اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
حكومة عسكرية باسم الديمقراطية
جاء في احدى الصحف، ما ان امر الشاه بتشكيل حكومة عسكرية «1» في إيران، حتّى أعلنت أميركا دعمها، وبما أن ذلك يعارض تأييد اميركا ل- (حقوق الانسان) فقد قال الناطق الرسمي باسم البيت الابيض- لتبرير ذلك- إن الحكم العسكري هو مقدمة للديمقراطية لانه سيعيد الأمور الى نصابها ويوطّد النظام، ثم تبدل هذه الحكومة بحكومة جيدة بعد إعادة النظام!
ان مسألة (إعلان حقوق الانسان) هي لتبرير هؤلاء أعمالهم وابتلاع الحكومات الضعيفة! فلا يظن ان القوى العظمى تحترم حقوق الانسان! نحن وأنتم موجودون في إيران ونشاهد أن أميركا وإنجلترا وروسيا وإيران الذين وقعوا على إعلان حقوق الانسان، إلى أي درجة راعوا أوليات حقوق الانسان في إيران؟!
إن حرية البيان والانتخابات والصحافة والاذاعة والتلفزيون والاعلام من أوليات حقوق الانسان. هل أميركا لا تعلم أننا لا نملك إعلاماً حراً ولا صحفاً ومجلات حرة؟! والآن ولأن الأحكام العرفية قد عادت مرة أخرى وأخضعت كلّ شيء إلى الرقابة، فإن جميع الصحف والمجلات في إيران معطلة، وقيل إنهم قد ألقوا القبض على ستمائة شخص من الأعيان!
ألا تعلم أميركا أنه لم تكن هناك صحافة إيرانية حرة في وقت من الأوقات بالمعنى الحقيقي للحرية؟!
وفي هذه الأيام القليلة التي منحوا فيها شيئاً من الحرية الصورية، لم يكن هناك حق لأي من الصحف أن تذكر كلمة واحدة تتعلق بالشاه الذي هو نفسه كبير اللصوص، وألقوا بالأوزار كلها على عاتق الوزارات والموظفين، في حين ان المجرم الرئيس هو الشاه نفسه!
مزاعم كارتر في الدفاع عن حقوق الانسان
فلو كانت الصحافة حرة لفضحت الشخص الذي يرتكب كل هذه الجرائم ويأمر بارتكابها وهي مستمرة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً دون توقف؛ ولم نشهد طوال هذه المدة بل ومنذ الحركة الدستورية انتخابات وطنية إلا ما ندر؛ ولم يكن لدينا حكومة حرة ولا مجلس نيابي طوال حكم رضا شاه وطوال عهد الشاه الحالي. فالمجالس النيابية كلها أقيمت بقوة الحراب، رغم أن من أبسط حقوق الشعب أن يكون حراً في انتخابات ممثليه في المجلس النيابي، فهم الذين يقررون مصير البلد ويشرفون على ادارة شؤونه، وإذا صلح وضع الشعب كانت مسيرته سليمة؛ أما إذا كان فاسداً فإنه يسوق البلد نحو الدمار وهذا ما فعلوه.
هل تجهل أميركا والاتحاد السوفيتي وانجلترا حقيقة أن ايران محرومة من الحرية في التمثيل النيابي وفي الصحافة وفي كل شيء، فكل ذلك يدار بقوة الحراب وتحت ظل الرقابة والإكراه؟!
أم أنها تعرف ما يجري في ايران حيث لديها سفير وأجهزة تجسس وعملاء بل إن أيران هي في قبضتها أساساً؟ إنهم يعلمون بما يجري ويعرفون ما يطالب به شعبنا، لكنهم يتظاهرون بالجهل، لأنهم يعرفون أن انتصار الشعب قد يؤدي الى قطع دابر اعتداءاتهم على حقوقه، ولذلك فهم يتشدقون بالحديث عن حقوق الإنسان.
وعندما يرون أن تأييدهم للحكم العسكري يناهض إدعاءاتهم بالدفاع عن حقوق الإنسان، لأن الحكومة العسكرية تسلب الشعب جميع الحريات ومع ذلك يدعمونها؛ لذلك يسعون الى تسويق هذا التناقض بالقول: إن الشعب الإيراني لا يدع الشاه يمنح الحريات! وإن هذا المسكين يتحمل الصعاب إبتعاء تحرير الشعب وإعمار البلد لكن الشعب هو الذي يرفض الحرية وإعمار بلده!! فهو شعب غير ناضج بل هو مجموعة من المتوحشين الفاقدين للنضوج الفكري اللازم لإدراك أن الحرية شيء جيد! ولأن الشاه يريد إعطاء الحريات فقد وقعت هذه الاضطرابات ونحن ندعمه كي يتمكن من إعادة الاستقرار الى ايران ويستطيع- بقلب مطمئن- التفضل بمنح الحرية التي ينشدها للشعب الذي لا يدعه يفعل ذلك!
هل إن كارتر لا يعي ما يقول، وإن الناطق الرسمي للبيت الأبيض يطلق هذه الأقوال بوحي من عدم فهمه وكذلك لجهله بالوقائع، أم أنه يطلقها عن علم وإطلاع ودراية؟
إن إعلان حقوق الإنسان وسيلة لنهب الشعب بصورة مبررة، يوحي بأنهم يحققون له شيئاً، فهو نظير منح الشاه الحريات للشعب والفضاء السياسي المفتوح، وكلها إدعاءات يعج بها العالم وتصدر من أشخاص ليس لهم أصالة مبدئية، ولا غاية لهم سوى المصالح المادية؛ فكلها إدعاءات جوفاء.
الحفاظ على حقوق الإنسان
الحكومة التي تستطيع الادعاء بأنها تحافظ على حقوق الإنسان هي القائمة على أسس العقائد الإلهية الدينية والتي ترى نفسها مسؤولة أمام قوة عظيمة؛ أما الذين لا يرون أنفسهم مسؤولية أمام قوة عظيمة ولا يتوجهون اليها ولا يشعرون- حقيقة- بالمسؤولية، فكل ما يقولونه مجرد إدعاء. وإذا فقد الإنسان ذلك المنطلق والأساس- التوجه الى الله والخشية منه ومن المسؤولية في يوم الجزاء- أثار الفساد والتخريب والانحراف، فهذا هو طبع الإنسان يعمد الى العدوان إذا ترك لحاله.
أما الذي يضمن سيره على الصراط المستقيم ويهديه ويضبط حركته فهو الدين والإيمان بالمبدأ والمعاد، الذي يردعه عن الأعمال المنحرفة حتى في خلوته حيث لا يراقبه أحد. وما عدا ذلك أقوال لا مصاديق لها نظير أن احترام القيم الإنسانية يقضي القيام بكذا وكذا. نحن لا نصدق أن هؤلاء الذين يزعمون احترام الإنسان والتزامهم بالقيم النبيلة، يلتزمون بذلك فهؤلاء هم الذين يأتون لزيارة ايران تزامناً مع وقوع مجزرة الجمعة السوداء.
ومن هؤلاء هذا الذي يقول: أنه شيوعي يحترم الإنسان- وهو يتحكم بمصائر مليار إنسان- ويأتي الى ايران ويعبر بالطائرة العمودية من فوق أجساد قتلانا ليصافح الشاه ويقدم له التهاني.«2» هذا احد الذين يزعمون احترام القيم الإنسانية وأحد الموقعين على وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ وهذا هو حال انكلترا وأميركا والاتحاد السوفيتي وسائر القوى الكبرى.
هل يجهل هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان ما يحدث في ايران حالياً وما يقاسيه ثلاثون مليون إنسان فيها؟ هل يجهلون حقاً واقع الأمر، أم يتصورون أن المشكلة تكمن في أن الشاه يريد إعطاء الحريات والشعب يرفض؟!
هل تتصورون أن المشكلة هي على هذا النحو؟! أم أن كارتر قد فهم ذلك من وراء هذا العالم؟ كلا، إن ابليس هو الذي علّمه أن يطلق هذا القول، فهذه تعاليم ابليس وهؤلاء طواغيت ومظاهر ابليس.
لا يمكن إصلاح الإنسان وحفظ حقوقه إلا بالاستناد الى مبدأ معنوي، كما أننا نرى كيفية تعامل الحكومات التي قامت على أساس التوجه الى الله مع الناس وكيفية تعامل غيرها من الحكومات؛ فنرى ذاك الحاكم (الإمام علي- عليه السلام-) كان يقوم بنفسه- رغم إتساع رقعة حكومته وشمولها لكل تلك البلدان- بالتجول ليلًا لتفقد أحوال الضعفاء وتوفير ما يحتاجون، ثم يقول- سلام الله عليه- أنه يخشى أن يكون في اليمامة أو غيرها جائع؛ فلا يشبع نفسه خشية من أن يكون طعامه أكثر من طعام اولئك الجياع.
هذا هو عمل المؤمن بالمبدأ الغيبي وإلا فهو بشر كسائر البشر، لكن الاعتماد والتوجه الى المبدأ الغيبي هو الذي يدفعه الى التأكيد- عندما جاءت عساكر معاوية أو غيره وسلبت خلخال إمرأة من أهل الذمة يهودية أو نصرانية- على أن المؤمن إذا مات كمداً بسبب ذلك لكان جديراً وليس ملوماً. «3»
هذا هو حال الطالب لصالح الرعية المحب للإنسان حقاً، لأنه يتوجه الى عالم فوق هذا العالم؛ لا ينحصر اهتمامه بالأكل والشرب وهذه الحياة الحيوانية بل يتوجه الى ما هو أسمى من ذلك.
إن أمثال هؤلاء الذين يستندون الى هذه المبادئ المعنوية يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم بحيث يضع الإنسان مقدراته بأيديهم، ويختار منهم النائب والوزير ورئيس الجمهورية، وهذا ما نهتف مطالبين به ونتطلع لتحقيقه.
تاريخ جرائم الملوك في ايران
إن مقدراتنا لازالت ومنذ ألفين وخمسمائة عام بأيدي حكم الملوكية السوداء التي كان هذا الرجل (الشاه) يقول الى الأمس الأول: إن الشعب الإيراني يودّ الملكية ويوالي الملك. في حين أن الحرب والصراع والنزاع ظل قائماً طوال التاريخ بين هؤلاء الملوك من جهة والموالون للملكية حسب إصطلاحهم من جهة أخرى، وحتى الجيد منهم الذي لو قرأتم أو سمعتم اسمه انقدح مدح له في قلوبكم أو الذي إذا ذكروه في كتاب قرنوا إسمه بوصف (جنة المأوى)، حتى الشاه عباس هذا، هو رجل خبيث سمل عيني ابنه بسبب الملك وحب السلطة. كما أن (انوشيروان) العادل كان من أسوأ الظلمة وقد سجل التاريخ ممارساته الظالمة.
والله يعلم ما اصاب إيران من هؤلاء الملوك! وأنتم الآن تشاهدون هذا الشاه (المحبّ للعدل وحامي الإسلام)! لقد قال في كلمته أول امس (نحن نريد تطبيق الإسلام والدستور)! لقد كان هذا الرجل كذلك إلى أمس الاول، والآن يكذب أمام الجميع! أي نوع من الناس هؤلاء؟! ففي حين يرى انه أعلن الحكم العرفي وستطلق النار غداً على تلك المدن والقرى، ومع ذلك بدأ يقول (إني أتعهد وألتزم أن لا تتكرر تلك الاعمال)! من أي سنخ هذه العقول؟! وليس الانسان العادي كذلك، هذه معجزة الطبيعة!
لقد كان يقول هو وأعوانه أن (أهالي اصفهان وطهران وكرمان ويزد موالون لي وكذلك في كلّ مكان)! هل كان أهالي اصفهان المحبون للشاه هم الذين أحرقوا كلّ ما يتعلق بالشاه وحكومته، وإن حبهم للشاه هو الذي حفزهم قبل ثلاثة أيام على اسقاط تمثال الشاه وتحطيمه وأن يأخذ كلّ واحد منهم قطعة منه للذكرى؟!
على كل حال، فإن هؤلاء كان أكثر ما يستفيدون منه حتّى الآن خمول الشعب وضعفه، واليوم يرون ان هذا الخمول والضعف قد تغير وتبدل إلى قوة، لذلك يجهدون بحثاً عن الحل! وقد أقام أعوان أميركا في اليابان مأتما «4» لمشكلة النفط بأن جميع مصانع اوروبا ستتوقف! في حين اننا نريد بيع نفطنا لمن يعطينا النقود، لا للذي يشتري النفط ويقيم بثمنه قواعد عسكرية! وهذه من العجائب أن يأخذ احد نفطنا ويقيم بثمنه قواعد عسكرية لنفسه مقابل الاتحاد السوفيتي! هكذا يبدد هؤلاء اموال هذا الشعب.
نحن نريد ان تنتهي هذه الفوضى، ولا نريد خزن النفط ولكننا نريد ان نبيع النفط لاي دولة تشتريه بشكل افضل وبثمن أغلى. ولا نريد ان تكون كمية استخراجه وتسعيره ومقايضته بإرادتكم! نحن نروم الحرية أي اول حق للانسان، وقد هرع ابناء هذا الشعب المستضعف إلى الشوارع وضحّوا بالشباب وسحقوا بالدبابات والكل يهتف: اننا نريد الحرية والاستقلال والحكومة الإسلامية!
ونحن نعارض أي حكومة تضع قوانين حقوق الانسان تحت أقدامها وتفعل بالشعب ما تشاء! نريد حكومة لا يحكم فيها الا القانون وذلك هو قانون العدل، القانون الذي يكون لكمال الانسان وصلاحه ولا غيره. وعلى كلّ حال فنحن نواجه هذه الامور، والآن حيث نحن جالسون هنا فإن نفس المصائب موجودة في إيران! ولكننا في نفس الوقت نأمل- إن شاء الله- في قطع ايدي القوى العظمى، رغم ما لها من القوة عن مصالحها هذه!
حفظكم الله جميعاً ووفقكم بمشيئته تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.