بسم الله الرحمن الرحيم
دعاية الاعداء ضد الاسلام
نحن نواجه دعايات بدأها الاجانب منذ وجدوا طريقاً للنفوذ الى ايران ودرسوا أوضاعها وسعوا لنهب ثرواتها، دعايات تسعى الى تصوير الاسلام وعلمائه في أعين الناس وكأنهم عوامل مضادة للحياة، مخالفة للعقل، ورجعية لا خير فيها للحياة الى غير ذلك من الاتهامات التي روجتها دعاياتهم. وقالوا ايضا: ان الدين أفيون الشعوب، وانه وليد الرأسمالية، وعلماء الاسلام عملاؤها الذين يخدرون الجماهير لكي لا تنطلق صيحاتها وتتفجر الثورة .. هذه هي دعايات الذين يرون الاسلام وعلمائه عقبتين في وجه تحقيق مطامعهم.
القرآن سند الاسلام
لقد تحدثنا عن الكثير من جوانب هذا الموضوع خلال الايام الماضية، ومما قلناه ويلزم تكراره، هو ان على الانسان أن ينظر في القرآن، وهو سند الاسلام ودستوره، ليرى هل أن تعاليمه واوامره ونواهيه تخدر الانسان وتحثه على الالتزام ببيته؟ هل تدعو الناس الى الانزواء في الصوامع والاديرة؟! ام أن القرآن محرك المجتمع للتصدي للظلم والجور؟!
رسول الاسلام (ص) في حرب مع اصحاب السلطة والنفوذ
إن العارف بالمنطق القرآني يدرك ان القرآن هو الذي حرّض نبي الاسلام على محاربة الرأسماليين المتجبرين الاقوياء الذين كانوا أصحاب القدرة في الحجاز والطائف ومكة. وهو الذي حرض الرسول الاكرم على محاربة المستغلين والمخالفين لمصالح عامة الناس وروحهم الوطنية، والحروب التي خاضها النبي في حياته بعد أن تهيأت له عدتها، كانت دائماً مع الجبابرة كأبي سفيان وأمثاله المناهضين لمصالح قومهم وإمكاناتهم، فكانوا يستحوذون عليها ويستأثرون بها، حيث كان الظلم والجور حاكماً على المجتمع.
تلك الحروب نشبت بين المستضعفين الفقراء- الطبقة الثالثة- وبين الجائرين الذين كانوا يسعون لغصب حقوقهم. وليست واحدة أو اثنتين تلك الآيات الواردة في باب الحرب وقتال المشركين- وهم أصحاب النفوذ يومئذ-، بل آيات كثيرة. ولو وجدتم في القرآن الكريم كله آية واحدة تدعو الناس للخضوع وملازمة بيوتهم ليفعل الجبابرة ما يشاؤون، حينئذ يحق للمرء ان يقول: إن القرآن والاسلام أفيون، فالأفيون مثل الترياق وسائر المواد المخدرة، فاذا استعملها الانسان أصابه الخدر، فهل أنزل القرآن ليفعل بالناس مثل ذلك.
مؤامرة ابعاد المسلمين عن القرآن
إذن هي تهمة أثيرت ضد القرآن واستهدفت ابعاد المسلمين عنه واضعاف منطق القرآن بينهم، كي لا يكون للشرقيين المسلمين الذين يملكون الثروات رصيد للمقاومة، فلولا القرآن والروح القرآنية لما قاوم الناس، لانه هو الذي يبعث فيهم روح المقاومة. وقد توصلت دراسات الغرب الى أن العقبة القائمة بوجه مطامعهم تتمثل بالقرآن. والذين درسوا القرآن عرفوا مكمن إحتمالات التحرك لتحجيم مطامع الغرب.
لذا يجب تحطيم هاتين العقبتين لفتح الطريق أمام تحقيق مطامعهم، وقد حطموا العقبة القرآنية- بزعمهم- بتلك الدعاية أو توهموا تحطيمها، وزعموا أن الدين عموماً وليس الاسلام وحسب مخدر، ولم يكن زعمهم هذا نتيجة جهلهم، فمعلوماتهم صحيحة عن الدين، لكنهم كانوا يريدون التضليل ونحن الذين خدعنا لكوننا كنا نفتقد الاطلاع اللازم، كانوا يخادعون لهدف سياسي هو تحقيق مطامعهم، وقد انخدع المسلمون بذلك نتيجة جهلهم بحقيقة الاسلام.
ولعل البعض من شبابنا لا زال يكرر هذا القول على الرغم من أركان أنظمة الظلم أخذت تضطرب وتتهاوى ببركة القرآن والاسلام وعلمائه. ومن يكرر مثل هذا القول الآن إما من عملاء الاجانب او من المخدوعين، والا كيف يمكن له التفوه بمثل هذا القول وهو يرى هذه النهضة المستمرة منذ خمسة عشر عاماً والتي لم تزلزل سلطة الشاه وحده بل هزت أمريكا وانجلترا والاتحاد السوفيتي الذين يبحثون الآن عن سبيل للخلاص فلا يجدون، لان الحراب تفقد فاعليتها في مواجهة إرادة الشعب، ولعل هؤلاء لا زالوا يأملون ظهور جاهل يكرر مثل هذا القول الناشئ من الجهل.
منطق الاجانب ينص على ابعادنا عن القرآن
كل الأنبياء السابقين الذين نعرف تاريخهم كانوا من الطبقة الثالثة، من هؤلاء الفقراء، وكانوا ينتفضون لمجابهة السلاطين في زمانهم، كانتفاضة موسى (عليه السلام) بوجه فرعون فليس فرعون الذي أرسله ليخدر العامة، بل ظهر من أوساط العامة- أي أن تبارك تعالى إختاره من العامة- ليواجه فرعون. وهكذا حال سائر الانبياء (عليهم السلام) الذين نعرف قصصهم، وهكذا كانت سيرة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أقرب إلينا ونعرف تأريخه اكثر من غيره، والحروب التي خاضها معروفة في عددها وفي هوية الاطراف التي قاتلها، فجميع تلك الحروب كانت ضد الظلمة والمعتدين والجبابرة.
إذن فالمنطق القائل بأن الاسلام او سائر الأديان من العوامل المخدرة، هو منطق الأجانب الذين يريدون سرقة ثرواتنا وعزلنا عن القرآن لكي نفقد الدعامة التي نستند اليها، ولكي نخسر القدرة القرآنية ونتفرق كل في صوب، وبذا تحقق دعاياتهم أثرها وتحرف شبابنا كي يتطوعوا لتحقيق مطامعهم.
حرب الرسول والامام علي والعلماء ضد الطواغيت
عندما نطالع سيرة دعاة الدين، كالنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلفاء النبي الظاهرين ممن عملوا بمبدأ الخلافة وقبل ان تتحول الى سلطنة وملوكية، ومن بعدهم سير علماء الاسلام، نجد ان الحرب كانت قائمة دائماً بينهم وبين الجبابرة، فلم يلتزم هؤلاء الصمت أبداً، غاية الأمر أنهم كانوا ينبرون للمواجهة حسب قدراتهم التي كانت متواضعة لاسباب عديدة.
وفي عصرنا، وخلال هذه الحقبة التي عايشناها، رأينا الانتفاضات تضطلع بها هذه الفئة ذاتها ضد رضا خان، فعندما جاء ونفذ إنقلابه وفتح باب الظلم والعدوان على جميع فئات الشعب، لم تواجهه اية قوة باستثناء علماء الدين الذين نفذوا إنتفاضات عديدة نتذكرها جميعاً، كانتفاضة علماء إصفهان الذين إجتمعوا في قم مع علماء سائر المدن الأخرى، وانتفاضة خراسان التي شارك فيها علمائها جميعاً ثم إعتقلوهم وسجنوهم كالمرحوم السيد يونس والمرحوم آقا زاده وآخرون، وانتفاضة آذربيجان حيث أعتقلت السلطات كبار علماء آذربيجان كالمرحوم الميرزا صادق آقا والمرحوم أنكجي ثم نفتهم، والانتفاضة التي قام بها المرحوم السيد القمي الذي قدم الى طهران غير أن ابناء طهران لم يحسنوا التصرف فأعتقل ونفي هو الآخر.
إذن فقد قام العلماء بانتفاضات عديدة والتأريخ يشهد أنهم لم يكونوا من الذين يدعون الجماهير الى السكون والصمت في مقابل الظلم والظلمة، فتلك الاتهامات التي أثارتها الدعايات أوصلت حالنا الى ما عليه الآن حيث لا يزال البعض من المنحرفين يرددون نفس تلك الاتهامات وهم يقدمون الدعم بذلك الى مراكز الظلم والجور.
فالذين يرددون مثل تلك الاتهامات إما من عملاء أجهزة السلطات الحاكمة أو من الذين خدعوهم أولئك العملاء. ومن هذا النمط تلك الشعارات الشيوعية والماركسية التي خدعوا بها مجموعة من الشباب الذين لم يتعرفوا على حقيقة هؤلاء الذين يدعونهم الى اعتناق الشيوعية والماركسية، لم يدرسوا أحوالهم ليعرفوا حقيقة دورهم وأعمالهم، أمثال ستالين الذي أدركنا عهده- وبعضكم أدركه أيضاً- حيث إتضحت حقيقته وأي مقدار حظي به من الخصال الانسانية حتى يريد هؤلاء الاقتداء به!
استالين وبقرته الخاصة
أجل، عندما وقعت الحرب العالمية (الثانية) احتل الجيش الروسي جزءاً من ايران- الجانب الممتد من طهران الى خراسان- فيما إحتلت جيوش انجلترا وامريكا أجزاء أخرى كل منهم أخذ جزءاً، وقد شاهدنا تلك القصة التي إشتهرت عندما جاء رؤساء الدول الحليفة- إستالين وروزفلت وتشرشل- الى ايران، فإستالين هذا الذي يدافع عنه اولئك السادة! ويقولون بانه شيوعي شعبي يتفاعل مع الجماهير ويلقبونه بلقب (قارداش)، والرفيق، وأمثال ذلك، عندما جاء الى ايران ألزمهم ان يجلبوا معه بقرته لكي لا يشرب السيد! من لبن بقرة إيرانية!! أجل هذا الذي كان يسكن قصر الكرملين ويلقب برفيق الجيش والجماهير جلبوا له (من بلده) بقرة حلوب- وفي ظل ظروف الحرب العالمية- ليشرب من لبنها ولكي لا يفتقد لبن الابقار- لا سمح الله!!- ويضطر لشرب لبن بقرة ايرانية! هكذا كانت حياته المرفهة.
وقد شاهدت بنفسي حادثة أخرى عندما كنا نسافر من طهران الى مشهد بحافلة النقل الكبيرة، حيث صادفنا تلك القوات القادمة من روسيا والذين تقول عقيدتهم انهم وستالين إخوة ورفاق متساوون!! هؤلاء كانوا يستجدون السجائر وقد ابتهج احدهم عندما اعطى سيجارة فأخذها و شرع بالصفير والرقص في حين أن (اخاه) إستالين جاء بالطائرة بتلك الحالة الفخمة مصطحباً بقرته كي يشرب السيد لبنها.
هؤلاء يخدعون الناس ويمكرون بهم، وحتى لينين الذين يطبلون في الثناء عليه، فقد لجأ الى معارضة علماء الدين بسبب احباط جنسي!! فالقضية كانت قضية جنسية حيث منعه منها رجال الدين فغضب!! كما ينقلون عنه قصة اخرى وهي أنه قال: علينا ان نحسب مداخيل ونفقات الاشخاص في بلدنا فنبقي على من كان دخله مساوياً لنفقاته او يزيد عليها حيث أننا نحصل على شيء من الثاني، اما من كان دخله اقل من نفقاته فيجب ان نلقيه في البحر!! فهل مثل هذا محب للإنسانية؟ إن الذي تثنون عليه كل هذا الثناء يقول: إن الفقراء العاجزين عن العمل والعجائز والضعفاء واصحاب العاهات الذين لا يقدرون على الكسب، موجودات غير نافعة يجب إلقائها في البحر لترتاح، يقذفون في البحر لا يتحمل الآخرون عناء حفر القبور!!
سيرة الحكّام الاسلاميين
إن هؤلاء يضللون شبابنا وكل أقوالهم دعايات لا واقع لها، هذا نمط من أنماط الحكومة ورؤسائها.
ولنبيّن ايضا شكل حكومتنا والحكومة التي نتطلع اليها والتي يمثل مصداقها النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ كان حاكماً أيضاً، ولكننا نود الاشارة الى رؤساء الحكومات وسيرتهم، واحدهم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) والآخر عمر، فهل كان أولئك حتى مثل عمر؟!
ان كل من كتب سيرة الرسول الاكرم (صلى الله عليه وآله) ذكر أنه كان في معيشته دون مستوى معيشة عامة الناس الذين كانوا يعيشون في المدينة آنذاك، كانت له حجرة من الطين في المسجد وكان يركب الحمار ويردف خلفه شخصاً آخراً يشرح له الاحكام ويربيه. فأين تجدون حاكماً أو رئيس مركز للشرطة او عمدة مدينة او قرية يتعامل مع الشعب بهذا النحو بحيث يجلس مع رعيته في المسجد- وهو مقر حكومته- يحدثهم فاذا دخل شخص غريب للمسجد لم يستطع التعرف عليه بسهولة، لم يكن (صلى الله عليه وآله) يعيش حياة المترفين بل كان يهتم بمراعاة أحوال الفقراء والضعفاء بصورة يعجز الجميع عن توضيحها.
وكذلك كان حال الامام علي أمير المؤمنين خلال عهد خلافته التي كانت تخضع لها بلدان كثيرة منها إيران والحجاز والعراق والاردن ومصر، فرغم إتساع رقعة حكمه نلاحظ شدة بساطة معيشته، فهل هو الذي يحمل هموم الجماهير أم أولئك الذين يتحدثون عنهم؟!، قارنوا بينهم وإدرسوا ما ينقله التأريخ عن سيرته. فهو الذي ينقل لنا التأريخ انه كان ينام ليلًا على جلد كبش مع عياله وفي النهار يضع عليه علف راحلته!! وهكذا كانت معيشة أمير المؤمنين اذ يمكننا القول أنه لم يشبع في عمره ولا مرة واحدة من الخبز، وكان- كما يروى- يمهر الكيس الذي يضع فيه قطعاً من خبز الشعير اليابس التي كان يقتات عليها، وكان يفعل ذلك لكي لا يفتحه ولده شفقة على أبيهم ويضعون على تلك القطع الجافة من الخبز شيئاً من الزيت أو غيره، وقد ختم على الكيس «1» لأن زينب مثلًا ارادت مرةً ان تصب على هذا الخبز قليلًا من الزيت! هذا هو حال طعام امير المؤمنين (عليه السلام).
يروى انه في الليلة التي ضرب فيها كان في ضيافة ابنته (ام كلثوم) «2» وعندما أتت بطعام إفطاره رأى انها قدمت له قرصين من شعير وقصعة فيها لبن وجريش ملح، فأنكر ذلك عليها لانها تعلم أنه لم يأكل نوعين من الطعام في وجبة واحدة، فأمرها ان ترفع أحدهما فأرادت ان ترفع الملح فأبى عليها وطلب منها ان ترفع اللبن وتبقي الملح، فأكل لقمتين من خبز الشعير مع الملح! هذه هي حكومتنا، حكومة الاسلام، وهذا حال الحاكم الاسلامي وذلك حال الحاكم الشيوعي والماركسي.
دعاية الاعداء من اجل نهب ثرواتنا
على الانسان ان يجند عقله لمعرفة المكائد التي إنخدع بها وأهدافها، ولمعرفة أهداف كل هذه الدعايات، التي تتطلع الى عزلكم عن الاسلام وإبعادكم عن الحكومة الاسلامية، لابد من القول ان ذلك السيد يريد غازنا ونفطنا، لكن لهذا النفط والغاز أصحاباً يمكن ان تنطلق إعتراضاتهم ضده والاسلام يقول: لا يحق لأحد ان يأتي ليفرض على المسلمين شيئاً، لكن أولئك (الاجانب) يريدون ان يفرضوا على المسلمين كل ما يشاؤون، يريدون ان يأتوا بشخص مثل محمد رضا وينصبوه حاكماً يأمرونه بأن يعطيهم كل ثروات هذا البلد وهذه هي المهمة التي يصفها بأنها (مهمة من اجل وطني)!! ولكن من المحتمل ان ينطلق صوت العالم الديني معترضاً على ذلك لذا يجب خنقه وإسكاته والترويج (لافتراءات من قبيل) ان الملالى والمشائخ طفيليون جميعاً!! أجل، هؤلاء الذين يستحوذون على تلك الثروات يتهمون عالم الدين الذي يعيش في حجرة صغيرة في المدرسة مع اربعة كتب وبساط متواضع، بأنه طفيلي!!
ويتهمون- بالكسل والبطالة- العلماء الذين لا زالوا منذ سبعين عاماً يبذلون جهوداً دؤوبة دفاعاً عن شعبهم ودينهم، فهل هؤلاء هم الكسالى ام الذين يتسكعون كل يوم حول الرذائل ثم يتهمون العلماء بالكسل؟!
ان كل هذه الافتراءات والدعايات تهدف الى تشويه صورة العلماء في أعين الشعب وسلبه القدرة التي يتمتع بها هؤلاء وقوة الاسلام التي تسمو فوق كل قوة، فاذا سلبوا هاتين القوتين من الشعب إستطاع محمد رضا فعل ما يريد دون أن يعترض أحد.
عندما جاء رضاخان وفعل كل تلك الافعال المشينة واجهه عالم دين كان في المجلس النيابي إسمه (السيد المدرس) رحمه الله، فتصدى له، ولم يكن ثمة معترض غيره وغير من إلتف حوله، فلم تقف بوجهه اية قوة في البلد باستثناء السيد المدرس المعمم والعالم المتقي، الذي كان يعتمر العمامة ويرتدي القميص والعباءة المصنوعة من القماش الرخيص والسروال المخاط من قماش (الكرباس) وهو السروال الذي انتقدوه بسببه- عندما كرموه وقالوا فيه قصيدة شعر-، وهذا هو حال الرجل الذي وقف في وجه رضا شاه وقال له: لا.
وعندما وجهت روسيا تحذيراً لايران في قضية لا أتذكرها الآن وحركت قواتها صوب الاراضي الايرانية الى النقطة الفلانية، وعرض التحذير على المجلس النيابي لاتخاذ ما يلزم، وحذرهم من مخاطر عدم الاستجابة للتحذير الروسي، فجلس النواب جميعاً ويلم يتفوهوا بكلمة واحدة عاجزين عن القيام بأي شيء، اما الشخص الوحيد الذي تحرك- وهذا ما كتبوه هم بأنفسهم- هو المرحوم السيد المدرس حيث كتبوا: إن سيداً معمماً ملائياً وقف بأيدي مرتعشة (لكبر سنه) خلف منصة المجلس وقال: إذا تقرر أن نفنى فلماذا نفعل ذلك بأيدينا، كلا نحن نرفض التحذير والمطالب الروسية ولم يستطع الروس ان يرتكبوا أية حماقة، فقد تجرأ عندئذ النواب الآخرون- كما يقول اولئك انفسهم- ورفضوا تلك المطالب ولم يستطع الروس فعل شيء.
الدعم الاميركي والبريطاني للشاه
والآن ايضا وعلى الطرف الآخر بعث اولئك الزعماء الطفيليون ناهبوا النفط برقية قبل أيام، في الرابع من شهر آبان (24 تشرين الاول) الى الشاه قدموا له التهاني بهذه المناسبة وأعلنوا دعمهم له، لا سيما كارتر الذي تمادى كثيراً في إظهار دعمه!! ونفس الدعم اكده قبل أيام وزير الخارجية البريطاني وقال ما مضمونه: إن الشاه يحافظ على مصالحنا وان لنا مصالح في ايران لذا يجب ان ندعمه. كلا نحن لن ندعكم تدعمونه وشعبنا لن تخدعه هذه الاقوال بعد الآن.
لا تتصوروا أنهم إذا أطلقوا هذه التهديدات ورفضها الشعب وأعرض عنها، فانهم سيأتون بقواتهم من الطرف الآخر من العالم، كلا فهذا مجرد أقول لا أكثر! بل إن الرأي العام العالمي لم يعد يقبل هذه الاقوال. عندما يتحدث شعب بمنطق سليم ويقول: نحن نرفض ان تدمروا مصالحنا وتنهبوا ثرواتنا، نحن نريد ان نعيش أحراراً مستقلين في بلدنا، وهذا ما أقررتموه بأنفسكم في إعلان حقوق الانسان ونحن نريد العيش طبق مبادئ هذا الاعلان، نحن نريد أن نكون أحراراً ونريد الاستقلال والحرية في بلدنا، وهذا ما يهتف به الآن صغارنا وكبارنا في آن واحد، لا يمكن مواجهة مثل هذا الشعب بقوة الحراب، أو بالاحكام العرفية، فهذا محال ولا يستطيع تحقيقه لا كارتر ولا سكنة الكرملين، وهم يطلقون مثل تلك الاقوال بهدف إرعابكم، لكنهم لن ينفذوا التهديد عملياً فلكل منهم مصالح دولية وأمثالها، فلا هذا يتجرأ على التقدم خطوة خوفاً من ذاك، ولا ذاك يتجرأ على التقدم خطوة خشية من هذا، فكل منهما يخشى الآخر لكنهما يطلقون هذه الأقوال بهدف إرعابنا.
في ذلك الوقت ايضاً وقف احد علماء الدين «3» بوجههم وقال: لا، ولكن الناس لم يصغوا اليه جيداً ولم يكونوا مستعدين لذلك، إذ كانت الدعايات المضادة بدرجة جعلت البعض لا يسمح للعلماء بركوب سيارات الاجرة. وقد روى المرحوم الحاج الشيخ عباس الطهراني- رضوان الله عليه- قائلًا: في اراك أردت مرة ركوب سيارة أجرة فقال لي السائق: نحن لا نسمح لفئتين بركوب السيارة، الملالى والمومسات!! هكذا اصبحت النظرة للعلماء في ذلك العهد، أي النظرة المشوهة التي روجوها، وقد قام السادة العلماء بعدة انتفاضات لكن الجماهير لم تستطع إتباعهم بسبب إنخداعها بتلك الدعايات، كما ان العلماء لم يكونوا يمتلكون جيشاً.
واليوم أيضاً لازالت تتواصل عملية ترويج هذه الدعايات، فيقولون إن فلاناً يقيم في قصر شتوي! حيث يزوره الشباب فيه، هذا هو قصرنا الشتوي! الذي لا نجد فيه غرفة واحدة يستطيع السادة الجلوس فيها بدلًا من ان يضطروا للوقوف.
انهم يهدفون من وراء هذه الدعايات الى عزلكم عن الدين، لكن ايران لم تعد اليوم تصغي لهذه الاقوال البالية لان الشعب الايراني أخذ يعي الحقائق ويعرف المكائد فلا يصغي لهذه الاقوال، لذا يجب ان يرحل هذا الرجل الشاه فلا سبيل آخر أمامه، وإذا أردتم إصلاح الاوضاع في ايران فلن يتحقق ذلك مع وجود محمد رضا والاسرة البهلوية الخبيثة، فيجب ان يرحل لكي يتحقق الاصلاح في ايران. كما يجب أيضاً قطع أيدي امريكا وانجلترا والاتحاد السوفيتي- هذه القوى الاستكبارية الثلاث- عن ايران، كي تكون ايران مستقلة ويتسنى إصلاحها، ونحن نسعى لتحقيق هذا الامر.
المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعاً
والآن لنر ما هو واجبكم أنتم الجالسون هنا؟ لقد تعبت ولا استطيع المواصلة، ما هو واجبنا نحن؟ إن إخوتنا في ايران يقومون بواجباتهم، وحتى في هذه الساعة حيث نحن جالسون هنا، ثقوا بأن ثمة تحرك في قم وطهران وزنجان وحيثما ذهبتم من مدن ايران تجدون حركة ونهضة، صرخات يتحمل اخواننا على اثرها الضرب والقتل والاغارة، انهم منهمكون الآن في القيام بهذه الامور التي لا نواجهها نحن وأنتم هنا. ولكن كل واحد منكم يستطيع هنا أن يقوم بمهمة اعلامية، ليذهب كل واحد منكم- في مدرسته أو جامعته- الى عشرة من هؤلاء الأجانب ويطلعهم على حقيقة ما يجري في إيران وما يفعله هؤلاء فيها وما يرتكبه زعماء هذه الدول من الظلم بحقنا، والظلم الذي يرتكبه الشاه وكيف انه يقتل الشعب الذي يطالب بحقه، وهذه هي مطالبه فهو ليس شعباً متوحشاً.
يقول الشاه: ان شعبنا ليس جديراً بالحرية التي منحناها له!! فهو ليس أهلًا للحرية، ويقول كارتر: لقد منحوهم الكثير من الحرية حتى علت صيحاتهم وضجيجهم، فكل هذا القتل نتيجة للحرية الزائدة!! هذا هو منطق كارتر الذي صرح به والا أفهم أي عقل هذا! وأي إنسان هو! انه يقول- كما ورد في الصحف (إطلاعات أو كيهان)-: إن الشاه أعطى حرية زائدة للشعب فتعالت هتافاته بالحرية. وأن المراد من إطلاقهم صرخات (الحرية) هو: إننا لا نريد الحرية!! لا نريد الحرية! هذا هو منطق كارتر.
ذلك التافه يقول- وهو على أي حال أقل سوءً من سابقه- إن هذا الشعب ليس جديراً بالحرية، فلا يمكن منحها له لانه لو تحرر لأعلن عن رفضه لي! هذا هو إذن منطقه: لقد ضجّ الشعب لكثرة الحرية التي أعطيت له!! أجل، نحن مبتلون بامثال هذين الشخصين اللذين يفكران بمثل هذا المنطق، أحدهما من هذه الجهة والآخر من الجهة الأخرى، وهذه هي محنتنا.
نحن جالسون هنا ونستطيع التحادث فيما بيننا، وانتم تستطيعون التحدث الى اصدقائكم الأوروبيين والامريكيين فلتطلعوهم على حقائق الامور ولتشرحوا ما تعانيه ايران وشعبها، بينوا لهم كيف أن جلاوزة الشاه يقتلون الآن الاطفال ذوي السبعة أو الثمانية اعوام.
(وهنا سأل أحد الحاضرين قائلًا: هل نحن الذين يجب ان نحل هذه المشكلة أم الآخرون؟) فقال الإمام: انتبهوا، نحن يجب ان نحل المشكلة بأنفسنا ونطلب المساعدة فقط، نحن نريد تصحيح تلك الصورة التي روجوها في الخارج عن الشعب الايراني بأنه شعب متوحش. فقد نقل عن مراسل صحفي- بريطاني وربما أوروبي- كتب يقول: شاركت في الحشد الذي حضره الناس يوم عيد الفطر، وكان المشاركون يتحلون بأتزان كامل وكانوا يرددون الشعارات لكن دون اشتباكات بل ان الاجتماع كان هادئاً، ثم غادرت المكان فتوقفت سيارة لأحد الامريكان ولما رآني أجنبياً أقلني معه في سيارته ثم قال لي: أنظر الى هؤلاء المتوحشين! فقلت: هؤلاء متوحشون؟! أين تجد في كل العالم جمعاً تعداده النصف مليون يتحرك في مسيرة بهذا الهدوء وبهذا الشكل السلمي؟! أجل إن هؤلاء يطالبون بحقهم فيصفونهم بأنهم متوحشون! اجل، لقد أشاعوا في الخارج ان الشعب الايراني متوحش ولا يمكن منحه الحرية، فالمتوحش يجب وضعه في حديقة الحيوانات وإغلاق الباب عليه بإحكام.
إنهم يصورونكم بهذه الصورة، ولإخراج هذه الصورة من اذهان الاجانب عليكم ان تبينوا لهم حقيقة ما عندنا وما عند الايرانيين، لكي تخرج هذه الفكرة من أذهانهم، وعندما يتشكل تيار بينهم، وحكوماتهم تلاحظ بعض الشيء آراء شعوبها وهذا هو الهدف وليس المراد أن ينتفضوا ويأتوا لحل مشكلتنا التي يجب ان نحلها بأنفسنا، ولكن عليكم مواجهة هذه الصورة المشبوهة التي يشيعونها عن الشعب الايراني، بأنه متوحش ولا يستطيع ان يتقبل الحرية أو أن علة إنطلاق صيحاته هي الحرية الزائدة التي اعطيت له، عليكم ان تزيلوا هذه الصورة وتبينوا حقيقة إستغاثة الشعب الايراني وما يطالب به، وان الطفل ذا الثمانية اعوام يصرخ مطالباً ب- (الحرية والاستقلال والحكومة الاسلامية) وهذا ما يطالب به أيضاً الشيخ الكبير وعالم الدين والوعاظ والفضلاء والكسبة والتلاميذ، الجميع يطلبون الحرية، فقد عانوا خمسين عاماً من القمع، وهم يريدون الاستقلال والخروج من هذا الاستعباد الذي عانوا منه لأكثر من خمسين عاماً.
علينا نحن المتواجدون هنا ان نطلع العالم على الحقائق، أن نبين لكل من تربطنا به وشيجة ما من أبناء هذه الدول حقيقة المشكلة الايرانية ونعرفهم بمحنة الايرانيين لكي تخرج من أذهانهم صورة أنهم فئة متوحشة تحرق البنوك- والذين يفعلون مثل ذلك الآن ليسوا منهم- واذا منحوا الحرية فسيفعلون كذا وكذا. بينوا لهم أن هذه ليست الصورة الحقيقية وأن هؤلاء المساكين يصرخون مطالبين بالحرية ويضحون بأبنائهم كي يتخلصوا من أسر الاجانب.
حفظكم الله جميعاً ووفقكم لدعم الاسلام. وآمل ان ينتصر الشعب مع هذا الوضع الذي هو فيه وسينتصر إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته