أجرى المقابلة: مراسل صحيفة العالم الثالث الألمانية
سؤال: [سماحة السيد الخميني، هل ترون إن النظام الملكي في طريقه إلى الزوال مع تزايد الضغط على نظام الشاه؟]
الإمام الخميني: إن نظام الشاه ومن خلال ممارسة العنف وارتكاب المجازر غير المسبوقة بحق الشعب في العام الماضي، واستشراء الفساد بشكل فظيع، قد عكّر صفو البلد بنحو لم يعد يرضي الشعب أي حل سوى رحيل الشاه.
سؤال: [ما هو نوع الحكومة التي ستقترحونها بعد سقوط الشاه؟ هل تنوون الابقاء على الملكية في اطار الدستور وكذلك الابقاء على الحكم البهلوي؟ أي حكومة تفضلون؟]
الإمام الخميني: الشعب الإيراني يطالب بحكومة إسلامية، وقد اقترحت جمهورية إسلامية تعتمد على آراء الشعب. وإن الشعب الإيراني رفض الحكم البهلوي أو النظام الملكي تماماً منذ أكثر من عام، وإن كلّ من يؤيده خائن للشعب الإيراني.
سؤال: [إن مطالبة الشعب بدخل أكبر وظروف اجتماعية واقتصادية افضل، لها دور أساسي في الأوضاع السياسية الحالية في إيران. كيف يتسنى تلبية مطالب الشعب وتحقيق ذلك عملياً؟]
الإمام الخميني: برحيل الشاه سيتسنى لنا إعمار الدمار الحاصل حيث سيتم اصلاح الزراعة التي دمرت بشكل كامل. أما عائدات النفط، التي تم الاسراف فيها وانفقت في مواضع زائدة ومضرة، سيتم انفاقها على رفاهية الشعب الفقير. وسوف يتحسن توزيع الثروات والعائدات في ضوء العدالة الإسلامية لتحسين أوضاع ابناء الشعب.
سؤال: [كيف تنظرون إلى برامج الشاه الاصلاحية المسماة ب- (الثورة البيضاء) و (ثورة الشاه والشعب)؟ وما هو تعليقكم على مشروع الاصلاح الزراعي وأثره على سكان القرى وهجرتهم المستمرة إلى المدن؟]
الإمام الخميني: لم يكن الاصلاح الزراعي الذي دعا اليه الشاه سوى مخطط للقضاء على زراعة إيران وفرض الاقتصاد ذو المحصول الواحد على المجتمع، بحيث إن اكثر احتياجاتنا الغذائية يتم استيرادها اليوم من الخارج. ومع تدهور الحالة الزراعية للفلاحين، اضطروا إلى ترك قراهم ومزارعهم والتوجه إلى المدن. كما إن سياسة الشاه الخاطئة في مجال صناعات التجميع ليس فقط لم تحل المشاكل ولم تضمن معيشة القرويين المهاجرين حتّى بالحد الأدنى، بل ضاعفت من تبعية البلد للأجانب بنحو لم يعد بالإمكان تحديد آثاره الاقتصادية السيئة.
سؤال: [تزامناً مع الإصلاح الزراعي، ساعد توظيف رؤوس الأموال في ميدان الصناعة في توسيع المشاريع الصناعية المؤقتة، وقد أدى ذلك إلى أحداث تغيير في الانتاج والتوزيع. وإن التجارلم يطالبوا بخفض الانتاج الصناعي، بل طالبوا بالعودة إلى ظروف الانتاج التقليدي. باعتقادكم كيف يمكن برمجة تطوير السلع الاستهلاكية الصناعية في ضوء مصالح التجار والمستهلكين؟]
الإمام الخميني: إن السياسة الصناعية لنظام الشاه تمركزت حول تنمية الصناعات الاستهلاكية والتجميعية وربط النشاط الصناعي بالصناعة الاجنبية. غير أن السياسة الصناعية للحكومة القادمة ستكون على أساس ايجاد صناعات أساسية وأصيلة بنحو تزول أية تبعية. ومع ايجاد صناعات أساسية فإن تطوير المنتجات الصناعية الاستهلاكية سيتزامن مع ذلك وستتم المحافظة على مصالح المستهلكين الإيرانيين قبل أي شيء آخر.
سؤال: [يزعم الشاه، بأن إيران ستتبدل إلى بلد غربي مئة بالمئة خلال العشرين عاماً القادمة. ومثل هذا مؤشر يدل على الديمقراطية الغربية وعلى ظروف الانتاج ومستوى المعيشة في الغرب بغض النظر عن الأحزاب الشيوعية. في تصوركم هل بإمكان ذلك تأمين مستقبل أفضل لإيران؟ وماذا تقترحون كسبيل حل؟]
الإمام الخميني: إن الشاه ومن أجل خداع الشعب ردد ويردد مثل هذه الأقوال كثيراً. وليس هناك سواء في إيران وفي كثير من الدول، من لا يشك بأن الشاه يلجأ إلى أكاذيب كهذه ليغطي على جرائمه وهزائمه المتتالية. إضافة إلى ذلك فإن الشعب الإيراني، ونظراً لامتلاكه عقيدة راقية كالإسلام، ليس بحاجة إلى محاكات النماذج الغربية أو الدول الشيوعية لتحقيق تقدمه وازدهاره.
سؤال: [هل لديكم نظريات معينة حول تقليص الفارق الطبقي بين أبناء القرى والمدن، وبين الأثرياء والعمال والفلاحين؟]
الإمام الخميني: نعم، إن برامجنا الإسلامية التي سنعلن عنها ونطبقها في المستقبل بإذن الله، بإمكانها أن تتعاطى مع هذه الموضوعات بأحسن وجه وتصبح قدوة لكافة شعوب العالم.
سؤال: [كيف يمكنكم القضاء على الفساد المالي والتضخم المتزامن معه؟]
الإمام الخميني: لو تم قطع أيدي السارقين والناهبين المحليين والأجانب، وتطبيق البرامج الاقتصادية في ضوء الاحتياجات المعقولة والمنطقية للمجتمع، والتخلص من القوانين غير الإلهية التي هي وسيلة النفعيين، لن تكون هناك مشكلة باسم التضخم في البلد.
سؤال: [ما هو دور الشيعة في الحكومة التي ستخلف الشاه؟]
الإمام الخميني: في الحقيقة إن الملك والمقام الملكي أمر زائد في التشكيلات الحكومية. وإذا ما تدخل في الأمور- وينبغي له أن لا يتدخل- فلا يدل ذلك على بقائها. ولو تدخل، مثلما كان يفعل الشاه على الدوام، فإنه بتدخله في شؤون البلد يضيع حقوق الشعب كلّها. واذا طالب الشعب باسترداد حقوقه، يصرّ على عناده ويرتكب المذابح. في هذه الأثناء ينهض الشيعة بواجبهم ويفجروا ثورة عظيمة كهذه بوحي من ثقافة الإسلام الغنية، ولن تهدأ ثورتهم حتّى إقامة نظام يتطابق مع المعايير التي يرتضيها الإسلام.
سؤال: [يصنف التشيع من قبل الدول الغربية كتيار محافظ. وقد سمعنا بمطالب الشيعة التي تدعو إلى اقصاء النساء عن الحياة الاجتماعية، وكذلك العودة إلى القوانين الشيعية التي تريد جعل التقاليد الدينية أساساً للقوانين الحكومية المذكورة في الدستور. كما عرفنا بأن التشيع يرفض نمط الحياة الغربية لأنها تتعارض مع التقاليد الدينية. يا حبذا لو توضحوا لنا تصوراتكم بهذا الخصوص في ضوء المعتقدات الشيعية.]
الإمام الخميني: التشيع مدرسة ثورية واستمرار للإسلام المحمدي الأصيل (ص). وكان الشيعة على مرّ التاريخ عرضة للهجمات الجبانة للمستبدين والمستعمرين. إن التشيع ليس فقط لا يعمل على اقصاء النساء من ميدان الحياة الاجتماعية، بل يؤهلهن لاحتلال منزلة انسانية سامية في المجتمع. كما إننا نرحب بمظاهر التقدم الغربي، لكننا نرفض الفساد الغربي الذي يئن منه هم الغربيون انفسهم ايضاً.
سؤال: [أوجدت النزعة الإيرانية حالة وطنية رصينة ذابت في ظلها تناقضات الأقليات الدينية كاليهود والمسيحيين في إيران. كيف ستكون طبيعة العلاقة بين هذه الأقليات في ظل الحكومة التي تنوون اقامتها؟]
الإمام الخميني: إن النزعة الإسلامية أوجدت علاقات متينة بين أبناء الشعب الإيراني أكثر من النزعة الإيرانية. كما أن الأقليات الدينية ليست حرة فحسب، بل إن الحكومة الإسلامية ترى من واجبها الدفاع عن حقوقها. اضافة إلى ذلك، فإن لكل إيراني الحق بالتمتع بحقوقه الاجتماعية. لا فرق في ذلك بين المسلم أو المسيحي أو اليهودي أو أي مذهب آخر.
سؤال: [إن نفوذ الغرب في إيران له أهميته. على سبيل المثال يوجد في إيران اربعون الف مستشار اميركي بشكل دائم اغلبهم يعمل في الجيش. ما هي ملامح سياستكم الخارجية؟]
الإمام الخميني: إن تواجد المستشارين العسكريين الاميركان في إيران، وليد سياسات النظام الإيراني غير الإسلامية واللاوطنية. وفضلًا عن إن نفقات هؤلاء اثلقت كاهل الشعب، فإن هيمنتهم على مقدرات الجيش بدرجة اساءت إلى شرف وسمعة كبار الضباط وضباط الصف الإيرانيين وصادرتها. وسنحرص في هذا المجال على اتخاذ سياسة مستقلة وحرة دون تدخل القوى الكبرى.
سؤال: [إن سعر النفط الايراني متدني كثيراً مقارنة بدول الأوبك. هل تعتقدون بأن سعر النفط الإيراني معقول مقارنة بالسلع الرأسمالية المستوردة من الغرب، أم تفكرون بإجراء تعديلات عليه؟]
الإمام الخميني: إن الطبقة الرأسمالية الغربية، وبدافع الحصول على أكبر حجم من الأرباح وكذلك امتصاص الأزمات الاقتصادية، تسرف في استهلاك النفط إلى حد كبير دون أن تفكر بتبعات ذلك على مستقبل العالم إذا نضبت هذه المادة الحيوية. وإن هذه الأزمة سوف تؤدي إلى فقدان الدول المنتجة للنفط قدرتها الشرائية بعد أن ينضب احتياطي النفط، كذلك ستضطر الدول الأخرى إلى دفع مبالغ باهضة من أجل الطاقة. لذا فإن قضية النفط، لا تقتصر على الأسعار فقط التي ليست عادلة حالياً. القضية هي إن للنفط دوره المرجو والمدروس في اقتصاد الدول، والأحرى بالدول الغنية بالنفط أن تكرس جهودها لاحداث تنمية حقيقية في اقتصادياتها وليس نمواً كاذباً. ونحن سوف ننظم سياستنا النفطية على هذا الأساس. وفي هذه الحالة سنعمل على قدم المساواة وبصورة عادلة بالنسبة إلى أسعار النفط ومشتقاته، وأسعار السلع التي نشتريها.
سؤال: [كيف ستكون علاقاتكم المستقبلية مع الاتحاد السوفيتي والدول الأعضاء في حلف وارشو والصين الشيوعية؟ هل يمكن أن توصف العلاقات الحالية بين إيران وهذه الدول بأنها باردة جداً؟]
الإمام الخميني: في الوقت الراهن إن كلًا من روسيا السوفيتية والصين ونتيجة لدعمهما الشاه، تقفان في صف معارضي الشعب الإيراني، وفي المستقبل سترتكز سياستنا الخارجية إلى مبدأ الحفاظ على حرية البلد واستقلاله، والاحترام المتبادل. ولابد لهما من تحديد مواقفهما بناءً على هذا المبدأ.
سؤال: [أية أهمية ترونها لإيران في الخليج الفارسي والمحيط الهندي؟]
الإمام الخميني: الاهمية الاستراتيجية للمنطقة غير الأهمية التي ينظر اليها الطامعون. إننا وانطلاقاً من مبدأ الحفاظ على الحرية والاستقلال ودون قبول دور الدركي، سنعمل على استتباب الأمن في المنطقة بالتعاون مع شعوبها، والحيلولة دون نفوذ القوى العظمى.
سؤال: [كيف ستكون علاقاتكم مع الأخوة العرب المسلمين؟ إن هذه العلاقات محدودة في الوقت الراهن إلى حد ما.]
الإمام الخميني: إن علاقاتنا أخوية نابعة من ديننا. كما إن تاريخنا وثقافتنا مشتركة ايضاً. نحن نتفهم دوماً مشاكل بعضنا البعض وإن عدونا مشترك.
سؤال: [توصف إيران في الوقت الحاضر بأنها تدعم اسرائيل في أزمة الشرق الأوسط. هل تفكرون بتعديل هذا الموقف؟]
الإمام الخميني: إن نظام الشاه يدافع عن اسرائيل منذ مدة طويلة. وقد عبرت عن معارضتي لذلك في خطاباتي وبياناتي منذ عشرين عاماً، وأعلنت مساندتي لكفاح الشعب العربي والفلسطيني الحق.
سؤال: [لماذا فكرتم بمغادرة العراق؟ ولماذا اخترتم باريس لمواصلة المنفى في وقت اقترح عليكم العودة إلى إيران، لماذا فضلتم باريس؟]
الإمام الخميني: إن العراق وتحت ضغط الشاه، ضيق الخناق علينا. وقد رأيت أن واجبي الشرعي والإلهي في مواصلة نضالي يحتم عليَّ مغادرة هذا البلد. أما وجودي في فرنسا فهو مؤقت، وليس أمامي من خيار آخر.
باريس، نوفل لوشاتو
أوضاع إيران العامة قبل الثورة وبعدها
جلد ۴ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۳۶۳ تا صفحه ۳۶۷
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378