بسم الله الرحمن الرحيم
ينبغي معرفة الإسلام بمختلف ابعاده
أرى من الواجب أن اذّكر السادة لا سيما الشباب داخل البلد والموجودين خارجه، ببعض الأمور: إن اهتمام جماعات مختلفة من العلماء أتّجه- بعد مضي فترة على الإسلام- إلى المعنويات والآيات والروايات المتعلقة بالمعنويات وتهذيب النفس، ولم يتم الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والسياسية في الإسلام أو كان الاهتمام بها قليلًا! ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تتناول الجوانب المعنوية، أي الجانب الانساني من عالم الغيب. وقد تركز اهتمام هذه الجماعات على هذا الجانب دون الجوانب الأخرى. ثم ظهرت شيئاً فشيئاً جماعات اهتمت بالقضايا الاجتماعية والاحكام السياسية والحكومية فقط! فالمجموعة الاولى مثل الفلاسفة والعرفاء والصوفية ظلوا فترة ينظرون إلى ذلك الوجه من الورقة، حتى أن بعضهم كان يسعى ارجاع الروايات والآيات المتعلقة بالامور الطبيعية والاجتماعية والسياسية إلى الامور المعنوية! إنهم كانوا يهتمون بجانب واحد من الإسلام وتغافلوا عن الجانب الآخر، وكانت هذه إحدى مصائب الإسلام!
أما الآن أصبحت مصيبة الإسلام بشكل آخر، فالشباب والمثقفون وعلماء الطبيعة يسعون لارجاع جميع الآيات والروايات إلى تلك الامور الطبيعية، وحتى الآيات المتعلقة بالمعنويات يرجعونها إلى الامور الطبيعية والمادية! فهؤلاء ينظرون إلى جانب واحد أيضاً ويغفلون عن الجانب الآخر، وكلتا الطائفتين لم تدرك حقيقة الإسلام بكامل المعنى! فقد جاء الإسلام والقرآن الكريم ليربي الإنسان بجميع أبعاده التي يمتلكها.
مراتب الإنسان من النبات إلى ما هو اسمى
إن نمو الإنسان في البداية لا يختلف عن النبات، فكما أن نواة التمر أو بذرة أي شيء آخر تنمو في التراب، فنطفة الحيوان تحلّ في الرحم أيضاً وهي بذرة، هناك مكان نموها، فإذا صنعوا في وقت ما مكاناً له نفس المواصفات فسيمكن تربية النطفة فيه كالرحم، فمن الممكن ان تنمو النطفة وتصير إنساناً، فالإنسان والنبات سيّان في هذا الامر يزرعان وينموان بالقوى التي جعلها الله تبارك وتعالى في الارض وفي الرحم.
وهذا النبات نبات إلى الابد وثمرته ثمرة نبات أيضاً، أما جميع الحيوانات- ومنها الإنسان- ممّا لا يزرع في الارض، يرتفعون عن رتبة النبات، ويجدون روحاً حيوانية، ويمتازون على الموجودات النباتية، ولكنهم جميعاً حيوانات، وعندما تولد الحيوانات تنفصل عن موضعها، وهذا امتياز ايضاً عن النبات. فإذا فصل النبات انتهت حياته فيما بعد، أما الحيوانات فإنها تنفصل عندما يقتضي الامر وتكمل وجهتها النباتية وتظهر حالتها الحيوانية وتنقطع احتياجاتها عن الرحم وتأتي إلى هذا العالم.
وتشترك جميع الحيوانات في الأكل والنوم والشهوة، ولا فرق بينها إلا في الادراك، كالقرد الذي يدرك أكثر من بقية الحيوانات. ولكن الإنسان يختلف عنها في الادراكات وفي غايات الادراكات. إن إدراكات الحيوانات محدودة، ولكن ادراك الإنسان واستعداده للتربية فغير متناهية.
إذن يشترك الإنسان مع جميع النباتات والحيوانات لكنه يزيد عنهم شيئاً وذلك أن للإنسان قوة عاقلة لا تمتكلها تلك.
الإسلام يتولى تربية الإنسان بكل ابعاده
فلو كان نمو الإنسان في مستوى نمو الحيوان فلم يعد حاجة للأنبياء. فالحاجة للانبياء سببها ان للإنسان رتبة فوق الحيوانية وفوق العقل، إلى ان يصل إلى مقام لا يمكن التعبير عنه، واخيراً المقام الذي يعبر عنه بالفناء، كذلك يعبر عنه (كالألوهية)، وما هي إلّا تعابير ليس اكثر. ولا يمكن للبشر ان يتعهد بتربية جميع الأبعاد الجسمية والروحية والعقلية وما هو فوق عقل الإنسان، لعدم اطلاع الإنسان على احتياجاته وكيفية تربيته فيما وراء الطبيعة.
فلو جنّد الإنسان كل قواه فان اقصى ما يستطيع فهمه هو هذه الطبيعة وخصائصها. حتى خصائصها لم يتمكن ان يتعرف عليها كلها حتى هذه اللحظة. صحيح ان العلم تقدم كثيراً غير أن لازال الكثير لم يكتشفه الإنسان بعد. ولكن مهما يكن فان ما يتمكن من التعرف عليه يعود إلى هذا العالم.
وما يمكن للبشر أن يدركه ويقع ضمن حدود إدراكه الطبيعي هو أنه يستطيع في وقت ما أن يدرك ويكتشف جميع مزايا عالم الطبيعة والاشياء المتعلقة بكمال الطبيعة ورقيّها، لكن حدوده حدود الطبيعة لا أكثر، وليس له اطلاع على تلك الناحية الاخرى، ولا يعلم شيئاً عن كيفيتها! وإذا سعى الإنسان إلى آخر عمره فإن كل ما يستطيع ان يفهمه يتعلق بالعلة والمعلول والسبب والمسبب والعلاقات الموجودة بين الأشياء الطبيعية، مثل العلاقة بين الزلازل والأرض، ومتى تحدث الزلازل؟ وما هي نتائجها وآثارها؟ أهي افقية أم عمودية؟ فإن فهم كل ذلك ولنفرض انه لم يبق لديه ما يجهله حولها، فكلها أيضاً تقع ضمن حدود الطبيعة ولا يستطيع ان يخطو أبعد منها!
انكار ما وراء الطبيعة، نتيجة لدرك ناقص
ولذلك فقد أنكرت طائفة من الفلاسفة الطبيعيين ما وراء الطبيعة بلا دليل لانها ليست حسية ولم يستطيعوا إدراكها، أي قالوا مثلًا: بما أننا لم نشاهد العقل المجرّد ولم يظهر فوق طاولة التشريح فلا وجود له! في حين ينبغي له ان يقول (إنني لا أعلم) لا أن يقول (إنه غير موجود!).
وعندما تُكتشف الطبيعة بجميع أبعادها، لا يمكنه تأمين ما هو أكثر من الحاجات الطبيعية، وكل ما يحصل هو هذه الحاجات الطبيعية، غاية الأمر ان ذلك يأتي وفقاً للقوى المختلفة التي اكتشفت حتى الآن!
فمثلًا يلاحظ الإنسان اليوم أنه عندما يريد الذهاب إلى مكان ما يحتاج إلى ركوب الطائرة، أما في السابق فكان يركب الجمل. وسيكون أحياناً ما هو أرقى من ذلك. ولكن كلها ضمن حدود الطبيعة والاحتياجات الطبيعية.
ولو كان الإنسان في حدود الطبيعة ولم يكن أكثر من ذلك، لما كانت له حاجة عندئذ ليرسل إليه شيء من عالم الغيب لتربيته. ولكن الخصائص الموجودة في الإنسان تدل على أن هناك ما هو وراء طبيعته، ولما كان للإنسان ما وراء الطبيعة كما تدل على ذلك البراهين الفلسفية الثابتة، فلابد أن له عقلًا مجرداً بالامكان يصير مجرداً تاماً بعد ذلك، ولابد للذي يربي هذه الصورة المعنوية في الإنسان ان يكون له علم حقيقي بتلك الناحية ومعرفة بالعلاقات الموجودة بين الإنسان وبين تلك الجهة، ولا يملك البشر ذلك. وإنما يستطيع الإنسان أن يدرك هذه الطبيعة، ولكنه مهما حاول فلا يمكن مشاهدة ماوراء الطبيعة بالمكبّرات! وبما ان هذه العلاقات خفية عن الإنسان ولا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى الذي خلق كل شيء فإنه يعلم هذه العلاقات، ولذلك يوحى لعدد ممن اتّصفوا بالكمالات المعنوية وصارت لهم علاقات مع عالم الوحي، فيبعثون لتربية الناحية الثانية في الإنسان ويرسلون إلى الناس لتربيتهم.
بعثة الانبياء من اجل التربية الالهية وسعادة الإنسان
وليس لله تبارك وتعالى أي حاجة إلينا والى تربيتنا، ولا يناله نفع إن أشركنا جميعاً أو أصبحنا موحدين، وكل ذلك يتعلق بأنفسنا، فبعث الانبياء لتربيتنا بحيث نتربى في الناحية الثانية بشكل تسعد به حياتنا هناك أيضاً. وإذا لم تكن هذه التربية، ويرحل الإنسان من هذا العالم إلى ذلك العالم بتلك الطبيعة الحيوانية، يصل إلى الشقاء والظلمات.
لقد بعث الانبياء لتوعيتنا بعالم الطبيعة ومن ثم وشيئاً فشيئاً تربيتنا التربية المعنوية المطلوبة، بما يوحي به الله تبارك وتعالى.
ولو لم يكن الأنبياء، لكنا حيوانات ولا نملك غير الطبيعة! لقد بعث الأنبياء لتقويتنا حتى إذا ما انتقلنا إلى العالم الآخر كنا سعداء هناك أيضاً.
والغاية من إرسال الانبياء هو تربية هذا الإنسان الذي يمكن تربيته وهو أسمى من الحيوان، وهذا هو عطاء منحه الله تبارك وتعالى للبشر. وتربية الأنبياء هي بيان الامور التي تربط بين هذا العالم وذلك العالم، والتي إن أدّيناها تساعد على تربيتنا المعنوية.
إننا لا نعلم ما هي العلاقة بين الصلاة والسعادة في ذلك العالم؟ كما أنني وإياكم- ونحن لسنا أطباء- لا نعلم ما العلاقة بين هذا القرص الذي يعطيه الطبيب وبين ذلك المرض؟ ويدرك ذلك من له علم به. مثلما يعلم الأنبياء العلاقة بين الاعمال الصالحة وذلك العالم.
وإذا أكل الإنسان شيئاً مسموماً يُسمّ ويهلك، والامر هو كذلك في عالم ما وراء الطبيعة والروح، بحيث إن عمل ببعض الامور أو اعتقد بها يكون ذلك كالسمّ الزعاف، من الطبيعي أن يسم هذا السم الإنسان ويمكن علاجه أحياناً ولا يمكن علاجه بعض الاحيان.
لقد قالوا لنا لا تقوموا بهذا العمل ولا تفعلوا ذلك، وبعض الامور التي فهمها اولئك (من الأوامر والنواهي) هو لتنظيم عالم الطبيعة أيضاً، ولكن هناك امور كثيرة لا تعود إلى تنظيم الامور الاجتماعية، بل تعود إلى ماوراء الطبيعة. لان الإنسان مجموعة يحتاج إلى كل شيء. وبعث الانبياء ليبينوا جميع احتياجات الإنسان، فإن عمل الإنسان بها نال السعادة الكاملة.
معرفة الإسلام تستوجب الاهتمام بالجوانب المادية والمعنوية معاً
وبناء على ذلك فإن هاتين الطائفتين اللتين أخذت إحداهما الجانب المعنوي وتركت الجانب الاجتماعي، وتلك الطائفة التي أخذت الجانب الاجتماعي وعلم الاجتماع وعلم السياسة وتركت الجانب الآخر، لا علم لهما بالإسلام لأيّ منهما!
فالعالم بالإسلام هو من يعرف البعد المعنوي مثلما يعرف البعد الظاهري أيضاً، أي أن يعلم نواحي الإسلام المعنوية والمادية معاً. فالذي يريد معرفة الإسلام يجب ان يكون عالماً بالآيات والروايات والأحكام المتعلقة بالابعاد المعنوية، وكذلك الأحكام التي وضعت لتنظيم امور المجتمع والشؤون السياسية والحكومية! ومن عرف هذين البعدين فهو الذي عرف الإسلام.
ليس الإسلام كرهبانية المسيحية- ولا شك في أنهم شوهوا دين المسيح (ع)، ذلك لأن دين المسيح لم يكن يقتصر على الناحية الروحية-. وليس الإسلام كدين موسى (ع) ليركز اهتمامه على الامور الطبيعية- من الطبيعي أن النبي موسى، عليه السلام، كان من انبياء أولي العزم وكان دينه كاملًا بقدر حاجة الناس- ولكن حرّف كتابا الرسولين موسى وعيسى (ع) كليهما، ومافي أيدي هؤلاء ليس الانجيل والتورات الاصليين! ولكن كتابنا بحمد الله محفوظ لحد الآن حتى أنه يوجد الآن قرآن بخط أمير المؤمنين (علي (ع)) أو الامام السجاد (علي بن الحسين (ع)) الذي هو نفس هذا القرآن ولم يتغير قط.
على اي حال، ونظراً الى أن الاسلام قد جاء لتربيتنا جميعاً، فمالم نلتزم بتعاليمه كاملة تبقى تربيتنا ناقصة.
وأنتم أيها الشبان الاعزاء المشغولون بالعلوم الطبيعية أو الاعمال الجهادية، ليس أحدكم فرداً طبيعياً أو مجاهداً فقط، صحيح ان كل فرد منكم منهمك في الوقت الحاضر بما تقتضيه الظروف الراهنة، ولكن لابد لكم من ممارسة الجهاد الاكبر، وهذا يعني أن مسؤولية جسيمة تقع على عاتقنا تتمثل في مساعدة اخوتنا المسلمين في ايران. على الاقل أن نمد لهم يد المساعدة في الدعاية والاعلام لقضاياهم. فلا يصح أن تتناسوا قضية ابناء شعبكم بذريعة انكم منشغلون بتحصيل العلوم الطبيعية. فالانسان الطبيعي هو الذي يوازن بين اموره المادية والمعنوية. يجب ان تهتموا بجميع أحكام الله، فلا يمكن لمسلم ان يقول إني أقبل جهاد الإسلام ولا أقبل معنوياته! ولا أن يقول مسلم أقبل معنويات الإسلام ولا أقبل جهاده! بل عليه ان يقبل الجميع. فالمسلم هو الذي يعتقد بجميع ما جاء به النبي الأكرم (ص) ويعمل به! وبناءً على ذاك لا تستخفوا بهذه الاحكام الظاهرية التي لا يُهتم بها- لعدم معرفة كنهها وما هي العلاقة بين روح الإنسان وهذا الحكم- فهي ذات أهمية لكم ولحياتكم في ماوراء الطبيعة، فأكملوا جهادكم الظاهري وعلومكم الطبيعية والتزمواً أيضاً بالامور المعنوية والنواحي الالهية كي تسعدوا!
واجبنا تعريف العالم بقضايا نهضتنا
أسعدكم الله جميعاً ولنعمل جميعاً بواجباتنا الشرعية، وأحد واجباتنا إزاء هذه الحركة والانتفاضة التي وجدت في إيران والتي يضحّي من أجلها الناس بأرواحهم وأموالهم وأولادهم، أن نساعدهم نحن المقيمين هنا ما استطعنا! فانشطوا إعلامياً وبيّنوا قضية إيران لأهالي المنطقة التي تقيمون فيها سواء في اميركا او اوروبا أو أي مكان آخر تتواجدون فيه. تحدثوا الى اصدقائكم ومعارفكم ومن تلتقون بهم وفي أي وقت وكلما سنحت الفرصة لذلك. تحدثوا لهم عن الاوضاع المأساوية التي يتجرع مرارتها ابناء شعبكم. تحدثوا عن الممارسات اللاقانونية التي ارتكبتها هذه الأسرة البهلوية وهذا الشاه الذي هو اكثر خيانة وجناية من جميع السلاطين الذين جاؤوا حتى الآن، لعلّ ذلك يحدث تحركاً في اوساط هؤلاء يدفع حكوماتهم لدعم انتفاضة الشعب. فالذين يتحلون بالمنطق والانصاف يساعدون إيران للتخلص من شرّ هذا المأجور إن شاء الله وتعود إيران اليكم لتديرونها بأنفسكم.