أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنهم يقومون بتنفيذ العديد من المحاولات البائسة والمستميتة للحيلولة دون تحقق الأصل الأول الذي نطالب به نحن والشعب قائلين: لا نريد النظام البهلوي والملك وهذه السلالة البهلوية. وكان تعبير رئيس الوزراء السابق: لأن الأهالي كانوا يهتفون بشعار مناقض للدستور قتلوهم! وهو يقصد الشعار الشعبي الموت للملك، نرفض الملك ويعتبره خلاف الدستور! حسناً لنتحدث أولًا بأحد أبعاد هذا القول، ثم نرى هل هذا الشعار يخالف الدستور أو لا؟
بشأن أحد أبعاد هذا القول نقول: إذا أطلق شخص ما شعاراً خلاف ما في الدستور، فهل يجب إطلاق النار عليه وقتله أو توجد قوانين جزائية خاصة بهذه الحالة؟! بالطبع إذا خالف أحد الدستور وجبت محاكمته طبقاً للقوانين الجزائية.
هذا أولًا، وثانياً لنناقش الموضوع لنعرف هل الشعب أطلق شعاراً مخالفاً للدستور أو أن الملك هو الذي أصبح ملكاً خلافاً للدستور؟ الدستور ينص على وجوب أن ينتخب الشعب انساناً ليصبح ملكاً، وهذا السيد الملك نفسه قال: إن الدستور ينص على أن السلطنة هبة إلهية يمنحها الشعب للسلطان نفسه. فلنلاحظ الآن هل أصبح هذا الملك ملكاً طبقاً للدستور؟ وحديثنا هو ضمن إطاره، وهل وصلت السلالة البهلوية للحكم استناداً للدستور؟ وهل منح الشعب هذه الهبة لجلالته، لكي يكون الشعار الذي أطلقه اليوم خلافاً للدستور، أو أن الشعب كان جاهلًا بالكامل بهذه القضايا؟
لقد وصل رضا خان للسلطة بانقلاب عسكري واستولى على طهران وكل ما قام به كان بقوة الحراب، بل لم يكن يفكر بموقف الشعب أصلًا مثلما يتجاهل هؤلاء اليوم رأي الشعب بالكامل، لعل أكثركم أو جميعكم لا تتذكرون ما جرى، وأنا أتذكر ذلك بتفصيلاته، فقد كنت شاهداً لما جرى، لقد جاء إلى طهران بانقلاب عسكري، وتظاهر كثيراً في بداية الأمر بالتدين والالتزام بالإسلام، وكان يذهب أحياناً إلى هنا وهناك للمشاركة في مجالس العزاء في ليالي شهر محرم- كما ينقل- ويشارك في المراسم التي كانت تقيمها التكايا في طهران، ويلتقي أصحابها، ويتظاهر بالإسلام والإيمان في حضورهم، حتى ثبّت قدميه بعض الشيء.
هكذا كان الحال في بداية أمره حتى استقوى حكمه. وعندها شهر الحراب، وسحق فئآت الشعب كافة، ولم يكن الحال يومذاك مثلما هو عليه الآن- وبعد التحول الذي شهده الشعب خلال هذه السنة- لكي يعترض الشعب وينتفض عليه، بل لم تكن تجد يومئذ حديثاً بشيء خلاف رأي رضا خان، لم يكن هناك شيء من هذا القبيل أصلًا.
إذن، رضا خان جاء للسلطة بقوة الحراب، وبها أيضاً أسس مجلساً نيابياً دون أن يكون للشعب معرفة بأعضائه، ولا بكل هذه القضايا أساساً، بل ليس معلوماً أن رضا خان نفسه قام بهذا العمل، لأن أسماء أعضاء هذا المجلس- كما يقول الملك محمد رضا نفسه- كانت تجلب من السفارات، وتسلم لهؤلاء، وهي تحدد أسم كل نائب ومنطقته أيضاً، فيذهب المأمورون وينصبونهم لعضوية المجلس النيابي، فهم إذن مجموعة كانت تنصب ابتداء من قبل السفارات، وكانت السفارة الانجليزية هي الأصل في عهد رضا خان ثم أصبحت السفارة الأميريكية هي الأهم في عهد الملك الحالي. فالسفارات كانت تعد الأسماء وتسلمها لهم، لينصبوهم، أي: أنهم في الواقع كانوا منصوبين من قبل بأمر السفارات بالدرجة الأولى وبأمر رضا خان- ومحمد رضا خان الآن- في الدرجة الثانية، وفي الظاهر، فأي دخل للشعب في كل ذلك؟
لم يكن لدينا مجلس نيابي دستوري أصلًا طوال عصر الملكية المشروطة، فلم يشكل طوال هذا العصر مجلس على وفق ما نص عليه هذا الدستور نفسه، بالنسبة لبداية هذا العصر لا أعلم كيف كان الحال، لكن المقدار الذي نراه هو انعدام مجلس نيابي دستوري.
و أحد الأمور التي نصت عليها تتمة الدستور، هو وجوب وجود خمسة من المجتهدين ينصبهم مراجع التقليد في المجلس النيابي للإشراف على عمله، ولا يكون المجلس دستورياً دون وجودهم فيه. وهذا الأمر لم يتم تنفيذه سوى في بداية عصر الملكية المشروطة وحتى يومئذ لا أعلم إن كان تنفيذه كاملًا أو ناقصاً، ولكن طوال هذه المدة التي عاصرتها، وهي حدود الستين عاماً لم يتحقق هذا الأمر أصلًا، فلا المجتهدون الخمسة دخلوا في عضوية هذه المجالس النيابية ولا الشعب كان مطلعاً على الأمور لكي ينتخب أعضاءها حتى لو كان الأهالي في بعض المناطق مثل طهران ينتخبون حقاً أحد النواب أحياناً لكن باقي النواب لا ارتباط لهم برأي الشعب في المناطق الاخرى أصلًا، فجميعهم كانوا ينصبون من قبل الجهاز الحاكم.
أما في عهد هذا الملك، فنحن وأنتم جميعاً نعلم جيداً انه لم يكن لدينا نائب شعبي واحد، فلم ينتخب الشعب أياً من أعضاء المجلس النيابي الحالي، بل إنهم جميعاً منصبون من قبل الحكومة، وقائمة الأسماء مرسلة من قبل السفارة الأميركية، أو هكذا كان الوضع- حسب قول الملك محمد رضا- في زمن أبيه. أما في عهده، فلا وجود لهذه الأشياء!
وعلى أي حال لم يكن لدينا مجلس قانوني طبق الدستور، لكي يصبح ما تصادق الأكثرية فيه عليه قانوناً دستورياً، والمجلس النيابي المؤسس في عهد الملك رضا كان شكلياً أعدت السفارة الانجليزية أسماء أعضائه، أو أن الملك رضا نفسه أرعب الناس بالحراب، ونصب مجموعة كنواب في المجلس دون أن يكون للشعب أثر في الأمر. ولذلك قام المجلس المخالف للدستور بمجلس المؤسسين الذي شكلوه بقوة الحراب أيضاً بتنصيب رضا خان ملكاً، وخلع الأسرة الملكية السابقة وإحلال السلالة البهلوية محلها.
بهذا النحو وصلت الأسرة البهلوية للسلطة، وهذا هو أساس سلطنتها، وعليه يتضح أن المخالف للدستور هو قوله (الملك محمد رضا): إني أنا السلطان، وليس الشعار القائل: إنك لست سلطاناً.
وعلى هذا يتضح خواء قول ذاك الرجل، بل الرجيل السابق: (إن سبب قتلهم الجماهير هو قيامها بإطلاق شعار غير شعبي ومخالف للدستور) يقصد بذلك شعار الموت للملك، وهم لا يذكرون المصاديق الأخرى.
إن الجماهير كانت تهتف بالموت للملك، فنحن لا نريده، ولا نريد السلالة البهلوية برمتها، وهم يقولون: إن هذا الشعار غير شعبي، ويخالف رأي الشعب الإيراني الذي يحب- بأجمعه- الملك! فمن يهتف برفض الملك، فهو معارض للشعب!
ولكن الشعب كافة يهتف بذلك فأي شعب هذا الذي يعارضه هذا الشعار؟! إن الشعب- أو أغلبيته الساحقة بلا إشكال- كانوا ولا زالوا يهتفون برفض هذا الملك والموت له قبل شهرين وبعد شهر رمضان يوم العيد، إذن فهو شعار شعبي وشعار كل الشعب، وليس مخالفاً له ولا للدستور، بل هو منسجم مع الدستور، لأن الدستور لا يعترف بسلطنة هذا الملك، فهو ليس ملكاً دستورياً، والشعب يقول ما يقوله الدستور نفسه وشعاراته مطابقة له، لأن هذا الملك ليس ملكاً.
أما قوله: (إني سلطان) والأعمال التي يمارسها تحت هذا العنوان من قبيل جلوسه لاستقباله المسلِّمين عليه بعنوانه الملكي وإقامة مراسم التتويج له وغيرها هي جميعاً مخالفة للدستور، لأنه لا يعترف بسلطنته أصلًا، فجميع ما يتفرع عن هذه السلطنة مخالف للدستور أيضاً.
وقد كررت هذه الحكومة التي أعقبت تلك الأقوال السابقة، إذ اعلنوا: ليرجع إلى البلاد من يؤيد الدستور من الذين يقيمون في الخارج- كالدول الأوروبية وغيرها- أما الذي لا يؤيدونه، فلا يحق لهم الرجوع. ومقصودهم هو تأييد بقاء الملك في العرش. وهذه الأقوال ليست صحيحة أيضاً، وطبق ما بينته، لأن الذي يرفض سلطنة الملك هو الذي ينسجم موقفه مع الدستور، وليس الذي يؤيد بقاءه.
وهذه الأقوال تعبر عن إحدى المحاولات البائسة التي يقومون بها الآن- بل منذ البداية-، فهم يرددون منذ البداية أن رفض الشعب لبقاء الملك مخالف للدستور. لنفرض ارتفاع تلك الاشكالات وأن مجيئه للسلطنة كان طبق الدستور، فالاشكال يبقى قائماً من عدة جهات احدها ان هذا الشعب الذي انتخبك وبانتخابه إيّاك أصبح حكمك مستنداً للدستور طبقاً للبند الدستوري القائل بأن السلطنة هبة إلهية يمنحها الشعب للسلطان نفسه.
هذا الشعب نفسه يعلن اليوم رفضه لك، فإذا نفيت هذا القول، فقم بإجراء استفتاء عام، أي أزيلوا الحراب والحكم والحكومة العسكريين عن الجماهير، وأعطوها حريتها، ثم أعلنوا: ليتوجه من يؤيد الحكم الملكي إلى شمال المدينة، ومن يرفضه إلى جنوبها، ليجربوا ذلك إن كانوا صادقين في دعواهم الالتزام بالدستور، وأنه أصل ثابت عندهم.
لندع جانباً الاشكالات على الدستور التي بينتها في الليالي السابقة، ولنقل: نحن نؤيد احتجاجه بالبند القائل بأن السلطنة هبة إلهية يمنحها الشعب للملك نفسه. ولكن هذا البند يصرح بوجوب أن يهبها الشعب، وهذا الشعب الذي وهبها يقول اليوم:- نحن لا نريد هذا الملك، وهذا الرفض صحيح طبق الدستور مثلما كان تأييده صحيحاً إلى الآن- التزاماً بفرض صحة عملهم به- وتحول الآن إلى رفض سليم أيضاً من الناحية الدستورية.
إذن حتى مع فرضنا أن السلطنة البهلوية موافقة للدستور في أصل مجيئها للحكم من جميع الجهات، فإن سلطنته قانوناً انتهت طبق الدستور أيضاً، لأن الشعب الذي وهبها له يعلن الآن رفضه، فلا يحق له اليوم ادعاء السلطنة (الدستورية) ولا القيام بأي من شؤونها كتنصيب رئيس للحكومة، ولانه لا يحق له تنصيب رئيس للوزراء، فوجود رئيس الوزراء هذا مخالف للدستور.
وإضافة لكل هذه الاشكالات على حكمهم، فأن شعبنا انتخب ملكاً باتفاق الآراء، ثم أقسم هذا الملك على عدم الخيانة وحفظ الدين وخدمته والوفاء له وللشعب واجتناب خيانتهما- وهذا ما أقسم عليه هو أيضاً، ولكن هل وفى بقسمه؟
لا، لقد خان ولم يف بقسمه، فهو إذن لم يعد ملكاً. ألم يخن الوطن؟! ألم يعط نفطنا لأميركا مجاناً؟ ألم يخضع جيشنا لسلطة مستشاريها؟! ألا يخدم أميركا والاتحاد السوفيتي؟! فلماذا يدعمونه الى هذا الحد؟! وما الذي جرى لكي يمزق كارتر ياقته من أجله وهو ليس من أقاربه؟ لنرفض أنه لم يقدم لهم أي خدمة، ولكن إذا لم يكن خادمهم ولم يكن ثمة فرق بينه وبين الآخرين، فما معنى ارتفاع أصواتهم من كل جانب؟
وما الذي حدث لترتفع صيحات هؤلاء الذين لهم منافع في إيران وهم ينهبون ثرواتها ونفطها، ويقيمون به قواعد عسكرية لهم على أراضيها، فهم يسرقون نفطنا، ويقدمونه لإسرائيل وهي العدوة اللدودة للمسلمين والإسلام؟! إذا لم يكن هذا الملك خادماً للأجانب خائناً للوطن، فلماذا ارتفعت أصوات هؤلاء؟ ولماذا لم يكذب ما صرح به رئيس الوزراء الانجليزي قائلًا: إن لدينا مصالح في إيران وقد خدمنا جلالته لذا يجب علينا أن نرد الجميل اليوم وندعمه؟!
وما معنى قول كارتر: لقد زودنا (إيران) بأسلحة قيمتها (18) مليار (دولار) ولدينا فيها مصالح، فكيف لا نبالي انك في هذه الصفقة أعطيت أسلحة لا تنفعنا وقد فرضتها على هذا (الملك) الذي خدم مصالحكم! أليست هذه خيانة للوطن؟ إذن فهو قد خان الوطن وبذلك فقط سقط من هذا المقام حتى لو لم يعلن الشعب رفضه له.
إن جميع الاتفاقات المعقودة مع إيران- خلال حكم هذين الملكين رضا ومحمد رضا إذا لم نقل منذ بداية حكم الملكية المشروطة بالدستور- هي جميعاً خلاف الدستور وباطلة، لان المجلس النيابي لم يكن دستورياً ليحق له المصادقة عليها كما أن الملك لم يكن دستورياً، ليحق له تقديمها للمجلس النيابي، أو تعيين رئيس الحكومة، ليأمر بافتتاح هذا المجلس، وجميع هذه الاتفاقات يجب أن تكون مستندة للقوانين والقواعد (الدستورية)، في حين أن أياً منها لم تعقد طبق تلك القوانين والقواعد، فجميع الاتفاقات التي عقدوها والصفقات التسليحية باطلة، فليعيدوا أموالنا ويأخذوا قطعهم الحديدية هذه! لقد أخذتم نفطنا، فأعطونا ثمنه، وخذوا قطعكم الحديدية هذه فهي لكم!
وهكذا حال كل اتفاقية عقدوها، لقد أعطوا أثرى الأراضي الإيرانية- كما كتبوا لي- لهيئة بينهم ملكة بريطانيا، وقد وصف الخبراء الذين زاروها بأنها أفضل المراتع في العالم للرعي، وهؤلاء أعطوها الأجانب، وبقيت إيران نفسها محتاجة وعليها استيراد اللحوم المجمدة ومخلفات الآخرين! أليست هذه خيانات للوطن؟!
وأليس من أعظمها خيانة الإصلاح الزراعي التي دمرتم بها زراعة البلاد كاملًا وسقتم الفلاحين إلى حالة من المسكنة جعلتهم يتدفقون على المدن، فطهران مليئة اليوم هؤلاء الفلاحين المساكين الذين جاؤا من النواحي، ليعيشوا في هذه الأكواخ والخيام والأماكن القذرة ويقاسون فيها مع أسرهم برد الشتاء القارص. أليست هذه خيانة للشعب؟! لقد خنت ولذلك لم تعد سلطاناً، فالخائن ليس سلطاناً. إذن فقيامه (الملك) اليوم باتخاذ العرش والتاج وتنصيب رئيس للوزراء وأمره بافتتاح المجلس النيابي وحله وغير ذلك من الاجراءات- كلها مخالفة للدستور والذي ينسجم مع الدستور هو الهتاف الشعبي القائل: لا نريد الملك، فكيف يكون هذا الشعار مخالفاً للدستور؟ لا بل هو على وفقه.
أما المخالف للدستور، فهو شعارك أنت- رئيس الوزراء- وهو قولك جلالة صاحب المقام السامي. لانه ليس صاحب المقام السامي وليس سلطان البلاد. هذه هي إحدى القضايا التي أثاروها وتابعوها، ومنها أيضاً قوله:- إذا رحلنا رحل الاستقرار عن المنطقة وهذا ما يجب أن نرى ما يحدث بشأنه، أي استقرار سيرحل برحيله؟ وأي استقرار لدينا اليوم؟!
أسأل الله أن يوفقكم جميعاً، موفقين- إن شاء الله-، وعليكم أنتم أيضاً أن تخدموا هذه النهضة التي تشهدها إيران بأي شكل استطعتم القيام به من الخدمات، الخدمات الداخلية في إيران. أما في الخارج، فالخدمات الممكنة هي الإعلامية كاجراء المقابلات مع الصحف وكتابة المقالات فيه، فلقد شوهوا صورة إيران وشعبها في الخارج وعليكم وعلينا جميعاً أن نوضح حقيقتها.
باريس، نوفل لوشاتو
عدم شرعية حكومة السلالة البهلوية
مجموعة من الإيرانيين المقيمين في الخارج من الجامعيين.
جلد ۵ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۴۰ تا صفحه ۴۴
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378