أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
اعتذر من السادة للمشقة التي يعانونها بسبب ضيق المكان. حفظهم الله جميعاً. ان شاء الله تعالى.
كان اليوم في إيران يوم عيد (الاضحى)، وقد منع الشاه ان تقام صلاة العيد في كثير من الأماكن! كما فرقوا الناس بالغازات المسيلة للدموع في قم كي لا يقيموا الصلاة، وهجموا في بعض الأماكن وقاموا بالكثير من الاعمال الوحشية! ومهما يكن فإن هذا هو السهم الاخير الذي كان في كنانة الشاه، وقد عاملوا الناس في جميع أنحاء إيران بوحشية كاملة.
احكام عرفية ورئيس وزراء عسكري «1» ولا يؤمن بالله تبارك وتعالى!. ولكن كلّ هذه التخطبات لا طائل وراءها ولم تبق قاعدة للشاه بين الشعب!
وان حكم رضا شاه لم يكن قانونياً منذ البداية، وإن كان، فاليوم هو حكم طاغ وقد شطب الشعب بصرخاته في كلّ مكان على هذه الملكية. فالشاه يقوم اليوم بوحي من طغيانه، بنهب بيت المال وارتكاب مجازر جماعية بحق الشعب.
دمج العبادة والسياسة في الإسلام
كما ان للطقوس الموجودة في الإسلام مثل عيد الفطر وعيد الاضحى والحج وصلاة الجمعة والجماعة أبعاداً عبادية، فلها أبعاد سياسية واجتماعية ايضاً، أي إن أبعادها العبادية قد ادمجت بابعادها السياسية.
والإسلام ليس دين عبادة فقط يعيّن الواجب بين العبد والله تبارك وتعالى، كما أنه ليس سياسياً فقط، انه عبادي وسياسي قد ادمجت سياسته بعبادته وعبادته بسياسته، أي ان البعد العبادي له بعد سياسي ايضاً. فمثلا اجتماع المسلمين في الاعياد للصلاة هو عبادة، ولكن الاجتماع له بعد سياسي. ويجب على المسلمين ان يستفيدوا كثيراً من هذه الاجتماعات.
وما كانت المساجد في صدر الإسلام بهذه الصورة التي أوجدها الافراد المنحرفون، كان المسجد مكاناً تنطلق منه الجيوش للحرب، كما كان يُخطب في المسجد ويدعى الناس للتصدي مثلًا للشخص الفلاني المعتدي في المكان الفلاني الذي قام ضد المسلمين أو ينهب أموال الناس أو يسطو على الناس أو له انحرافات، فكانوا يخرجون من ذلك المسجد نحو العدو، كما كانت المعاهدات تعقد فيه.
يجب تبيان القضايا المرتبطة بمصير البلد والتحركات السياسية والاجتماعية التي ينبغي القيام بها في خطبة صلاة الجمعة، كما يجب ان تتناول هذه الخطب مشاكل المسلمين واختلافاتهم وسبل حلها وإزالتها، وأن تبين فيها جرائم أمثال محمد رضا (الشاه) وتدان.
الاسلام ينمي ابعاد الانسان المختلفة
إن صلاة الجمعة عبادة لكنها ادمجت بالسياسة. فالعبادة (في الإسلام) ليست مثل المسيحية، أي هذا الدين الذي في أيدي المسيحيين اليوم، ولا أعتقد أن الذي جاء به المسيح (عليه السلام) هو هذا الذي يزعمون اليوم، أنه لا شأن له بالحياة الاجتماعية والأوضاع السياسية وأنه ينحصر في أن يدقوا الناقوس ثم يقيموا عبادة موجزة وينتهي الأمر حيث يذهب كل لشأنه. لا اعتقد ان هذا الموجود في العالم هو دين المسيح، بل طال التحريف اليهودية وكذلك المسيحية.
أما الاسلام، الذي سنده القرآن المحفوظ من التحريف بحيث لم تتغير فيه حتى كلمة واحدة، يشتمل على كل شيء، فهو كتاب تربية الانسان وصنع الشخصية الانسانية بكل أبعادها، إذ أن للإنسان بعداً معنوياً وآخر مادياً وظاهراً وباطناً والقرآن جاء لتربية جميع أبعاده وهو يشتمل على ما يلبي جميع إحتياجاته سواء المرتبطة به كفرد كالعلاقة بينه وبين الخالق تبارك وتعالى وقضايا توحيد الحق تعالى وصفاته، والقيامة وغيرها. أو القضايا السياسية والاجتماعية ومجاهدة الكفار وأمثالها، حيث القرآن مليء بالآيات التي تحرض الناس على هذا الجهاد وتأمر الرسول (ص) بمحاربة الظالم والمعتدي والظالمين.
فهو كتاب يدفع الملل، وهذا يعني ان القرآن نزل في عصر كان العرب متفرقين يتنازعون ويتقاتلون فيما بينهم مثل مجاميع الوحوش، غافلين بالكامل عن الأمور السياسية. وفي أقل من نصف قرن- في حدود ثلاثين عاماً- هزموا كلتا الامبراطوريتين- الإيرانية والرومية- عندما التفوا حول الرسول الاكرم الذي رباهم وجعلهم ينتصرون على هاتين الامبراطوريتين اللتين كانتا تحكمان العالم كله تقريباً، فقد بعث فيهم القرآن الكريم تلك الحركة التي جعلتهم ينطلقون من الجزيرة العربية ويفتحون إيران والروم وأوروبا والسيطرة عليها. ولكن ليس مثل ما يفعله غيرهم كنابليون مثلًا، الذي كان يسعى الى التوسع في السيطرة على البلدان، بل ان هدف الفتوحات الاسلامية إصلاح الناس وهدايتهم الى التوحيد والتحلي بالعدالة وتوعيتهم بحقائق الأمور وليس التسلط على البلدان. الفتوحات كانت تهدف الى هداية الناس وتحضير المتوحشين منهم.
القرآن الكريم نقل الجموع المتناحرة على الدوام التي كان بعضها ينهش بعضاً، الى تلك الحالة السامية من العدالة والتعامل كالبلدان المتحضرة بل خير منها. على أي حال، الاسلام ليس كسائر الأديان الاخرى التي وصلت لنا ظواهرها، بل أنه يربي الانسان بمختلف أبعاده، في عقله وتهذيب اخلاقه وفي آدابه الظاهرية وله حكم بشأن جميع إحتياجاته.
كما أنه ليس مثل الأنظمة الحاكمة الاخرى التي تهتم بالجوانب الاجتماعية والسياسية فقط او لا علاقة لها بما يجري داخل المنزل، فليفعل كل شخص في بيته ما يشاء حتى لو كان يلعب القمار فلا شأن للحكومة بذلك.
أما الاسلام فهو يهتم بأمركم حتى وأنتم تختلون بانفسكم في منازلكم وبسلوككم مع عوائلكم وبعلاقتكم مع جيرانكم وإبناء وطنكم وأبناء دينكم وأتباع الاديان الاخرى. فلكل ذلك آداب في الاسلام فهو ليس حكماً مجرداً بل إن الحكم وشؤون السياسية أحد مجالاتها، ومنها أيضاً اهتمامه بتربية الجانب المعنوي في الانسان اذ يحدد له العقائد الصحيحة التي يجب أن يؤمن بها، والاخلاق التي يجب أن يتحلى بها والآداب العملية وغيرها.
فالاسلام يهتم بها جميعاً في حين أن الانظمة الاخرى تتجاهلها، فما من حكومى تنبري لتقول لكم: إجتنبوا العمل الفلاني في منزلكم، هذا ما لا علاقة للحكومات به، وليفعل المرء داخل بيته ما يشاء، أما الاسلام فهو ينظم شأنك حتى وأنت في بيتك وحيداً، بمعنى أنه يحدد سلوكك هناك ايضاً، ويبين الأخلاق التي يجب أن تتحلى وكيف يجب أن تستفيد من قوتك العقلية وطبيعة سلوكياتك والآداب التي ينبغي ان تتعامل في ضوئها مع اطفالك وكيف يتعامل الابن مع أبيه وأمه وبالعكس، والأخ مع أخيه، وافراد العائلة فيما بينهم ومع العوائل الاخرى، فقد حدد الإسلام آداباً لكل هذه الشؤون.
الاسلام للبشرية جمعاء
كما أن الاسلام يهتم بالقضايا الاجتماعية التي ترتبط بكافة افراد بني الانسان دون تمييز بين بلد وآخر، إذ لا ينحصر الاسلام في بلد معين- مثل إيران أو العراق أو غيرهما- بل يهتم بالعالم اجمع، بمعنى يسعى الى تربية جميع بني الانسان فلا يرتبط بقطر دون آخر أو بشرق أو غرب أو شمال أو جنوب، انه دين إلهي، والله تبارك وتعالى إله الجميع وليس إله الشرقيين وحدهم أو المسلمين أو الغربيين أو المسيحيين أو اليهود وحدهم، بل هو إله الجميع ورزاق وخالق الجميع. وكذلك حال الاسلام فهو دين الجميع بمعنى أنه جاء لتربية كل البشر وفقاً للصورة التي يريد من العدالة، بحيث لا يعتدي إنسان على آخر ولا بمقدار أنملة، لا يعتدي إنسان على ولده أو زوجته ولا تعتدي الزوجة على زوجها ولا أحد الأخوين على الآخر، ولا الرفاق بعضهم على بعض، أنه يريد تربية انسان عادل بكل معنى الكلمة، يكون تفكيره وعقله عقل إنسان، وكذلك ظاهره ظاهراً إنسانياً ومؤدباً بالآداب الإنسانية وهذا ما يريد الاسلام تحقيقه.
ضرورة طرح الموضوعات السياسية في الاجتماعات الاسلامية العبادية
ومن فروع الاسلام حكومته، وتتوفر قضاياها في نفس هذه الآداب الشرعية، مثلًا في مواقف الحج الذي دعى الحق تبارك وتعالى الناس اليه، ولكن المسلمين لم يستطيعوا استثمار الحج بالصورة المطلوبة، وهو اجتماع عام يشترك فيه المسلمون من مختلف الطوائف، فقد دعى اليه المسلمون جميعاً بمختلف طوائفهم وحيثما كانوا في الشرق الأقصى أو الغرب أو الشمال أ، الجنوب أو أي بلد، دعى (الناس) أي ليس المسلمون وحدهم، بل يجب على الجميع ان يسلموا ويحجوا، طبعاً من استطاع الى ذلك سبيلا. دعاهم الى الحج، أراد تشكيل مؤتمر عام ينبغي ان يحل المسلمون فيه ما علموا من مشاكل طوائفهم.
فمثلًا إذا ذهب اليه مسلمون من ايران وعرضوا فيه مشاكلهم، وجب على سائر المسلمين إعانتهم على حلها. كما أن الحجاج من الاقطار الأخرى عندما يعرفون في هذا الموسم ما يجري في ايران مثلًا وما تفعله حكومتها بحق شعبها، فأنهم سينقلون هذه الحقائق عندما يرجعون الى بلدانهم.
ونفس الامر يصدق على مسلمي الاقطار الاخرى، فاذا جاؤوا الى الحج ابناء احد هذه الاقطار وعرضوا على حجاج البلدان الاخرى مشاكل يعانونها من حكومتهم أو من قطاع من شعبهم، وجب على سائر المسلمين نصرتهم.
إذن هذا هو الحال في الاسلام، فأجتماعاته سياسية في ذات الوقت التي تتسم ببعدها العبادي. فالانسان يتصور أن صلاة الجمعة عبادة، وهي حقاً عبادة يجتمع فيها جمع ويقيموا الصلاة، ولكن يجب خلال إجتماعات صلوات الجمعة عرض القضايا السياسية أيضاً، أي على هذا الخطيب الذي يعتلي المنبر كل اسبوع لإلقاء الخطبة ضمن إمامته لصلاة الجمعة أن يشرح في خطبته قضايا المسلمين السياسية، ويتحدث مثلًا عن الأخطار التي تصدر من الحكومات ويهدي الناس الى ما يحتاجونه فيما يرتبط بحياتهم ومعاشهم ومبدأهم ومعادهم.
مسؤولية الجميع تعريف العالم بالنهضة
على أي حال، فقد آل الوضع في ايران الى الحالة التي اخذوا معها منع الناس بالحراب حتى عن إقامة العبادات، واليوم منعوا إقامة هذه الفريضة الإلهية في مدينة قم، ونفس الخطأ إرتكبوه في المناطق الاخرى، ولم تصلنا بعد كل الاخبار ولكن المجازر ارتكبت في الكثير من المناطق.
فهم يردون بالحراب على الناس وعلى الذين يعترضون على اعطاء ثرواتنا للأجانب، وعلى الذين يطالبون بالحرية وممن ضاقوا ذرعاً بخمسين عاماً من القمع والكبت، وعلى الذين يطالبون بالاستقلال. وهو يرد على كل هذه المطاليب برئيس وزراء عسكري ووزراء عسكريين وحكومة عسكرية! ويريد حفظ نفسه بالعساكر.
ومن جهة آخرى يطلق ايدي الأوباش الاشقياء ليهجموا على الناس بهراواتهم! فهو من جهة يطالب بالحفاظ على النظام العام! ومن جهة ثانية يثير بنفسه الاضطراب ويصادر الأمن حيث يأمر حملة الهراوات بالهجوم على المدن وإضرام الحرائق فيها!
هذا هو وضع بلدنا، وهذا هو وضع حكومة الشاه ووضع الحياة المشؤومة لهذا الخبيث. يجب علينا جميعاً ان نعين المسلمين في ايران على الاقل في المجال الاعلامي، أي أن تبينوا للذين تلتقونه هنا أو للأوربيين مثلًا، أن واقع الأمر غير ما يصورونه من أن الشعب الايراني متوحش والحكومة الملكية تريد تأديبه دون جدوى! فهذه الصورة يروجها الشاه عنكم. اوضحوا للعالم حقيقة اهداف نهضة الشعب الايراني وكيف أنه يريد الخلاص من هذا الظالم والتحرر والاستقلال وأن يعيش حياة إنسانية، لكن هذا الشخص (الشاه) لا يسمح له بتحقيق ذلك.
حفظكم الله جميعاً ووفقكم بمشيئته تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.