بسم الله الرحمن الرحيم
اعتراف وزير خارجية بريطانيا
لقد باح وزير خارجية انجلترا بما قلناه مراراً! وكنا قد قلنا منذ البداية إن الشاه السابق- رضا شاه- قام بانقلاب عسكري بأمر من إنجلترا وحينما ارتكب خطأ طردوه ونفوه الى جزيرة موريس. وإن الشاه الحالي هو لحفظ مصالح الحلفاء في إيران (الاتحاد السوفيتي واميركا وبريطانيا). فقد قال وزير خارجية انجلترا قبل أيام: لا يمكننا السكوت إزاء التطورات الإيرانية والشخص الذي يحافظ على مصالحنا!
بيد أن الشيء نفسه ينطبق على ثورة الشعب الإيراني، فهي أيضاً تقوم على نفس الأساس الذي استدل به وزير خارجية انجلترا!
إيران غارقة في الدماء
إن الشعب الإيراني اليوم غارق في الدماء، إذ يقتل شبابه قتلًا عاماً، وتعم الثورة كافة أنحاء البلاد سيما المدن المهمة الكبرى .. فقد ذُكر بأن مدينة زنجان تحترق، وإن طهران تعيش الثورة في كل نقطة منها. وكذلك المدن الأخرى. وإنني أخشى أن تصل الأوضاع إلى حد لا يمكن السيطرة عليها. أن عقل وزير خارجية انجلترا وكذلك عقول وزراء خارجية هذه الدول، لا يدركون بأنه لا يمكن مواجهة شعب بأكمله .. إن رؤساء الدول الكبرى يتصورون بأنهم يجب ابتلاع العالم لأنهم قوى كبرى.
فشل الأحكام العرفية والانقلاب العسكري
فإذا ثار شعب بأجمعه وضحى بما عنده لنيل حريته واستقلاله، فلا يمكن إخماد هذه النار بالحراب والأحكام العرفية! انه احد الاخطاء التي يرتكبها هؤلاء. فاذا كانت الحكومة العسكرية مجدية، فان اكثر من اثنتا عشر مدينة تقبع رسمياً تحت نير الاحكام العرفية، بل ان ايران بأسرها تدار من قبل الاحكام العرفية غير المعلنة. فالحكومة التي تهيمن على الاوضاع الان في ايران حكومة عسكرية. غير أن الناس لا تنصاع للاحكام العرفية. فالذي تخلى عن كل شيء لا تخيفه الاحكام العرفية.
فالناس يقاومون ويطالبون بحقوقهم المشروعة. إذ لسان حالهم يقول: اننا امضينا خمسين عاماً في الكبت ولم نعد نطيق ذلك. اكثر من خمسين عاماً، وان شبابنا الذين يبلغون الآن اربعين او خمسين عاماً، عانوا من الكبت منذ ان فتحوا عيونهم على هذه الدنيا.
إن لدى الناس موضوعان: الأول ان هذا الشاه، ليس ملكاً دستورياً وإنما ملك استبدادي، وما قام به من جرائم لا يمكن ان تغتفر! فلو فرضنا أنه بصدد التوبة الآن ويقطع على نفسه وعداً بأنه لن يرتكب مثل هذه الأفعال المشينة وأنه سيتصرف طبقاً للدستور .. لنفترض أنه صادق في قوله ووعده. ولكن من ارتكب كل هذه الجرائم وهذه المذابح، يأتي الآن ويقول (إني تبت) هل تقبل التوبة منك؟.
إن الذي يأمر بقتل أحد، وإن لم يباشر القتل بنفسه، يحكم عليه في الإسلام بالسجن المؤبّد، فالذي أمر بقتل أفواج من الشعب، يقول الآن إنني من بعد هذا أملك ولا أحكم!! خسئت أن تملك! فالملك إنما لمن كان ملكه قانونياً. وكلنا نعلم أن الملكية البهلوية غير قانونية، فمنذ البداية عندما دخل رضاه شاه إيران وقام بانقلاب عسكري كان ضابطاً ثم صار وزيراً للدفاع ثم شكّل الحكومة المؤقتة، وقد تم كل ذلك بالحراب. ان الشعب الايراني لم يتعرف في البدء على حقيقة هذا الشخص، فلم يعترض، غير أنه بدأ يظهر على حقيقته بالتدريج ويفصح عن مكنوناته. إذ عمل على تقويض مكانة ايران واعتبارها. فقد أنشأ مجلساً نيابياً بالقوة لعزل القاجاريين عن العرش والوصول إلى الحكم، وكان الناس في غفلة من ذلك. وقد استغل انصراف الناس عن ذلك لترتيب الاوضاع بنحو يؤول اليه العرش دون ان يعترض احد. فقام المجلس الذي عيّن نوابه بالحراب بالتصويت له وحذف بنود من الدستور واحلال بنود اخرى محلها كي يتسنى الغاء الحكم القاجاري وانتقال السلطة له، وكل ذلك قد تم تحت قوة الحراب. وهكذا جاء الى السلطة بقوة الحراب. خلافاً لارادة الشعب وللدستور. ومن ثم انتقلت الملكية فيما بعد إلى ابنه، قال الابن نفسه عنها: إن دول الحلفاء قالت: ينبغي أن تكون أنت على رأس الملكية! فقد كانت غير قانونية منذ البداية. ليس الاب وحده كان خارجاً على القانون، وانما الابن كان كذلك ايضاً غير أن الناس لم يكن بوسعها أن تفعل شيئاً. ولكن الآن تغير الوضع بحمد الله وبات بمقدورهم الاعتراض والرفض وان كان ذلك يكلفهم غالياً.
ولنفرض الآن أن لشخص ملكية قانونية، فإذا خان الشعب وخالف الدستور يعزل وليس بملك بعد ذلك. يقول (الشاه) سنمنح الشعب الحرية! إن هذا الشعب حرّ طبقاً للدستور وطبقاً للشرع المقدس. لقد منح الدستور الحرية للشعب، فهل تريد أن تمنحه الحرية الآن؟! يُفهم من ذلك أنك كنت قد سلبت الحرية، وهذا هو إقرار بالجريمة!
إن صراخ الناس هو أننا لم نكن أحراراً في عهد ملكية هذا (الشاه) وأبيه، ولم يشاهد أبناؤنا إلى اليوم الحرية بأعينهم، وأينما فتحوا أعينهم رأوا على رأسهم شرطياً أو عسكرياً أو موظفاً أو ناهباً! ويقول من سلب حرية الشعب بنفسه إنه غير صالح للملكية.
ولنفرض أنه كان ملكاً، أما اليوم فالشعب كله يقول لا نريد الشاه، يهتف بالموت لهذه الأسرة البهلوية. إنه استفتاء عام يشارك فيه الشعب بأسره ويعلن عن رفضه للأسرة البهلوية .. وإن أحد أسباب هذا الرفض هو أنه سلب حريتنا وسببه الآخر هو أنه باع ثرواتنا للآخرين، يعطي نفطنا بلا مقابل، دون أن يعلم لماذا هذه النفقات؟!
أجل إنه يشتري الاسلحة من أميركا، ولكن لتشييد قواعد عسكرية أميركية مقابل الاتحاد السوفيتي، فينهبون النفط وثمه معاً! لقد دمر اقتصادنا وأفسد ثقافتنا، وعندما ننظر إلى الجيش، نراه جيشاً تحت إشراف ستين ألف طفيلي أميركي باسم المستشارين الذين لا أدري ماذا يعملون؟! جيش غير مستقل ولا يستطيع القيام بعمل، إذن ليس لدينا جيش ايضاً!
لقد عمل هذا النظام على تدمير اقتصادنا. فمن جهة يبدد نفطنا بنحو لم نعد نملك نفطاً بعد عدة سنوات. ومن جهة اخرى قضى على زراعتنا تحت عنوان (الاصلاح الزراعي)، حيث حوّل اسواقنا الى سوق مستهلكة للمنتجات الاميركية حتى اصبحت كل احتياجاتنا تأتي من الخارج. ولو تسنى لهذا- الشاه- البقاء عدة سنوات اخرى، فسوف يقضي على نفطنا وزراعتنا بالكامل، ولا ادري كيف يتسنى للجيل القادم العيش بعد ذلك؟
إنهم مكلفون بفرض التخلف على ثقافتنا وعدم السماح بوجود أفراد متعلمين تعليماً صحيحاً ومستقلين يتمتعون بتفكير حرّ، يريدون أن لا يسمحوا بوجود جيل يفكر باستقلاله ويتسلم إدارة شؤون البلاد، بل يجب أن يكونوا اشخاصاً طفيليين، ملتزمين بالسياسة الاميركية والانجليزية والسوفيتية ليتمكنوا بواسطتهم من تحقيق مصالحهم! إذن ليست لدينا ثقافتنا ايضاً، فما لدينا بعد ذلك؟! اما فيما يتعلق بالجيش، فنحن نرى قواتنا المسلحة يهيمن عليها المستشارون الاميركان. فهل يمكن القول أن لدينا جيش؟ ان هناك اكثر من ستين الف طفيلي اميركي في ايران تحت عنوان مستشار، ولا ادري ماذا يفعلون. هذه هي (الحضارة الكبرى)؟!
يقول كارتر إنهم يخالفونه (يخالفون الشاه) لأنه منح الناس حرية حاسمة وغير محدودة! وطبقاً لمنطق كارتر فإن كل هذا الهتاف الذي يطلقه الناس إنما هو لأنهم لا يستطيعون هضم الحرية الواسعة!
إن كل إيران اليوم، أطفالها وشيوخها، يهتفون لا نريده! فلابد أن ينتصر مثل هذا الشعب، اعلموا أن هذا الشعب منتصر!
لا يمكن التلاعب بمثل هذا الشعب. فلا تخشوا من أن يصرح كارتر من هناك: إننا ندعم الحكم الايراني، أو أن يعلن وزير خارجية انكلترا بمثل هذا الكلام او الكرملين، فكل هذه أقوال خاوية، فإن الشعب مهما كان ضعيفاً إذا قال (لا) لا يمكن تحويلها الى (نعم)، لا يستطيع القيام بذلك لا العسكر ولا جيوش أمريكا وروسيا، فهذا محال. ولا يستطيع أي وزير او نائب برلماني إيجاد حل لهذه المشكلة التي وصلت الى طريق مسدود، فالحل بيد الشاه! وهو أن يترك الشعب وشأنه ويرحل. ان هذه الازمة أوجدتها الحكومات والشاه، وهم يقولون: تعالوا نجلس نبحث عن حل للازمة، فأي حل يريدون؟! ليس بوسع أحد إخماد هذه النار، وان مفتاح الحل بيد الشاه نفسه وهو أن يسحب ظله ويرحل، فاذا رحل سيحل الهدوء، وإذا جمع أذنابه، الذين كانوا دعامته، رحالهم وغادروا، ستستقر الاوضاع في البلد.
ما هو سبب إضطراب الاوضاع في ايران؟! أن شعبها شعب مسالم ونبيل لكنه لاقى ضغوطاً شديدة إضطرته لاطلاق صرخته التي تؤكد في الحقيقة نبله وأصالته.
أسأل الله تعالى لكم ولجميع أبناء الشعب الايراني الموفقية .. إن ما أذكّر به كل ليلة هو أننا جميعاً مكلفون بواجب، إن للشعب الايراني الآن ديناً في أعناقنا وأعناقكم، فقد قتل أبناء الشعب الايراني وذاقت أمهاته لوعة فقد الأبناء، وتجرع الآباء غصة فقد الشبان، وبذلك أصبح لهم دين في أعناقنا، فنحن مدينون لهم، فهم ثاروا دفاعاً عن مصالح الشعب برمته وليس عن مصالحهم وحسب، ونحن جزء من الشعب الايراني، فهم إذن أنتفضوا من أجلنا أيضاً، لذا يجب علينا جميعاً خدمة هذا البلد- حيثما كنا، وحيثما كنتم في أمريكا أو أوروبا أو إنجلترا، عليكم أن تخدموا هذا البلد وخدمتكم يمكن ان تتجلى في الدعاية والاعلام، فأنتم تستطيعون أن تبينوا حقيقة الأوضاع في ايران في أي لقاء يجمعكم مع الآخرين، فهذه الاوضاع تعرض بصورة مشوهة للناس من قبل الاعلام المضاد المغرض الذي يصور لهم أن الثائرين رجعيون ارجعوا البلد الى ما قبل ألف وبضع مئآت من السنين.
كلا هؤلاء ليسوا رجعيين بل انتم الرجعيون حيث ارجعتم تاريخنا المعاصر الى تاريخ ما قبل الفين وخمسمائة عام «1»، الى تقويم المجوس، هذه هي الرجعية وليس ما نقوله نحن، إذ أننا نطالب بتقويمنا الاسلامي الحي.
يقولون: إن هؤلاء رجعيون! فهل هو رجعي من يطالب بالحرية والاستقلال؟! إن الرجعي من يسلب الحرية ويرجع الى عهد السلاطين المتجبرين، الرجعي من يسلب الحرية ويخون البلد والشعب، وليس رجعياً هذا الشعب الذي يقول: لماذا تخوننا ولماذ لا تعطنا حريتنا؟!
أرجو أن تقوموا جميعاً بهذه الخدمة- إن شاء الله- وتبينوا الحقائق حيثما كنت، أرجو أن يقف الجامعيون في جامعاتهم ويعلنون لمن حولهم: هذه حقيقة ما يجري في ايران، وبهذه الصورة ظلمنا هذا الشخص، فلو حاول كل واحد من الايرانيين العشرة آلاف المقيمين في هذه الدول- وعددهم أكبر من ذلك- اطلاع عشرة أشخاص على حقيقة الأوضاع الايرانية- وهم مطلعون عليها ولكن ليزدادوا إطلاعاً- لعرف بحقيقة الأمر عدد كبير منهم وإتضح لديهم عمق المحنة التي قاساها هذا الشعب وكونه يطلب الحرية، ليظهر حينها- إن شاء الله- تيار فاعل هنا ايضاً عسى أن تتحقق النتيجة المرجوة سريعاً. حفظكم الله تعالى جميعاً وسدد خطاكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.