بن ابي طالب) حاكماً كان قد ابتلي بالحرب الداخلية ورأى ان لم يقم بهذه الحرب فسيقضي معاوية على الإسلام. اذ كان معاوية حاكماً في الشام وكان يحيا كالسلاطين، لديه جيش وكافة الامكانات. وكان الامام علي بن ابي طالب على رأس السلطة الروحية وسيد الروحانيين، وحينما يأتي ليقاتل، يأتي للاعمار والتعريف بالخلافة، فانه لا يعمل على تخدير الناس كي يأتي اصحاب القدرة والنفوذ لابتلاع هؤلاء الفقراء .. وقد قاتل ايضاً. ومع مَن؟ مع معاوية الجالس في الشام. إذ ان وجوده كان يهدد الإسلام، وكان يعمل على استعباد الناس وظلمهم.

النضال السري للائمة (ع)

وقد قتل ائمتنا (عليهم السلام) جميعاً لانهم كانوا يعارضون جهاز الظلم الحاكم، ولو أنهم جلسوا في بيوتهم يدعون الناس لحكم بني امية وبني العباس لكانوا محترمين ومبجلين. غير أن أئمتنا رأوا أن ليس بوسعهم حشد الجيوش لعدم توفر مستلزمات ذلك، لذا لجأوا الى العمل السري، مما دفع السلطات الى سجنهم. حتى ان احدهم امضى عشر سنوات في الحبس. فهل كانوا يسجنونهم لصلاتهم وصيامهم؟ وهل سجنوا الامام موسى بن جعفر (ع) لانه كان يصلي ويصوم؟ ام أنه كان يدعو الناس لاتباع هارون الرشيد، والتزام الصمت مهما رأوا من ظلمه؟ أم أن الموضوع لم يكن كذلك. انهم كانوا يسجنون هؤلاء ويقتلونهم ويبعدونهم، لانهم كانوا يرون فيهم خطراً يهدد الحكومة. ولهذا سجنوهم وقتلوهم ونفوهم.

ائمة الشيعة والحركات الشيعية

يقال أن (المأمون العباسي) بعث برجل إلى المدينة ليأتي بالامام (علي بن موسى الرضا)- عليه السلام- إلى هنا. كذلك سجنوا الامام العسكري (ع) سنين عديدة في سامراء وشددوا عليه. أكل هذا لانه كان يريد اداء الصلاة؟ أو لان الامام (ع) كان نجل رسول الله (ص)؟! ولو كان ابن رسول الله (ص) يلتزم بيته ولا يتدخل في شؤون الناس، لإحترموه ولما كان ما حدث. ولما كان يثور- احياناً- احد الهاشميين ضد الحكومة. وإن كانوا يتظاهرون بعدم الرضا عنه. ولكن كان ذلك بأمر وتحريض منهم. فكان الامام (عليه السلام) يدعو لزيد وأمثاله الذين ثاروا ضد الخلفاء واصحاب السلطة.
لقد كان علماء الدين يعارضون دائماً أصحاب السلطة. فإذا رأيتم احياناً شخصاً أو عدة اشخاص داهنوا اصحاب السلطة، فانه اما منحرف وليس له علاقة بالإسلام. أو انه يرى ان الظروف غير مواتية ليعمل بتلك الصورة.

تحطيم السدود والنهب‏

لقد حطّموا هذين السدين- الإسلام وعلماء الدين- عند المسلمين بالدعايات. وفصلوا الناس عن حقائق الإسلام وعن علماء الدين المتحضّرين، وتسخير ذلك لخدمتهم واستثمارهم. لقد قاموا بالدعاية وعندما تحطّم السد، جاؤوا واخذوا النفط بكل حرية دون أن يجرؤ احد على الاحتجاج، ولم يعترض احد. وقد حجروا على ثقافتنا التي كانوا يرونها خطراً عليهم واستبدلوها بثقافة استعمارية. ولا توجد اليوم ثقافة مستقلة وضع اسسها عقلاء القوم، وهم يتدخلون الآن في كل شي‏ء، فلا يسمحون بتخريج طبيب حاذق ولا سياسي صالح. فالسياسيون الذين يعدونهم لنا هم اولئك الذين يعملون على تنفيذ مصالحهم واهدافهم.
وهذه هي ثقافتنا. لقد حطموا هذه السدود واخذوا اموال المسلمين ونهبوها بكل حرية. وهذه هي إيران كما ترونها، حيث ينهبون نفطها الآن بدرجة إذا ما استمر هذا الوضع لم يبق منه شي‏ء بعد سنوات معدودة. وانهم يفعلون ذلك خشية من ان يأتي أحد ويحول دون ذلك .. لقد ابتليت إيران منذ عهد رضا شاه إلى الآن بحكومة قدّمت كرامة إيران بكلتا يديها لسراق النفط.

مشروع (الاصلاح الزراعي)

وعندما تنظرون إلى إقتصاديات الشعب ترون بأنهم قضوا على زراعتنا بالكامل باسم (الاصلاح الزراعي) الذي كان خطة اميركية. وكم من مصيبة حلت بنا من جرّاء هذه الاصلاحات. وهذه البلاد الزراعية التي كانت محافظة آذربيجان أو خراسان وحدها تستطيع تأمين قوت هذا الشعب، وصلت بها الحال الآن إلى ان كلّ انتاج إيران الزراعي لا يكفي الّا لثلاثين أو ثلاثة وثلاثين يوماً. والبقية من أين؟! لقد جعلوا من البقية سوقاً لاميركا. اذ لدى اميركا فائض، وكانوا يحرقونه أو يرمونه في البحر، والان باتوا يبيعونه ويأخذون مقابله النفط .. وهكذا قضوا على زراعتنا واصبحنا اذلاء لهؤلاء وسوقاً رائجة لهم، وبتنا مستهلكين.
والضرر الآخر هو ان المزارعين المساكين الذي قضي على زراعتهم، رحلوا إلى المدن وغالبيتهم رحلوا إلى طهران، جاءوا إلى ضواحي طهران واقاموا مع اسرهم الكبيرة في الاكواخ والخيام والبيوت الصغيرة المبنية من الطين، وهم يعيشون حياة مليئة بالمصائب. فليس لديهم ماء ولا كهرباء ولا طرق معبدة ويعيشون في كهوف، وإذا ما ارادوا ان يجلبوا الماء لاطفالهم، فان على هذه الامّ البائسة ان تصعد في الشتاء القارص سلماً طويلًا لا اتذكر عدد درجاته، ربما تصل إلى مائة درجة احياناً، تصعد هذا السلم الطويل كي تصل إلى الشارع وتملئ جرّتها بالماء وتعود من الطريق ذاته .. هؤلاء هم (المزارعون العظام) الذين اوجدوهم، وهذه هي (بوابة الحضارة) التي اقاموها لنا .. هذه هي قضية زراعتنا حيث دمروها بالكامل، فلم تعد لدينا زراعة، وليس من الواضح الى أين سينتهي عليه الامر.

النفط والقواعد الاميركية

ومن ناحية أخرى يهبون نفطنا إلى اميركا. ولكن ما الذي يأخذونه مقابل ذلك؟. لابد لي من قول هذا وتكراره كلّ يوم لعل هناك من لم يسمع به .. ما الذي يأخذونه مقابل النفط؟ الاسلحة. واية اسلحة؟ الاسلحة التي لا تتمكن إيران من استعمالها. يجهلون طريقة استعمالها. لمإذا يقدمون هذه الاسلحة؟ ليبنوا قاعدة عسكرية اميركية لهم في إيران. فهم يبتلعون النفط وثمنه. فهل تتصورون ان هؤلاء يسلمونا ثمن النفط؟ انكم مخطئون. انهم ينهبون النفط ويأتون بالاسلحة، الاسلحة التي لا يوجد نظير لها حتى في فرنسا، يقدمها الاميركان إلى هؤلاء. ولكن هل يقدمها إلى إيران؟ كلا. بل لانشاء القواعد العسكرية لهم.

نهب النفط وتدمير إيران‏

يعلم الله أي خيانات ارتكبها هذا الشخص غير الكف‏ء المدعو محمد رضا، ضد الإسلام والمسلمين. لا يمكنني واياكم الاطلاع على ذلك. دعوه يَمت أو يخرج من هذا البلد وحينها ستنكشف الحقائق. لقد سجل بعض الاشخاص التاريخ بالتأكيد، وعندما تنشر التواريخ سترون عندئذ ما فعل هؤلاء بهذا البلد، وبالنفط الذي يقول حضرته انه سينفذ بعد ثلاثين سنة ويجب ان نفكّر منذ اليوم بالاستفادة من الطاقة الشمسية. فهل السيد الذي لا يستطيع ان يعمل شيئاً للمصباح النفطي بوسعه استخدام الطاقة الشمسية؟ لماذا سينفذ النفط؟ لأنه ومنذ اكثر من عشرين عاماً- حسبما نقل احدهم- يتدفق عبر أنابيب يتجاوز قطرها عدة امتار ويعطي لاميركا. فالنفط يرسل عبر هذه الانابيب وتأتي عوضاً عنه اسلحة لتشييد قواعد للاميركان. فلو كان هؤلاء يصدرون النفط ويبيعونه بشكل صحيح، أي يباع بما يتناسب وحاجة البلد لأمكن أن يبقى النفط عندنا لمدة مائتي سنة اخرى، رغم كل السرقات التي تقوم بها هذه الاسرة وحاشيتها. إذاً هو الذي يعمل على تضييع نفطنا ونفاده. يقول اريد تصنيع البلاد! فليست القضية قضية التصنيع، ولا قضية مصنع صهر الحديد، لا تُخدعوا. وانما هي قضية قاعدة عسكرية للاتحاد السوفييتي. يريدون ان يتردد عملاء الاتحاد السوفيتي براحة بال ويقومون بمهامهم. فغازنا الطبيعي يأخذه اولئك، ونفطنا هؤلاء، ولا يوجد بعد ذلك لا نفط ولا غاز ولا أي شي‏ء آخر. والان نفذ ما كان يقوله: (ان تركت إيران سأحولها إلى تلّ من تراب). وإذا بقي سيقوم بأسوأ من ذلك، ولكنه إذا ذهب فمن الممكن ان يأتي اشخاص صالحون وامناء ويستلمون الأعمال ويحفظون نفطنا ليكون لنا.

نحن ومظاهر الحضارة

ان كلّ هتافاتنا من اجل هذا، وليس لأننا لا نريد وجود مظاهر الحضارة. يقول حضرته ان علماء الدين يقولون (اننا لا نريد مظاهر الحضارة، ونريد الآن ركوب الحمير والتنقل بها) .. ماذا نقول لمثل هذا الشخص المتخاذل؟ نحن الذين نصرخ ونقول اننا نريد جميع مظاهر الحضارة. ولكن هل من مظاهر الحضارة ان تفعل الاحكام العرفية هذه الافعال بالناس؟ لقد قتلوا في هذه الايام القليلة الماضية صغار البنات اللاتي تتراوح اعمارهن بين ثمانية وتسعة اعوام، فقد سبق لهم أن اراقوا دماء الجامعيين وطلبة الثانويات الذين هم الآن في حالة اضراب والآن توجهوا نحو المدارس الابتدائية والاطفال الصغار في المدارس الابتدائية لإراقة الدماء .. انهم يتمادون في التخريب والتدمير وفي قتل أبناء الشعب.

مستشارون اميركان لقتل الجماهير

اننا نصرخ من اجل ان يمتلك الشعب امواله بنفسه، وان يحكم نفسه بنفسه. لا نريد المستشارين من اميركا. ستون الف مستشار ولا يمكن ان نتصور مبالغ ميزانيتهم. لا تنفقوا ميزانية البلاد على المستشارين بعد هذا. من الغريب انهم يشيّدون لهم قواعد عسكرية ويأتون بالمستشارين ونحن ندفع نفقاتهم.
نعطي نفطنا من اجل تشييد قواعد .. تأملوا انتم في الأمر واحسبوه جيداً .. اسلحة لا تخدم إيران بأي وجه. اسلحة تنفع للحروب الكبرى التي تندلع بين القوتين العظميين، ولا تنفعنا. فنحن لا نحتاج لمثل هذه الاسلحة، اذ تكفينا المدافع الرشاشة التي يتسنى لنا استخدامها في تنظيم امورنا الداخلية. اننا لا نفكر بالحرب. فهل بوسعنا الآن ان نحارب روسيا أو اميركا؟! نحن نتمكن من محاربة سوق طهران. حسناً فهذه المدافع الرشاشة تكفي. نحن نتمكن من محاربة الجامعة والطلبة الجامعيين. بل وقد وصل الامر الآن إلى محاربة طلبة المدارس الاطفال في سن الثامنة والتاسعة .. لقد قرأت يوم امس أو قبل يومين بأنهم هجموا على احدى المدارس الابتدائية وراحوا يضربون الاطفال ويشتمونهم .. حسناً، فان هذه المدافع الرشاشة تكفي لقتل أبناء شعبنا. فليس لنا حاجة إلى تلك الاسلحة. فهذه ليست لنا. انها لُاناس آخرين، لاولئك الذين يتمكنون من استعمالها، انها اميركا .. فنحن اعطيناهم النفط وشيّدنا قواعد لهم. وطالما هناك اموال النفط، نأتي بالمستشارين وندفع لهم الاموال. ان هذه الأعمال هي التي اوصلت البلاد إلى هذا الوضع المتردي.

نصرة الثوريين وفضح الطواغيت‏

لقد ثار شعب بلادنا الآن ومن الواجب علينا مساعدته بالمقدار الذي نتمكن منه .. اجلسوا إلى اصدقائكم الاوروبيين وحدّثوهم، وليتحدث كلّ واحد منكم إلى عشرة من هؤلاء. انكم تبلغون عدة آلاف ويمكنكم ان تطرحوا قضاياكم على عدة آلاف من الناس. لقد زيفوا اوضاع إيران واخبارها. وهذا الرجل (الشاه) يعطي للصحف- الصادرة في الغرب- مائة مليون دولار للدعاية، ليزيفوا الحوادث في إيران. انكم إيرانيون، اطرحوا قضايا إيران على الاوروبيين، واكتبوا إذا استطعتم في الصحف والمجلات. يجب ان لا نكون غير مبالين بالنسبة إلى قضايا الشعب الذي يضحي بنفسه من اجلكم. انه يضحي بشبابه، وغداً اربعينية شهداء الجمعة السوداء «1» .. انني اجهل المصائب التي ستحل على هذا الشعب. انه صامد بكل بسالة ويقدم الضحايا. حتى ان الاطفال الذين تتراوح اعمارهم بين السبع والثماني سنوات يهتفون: ليسقط الحكم البهلوي، يتظاهرون ويقتلون، وغداً سيهتف بذلك عدد آخر من الاطفال. هكذا انتفضت ايران ونهضت عن بكرة أبيها. فمن الواجب علينا مساعدتهم وألّا نكون غير مبالين .. بوسعنا ان نتحدث إلى الشعوب، ان نكتب في الصحف. لابد من توعية العالم بالمصائب التي تحل على شعبنا .. لقد حان وقت الصلاة .. حفظكم الله جميعاً ووفقكم بمشيئته تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

«۱»-اطلق الشعب الإيراني على يوم الجمعة الموافق ۱۷ شهريور ۱۳۵۷ ه-. ش، الذي شهد مجزرة جماعية راح ضحيتها عدد كبير من المتظاهرين المظلومين في ساحة الشهداء، اسم«الجمعة السوداء»-.


امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378

جمله طلایی

فراز طلایی

دیدگاه ها

نظر دهید

اولین دیدگاه را به نام خود ثبت کنید: