اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
محاولات الشاه لخداع الناس
السادة كانوا يرددون شعار (سنقتل عدوك مصاص الدماء) «1»، غير ان مصاص الدماء هذا ليس عدوي فحسب، بل انه وأباه هما العدوان المصاصان لدماء الشعب منذ خمسين عاماً. انه العدو الدموي لاستقلال بلدنا وحرية شعبنا وثرواته العظيمة، وعدو ثقافتنا وإقتصادنا وعسكرينا وجيشنا وكافة فئات الشعب. وهما عدوان دموييان للإسلام وعلمائه وأبنائه ولإيران.
واليوم حيث أدرك شعبنا هذا العداء وتفجرت هذه النهضة الإسلامية العظيمة، أخذ هذا العدو الدموي يتشبث بوسائل مختلفة، فالى ما قبل تفجر هذه النهضة، كان يلجأ إلى وسيلتين أهمها تلك الاقوال التي كان يطلقها والخطابات التي كان يلقيها والأحاديث التي كانوا يعدونها له على هيئة كتب، مثل كتاب (مهمة من اجل وطني) وكتابه الآخر الذي كتبه الآخرون باسمه ونشره، وكلها كانت تروج إلى المستوى الذي وصلت اليه إيران بفضل توجيهات (صاحب الجلالة)، وان اميركا لم تعد (الاب الاكبر) الذي تجب علينا طاعته! واننا قطعنا أيدي الاجانب عن بلدنا فلا يتجرأ الاتحاد السوفيتي التطاول علينا ولا تقدر أميركا الاعتداء علينا! إلى غير ذلك من الأقوال التي تتردد بكثرة وسخاء في خطاباته وحيثما حل. وتلاحظون ما تحتويه كتبه من احاديث عن (الحضارة الكبرى) وغير ذلك.
أما وسيلته الاخرى فهي الارهاب ومنظمة الأمن (السافاك) والعسكر والشرطة، حيث كان يسلطهم على أرواح الناس وأموالهم، وكانت هذه الحال قائمة إلى أن تفجرت النهضة قبل أكثر من عام وإتسعت في كافة أرجاء إيران وهي تزداد إتساعاً كلّ يوم وستبقى ويستمر إنتشارها إلى النهاية- إن شاء الله-.
وفي خضم إنتشار النهضة أخذ الشاه يتشبث بوسائل مختلفة، فمرة الاتيان ب- (حكومة المصالحة) والادعاء بأنها جاءت لتعمل طبق ما يريده الشعب وتحقق له مطالبه، وقد قاموا ببعض الاجراءات الصبيانية، فقالوا: لقد إغلقنا مراكز لعب القمار- في حين ان مختلف مراكز الفساد موجودة في إيران ويدعمها الشاه نفسه والجهاز الحاكم-، أو العودة ثانية إلى التقويم الهجري «2» وامثال ذلك من إجراءات أرادوا بها استغفال الشعب.
ولما رأوا ان الشعب لم ينخدع وواصل اطلاق صرخاته، وقد زادت هذا الحيلة ذاتها في توعية ابناء الشعب الذين تظاهروا رافضين لها، حينئذ تشبثوا بخيار الحكومة العسكرية، ففيما كانت حكومة (مصالحة وطنية) أصبحت (حكومة عسكرية)!! وارتكب في ظلها كلّ جرائم القتل والمجازر التي تعرفون. ففي بداية الأمر جاؤوا بحكومة المصالحة ثم رفعوا حربة الحكومة العسكرية.
لكن شعبنا لم يتأثر بذلك إذ شهد تحولًا معنوياً لا نرى له مثيل في أي مكان آخر ولا في التاريخ الإيراني، تحول شمل أبناء الشعب في جميع أرجاء البلد. فعندما كانت الحكومة العسكرية تعلن قرارها بمنع تجمع اكثر من شخصين، كان الناس يخرجون في مسيرات تربو على المائتي الف والثلاثمائة الف ونصف مليون، يترددون في المناطق نفسها التي يسيطر عليها العساكر ويرفعون هتافات (الموت للشاه).
لجوء الشاه إلى حربة التوبة
وعندما رأت الحكومة فشل اسلوب الحكم العسكري، عمدت- قبل أيام- إلى استخدام هاتين الحربتين معاً، فرفع الشاه في إحدى يديه (صحيفة) توبته وفي الاخرى امسك بالهراوة. وكانت هذه مؤامرة، واحتمل- بل هو الواقع- أنهم قرروا في الاجتماع الثلاثي «3»، أن يقوم الشاه بالتحدث عن توبته ويتعهد أمام الشعب بعدم تكرار الاخطاء السابقة ثم يتوجه لمخاطبة كلّ فئة من فئآت الشعب. إذ طلب من المراجع العظام والعلماء الاعلام- حسب تعبيره- تهدئة الشعب ودعوته إلى التحلي بضبط النفس، معلنا عن عزمه باجراء انتخابات حرة ومنح الحرية الكاملة للشعب.
وتوجه إلى الشخصيات السياسية طالباً منها العمل على اقناع الشعب بالكف عن تحركاته، معلناً بأنه سيمنحه الحرية وسيعمل على اجراء انتخابات حرة وسيكون هناك مجلس نيابي سليم، ووعد بعدم تكرار اخطاء الماضي ..
ثم خاطب الشباب بقوله: انكم من هذا الشعب. كما خاطب الآباء والامهات داعياً إياهم إلى منع أبنائهم من النزول إلى الشوارع والقيام بتلك النشاطات.
وقد ذكروا بأن الاذاعة نقلت (صحيفة توبة) الشاه في كافة برامجها، كما نقلت اعترافه: بإن الاعمال التي قام بها كانت أخطاء!!
وهذا بحد ذاته إقرار بالذنب!! لقد إعترف أمام الشعب بأنه سلبه الحرية ويريد الآن تعويض ذلك لأنه أدرك انه عمل خاطئ!!. كما أنه أقر بأن المجلس (النيابي) لم يكن وطنياً بل كانت توجده الحراب، وهذا ايضا خطأ آخر وقع فيه! لذلك فالانتخابات ستكون حرة في المستقبل!
وهو يعترف بأن جرائم القتل والسلب التي كانت ترتكبها عناصر السافاك وغيرهم بأمر منه، كانت اعمالًا خاطئة وسوف لا تتكرر.
وكذلك الحال مع سجن العلماء والسياسيين وسائر الفئآت الاخرى، وإبقائهم في السجن عشرة أعوام أو خمسة عشرة عاماً، أقل أو أكثر، فهو أيضا عمل خاطئ ما كان ينبغي ان يحصل، وقد تعهد بعدم تكرار مثل هذه الاعمال، قائلًا: نتعاون كي أبقى سلطاناً وأنتم الرعية، وتعملوا على تهدئة الاوضاع كي أستطيع ان أواصل حكمي بهدوء وفقاً لما أشتهي، وانا أتعهد لكم بعدم تكرار مثل تلك الافعال!!
تشديد المذابح تزامناً مع توبة الشاه الخادعة
وقد تقرر ان يطلق هذه الاقوال في خطابه للشعب، ثم يأتي رئيس الوزراء «4» ويكرر ما تحدث به. حيث وجه كلّ منهما خطابه للشعب: يا ابناء الشعب- مخاطباً الفئات المنتفضة- تعالوا لنفكر معاً بأمر إيران، وكفوا عن هذا الذي تقومون به حفاظاً على إيران!. هذه هي اليد التي رفعت (صحيفة التوبة).
وقد إرتفعت إلى جانبها يد أخرى عمدت- بكل شدة- إلى القتل وهي الآن منهمكة بذلك. فقد وصلنا صباح اليوم نبأ من قم يفيد بان المدينة لم تشهد من قبل مثل هذه الانتفاضة، ومثل هذه الحرائق والنيران والبنادق والفساد، ولا علم لي الآن بالمناطق الاخرى ولكن حالها لا يختلف عن مدينة قم. ويقال ان هذه الاحداث قائمة على قدم وساق في مدينة زنجان ايضاً.
هاتان هما اليدان المرفوعتان الآن، فعندما تلقي نظرة إلى هذه الجهة تجد الشاه يستغفر الله ويجاهر بالتوبة والاعتراف بالخطأ. وفي الجهة الاخرى ترى اليد الثانية وقد أعملت السيف بكل شدة في قتل الشعب!!
فكيف يصدق الشعب توبته؟! كان من الممكن ان يصدق البعض من غير العارفين بحقائق الامور (التوبة المزعومة) لو لم تقترن بها اقامة الحكومة العسكرية، ولو كانت قد جاءت حكومة وطنية- حسبما يزعمون-.
وبطبيعة الحال ان العارفين بحقيقة الامور لا يصدقون أياً من ذلك. وهذا ما توصل اليه الذين درسوا شخصية هذا الشخص (الشاه) ورأوا سلوكه عن كثب طوال الاعوام الثلاثين التي مضت، وشاهدوا تغييره المستمر للهيئة والوجوه التي يظهر بها، فتارة يظهر بصورة العابد الزاهد، واخرى المكار المخادع. وقد عرف منه ذلك عامة الشعب ايضاً.
لو كنتَ أخرجتَ يداً واحدة فقط، وتظاهرت بالتوبة والاعتذار من الشعب فحسب، لكان من المحتمل ان يصدقك البعض من الذين ينظرون إلى ظواهر الامور ولكان ذلك إنجازاً لك!- فيما لو سمح الواعون لاولئك السطحيين بارتكاب حماقة ما-. ولكنك رفعت هاتين اليدين معاً! وهذا تصرف ساذج.
وربما ان الذين يشيرون على هذا القزم (الشاه) يهدفون من وراء ذلك إزاحته ولكن بصورة غير مباشرة وذلك بالايحاء للشعب بأن هذا الذي يعلن توبته أمامك ويعطي المواثيق المؤكدة بعدم تكرار الاخطاء، يخفي تحت عبائته بندقية!!
فمن يصدق بمواثيقه إذن؟ أي شعب أو أي احمق يصدق ذلك؟! بل حتّى الذين لم يعرفوك، هل يمكن ان يصدقوا بما تقول وانت تقوم في الوقت نفسه بارتكاب كلّ تلك الاعمال؟! وهل هناك من يحتمل- مجرد احتمال- ان يقتل الجنود احداً، أو يطلقوا العيارات النارية على الناس دون أمر مباشر من الشاه؟
لقد توصلوا، بتفكيرهم السقيم، في ذلك الاجتماع، إلى السعي لانقاذ (صاحب الجلالة) عبر زعمهم بأن الشاه قد تاب وإن العسكر هو المسؤول عن تلك الافعال وليس الشاه. ورتبوا الأمر بصورة جعلته يفضح نفسه بنفسه مثل قضية ذنب الديك!
فحقيقة الأمر كانت واضحة، ويبدو ان الذين رتبوا الأمر كانوا قد شاهدوا بأن اساليب الرياء لم تجد نفعاً وكذلك اللجوء إلى الحكومة العسكرية والحراب، فقرروا استخدام الاسلوبين معاً.
ولكن ما دام كلّ منهما لم يحقق شيئاً فكلاهما معاً لا يحققان شيئاً ايضاً. ورغم إدراكهم لهذه الحقيقة، طرحوا هذه الخطة ليدرك الشعب ومن خلال الخطة نفسها، أن الأمر ليس على ما يدعيه الشاه من التوبة واجراء انتخابات حرة وجعل البلد مستقلًا وسليماً وحراً!!
فاليوم وفي ذات الوقت الذي يستغفر الله ويدعي التوبة، تنطلق العيارات النارية من مدافعه الرشاشة لتقتل الناس بأمره. وقبل ان يجف حبر صحيفة توبته، أحرقوا قم وزنجان، ولاشك ان الشيء نفسه يجري في سائر ارجاء البلد، وستصلنا اخباره عصراً أو مساءاً بالتأكيد.
لا يمكن خداع الشعب بعد الآن، عليهم ان يفكروا بخطة اخرى. وإذا كانت هذه الخطة من تدبير القوى الكبرى، فهي تكشف عن حماقة، وإذا كانت من تدبير الجهاز الحاكم نفسه، فإن لديه من الحمقى والتافهين ما يكفي. ولو كان معدو هذه الخطة من الحمقى فهي نتيجة حمقهم، أما إذا كانت من تدبير المدركين لما يجري فهم يعملون ضده (الشاه)، ويتعاونون مع الشعب ويريدون توعيته وكأنهم يقولون بهذه الخطة: أيها الناس إعلموا أن توبة هذا الشخص (الشاه) هجوماً وليس موتاً، فتوبة الذئب توصف بانها موت، اما توبة هذا فهي هجوم!!
جرائم الشاه لا تغتفر
كيف يمكن وضع حد لهذا المأزق في ظل هذه الاوضاع؟! لقد إنتفض الشعب وإستيقظت جميع فئاته وتنامى وعيها السليم ازاء مختلف القضايا وإتضحت الخيانات كافة، والجرائم لا زالت ترتكب باستمرار ضد الشعب الذي انتفض مطالباً بحقوقه، فكيف يمكن مطالبته بالكف عن تحركاته؟
كيف يمكن الطلب من زعمائه سواء من العلماء أو السياسيين أو الكسبة والتجار أو الجامعيين، التوسط ومطالبة الشعب بأن يعفو، لان السيد (الشاه) قد تاب وسيبذل مساعيه لاقامة الديمقراطية وتحقيق الاستقلال للبلد؟!
وحتى لو فرضنا- فرض المحال- انه سيجمع في نفسه المحاسن كلها، ولكن ماذا عن الماضي والجرائم التي ارتكبها؟! هل تمر هكذا دون عقاب؟! شخص واحد يتّم آلاف العوائل وجعل آلاف الامهات ثكالى، وسلب آلاف الآباء أبنائهم وشبانهم، والآن يأتي هذا الشخص ويخاطب الشعب: سامحوني فأنا اعتذر اليكم!! هل يُقبل أعتذاره؟! وبماذا يجيب مَنْ يقبل إعتذاره على تساؤلات الامهات والاباء؟ بماذا يجيب الذي يقبل ببقائه ملكاً لا يحكم؟!
لنفترض ان هذا المخطط لا يهدف إلى التآمر- وإن كان مؤامرة في الواقع دون أدنى شك- ولكن ماذا نقول للشعب لو وافقنا عليه؟ ماذا نقول لتلك الام التي تقدم بها العمر وهي تجد منزلها خالياً بعد أن قتلوا جميع أبنائها؟! هل نقول لها: ليبق (صاحب الجلالة) ملكاً وفي مقام (صاحب الجلالة)! يسلّم عليه الشعب- في المناسبات- ويدعو له بالخير؟!
لقد إرتكب- ولا زال- كلّ هذه الجرائم، وضيّع في السجون عشرة اعوام- على سبيل المثال- من اعمار علماء الإسلام والشخصيات السياسية والكسبة واساتذة وطلبة الجامعات والمعاهد، فما هو ثمن هذه الاعوام الضائعة من أعمارهم!: هل يكفي مجرد اطلاق سراحهم الآن؟ وهل يعيد ذلك ما ضاع من أعمارهم؟!
لقد اصبح الشاب شيخاً في سجنك .. كنت قد إلتقيت بعض هؤلاء قبل دخولهم السجن وكانوا يصافحوني وعندما رأيتهم الآن وقارنت حالهم بما كانت عليه قبل دخولهم السجن، وجدت الفرق كالفرق بين البطل والمصارع وبين الشيخ الطاعن في السجن، كان شعر رأسهم اسود والآن قد ابيض، وكانوا اصحاء وهم اليوم مرضى يجب معالجتهم، فما هو ثمن كلّ ذلك؟! لا شيء؟!
لنفترض ان توبته صادقة ونصوح، ولكن ماذا عن كلّ هذه الجرائم التي ارتكبها؟ هل تمر دون عقاب؟ وهل يعفو الشعب عنها جميعاً؟!
امهال الشاه يعني تدمير إيران
ومن أقواله وأقوال رئيس وزرائه: (تعالوا نفكر بأمر إيران).
أننا منذ سنوات نفكر بإيران، وهذا ما يفعله شعبهاً أيضاً ولذلك قام بهذه النهضة، لأنه يرى إيران تضيع أمامه عينه، بل فقدها، وهو يريد الآن انقاذها. فهو يفكر بها لانقاذها.
فهل تريد ان نعاونكم للمزيد من سلبها ونهبها وتكريس تبعيتها للقوى الكبرى؟!
هل تريد ان نفكر بإيران بالنحو الذي تستطيع معه ارتكاب المزيد من الخيانات بحقها، ولكي تقول مرة أخرى بان الإيرانيين- وهذه من افكار الشاه- لم يبلغوا بعد المرتبة التي تؤهلهم للحصول على الحرية فيجب ان يبقوا تحت مطرقة القمع والحكم العسكري وأقدام الاجانب وعملائهم المحليين!
هذا هو منطلق الشاه، حيث يقول: ان الإيرانيين لم يتأهلوا بعد لكي نمنحهم الحرية!، فيما يقول ذلك (القزم): لقد علت صيحاتهم لكثرة ما منحوا من الحرية! فهذا هو قول كارتر الذي صرح بأن صيحات الإيرانيين علت بسبب اجواء الحرية الواسعة والمكثفة التي منحت لهم.
هذه هي الأقوال التي يطلقونها الآن، فكيف ينبغي ان نتعامل معهم؟! هل ثمة سبيل أمامنا غير هذا الطريق، أي مواصلة تضييق الخناق على هذه الحنجرة الخبيثة لوضع نهاية لهذه المشاكل؟! فهل بقي لنا غير هذا الطريق؟! هل يمكن سلوك طريق المصالحة؟! أو القبول بخيار بقائه في إيران؟ أم أن هذا يعني انتحار الشعب؟! إن هذا الخيار يقود شعبنا إلى الدمار وفناء إيران، ويؤدي إلى ما هو أسوأ من ذلك.
كل ما فعله الشاه حتّى هذه اللحظة كان فساداً، وهو يطالب الآن امهاله لاسترجاع قواه في شن هجماته اللاحقة! ويعلم الله لو امهله الشعب الإيراني لوجه لكم ضربة لن ترفعوا بعدها رؤوسكم، وهذا ما قلته سابقاً واكرره: لا تمهلوه ولا تعطوه الفرصة لاسترجاع انفاسه. فمنذ عام وهو يمارس كلّ ما يقدر عليه ولو امهل سيفعل اسوأ من ذلك.
إذا كانت الاقوال التي يطلقونها هي اقوال الشاه حقاً، فهي تصرفات طفولية: لو رحلت ستزول إيران. تعالوا نفكر بحال إيران! إذا رحلت سيتم تقسيم إيران. سيأتي الروس من هذه الجهة والأميركان من الجهة الأخرى، وهم لا يفعلون ذلك الآن خشية من النظام الشاهنشاهي المقتدر! وكأنهم غير موجودين الآن (يضحك الحاضرون).
إن المستشارين الاميركان هم الذين يسيرون جيشنا، وقد أقاموا قواعد لهم في العديد من أرجاء بلدنا وهم مستمرون في نهب نفطنا. فيما يواصل السوفيت نهب غازنا، فهل نحن مستقلون وأحرار في جميع شؤونا؟!
لقد قال (الشاه) يوماً ان الاميركان كانوا يرسلون قوائم- من السفارات- باسماء الاشخاص الذين يجب ان نعينهم نواباً في المجلس ولم يكن أمامنا سبيل سوى الانصياع!! وغاية الأمر أنه إدعى ان هذه الحال كانت في السابق- أي في عهد ابيه الذي طالما أثنى عليه- وانه لن يسمح بتكراره!.
ليس أمام الإيرانيين اليوم من خيار سوى تعزيز هذه النهضة ومواصلتها بخطوات راسخة وضربات قاصمة للقضاء على هذا النظام الغاشم. ولو تهاونوا وتهاونا، نكون قد ارتكبنا خيانة بحق هذا الشعب وبحق الاسلام والقرآن الكريم، لأن هذا الشخص يعادي كلّ ما لدينا، ويسعى لامتصاص دمائنا جميعاً.
لذلك لو تهاون أحد في هذا الامر، أو أهمله، أو قال كلمة تدعم هذا الشخص، فهو خائن لهذا الشعب وللإسلام ويجب ان نحذره. وان واجبكم جميعاً- انتم المقيمون خارج البلد- ان تدعموا الشعب الإيراني وتتضامنوا معه.
لقد سألني السادة الذين قدموا من المانيا، والشيء نفسه ذكرته مجموعة أخرى، فهؤلاء السادة «5» يعتقدون ان عملهم لا ينفع إيران بل يشكل خطراً عليها، كذلك ثمة من يعتقد بأن عمله مرهون بزمن محدد، واذا ما نفد النفط فسوف تنتفي الحاجة لاختصاصه، كذلك يذكر السادة ضمن اختصاصهم العلمي، بأنهم لا يسمح لهم في المراكز العلمية التي يعملون فيها، بالتقدم العلمي.
إذن، فأنتم لا تحصلون على ثمرة علمية من وجودكم في هذا المركز «6» ولا تخدمون وطنكم، وتذكرون بأن هذا العمل مضر لوطنكم. فاذا كان الأمر كما ذكرتم فيجب ألا تذهبوا إلى هذا المركز ويجب ان تقوموا بعمل آخر، فتكليفكم الشرعي مرهون بتشخيصكم أنتم، فإذا شخّصتم بأن الأمر مدبر بهدف الحيلولة دون تفتح طاقاتكم وطاقات الشباب المبدعة، مثلما يفعلون في جامعاتنا وفي كلّ أرجاء إيران إذ يسعون لمنع تقدمكم والابقاء عليكم ضمن حدود التخلف (العلمي)، كي يستوردوا الخبراء من الخارج، فتستهلك طاقات شعبنا وقواه في تنفيذ أوامر الخبراء الاجانب الذي يكونون- بعبارة أخرى- هم السادة وأبناء شعبنا الادوات المنفذة لأوامرهم، فيجلسون ويدخلنون (الغليون) وينفذون المشاريع المناهضة لمصالح الشعب الإيراني ويستلمون الرواتب الضخمة- التي يعلم الله بضخامتها- مقابل ذلك.
مخطط ابعاد الناس عن الإسلام
هذه هي المؤامرة المعدة منذ البداية، وقد عملوا على تنفيذها منذ عهد رضا شاه لتكريس التخلف (العلمي) لدى شعبنا وعزله عن دينه، لانهم أدركوا ان القرآن الكريم وأتباعه هم الذين يحركون الشعب والمجتمع ولا يرتضوا الاستعباد. ولذلك قرروا ضرب الإسلام ودعاته.
فلم تكن تجد في إيران كلها مجلساً واحداً للخطابة الدينية والوعظ والارشاد لا في شهر محرم ولا في شهر رمضان، كلّ المجالس كانت معطلة، وكانت المصيبة تنزل على رأس كلّ عالم دين يخرج من منزله، إذ كانوا يعتقلونه ويسوقونه إلى مركز الشرطة ويمزقون عبائته ويأمرونه أن يخرج بصورة مزرية. ثم يعتقلون معمماً آخر في مكان آخر وهكذا.
اية جرائم ارتكبها رضاه شاه يومئذ بحق الإسلام والمسلمين، ثم ورثها هذا الرجل الذي ترون ما يفعله، وإن كان ما ترونه ليس اكثر من الصورة الظاهرية، اما ما يدور في الخفاء والذي لا نعرف عنه شيئاً لا أنا ولا أنتم، فحدّث ولا حرج، وان المطلعين عليه لا يجرؤوا على التحدث به الان، لكن الحقائق ستنكشف فيما بعد، نحن الآن لا نستطيع تصور ما فعله هؤلاء بهذا البلد وبالإسلام وبالمسلمين وبهذا الشعب وبثرواتنا.
لدينا في إيران- كما لاي شعب آخر- نوعان من الثروات: الاول الثروات الطبيعية الكامنة تحت الارض، والثاني هو هؤلاء الفتية- فهم ثروة للشعب ايضا- وهو الآن يدمر هاتين الثروتين وقد دمرهما ..
اما بالنسبة للثروات المادية، فقد وهب ولا زال النفط والغاز للأجانب دون حساب. أما بالنسبة للمراتع الطبيعية والغابات فقد جعلها (وطنية) كما يقول، إذ أعطاها للأجانب، وقد وصلتني وثائق بهذا الشأن بقيت في مدينة النجف ولم احملها معي. كما دمر زراعتنا بالكامل. وإذا ما استمروا باعطاء نفطنا بهذا السخاء!- للأجانب- سينفد بعد ثلاثين سنة أو ما يقرب من ذلك، وعندها سيكون شعبنا بلا نفط ولا زراعة ويستجدي الآخرين إذا بقى هذا الشخص حاكماً، فنصف الشعب الآن يستجدي وإذا بقى هذا الشخص سيصبح جميع الشعب على هذه الحالة لانه سيفتقد كلّ دعامة، فلو أمهلتموه لدمر كلّ ما لديكم من الثروات المادية والمعنوية. هذا هو حال ثرواتنا المادية- سواء الظاهرة أو الكامنة تحت الارض-.
اما بالنسبة للنوع الثاني، أي الشباب وهم من ثرواتنا العظيمة، فلا يسمحون لهم باكتساب العلوم والتقدم العلمي، إذ يحاولون تحجيمهم في الحدود التي تبقي عليهم كأيد عاملة فقط لدى الاجانب، وهذه الحال تصدق حتّى على الذين يخرجون من البلد للدراسة، فقد رتبوا الأمر بنحو لا يسمحون لهم بأن تكون دراستهم دراسة حقيقية، كي لا يتربوا على البحث والنقد والاقناع، فلا يسمحون لهم بالتطور الفكري لكيلا يقفوا بوجههم ويعرقلوا نهبهم.
ولكن هذا الوثن تحطم الآن- ولله الحمد- وأزيلت هذه العقبة، وقد إنتفض شعبنا وسجل في التاريخ شهادة على شجاعته ووعيه، وأثبت أنه لا الخداع ولا الأحابيل الشاهنشاهية تستطيع قمعه، ولا (الهراوات الشاهنشاهية)، ولا الحكومة العسكرية، ولا تعيين عسكري لرئاسة الوزراء: إذ ان الحكومة العسكرية قائمة اليوم في إيران ورغم ذلك فالانتفاضة الشعبية مستمرة، وتدوي فيها شعارات (الموت للشاه).
القوى الكبرى تدعم الشاه من اجل مصالحها
لا يمكن خداع هذا الشعب بأمثال هذه التصريحات التي يطلقها كارتر حيث يقول: نقف إلى جانب الشاه فلا نستطيع ان نضيّع مثل هذا الخادم الذي يحافظ على مصالحنا في إيران. أو تلك التي اطلقها القزم الانجليزي حيث يقول: نحن لا نستطيع الصمت مقابل ما يتعرض له حامي مصالحنا في إيران «7».
أجل، لهذا السبب نحن نعارضه ونقول إن هذا الذي جاء لتحقيق مصالح إنجلترا وأميركا والاتحاد السوفيتي، خائن لشعبنا ومعاد لمصالح هذا الشعب ولهذا فهو ليس ملكاً طبق الدستور، وقد حكمت الاسرة البهلوية منذ البداية خلافاً للدستور، فلم يكن لدينا مجلساً نياباً حقيقياً اصلًا، وان المجلس الذي أقر حكم هذه الاسرة قد شكّ- له بقوة الحراب، وقد شهدتُ هذه الحقيقة عن كثب وشهدها وتعرّف عليها كلّ أترابي.
فالذي يحكمنا إذن ملك غير دستوري، ومجلس نيابي غير دستوري، وحكومة غير دستورية، ورغم ذلك يقول هذا الرجل (الشاه): حسناً سنجعل الانتخابات حرة!!
فكيف ذاك والانتخابات هي مخالفة للدستور اساساً إذا اقيمت في ظل وجودكم غير القانوني. ما معنى الانتخابات الحرة، أن تكون قانونية طبق الدستور، وان يأمر باجرائها ملك دستوري طبقاً للدستور، وأنت لست ملكاً بل باغٍ وقد غصبت هذا المنصب خلافاً للدستور.
الدعاية ضد الإسلام
لا تمهلوه أيها السادة. أنها مسؤوليتنا جميعاً ولو تهاونا في ادائها سنرتكب خيانة، وأرجو ان تدعموا- أنتم الشباب- هذه النهضة وان تتوحد في دعمها كلمتكم وافعالكم دون اختلاف وتفرقة. فهذه النهضة تخدم مصالح وطنكم ومصالحكم أنتم ايضاً.
(وأعلموا أن) الدعايات المثارة ضدها هي من صنع الاعلام الشاهنشاهي نظير الادعاء بأن الإسلام يعود إلى ما قبل (14) قرناً فلا يستطيع إدارة الحياة المعاصرة، وانه يمثل دكتاتورية ثانية «8» وانه ليس بوسعه تلبية إحتياجات الشعب المعاصرة وانه يدعو إلى الرجعية، وامثال هذه الادعاءات البالية التي باتت بالية الآن ولم يعد يصغي اليها احد.
ان هذا الشخص نفسه الذي كان يتحدث في السابق عن الرجعية السوداء وينعتها هي والرجعية الحمراء «9» بأنهما موجودان غير مباركين يسيئان الى البلد؛ يمد اليوم يده للمراجع العظام والعلماء الاعلام قائلًا: ساعدوني كي أوسع نطاق جرائمي وأزيدها وأواصلها! (يضحك الحاضرون). أجل لقد أصبحت هذه الأقوال قديمة.
الإسلام هو الذي فتح كلّ هذه البلدان في نصف قرن كي يهدي شعوبها إلى الحياة الانسانية، ففتوحاته ليست كفتوحات السلاطين الآخرين مثل (نادر شاه). كلا، الحكم الإسلامي يبنى على الشخصية الانسانية.
ينبغي ان تلاحظوا سيرة زعماء الإسلام كالنبي الاكرم وبعده امير المؤمنين، فهل كانوا مستبدين؟! النبي الاكرم كان يجلس مع الناس بنحو ليس بوسع الغريب تمييزه عن الرعية والصحابة. هكذا كان جلوسه مع الناس، كجلوس الفقراء وكان يعيش حياة الفقراء ولا يتصرف ببيت المال الذي هو ملك للمسلمين.
وكان يرتقي المنبر ويطلب ممن له حق ان يقوم ويقتص منه، فلم يقم احد. لقد فعل- صلى الله عليه وآله- ذلك في أواخر عمره ولم يقم احد باستثناء شخص واحد قال له: ضربتني سوطاً دون حق. فأمر الرسول ان يقتص منه، فذكر الرجل بأن صدره كان عاريا فكشف الرسول عن صدره، فجاء الرجل وقبله. أي انه أراد بهذه الحيلة تقبيل صدر رسول الله.
هل تجدون مثل هذا الحاكم بين جميع حكومات الدنيا؟ هذا ما نبحث عنه نحن أيضاً، وطبعاً لن نتمكن من العثور على نظير له، ولكن نريد حاكماً يعمل ببعض أحكامه، فلا يخون شعبه ولا ينهب ثروات ويعطيها لاميركا والدول الاخرى، ويبني بها قصوراً له ولاولاده وعشيرته.
عندما رحل النبي عن هذه الدنيا لم يكن يملك شيئاً، وهكذا كان حال الحاكم الثاني الذي شملت رقعة حكومته الشرق بأسره واجزاء من أوروبا، فقد كانت له فروة خروف ينام عليها في الليل هو وزوجته فاطمة الزهراء- سلام الله عليها- ويضع عليه في النهار طعام بعيره ليعتلف منه، فلم يكن له بلاط وعرش كما هو حال صاحب الجلالة الشاه. بل كان يعمل مثل سائر العمال ولكن ليس لجمع المال بل لوقفه في سبيل الله. حتى أنه حينما بويع للخلافة أخذ الفاس والمسحاة وذهب للعمل الذي كان يقوم به. وعندما حفر تلك البئر وتفجر الماء باركوا له على ذلك، فأجابهم بان يوجهوا تهنئتهم للورثة!! ثم طلب دواة وصحيفة وأوقف تلك العين. هكذا كانت سيرته وحياته.
نحن نبحث عن مثل هذا الحاكم ولن نجد له نظير طبعاً، وقد أخبرنا هو بنفسه عن عدم قدرتنا على ذلك، ولكنه اوصانا بالتقوى، لذا نحن نبحث عن حاكم تقي يتحلى بالتقوى السياسية فلا ينهب ثروات الشعب ولا يضيّعها. هذا ما نبحث عنه.
هذا ما نريده عندما نقول نريد حكومة إسلامية، أي نريد حكومة يكون الحاكم فيها شبيه- إلى حد ما- بهؤلاء الحكّام.
فمتى كان هؤلاء إستبداديين كي يقلق أولئك السادة بشدة من الحكومة الإسلامية! واي ديكتاتورية فيها وهي تمثل حكومة القانون.
فلو إرتكب الرجل الاول في بلدنا- في ظل الحكم الإسلامي- مخالفة أو ظلماً أو إعتدى على أحد، عزله الإسلام، لانه يفقد اهلية الحكم، فهل هذه حكومة إستبدادية؟!
إنها تمثل حكم القانون الإلهي، بحيث لو اشتكى احد الحاكم- وهو الرجل الاول في الدولة- إستدعاه القاضي ولأستجاب هو ايضاً وذهب للمحكمة كما فعل الامام علي. وما نريده نحن هو هذه الحكومة المعبرة عن حكم القانون، وليس أي قانون بل القانون الالهي وتشريعات الإسلام التقدمية.
الإسلام يعارض الفساد لا التحضر
إن هؤلاء هم الذين يثيرون فيكم الخوف من الحكومة الإسلامية، فيقول (قائلهم): لو اقيم الحكم الاسلامي لوضعوا النساء في الحجرات وأقفلوا عليهن الابواب!! بيد ان النساء في صدر الإسلام كن يشاركن في الحروب ويرابطن مع العساكر طوال فترة الحرب لمعالجة الجرحى، فهل يتوقع أحد أكثر من هذا.
أقيموا دوراً للسينما تلتزم بالاخلاق والتربية، فلن يعارضها احد، لان الحكومة الإسلامية تعارض مراكز الفساد وليس التحضر، فليس من التحضر والرقي ان يكون البلد مملوء بمراكز الفساد، ويفتقد إلى المكتبات؟! هذا ما يعارضه الإسلام وليس التطور. في حين ان هذا القزم (الشاه) قال في احد خطاباته «10»- وكنا حينها في قم-: إن هؤلاء الملالي يريدون التنقل بواسطة الحمير!!
فكيف يمكن التعامل مع مثل هذا الشخص؟! الذي ذكر في مكان آخر: إن هؤلاء الملالي مثل الحيوانات النجسة. وقال ايضاً: إنهم مثل الديدان التي تعيش في القاذورات. وقد جاء اليوم، بعدما وصف العلماء بهذه الاوصاف، ليخاطبهم ب- (المراجع العظام والعلماء الأعلام)، وهم يعلمون أنك تكذب (يضحك الحاضرون)، ومن يحتمل الصدق فيما تقول فهو ناقص في قواه العقلية!!
على أي حال، اسأل الله ان يوفقكم ويسدد خطاكم .. احرصوا على وحدتكم، فإذا تفرقتم لن تحققوا شيئاً، فمن يعمل لوحده لا يستطيع ان يحقق شيئاً، لذا على الجميع ان يتحدوا فأن (يد الله مع الجماعة).