بسم الله الرحمن الرحيم
المؤمنون في مواجهة المستكبرين
في هذه الآية الكريمة التي تلوتموها، نقاط كثيرة، من جملتها نقطة واحدة سوف أركز عليها في قوله عز من قائل (منّ الله على المؤمنين) «1» حيث بعث لهم رسولًا منهم، وهذا نفي لادعاء البعض الذين حاولوا تضليل الناس عن أديانهم وكانوا يزعمون بأن أشخاصا من أمثال فرعون وغيره ابتدعوا الدين. لتخدير الناس ونهبهم. لقد كان المؤمنون جميعاً وفي مختلف الأزمان العقبة الوحيدة في وجه المستكبرين. ففي زمن نبينا موسى (ع) وقف المؤمنون في وجه فرعون وهنا منّ الله على الناس وعلى المؤمنين الذين كانوا يشكلون الطبقة السفلى- حسبما يقال- من المجتمع بأن بعث لهم رسولًا منهم من طبقتهم، وليس من المستكبرين. إنها واقعة تاريخية يذكرها القرآن، وكانت أمام مرأى ومسمع أبناء ذلك العصر. فلو كان النبي موسى من أوساط المستكبرين لانتفض الناس بوجهه. لقد كان النبي موسى مجرد راعياً للإبل وعمل سنيناً لدى النبي شعيب، وهذا الراعي ذاته ولأنه كان مستحقاً، بعثه الله للناس. وكذلك كان النبي محمد (ص)، لقد كان من فقراء قريش ولم يكن من أولئك المستكبرين، وعمل راعياً ايضاً فقد كانت عائلته فقيرة، حتى وصل الأمر بعمه أبو طالب إلى توزيع أطفاله وهذا مايدل على المستوى الاقتصادي لأسرة النبي محمد (ص).
الأنبياء في مواجهة المستكبرين
لقد اختار الله أنبياءه من الفئات المستضعفة الفقيرة، ووضعهم في مواجهة الظالمين، وهذا يفنّد ما يقوله المغرضون من أن الأنبياء صنيعة الأغنياء والمستكبرين. إن البعض يطلق مثل هذه الخرافات ودليله بأن الأنبياء جاؤوا لاستغفال الناس وإعطائهم الوعود المجانية ولإتاحة الفرصة أمام الظالمين كي ينهبوا ويسرقوا تعب هؤلاء الموعودين. ولكن التاريخ الإسلامي، وهو تاريخ ليس ببعيد، يثبت عكس ذلك، يثبت أن الأنبياء جاؤوا لإيقاظ الناس وحضهم على النهوض ضد الظلم والظالمين.
لقد رأينا وعلى مر التاريخ بأن من كان يقوم بتوعية وتجهيز من حوله للقيام على مستعبديهم وعلى ظالميهم كان دائماً واحد من أبناء الطبقات الدنيا، وهذا يثبت خطأ مقولة أن الأنبياء صنيعة المستكبرين. فقد قام موسى ضد فرعون، والرسول الأكرم ضد قريش التي كان بيدها كل شيء آنذاك، والرسول ومن حوله هم الضعفاء، وهذا كل على مرأى ومسمع من الجميع. فكيف يتجرأ البعض على اتهام الأنبياء- نعوذ بالله-؟!
الظروف المعيشية للرسول وأصحابه
هذا أمر يعرفه الجميع، فالجميع يعرف كيف عاش النبي وأين ربّته أمه في الصحراء. وحين دخل على مجتمعه كان دائماً تحت سلطة كبار قومه ولم يكن يستطيع العيش بهذه الطريقة وكان يلتجئ إلى الغار في مكة. وبعد ذلك كان ينشر دعوته بسرية تامة وحتى عندما ذهب إلى المدينة التف حوله الفقراء والمستضعفون، وحين بنوا مسجداً لم يكن كالمساجد التي نبنيها اليوم بل كان عبارة عن سور من السعف وجذوع النخيل ليستمدوا منها الظل، وكان ثمة مكان آخر كان يقال له الصفة كان مرتفعا قليلا وأرضه رملية ولم يكن مفروشا بالسجاد مثل مساجد هذه الأيام، وحتى أنه لم يكن مفروشا بالحصير، وكانوا ينامون ويعيشون فيها. وبالرغم من تلك الظروف الصعبة، فقد وقفوا إلى جانب النبي وانتصروا على قريش والمستكبرين الظالمين. غير أن هؤلاء يرددون مثل هذه المزاعم فهي لأن كل الويلات التي حلت عليهم كانت بوحي من الأديان.
معارضة القوى الكبرى للإسلام
إن هذه القوى الكبرى التي تريد استغلالنا ونهب ثرواتنا تعتبر الإسلام عدوها الأول، فهم يحاولون تشويه صورة الإسلام ليظهروه بمظهر المخدر لعقول البشر، ولكن إذا رجعنا إلى تاريخ الإسلام سنجد بأنه انطلق من بين الناس الضعفاء وكل من لحق بركب الإسلام كان مستضعفاً (ولقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم) «2» فقد كان الرسول بين الناس ويأكل ويشرب معهم ويعيش في المسجد مثلهم ومن هناك جهز الجيوش وقضى على تلك القوى المستكبرة، فقد استطاع الإسلام أن يحد من ظلمهم وأوقفهم عن التعدي على الضعفاء. ولهذا فإن هذه القوى عندما تهجم على الأديان تستهدف الاسلام اصلًا، لأنها تخشاه. الإسلام هو الوحيد الذي يتصدى لظلمها ونهبها خيرات الشعوب وثرواتها وانهم يستهدفون من وراء ذلك تشويه صورة الإسلام في أنظار شبابنا والطبقة الواعية وبالتالي تجنب معارضتهم.
مؤامرة الأعداء للحط من مكانة الإسلام وعلماء الدين
يوجدالآن الكثير من الأمور التي تستطيع شغل فكرشبابنا اليوم، ومن هذه الأمور تشويه صورة الإسلام في نظر الشباب، لأنهم يخشون دور الدين في تقوية هؤلاء الشباب. ولأن علماء الدين يقفون في مواجهة هؤلاء المغرضين لذا راحوا يهاجمونهم متهمينهم بأنهم وعاظ السلاطين. بيد أن البلاط هو الذي كان يعمل على ايجاد هؤلاء المعممين كي يتسنى له نهب ثروات الشعب ويقوم هؤلاء بالمدح والثناء له. وكانوا يفعلون كل ذلك من أجل ابعاد الناس عن الإسلام وعن علمائه، ويجرونهم من هاتين القوتين.
علماء الدين في طليعة محاربة السلاطين
إن كل التحركات المعارضة للسلاطين التي ظهرت خلال المئة سنة الأخيرة كان منشؤها علماء الدين. ولابد أنكم تذكرون ان قضية (التنباك- التبغ) كانت في بداياتها من قبل علماء الدين في إيران والعراق وفتوى المرحوم الميرزا الشيرازي «3» التي لاقت أصداءً واسعة لدى العلماء في طهران وكذلك الناس الذين أظهروا ميلهم وولائهم لعلمائهم والالتزام بالفتوى والضغط على النظام المستبد للعودة إلى مرحلة المشروطة، وطبعاً لم يتسن لمرحلة المشروطة أن تتحقق كما كان يتطلع إليها الشعب. وفي عهد رضا شاه كما أذكر ويذكر ذلك الشخص (يشير إلى أحد الموجودين) والقليل منكم، كانت هناك محاولات كثيرة للقيام على الحكم، وكل تلك المحاولات قام بها علماء الدين. كما أن الثورة التي حدثت في أذربيجان كانت على يد علماء الدين، ولكن على كل حال كانت القوة والقدرة في أيديهم، وقاموا بنفي كل من حاول القيام عليهم وفي الفترات الأخيرة أسقط عنهم حكم النفي، وكان أحدهم المرحوم السيد الميرزا آغا صادق «4» الذي أتى إلى قم وبقى فيها حتى وفاته. وكان هناك محاولة أخرى قام بها جمع من علماء خراسان وعرفت باسم قضية مسجد كوهر شاد «5» ولكن تم اعتقالهم ونقلوا إلى طهران حيث حوكموا فيها وسجنوا. ومحاولة أخرى قام بها علماء أصفهان حين أتوا إلى قم ودعوا كافة الأطراف إلى الانضمام اليهم، القدرة كانت في أيدي السلاطين حيث قضوا على هذه المحاولة ايضاً. ففي وفي تلك الفترة لم يكن الوعي قد أخذ شكله الصحيح في نفوس الشعب. حتى في أيامنا هذه، تعرضت المدارس العلمية للهجوم، وهذه المدرسة الفيضية تعرضت عدة مرات للهجوم، كسروا الأبواب والنوافذ وأحرقوا الكتب والعمائم، وتعاملوا بوحشية مع كل من كان فيها، وقد حدث كل ذلك من اجل ابعاد الشعب عن الإسلام وعلمائه.
خوف الطاغوت من الجامعات
ثمة موضوع آخر أود الاشارة اليه وهو فيما يتعلق بالجامعات والطلبة الجامعيين. فهؤلاء يخشون الجامعات ايضاً. حيث كانوا يرون في الطلبة قوة فكرية شابة من الممكن أن تخالفهم، ولهذا ضربوا الجامعات بطرق مختلفة كلما سنحت لهم الفرصة. وحاولوا عن طريق الدعايات التي أثاروها تضليل أذهان الطلاب وحاولوا إشغالهم بأنفسهم كي لايتسنى لهم التفكير بمقدرات بلدهم. فلو تركوا الجامعات بحالها، ولو لم يطلقوا تلك الدعايات المغرضة لتخرج من الجامعات، أناس يدركون سياسة هؤلاء السلاطين وأهدافها وحينها لأدركوا ضرورة تغيير الوضع.
مخططات اجهزة الطاغوت لتضليل الشباب
لقد كانوا يحاولون شغل فكر الشباب عن طريق توظيف كافة الأجهزة الإعلامية لهذا الغرض، فقد كان كل من الراديو والتلفزيون والسينما والصحافة يشجع الشباب على العبث واللهو واضاعة الوقت بحثا عن الملذات، فماذا تنتظرون من الشاب عندما يذهب إلى السينما مرة واثنان وثلاث، فسوف يعتاد على ذلك ولا يفكر بغير السينما وربما سيحلم بها في نومه، وعندما يستيقظ صباحاً، سيفكر كيف سيمضي الوقت بالعبث واللهو، وهذا النوع من الشباب الضائع من المستحيل أن يفكروا بأن كارتر يسرق نفطنا، فقد عودوا شبابنا ورجالنا وحتى أطفالنا على اللهو والعبث وقضاء وقتهم في بيوت الفحشاء وعلى شاطئ البحر الذي يعد اليوم أحد تلك المراكز المضرة بفكر الشباب. فهذه الأجهزة الإعلامية التي كان يجب أن تكون وسائل للتربية الصالحة كالراديو والتلفزيون، تعمل على تشويه فكر شبابنا. ولاتظنوا أن هذا الشيء يحدث بمحض الصدفة، وإنما هو مخطط له، وباحتمال كبير من قبل ال- (سي أي إي). فهذه الإعلانات عن مراكز الفساد وشاطئ البحر، والتسهيلات التي تقدم لهم هي من أجل جذب الشباب والنساء لارتكاب الفحشاء، كلها أشياء مبرمجة ومنظمة من قبل أعداء الشعب ليمنعوا الإنسان من أن ينضج بشكل طبيعي. والشيء نفسه بالنسبة للموسيقى التي تشغل تفكيرالشباب اليوم، فإذا مضت مدة على هذا الشاب ولا همّ له غير الموسيقى، فسوف يتوقف عقله عن التفكير في الأمور الجدية. وإن أحد المخططات المغرضة- وهي كثيرة- هو أن يصرفوا الشباب عن الدراسة، عن طريق إعداد فئة باسم اليساريين الذين يدخلون الجامعات ليتظاهروا ويقيموا الفوضى داخلها وليخرجوا الطلاب من صفوفهم ليلهوهم عن دراستهم بأمور لا جدوى منها.
الأعداء يهدفون الى تضليل المجتمع الإسلامي
كل ماخطط له أعداء الشعب كان يهدف الى اغفالنا عن مقدرات بلدنا وثرواته. وقد زاد التركيز على ذلك لأنهم رأوا كيف استطاع الإسلام والإيمان أن يفعل المعجزات. فبقوة الإيمان استطاع الشعب بأيد عزلاء أن ينتصر عليهم ويقهر القوى الكبرى ويقطع دابرها. وقد أدركوا بأن ما جعلكم تنتصرون عليهم هو الإيمان ولهذا وضعوا جل اهتمامهم للفصل بينكم وبين إيمانكم ودينكم. وفي الوقت الحاضر تقوم الأقلام المأجورة والعميلة بحرف شبابنا حتى أنها كتبت عن تلك الفضائح التي تحصل على شاطئ البحر وقالت بأن الامتناع عن ممارسة تلك الأعمال اللاأخلاقية هو رجعية! فبنظرهم أن الحضارة هي أن ينزل الرجل والمرأة والفتاة إلى البحر بذلك الشكل الفاضح، وهم يرون أن الحضارة هي أن يذهب الشاب كل يوم إلى السينما لتصبح همّه الأول والأخير.
فإذا استطعنا أن نحد من هذا التفاهات وأن نحولها إلى معاهد تعليمية- سواء دور السينما والصحافة- لأطفالنا لتربيهم وترشدهم وتدخلهم مرحلة العمل السياسي وتوعيهم بأن ما عدا ذلك، هي أمور جانبية. إنهم يعتبرون ذلك رجعية ويخيفونكم منه، فاحذروا لأنهم يريدون تضليلكم عن الطريق السائرين فيه.
التحول الروحي للشعب في الثورة الايرانية
هذه الثورة التي ترونها الآن قد وصلت مرحلة قطعت فيها الأيدي الأجنبية وأنتم تعلمون بأن النهضة الإسلامية في إيران أخذت شكلها من خلال التفاف الناس حول الإسلام وعشقهم للشهادة، فقد عرفوا بأن الشهادة من أجل الإسلام هي شيء عظيم واعتبروها انتصاراً لهم وهذا ماجعلهم لايخشون المدافع والدبابات حين نزلوا إلى الشوارع وضحوا وانتصروا. فقد حصل تحول روحي في كافة أنحاء إيران، والناس الذين لم يكونوا يوماً يفكرون في أمور بلادهم أصبحت الآن شغلهم الشاغل، سواء الرجل والمرأة، الشاب والطفل، أصبحت قضايا الشعب تطرح في مجالسهم ولم يكن هذا موجود من قبل.
علماء الدين والسياسة
لقد كانوا ينادوننا نحن رجال الدين وخاصة عندما كان أحدنا يريد التحدث بأمر في صالح الشعب ب- (السياسيين) وكانت هذه الكلمة تعتبر شتيمة، وإذا وجدت جريدة في منزل أحدنا كان يلام على ذلك، وكانوا يقولون ما شأن رجال الدين بالسياسة، هكذا كانوا يضللون الناس ويتخذون ذلك ذريعة للإساءة لعلماء الدين. فحينما كنا في السجن وأرادوا اطلاق سراحنا، نقلونا إلى غرفة كبيرة دخل إليها باكروان «6» ومولوي «7» وقد تحدث باكروان قائلًا: أن السياسة عبارة عن كذب وخداع ومكر واحتيال فاتركوها لنا. وطلبوا منا أن لا نتدخل في شؤون السياسة. وقد قلت له: (إذا كانت السياسة كذلك فلتكن لكم)، وكتبوا حينها في صحافتهم: (لقد تم الاتفاق بين فلان وفلان)، وعندما أتيت إلى المنبر رديت عليه. فهم يطلبون منا نحن المعممين أن ننشغل في مدارسنا فقط وأن نترك مقدرات الشعب لهم. أن نتحدث الى الناس في الحلال والحرام. حتى هذا لم يكن مسموح لنا أن نتحدث عنه بصراحة. لقد تم اهمال تعاليم الإسلام حول القضايا الرئيسية والاكتفاء بالشؤون الشخصية. فلا يحق لنا الخوض في قضايا من قبيل واجبات الحكومة تجاه الشعب ووظيفة الشعب تجاه الحكومة، وكيف يجب أن تكون الحكومة وسمات الحاكم وأجهزة الدولة والقضاء فهي أمور لايريدون أن نتدخل فيها، حتى ظن الكثيرون في ذلك الوقت أنهم كانوا على صواب وكنا نرى في قراءة الجريدة عيبا، وكنا نتجنب ذلك. يعني نحن أيضاً كنا جزءاً منهم.
تحول الشعب كان معجزة
لقد شهدنا تحولًا في السنتين أو الثلاثة الأخيرة وكان تحولًا كبيراً للغاية. طبعاً إن هذه النهضة يتجاوز عمرها الخمسة عشر او الستة عشر عاماً، غير أن هذا التحول حصل في السنوات الأخيرة. ففي السابق لو أمر أحد رجال الشرطة بشيء، ما كان يجرؤ أحد من صنّاع وتجار السوق في طهران على مخالفته. وإذا ما أمر برفع الأعلام والزينة في يوم (4 آبان) «8» لأطاع الجميع هذا الأمر. غير أن نفس هؤلاء الناس الذين لم يكونوا قادرين على مخالفة أوامر هؤلاء المأمورين، نزلوا اليوم إلى الشوارع وتظاهروا وهتفوا بالاطاحة بنظام الشاه ولم تعد الدبابات تخيفهم ولا حتى جنود الشاه.
فمثل هذا التغيير معجزة. تغير شمل الجميع. فبوسع الجميع اليوم أن يناقشوا شؤون البلاد اليومية والسياسية. إن نفس هذه الفئة التي كانت تعتبر قراءة الصحف عيباً، لم يبق بيتاً من بيوتها إلا وأهله يملكون التلفزيون والراديو ويطالعون الصحف، ويطرحون المشاكل اليومية للمجتمع ويناقشونها.
هل تتصورون أن مثل هذا كان موجوداً قبل عشر سنوات؟ هل كان يحق لكم الخوض في شؤون البلاد أو التدخل فيها. فلم يكن لكم الحق بالتدخل في مشاكل المجتمع أو مناقشة وضع نظام الشرطة، كيف هو وكيف يجب أن يكون. ولكن الآن حصل التحول في مجتمعنا وهو تحول إلهي لأنه لايمكن لأي شخص أن يوجده في قلوب الناس، أن يجعل الشاب يأتي من أوروبا إلى قرانا ليساعدنا هنا، هذا الشاب الذي كان يعيش عنفوان شبابه في أحد البلدان الاوروبية ومن المفترض أن يكون منغمساً في ملذاته، نجده يعود الى بلده ويتوجه الى قرانا لمساعدتنا، وقد تحدثت معهم بنفسي وقلت لهم إن ماتفعلونه ذو قيمة كبيرة، فهذا القروي الذي كان يرى نفسه وحيداً والجميع يريدون سلبه ما يملك، بات يرى اليوم بأنه مع مجموعة من المتعلمين، منهم المنهدس والطبيب أتوا من أوروبا من أجل مساعدته وذهبوا إلى قريته وعملوا معه في حصاد القمح، فمثل هذا سوف يمنح ذلك القروي قوة كبيرة وثقة بالنفس ليضاعف من جهده وعمله. وحتى في الداخل فقد نهض الكثير من مثقفينا ومتعلمينا شباباً ونساءً تركوا المدينة وذهبوا إلى القرى ليقدموا مساعداتهم إلى المزارعين وليزرعوا في نفوسهم الروح المعنوية العالية، وقد أخبرت أولئك الشباب الذين قدموا من اوروبا بأن الله وراء تحولهم فالله هو مقلب القلوب. فلو أرادت منظمة ما فعل ذلك لفعلته من أجل الدعاية لنفسها ليس أكثر، أما أنتم فصادقون ومخلصون وتريدون المساعدة بطبيعتكم، وتريدون أن تساهموا في التربية والتعليم بصدق وأمانة.
إدارة البلاد بيد أبناء الشعب
فليحفظكم الله ويوفقكم في سعيكم لخدمة بلدكم بعد أن قطعت أيدي الخونة. يجب عليكم شحذ الهمم لإدارة بلدكم بأنفسكم ولكي لايقولوا بأنكم غير قادرين على ذلك، فلا يجب أن نعطي الفرصة للأعداء المتربصين لينفذوا مخططاتهم. ليعمل الجميع في خدمة هذا البلد كل من موقعه وعلى قدر استطاعته. رجل الدين في محرابه وأنتم في الجامعة، ونحن ايضاً في مدارسنا. فلنشحذ الهمم ونعمل معاً بشكل صحيح، وسيكون بلدنا ملكاً لنا بإذن الله.