أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا غموض في المطالب التي عرضها الشعب الإيراني طوال هذه المدة، ولا غموض في مطالبنا التي نشرناها في وجدان الشعب منذ البداية، وهي خروج الملك من البلاد وخلعه من العرش، وعندما نطالب برحيل الملك، فإننا نقصد أن يرحل مخلوعاً من الملكية لا أن يذهب للترفيه، هذا هو المطلب الاول.
المطلب الثاني، هو سقوط النظام الملكي الذي رفضه الشعب، وهو نظام لم يقم على أساس منذ البداية.
والمطلب الثالث إقامة الحكومة العادلة في إيران على أحكام الإسلام، ولا إبهام في أي من هذه المطالب، لكي يأوّلها أحد، أو يزعم عدم وضوحها، إلا أن يرمي نفسه بتهمة الصمم، فالشعب منذ مدة طويلة تربو على سنة يردد في الشوارع هتافات الرفض للنظام الملكي والمطالبة بإقامة الحكم الإسلامي ولا لبس في ذلك.
ولا يتصور أحد أن ذهاب الملك أو عزمه على السفر يعني تحقق هذه المطالب، لا، فلم يتحقق أي من المطالب التي نريدها نحن والشعب الإيراني، فالذي نقل عنه هو أنه قال:
أعزم على السفر ومغادرة البلد شهراً أو ثلاثة شهور، فإذا رحلت، فلن يحصل الغرب على النفط، وهو يريد بقوله هذا تحريض الغرب على النهضة، وابتغاء تحقيق هذا الهدف يقول أيضاً:- إذا رحلت فسترفع الاعلام الحمراء على سطوح المنازل وكل مرتفع في جميع أنحاء إيران، وتصبح كلها شيوعية، وتتحالف مع الاتحاد السوفيتي.
وهو يقول ذلك بعدما كان قد قال: أن معارضيه ثلة معدودة لا يحسب لهم حساب، وقد اتخذوا هذا الموقف لعدم فهمهم له، ولو فهموا لما عارضوا! ولنناقش هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها لنعرف مدى صحتها، فهو لم يكف عن دعاياته الشيطانية.
أما قوله: (إن رحيله سيؤدي إلى عدم حصول الغرب على النفط)، فإذا كان المراد أننا لن نعطيه النفط بالصورة التي كنت تقدمه لهم، فقولك صحيح، فقد صدرت النفط للخارج وما أخذته من أميركا ثمناً له- وتعتيماً على الأمر- هو أسلحة متطورة جداً لا يوجد أي خبير بها ولا من يعرف استعمالها في إيران، فقد جلبوها لإقامة قواعد عسكرية لأميركا التي أخذت نفط إيران، واقامت لنفسها قواعد عسكرية في الأراضي الإيرانية!
في حين لو أرادت إحدى الدول إقامة قاعدة عسكرية في أراضي دولة أخرى لوجب عليها أن تقدم للثانية مليارات الدولارات، لتسمح لها بذلك. أما الحكومة الإيرانية، فقد سمحت بذلك مقابل نفطها الذي قدمته لأمريكا!
فلو كنت اشتريت اسلحة لإيران، لكان الامر أهون، لكنك لم تشتر لها شيئاً، فالجرم أعظم. لقد مكنت الأميركان من تحقيق ما يأملونه، وهو إقامة قواعد عسكرية لهم في إيران لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وأقاموا هذه القواعد في إيران تحت غطاء أنهم يدفعون ثمن نفطها وهذا ليس جرماً كما يزعمون: فنحن اشترينا النفط الإيراني، ونريد تقديم ثمنه، وهو مبلغ ضخم جداً وإيران تريد أن تتحول إلى دولة متقدمة، ولذلك اشترى ملكها منا أسلحة بقيمة (18) أو (22) مليار دولار، وهذه الأسلحة تعود لإيران نفسها، فليس هدفنا إقامة قواعد عسكرية!! ولكن إيران ليست بحاجة لكل هذه الأسلحة الكثيرة! فهل السبب هو أنها تريد أن تصبح من القوى الكبرى، وتسعى لمواجهة الاتحاد السوفيتي وأميركا والدخول في مدخل التحضر؟
إننا نعرف حقيقة الأمر، ونعلم أن هذه الأسلحة ليست لإيران، بل لأميركا التي ابتلعت النفط وثمنه، وحولت الثمن إلى أسلحة تصدرها الى قواعد عسكرية أميركية مقامة في الكثير من المناطق الإيرانية. إذن فاذا كان مراده قطع النفط عن الغرب بهذه الصورة، فهذا صحيح. ولو أراد الغرب منا أن نقدم له النفط ويقدم لنا ثمنه قواعد يقيمها في إيران، أو يقيم فيها منشآت لا تنفعها، بل تضرها، فأننا سنلقيه في الصحارى، ونحرقه ولا نقدمه لهم.
أما إذا كان مراده أن النفط الإيرني لن يصل للغرب، حتى إذا اراد شراءه طبق معاملات تجارية صحيحة يقرها العقلاء، وتقوم على أساس العدل وتبادل الرأي بين الطرفين، فهو يكذب. فنحن وإيران وأي حكومة تحتاج إلى الأموال لإدارة شؤونها، وأهم مصدر لها هو العائدات النفطية، فهي تبيع النفط لكل من يشتريه بعرض أفضل وتقبض ثمنه. أما أن تقدمه لأميركا لتقيم به قواعد عسكرية لها في إيران بدلًا من تقديم ثمنه، فهذا ما نرفضه.
فنحن لا نريد أن نقيم قواعد عسكرية لأميركا، لا، وإنما نريد ثمن نفطنا لانقاذ هذا الشعب الضعيف المعدم من الوضع المؤلم الذي يعيشه بعدما فقد ثروته الزراعية، لأنهم أقاموا في بلده صناعات تجميعية خدمة لمصالح الأجانب.
فإذا جاءت حكومة سليمة ستبيع النفط، وتأخذ ثمنه لتصرفه فيما يخدم مصالح الشعب، وينقذ الفقراء والضعاف الذين تدفقوا في هذا البرد القارس على ايران بسبب دمار الزراعة، وليست لهم منازل تأويهم، فهم يعيشون في خيام ليست مثل هذه الخيمة التي أقمتموها هنا، بل هي خيام بؤس يعيشون فيها في هذا البرد القارص، أو في غرف طينية يعرف وضعها من زارها، وهم يفتقدون كل شيء من الماء والكهرباء والطرق المعبدة. ويعيشون في حفر عميقة، وتضطر النساء المسكينات إلى حمل الجرار- كما نقلوا- وصعود سلالم كثيرة الدرجات- لا أتذكر عددها مائة أو أكثرأو أقل لكنها كثيرة طبق ما كتبوه- لكي يذهبن الى صنبور ماء منصوب في جانب الشارع، ليملأن منه جراتهن من الماء، ثم يرجعن في الطريق نفسه إلى محل سكناهن نازلات تلك السلالم التي قد يسقطن منها. فتصوروا المصيبة التي أنزلوها بالشعب، والحكومة الصالحة تريد رفع هذه المصائب عن كاهل الشعب وحل مشكلات الفقراء مهما كانت أوضاع الدولة. إذن فحديثه (الملك) عن قطع النفط عن الغرب صحيح على فرض وكاذب على فرض آخر.
أما الأمر الثاني الذي ذكره، فهو قوله: (إن رحيله يعني مجيء الأعلام الحمراء). فلا صحة لهذا الادعاء أيضاً مثلما أوضحنا ذلك مراراً.
فإذا كان شعبنا من النوع الذي يخضع للأعلام الحمراء وارتفاعها فوق رؤوس أبنائه بعد رحيل الملك، فكيف يمكنه الآن أن يتحدى اميركا والاتحاد السوفيتي بقبضاته الخاوية في كل أنحاء إيران؟ وكيف أمكنه أن يهزم أميركا التي تبنت منذ البداية حفظ عرش الملك، وأصرت على بقائه وما زالت تعلن ذلك لكن بضجيج أقل؟! (يضحك الحاضرون).
وكانت في السابق تثير الكثير من الضجيج تقول: (إننا ندافع عن العرش، ويجب أن يبقى حفظاً لاستقرار المنطقة التي ستفقد ثباتها إذا رحل الشاه). بيد أنهم أدركوا لاحقاً أن وجوده هو سبب انعدام الإستقرار، فكل الخلافات والنزاع في إيران نتيجة لبقائه كما تلاحظون فإذا رحل مع سقوط عرشه الحاضرون: إن شاء الله) فسترون أن إيران تتمتع بالاستقرار، فلماذا لا تكون مستقرة؟!
إذا كانوا يزعمون أن الاتحاد السوفتي سيتدخل مباشرة في إيران بالجيش الاحمر، فهذا كذب محض، لأنه لا يستطيع القيام بذلك لوجود قوة متجبرة مثله تنافسه. فإذا أراد القيام بذلك نشبت حرب عالمية تعلم كل القوى الكبرى أنها ستؤدي إلى تدمير البشرية جمعاء، لأن طبيعة الأسلحة الموجودة لا تسمح بتحديدها عند حدوث الحرب الإقليمية التي لا تشمل قطراً معيناً دون آخر، بل ستدمر جميع دول العالم، ولن يتجرأ عاقل على القيام بذلك.
ولو فرضنا دخول جيش أجنبي إلى بلادنا، فإن الثابت بالتجربة أنه قد يستطيع التغلب على الشعب، ويدخل عنوة لكنه لا يستطيع البقاء، لأن الشعب سيبيد أفراده لحفظ حياته، فهو يريد تحقيق مطامعه، لا أن يتحمل مثل هذه النفقات الباهظة، ولذلك ليس ثمة قلق من أن يرتكب الاتحاد السوفيتي حماقة الهجوم، فهذه إدعاءات جوفاء يروجونها لإثارة وتحريض أميركا التي تعلم خواء هذه الأقوال وهي ليست بحاجة للتحريض، فلو كانت قادرة على فعل شيء لفعلته دون أن يحرضها أحد، لأنك (الملك) كنت تخدم مصالحها. إذن فقوله يعني أن الخوف منه هو الذي يردع الاتحاد السوفيتي عن دخول إيران، فإذا رحل فسيحدث ما يحدث (يضحك الحاضرون)، وهذه ادعاءات نعلم جميعاً سقمها.
وأما الأمر الثالث، فهو قوله: (إن معارضيه فئة قليلة) فهو يشتمل على ادعائين: الأول هو، كأنه يقول:- إن جميع الشعب- باستثناء ثلة معدودة- يؤيدني. وهذا العدد المحدود من المعارضين لم يفهموني، وإلا لما عارضوني، وهذا هو الادعاء الثاني. ولنناقش هذين الادعاءين، ونعرف مدى صحتهما، فإذا كان معارضوك قليلين جداً، فلماذا اضطررت لإعلان توبتك؟
وإذا كان الشعب كافة معك كان بإمكانك أن تسحق معارضيك إذا كانوا قلة، ولا حاجة حينئذ للتظاهر بالتوبة والتعهد للشعب بعدم تكرار التصرفات السابقة، فقولك ذاك يعني أن أعمالك كانت جيدة صالحة جعلت كل الشعب يؤيدك، لأنك خدمته، فما الحاجة إذن للتعهد بعدم تكرار الاخطاء التي اعترفت بالوقوع فيها؟!
وكان الشعب معك، لكان بإمكانك أن تدعوه للقضاء على هذه الثلة القليلة من المعارضين لك، وكان يكفي أن تقول في الإذاعة: يا شعبي المؤيد لي بسبب الخدمات التي قدمتها لك ولمصالحك أريد إيصالكم إلى التحضر ومدخله، فانهض لسحق هذه الثلة القليلة من الأشرار. لو كنت صادقاً في قولك لأنتفض الشعب، وسحق هذه القلة المعدودة حسب زعمك.
ونسأله الآن عن سبب إغلاق الأسواق في إيران، فهل لأنها تعارض معارضيك، وأضربت عن العمل حفظاً لك؟ وهل مقصود أبناء الشعب من هتافات الموت للملك التي يرددونها في مظاهراتهم ملك آخر غيرك؟! وهل إن الضجة وحركة الاضرابات عن العمل التي تشهدها إيران برمتها حتى في المؤسسات الحكومية هي علامة تأييد المضربين عن العمل لك؟ وهل أضربوا عن العمل تأييداً لحكومتك؟! وهل هو صحيح قولك: (إن المعارضين ثلة قليلة العدد)؟! أجل لقد كان في السابق يقول: إن ثلة قليلة دخلوا إيران بجوازات مزورة من وراء الحدود، لإثارة أعمال الشغب! وهذا يعني أن جميع الكسبة العاملين في أسواق إيران أتوا من وراء الحدود، وهم أيضاً ثلة معدودة!!
إن الشعب الإيراني برمته قد انتفض عليك ومع ذلك تماديت خطوة أخرى في الادعاء لتقول: (إنهم ثلة معدودة) وتضيف مكرراً الادعاءات السابقة!! هذا بالنسبة لمصداقية قوله الثاني.
أما قوله: (إنهم لم يفهموني)، فهو صحيح من جهة وغير صحيح من عدة جهات. فهو صحيح من جهة أن الإنسان عاجز- ما دام في هذا العالم الدنيوي- عن إدارك حقيقة ملكاته، لأنها غير ظاهرة باستثناء عدد محدود منها، فما دمنا في العالم نرى صور الجميع وأعمالهم على وفق الهيئة الإنسانية المتعارفة.
ولكن إذا كشفت هذه الصفحة، ظهرت صفحة الباطن: (يوم تبلى السرائر) «1»، عندها تظهر حقيقة ملكات الإنسان في دائرة عالم خاص هو عالم الملكوت وعالم الغيب، فنحن الآن لا نعرف ملكاته (الملك) الباطنية ولا ملكات غيره، سواء أولي الملكات الفاضلة أو الملكات الخبيثة.
فهذا الأمر غير ممكن في العالم، فالجميع يعيشون في هذا المحيط وهم كافة يأكلون ويمشون، ولكل منهم رأس وآذان وأعضاء أخرى، فلا يستطيع أحد معرفة حقيقة أي إنسان بصورة كاملة، فقوله: (إنهم لم يفهموني) صحيح من هذه الجهة، ونحن لا نستطيع أن نعرف حقيقتك، ولا حقيقة أبيك من هذه الجهة، لأن السرائر لم تظهر بعد.
يقول أهل الباطن والعارفون بما فوق إدراكاتنا الظاهرية والذين حصلوا على شيء من حقائق عالم الوحي:- إن ملكات الإنسان غير الظاهرة هنا ستظهر في الصفحة اللاحقة- وهي صفحة ظهور السرائر- في اشكال مناسبة لها، فمثلًا إذا كانت ملكات أحد الأشخاص- الذي يظهر في هذا العالم بهيئة إنسان- سيئة للغاية، فهو في حقيقته الباطنية حيوان متوحش، وليس إنساناً، فاذا رحل عن هذا العالم، ظهر في العالم الآخر بصورة حيوان متوحش، وزالت صورته الظاهرية الحالية (كإنسان)، وظهر بحقيقته الباطنية كحيوان متوحش حتى في شكل هيئته الظاهرية.
فلنر باطن هذا الشخص بأي الحيوانات المتوحشة أشد شبهاً هو، فاذا كان أشبه بالنمر، ظهر بهيئته، أو أشبه بالذئب، ظهر بهيئته وإذا كان أشد وحشية منهما، ظهر بصورة أشد وحشية منهما.
وهذا الأمر محتمل، لأن الإنسان يتميز من سائر الحيوانات الأخرى، فهذه تكون وحشيتها محدودة بحدود معينة، فالذئب مثلًا إذا افترس حيواناً آخر استراح مدة لا يهاجم فيها حيواناً آخر- باستثناء بعض الذئاب- لأن وحشيته محدودة، فهو يفتقد ملكة مهاجمة كل حيوان، ونفس الأمر يصدق على وحشية الحيوانات الأخرى، فهي محدودة.
أما الإنسان، فهو غير محدود، وهو يصل في مسار السعادة والفضيلة الى المرتبة التي تكون فيها جميع صفاته الهية، فنظرته الهية حين ينظر، وحركة يده الهية حين حركتها: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) «2»، فاليد تصبح يد الله: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) «3». فالإنسان يصل في مدارج الكمال إلى المرتبة التي يصبح فيها يد الله، وعين الله، وأذن الله، فهو غير محدود في مسار الكمال.
كما أنه غير محدود أيضاً في الاتجاه المعاكس، أي: مسار الشقاء: (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات) «4». فهو لم يقل إلى الظلمة، بل إلى الظلمات التي تعني جميع مراتب الظلمات.
أما قوله بالنسبة للطرف المقابل النور، فهو ناتج من أن للنور وحدة، وأكمل نور هو النور الواحد، ففي هذه الطرف أقسام مختلفة من الظلمة، وهؤلاء يخرجون من النور إلى الظلمة، وعلى الطرف الآخر يعبر أولئك كل الظلمات ويخرجون إلى النور إلى أن يصلوا الى تلك المرتبة المجهولة التي لا تعرف ماهية نورانيتهم فيها ولا مقامها، كما لا تعرف ظلمة هؤلاء ومراتب ظلماتهم، فإذا طويت هذه الصفحة، وظهرت الصفحة الثانية عندها ستظهر الحقائق.
فترون أحدهم بعشر هيئآت مختلفة، لأن فيه عشر ملكات، فهو واحد، ولكنه يظهر في صورة النمر مثلًا لغلبة نزعة الحيوانية الشهوية عليه، وإلى جانب ذلك يظهر أيضاً بالصورة الشيطانية إذا غلبت عليه الشيطنة وكان كثير المكر والمخادعة. والى جانب هذه الصورة يظهر بصورة السبعية المتوحشة وبصورة الحيوانية الشهوية وهي آخر مراتب الشهوانية.
وهذا أيضاً سيظهر بصورة مختلفة، ولذلك لم نفهمه، ولم نعرفه، فمثلما لم ندرك بعضنا حقيقة بعض كذلك لم ندرك بواطن الآخرين، فنحن لم نفهمك طبق هذا المعنى، فإذا ظهرت السرائر- عندما تطوى هذه الصفحة، وتظهر الصفحة الأخرى- ستعرف أنت نفسك وسيعرفك الآخرون، وهذا هو حالنا نحن أيضاً فنحن لم نعرف بواطن أنفسنا لكي نعرف حقيقة ملكاتنا ونحن نعوذ بالله من الملكات الفاسدة الموجودة فينا.
وأما قولك: إنكم لم تفهموني، بذاك النمط من المعرفة الذي تفهمه- فما قلته أنا لست أنت أهلًا لتفهمه- فنحن قد أدركنا معنى بعض أعمالك وبعض أعمال أبيك. واليوم هو يوم (17/ دي) وأتذكر أنا- ولعل هذا السيد «5» يتذكر أيضاً- فهو من أعمارنا- أي عمل شرير ارتكبه أبوك في مثل هذا اليوم وأية ضغوط وقمع أنزله بالشعب وأية حرمات انتهكها وكم من جنين أسقط بسبب ما جرى في هذا اليوم وما قبله وما بعده وأية إعتداءات ارتكبها جلاوزة هذا الجائر على الأهالي والنساء، وكيف أخرجوهن من بيوتهن. هذا عمل أبيك الذي لا أستطيع تفصيله. فلا يمكن شرح أفعاله، وستتضح حقيقتها في العالم الآخر ونحن لا نستطيع أن ندركها في هذا العالم ولا أن نعرف أي حيوان كان هو.
وأما أفعالك، فقم بدراستها لكي تعرف هل أننا لم نفهمك حقاً؟! وأي عمل من أعمالك لم يفهمه الشعب؟! بالطبع لقد قام هؤلاء بالكثير من الأعمال خفية، فقد أخرجوا مقادير ضخمة من الأموال إلى الخارج وسجلاتها موجودة، وقد أرسلت لي عندما كنت هناك كما أرسلوها لي الآن أيضاً وقد أرسلت سجلات الشركات التي أقاموها بالقوة.
وهذه هي المبالغ التي تعلمون بها الآن أما التي سرقوها سراً والخيانات التي ارتكبوها في الخفاء ولا علم لنا بها، فسيسجلها المؤرخون إذا اطلعوا عليها، وستعرف لاحقاً الخيانات والجرائم التي ارتكبها على شعبنا، فلا علم لنا بكل ما ارتكبه، ولا تعلمون بما جرى داخل السجون على المؤمنين وعلى شبابنا، فهذا ما لا يمكن الحديث به ولا شرحه، ولا يمكن سوى ذكر نموذج واحد أو اثنين، كقطعهم لرجل فلان بالمناشير أو إحراقها بالزيت المغلي أو احراقهم لأخر بالمدافئ الكهربائية، وهذه بعض الأمثلة التي وصلتنا، وصلتكم أخبارها.
أما التي لم تصلنا أخبارها، فيجب الاستفسار عنها من أمثال نصيري، بل منه بالذات ولا يقبل منه إنكاره التعذيب في السجون كما صرح بذلك ونفى كل شكل من اشكال التعذيب الجسدي التي كانت سائدة في الغالب سابقاً كإلحاق الأذى باليد- على حد قوله وأكد أن الموجود هو شيء من الضغط النفسي لا غير.
ويمكن الاستفسار عن كل ذلك، أو يتمكن أحد من معرفة ما في سريرة هذا الشخص الآن، ويقرأ المدون في دماغه، لأن المطلعون على الأمر أخبروه وهو مسجل في عقله وروحه وقد كتبته ملائكة الله والعارف بلغة العالم الآخر سيقرأ سجل ما فعله هذا الشخص والأوامرالتي أصدرها والتي أخبره منفذوها بنتائج قيامهم بتنفيذها، فهو يعلم بما جرى لكنه لا يظهره.
لقد ارتكبت الخيانات على هذا الشعب الذي زعمت- بالأقوال فقط- أنك تريد إيصاله الى باب التحضر! فتحت شعار أيصاله الى بوابة التحضر العظيم دمرت طاقاته الشابة، إسألوا شبابنا هؤلاء- الذين أرسلتموهم للخارج للدراسة في مجال الطاقة الذرية والنووية- عما أكتسبوه هنا؟
لقد زاروني هنا وأخبروني بحقيقة الأمر، إنكم تصدون شبابنا عن التقدم العلمي، وحبستم جامعاتنا في مستوى علمي هابط، ومنعتموها من التحرك بمنهج مستقل، وتصدون أساتذتها عن القيام بمهماتهم، وجعلتم الثقافة التعليمية في بلادنا متخلفة، فهي ثقافة استعمارية تخضع لمناهج الأجانب.
إذا رحل هذا الملك وأطيح بحكومته فسيورثنا بلداً مضطرباً قد تفشى الفساد في اقتصاده وثقافته التعليمية وجيشه، ونحتاج الى سنين طويلة يبذل فيها شبابنا ومثقفونا المتعلمون والفئات الواعية التي تعيش الآن في عزلة أو في السجون جهوداً مكثفة، لكي نستطيع إصلاح أوضاع إيران واعادتها الى ما كانت عليه قبل أكثر من ثلاثين عاماً، أي: لما كانت عليه قبل مجيء هذا الملك الى العرش، نحتاج الى سنين طويلة لإصلاح الزراعة والثقافة التعليمية والاقتصاد وإزالة الفساد عنها.
تقول: إننا لم نفهمك!
حسناً، إذا كنت غير الذي عرفناه، فتفضل بين لنا حقيقتك! إذا كنت غير الذي عرفناه وكان عملك غير الذي رأيناه فلماذا جئت اليوم معتذراً من وقوعك في الأخطاء؟!
إذا كان قولك صحيحاً كان عليك أن تقول: إن كل ما قمت به هو الصحيح وأنتم- الثلة القليلة- قد أخطأتم في معرفتي، والشعب معي يؤيد تحركاتي، لأنها جميعاً سليمة، والمخطئون هم تلك الشرذمة القليلة من القادمين من وراء الحدود!! لماذا لا تصرح بذلك وترحل؟! لماذا تقول: إذا رحلت أنا سيقع ما يقع، والذين لم يفهموني قلة لو عرفوني لأيدوني!! لو عرفك هؤلاء حقاً، وعرفنا حقيقتك الباطنية لرأيت عندها ما سيحدث! فهم ونحن لم نعرفك معرفة كاملة، وعارضناك هذه المعارضة، وكل من يعرف باطنك سيعارضك.
إنه الآن يعزم على الرحيل، ويقرر الاعتزال، وطبق ما يقال عيّن مجموعة من القصابين- حسب وصف ذاك السيد- ليذبحوا الناس، ويرتكبوا المجازر الجماعية، فما زلنا في هذه المحنة.
لقد قلنا مراراً، إن هذه الحكومة باطلة ما دام النظام الملكي قائماً، لأن الشعب برمته أعلن رأيه بعدم شرعية هذا النظام ورفضه له، وإذا زعم زاعم أن الشعب لم يعلن هذا الموقف، فلينتخبوا أياً كان- من غير هؤلاء المرتزقة العاملين في حكومته- ليذهب للسوق، ويطوف فيه باحثاً عن واحد يؤيد هذا النظام، فلن يجد لا في أسواق إيران برمتها، ولا بين الفلاحين والمزارعين الذين طالما قلتم لهم: إن مجيء الملالي للسلطة سيؤدي الى إلحاق الأذى بكم، لكنهم لم يصغوا لكم، لأنهم يعلمون أن علماء الدين لا يريدون بهم شراً بل يريدون إنقاذهم وإنقاذ هؤلاء المساكين المخدوعين من الوضع البائس الذي يحيط بهم.
ولقد أعلنت مراراً أننا لو أصبح الأمر بأيدينا، فلن نعيد الأملاك لأولئك (الاقطاعيين) الذين كان أحدهم يملك عشر قرى أو مائة قرية، لا، فهم مدينون وعليهم أن يدفعوا حساب (الضرائب) التي أحجموا عن إعطائها سنين طويلة. إن عملائكم يتوجهون الى القرى لشن الهجمات الاعلامية على الفلاحين والمزارعين، ويحذرونهم مما سيحل بهم لو تغير الحكم.
لكن هؤلاء المزارعين قد عرفوك، وشاهدوا الشقاء والبؤس اللذين ألقيتهم فيهما فلماذ أتوا الى أطراف طهران، ليعيشوا في الأكواخ؟ نحن نريد انقاذهم من هذه الأكواخ وإنهاء هذه الحالة الطفيلية في إيران وتبعيتها للأجانب، وليس ثمة غموض فيما تقول.
إنهم الآن يثيرون دعايات اعلامية تحذر من عواقب اقامة الحكم الإسلامي، فهم مثلًا يذهبون للعسكريين ليقولوا لهم: سيلغى الجيش أساساً! فقل: كيف نلغي الجيش كله ونحن بحاجة اليه؟! إننا سنعزل بعض اللصوص الموجودين فيه لا غير. وليعلم المسؤولون (العسكريون) المخلصون أننا راضون عنهم، أما الذين عليهم أن يرحلوا، فهم الأنجاس الذين سرقوا أموال الشعب وكنزوها في المصارف الأجنبية.
وعندما نقول: عليهم أن يرحلوا، لا نقصد أن يأخذوا الأموال ويذهبوا، لا، بل المقصود أن يعزلوا وتنتزع هذه الأموال منهم، ولو استطعت أنا لما سمحت لهذا الرجيل (الملك) بالرحيل، فيجب أن يقدم للمحاكمة، فأين تذهب هل تأخذ الأموال، وترحل هكذا؟!
نحن بحاجة للجيش ونكن له الاحترام، ونحترم الشباب من ضباطه، كما نحترم من كان نزيهاً من أصحاب المناصب العالية في الجيش، فنحن إنما نعارض اللصوص الذين ارتكبوا السرقات. والامر نفسه يصدق على المؤسسات الحكومية الأخرى، فنحن نحترمها، واذا كان فيها بعض الفاسدين يجب إخراجهم وتطهيرها منهم، فكل دولة بحاجة للجيش والوزارات والمؤسسات الحكومية، ونحن بحاجة لها، ولكن ليس على الصورة التي جعلوها فيها الآن.
نحن الآن نعارض هذه الحكومة لأنها غير قانونية، فالملك هو الذي عينها هو ملك غير شرعي دستورياً والمجلسان (الأعيان والنواب) هما اللذان منحاها، أو يمنحانها الثقة، وكلاهما غير شرعيين دستورياً، فالمجلس النيابي لا يمثل الشعب، بل يمثل الملك أو أميركا.
نحن نعتبر هذه الحكومة خائنة، لأن أعظم خيانة هي أن تعتبر هذا المجلس النيابي فاسداً، ومع ذلك تأخذ منه رأي المصادقة عليها، وهذه خيانة للشعب، هذه الحكومة تأخذ الثقة من ناس لا علم للشعب بنيابتهم له أصلًا- وهذه حقيقة لا يمكن لأحد إنكارها-، وهي تأخذ قرار تشكليها ممن يهتف الشعب بالموت له منذ سنة، وهو يعامل الشعب بتجبر. مثل هذه الحكومة حكومة باطلة، وكل من يؤيدها- ولو أدنى تأييد- فهو خائن لشعبنا أياً كان ومهما كان منصبه، وهو فاسق- أياً كان هو- لارتكابه العمل الحرام.
وعليكم أنتم أيها السادة الذين تقيمون في الخارج أن توصلوا هذا الموقف لكل مكان، فهو موقفنا وموقف كل الشعب الإيراني، وليس موقفي أنا وحسب، فأنتم جزء من الشعب الإيراني، وتؤيدون القول بأن هذه الحكومة المفروضة التي جاء بها الملك وتريده أن يبقى في العرش، وتصرح بوجوب عودته الى إيران، هي حكومة خائنة لشعبنا ويجب أن تسقط الحاضرون: صحيح ...) وفقكم الله جميعاً- إن شاء الله-.
باريس، نوفل لوشاتو
أباطيل الصحافة الغربية، تبيين عالم الألوهية، نتائج خيانات الشاه
ايرانيون جامعيون وغيرهم في الخارج
جلد ۵ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۲۴۵ تا صفحه ۲۵۲
«۱»-سورة الطارق/ الآية ۹. «۲»-سورة الأنفال/ الآية ۱۷. «۳»-سورة الفتح/ الآية ۱۰. «۴»-سورة البقرة/ الآية ۲۵۷. «۵»-إشارة الى أحد الحاضرين.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378