بسم الله الرحمن الرحيم
احداث من مرحلة النفي والابعاد
أروي لكم القصة التي حدثت باختصار: إننا حين ذهبنا من تركيا الى العراق ومن ثم الى النجف، اعلنوا من جانب الحكومة العراقية مراراً بأن العراق بلدكم وبإمكانكم أن تعملوا ما تشاؤون وتذهبون الى أي مكان تريدون! الى أن تغيرت حكومات (الشاه) الواحدة تلو الأخرى وانتهت الى اوضاع الفترة الأخيرة (من حكم الشاه)، وهذا ما جعلنا نقوم بنشاطات اكثر في العراق. ولكن الحكومة العراقية عملت بالتدريج على الحيلولة دون ذلك. ففي البداية جاء عدة افراد الى منزلنا تحت عنوان المحافظة عليّ، وأشاعوا بأن عدداً من الأشخاص جاؤوا بغية اغتيالنا، ثم ازداد عدد الأفراد شيئاً فشيئاً بحجة (إننا نريد المحافظة عليكم)! لكنني كنت أقول منذ البداية لبعض الأصدقاء بأن المسألة ليست محافظة، وإنما هي مسألة مراقبة ليعرفوا ماذا نعمل!.
ومرة جاء (مدير الأمن) من بغداد وكان رجلًا هادئاً وكان كلامه حديث مجاملة بأنه لا مانع، اعملوا ما تريدون و ... ثم ذهب ليأتي بعد عدة ايام رجل آخر، وقالوا بأنه أعلى رتبة من مدير الأمن، فقال لنا بصورة رسمية: إن بيننا وبين حكومة ايران معاهدة ولا يمكننا ان نتحمل نشاطاتكم! وجاء بعدها بيوم ليقول ما هو أكثر، فقال يجب أن لا تكتبوا شيئاً وأن لا تتحدثوا على المنبر ولا تسجلوا شريطاً صوتياً وترسلوه الى ايران، لأن ذلك يخالف تعهداتنا! فقلت له إن هذا واجبي الشرعي وإنني سوف أكتب البيانات وأتحدث على المنبر في الوقت المناسب وأسجل أشرطة صوتية وأبعثها الى ايران، إنه واجبي الشرعي، واعملوا أنتم أيضاً بواجبكم! وبعدها جرت أحاديث، فقلت في النهاية بأنني ليس لي رغبة خاصة في البقاء في مكان محدد وسأذهب الى أي مكان أستطيع أن أخدم فيه ولم أتبن البقاء والاستقرار في النجف! فقال أينما تذهب فإن مثل هذه الأمور موجودة ويحدث المنع! فقلت إنني أذهب الى الخارج وأتوجه الى باريس وهي ليست مستعمرة لايران ولا مرتبطة بها- ولم أكن آنذاك أفكر بشيء من هذا- فانزعج طبعاً ولكنه لم يتكلم! وكان السيد دعائي «1»- الذي هو سفيرنا (في بغداد) الآن- يقوم بالترجمة. وقد رأيت بأنهم مصممون على معاملة اصدقائي معاملة سيئة. وكانوا يقولون- قال لي ذلك السيد دعائي- إننا لا شأن لنا معه ولكننا سوف نضيق على المحيطين به! فخشيت أن يتعرض هؤلاء الى الأذى. فقلت للسيد دعائي اذهب واحصل لي على تأشيرة سفر. وكان قد ذهب قبل ذلك مرة الى مدير الأمن الذي قال له بانزعاج (تريدون ان تجعلونا نواجه فلان؟ لا، لا نعطي له تأشيرة)! ولكنهم هذه المرة منحونا تأشيرة خروج وكنا نريد الإقامة في سوريا ولكننا قررنا أن نذهب الى الكويت أولًا وبعد يومين أو ثلاثة الى سوريا، ولم أكن أفكر بالذهاب الى فرنسا.
وذات يوم وبين الطلوعين كنا هناك تحت المراقبة، خرجت من البيت فوجدت السيد يزدي (ابراهيم)- والذي رافقني منذ ذلك الوقت الى الآن- فتحركنا باتجاه الكويت وبعد عدة دقائق من وصولنا الى الحدود الكويتية قال احد الموظفين الكويتيين هناك بأنكم لا يمكنكم الذهاب الى الكويت! فقلت: قولوا له إننا نذهب من هنا الى المطار ومنه نسافر. فقال: لا! يجب أن ترجعوا من نفس الطريق الذي جئتم منه! فرجعنا الى العراق فبقينا ليلة في البصرة وفي اليوم التالي ذهبنا الى بغداد. فقررت وأنا في البصرة بأن لا أتوجه الى أي بلد اسلامي، وذلك لاحتمال أن نواجه المصير نفسه. وقررت الذهاب الى فرنسا. وبعدها كتبت (في البصرة) بياناً للشعب الايراني ووضحت فيه الوضع وكيفية ذهابي، ولم يكن من المقرر أن نذهب الى باريس. وحدثت امور لم يكن لإرادتنا فيها دخل. فمنذ البداية والى الآن كانت الأمور تسير بإرادة الله ولا أدعي بأنني عملت شيئاً ولا أنتم ايضاً. فكل شيء منه سبحانه!
وحتى في هذه الفترة الأخيرة التي جئنا فيها الى طهران وكان السادة وزراء (وفي قمة المسؤولية) وأعلنوا الاحكام العرفية ولم أكن أعلم لماذا أعلنوها، ولكن خطر ببالي أن أتحدى الأحكام العرفية وأتجاهلها، فكتبت ذلك وفعلًا تم تجاهل الأحكام العرفية! وبعدها علمنا بأن الأحكام العرفية كانت مؤامرة، حيث كان من المقرر ان يستقر العسكريون ويقومون ليلًا بانقلاب عسكري ليقضوا علينا وعليكم! وهذا ما أراده الله. فقد ذهبنا الى باريس- وطبعاً قد تلطف علينا الأصدقاء الذين كانوا هناك ومنهم السيد حبيبي وكان السيد بني صدر والسيد قطب زادة، والسيد يزدي (ابراهيم) من جملة المرافقين، والاصدقاء الذين كانوا هناك- وكان مكان في باريس نفسها، قلت إنه ليس مناسباً لنا، فذهبنا الى قرية كانت بجوارها وجاؤونا من الأطراف شيئاً فشيئاً. وكانت الحكومة الفرنسية تتخذ جانب الحيطة والحذر في البداية الى حد ما، ولكنها تلطفت علينا فيما بعد. ونشرنا مواضيعنا في باريس بأكثر مما كنا نتوقعه. وأحياناً كانت تأتي وكالات الانباء الاميركية الى هناك وكنا نتحدث، فكانوا يقولون إن هذه المقابلات سوف تبث في كل اميركا وخارج اميركا الى حد ما.
إننا طرحنا قضايا الشعب الايراني هناك، وكانت الفئات المختلفة من الاصدقاء وشباب ايران الذين كانوا في الخارج يأتون كل يوم من الاطراف، مما ساعد في دعمنا وكان أولئك يقومون بالنشاطات.
وأخيراً عندما قررنا المجيء الى ايران ابتدأت النشاطات على أشدها للحيلولة دون مجيئنا، وطبعاً كانت تأتي قبل ذلك رسائل كثيرة من قبل الحكومة الاميركية، وأحياناً يأتي بعضهم، فقد جاء شخص (على سبيل المثال) وقال إنني تاجر ولكنه كان معلوماً بأنه رجل سياسي وتحدث قائلا: لا تذهب الآن الى ايران لأن الوقت لازال مبكراً، إن الذهاب الى ايران الآن أمر مبكر! وكانوا يدعمون الشاه كثيراً. وحينما ذهب الشاه وجاء بختيار- وكان وريثاً حقيقياً له في الجريمة- بدأت النشاطات بأن لا تأتي الى ايران، حتى جاءتني رسالة من ايران بواسطة الحكومة الفرنسية وفيها: عليك ألا تأتي الى ايران لأن أحداث (دموية تنتظرك) وإذا ما جئتها فسيكون حمام من الدم! وقد دعاني هذا المنع للتفكير بأن ذهابنا الى ايران سيسبب ضرراً لهم، ولو كان في مصلحتهم وكان بإمكانهم اعتقالنا في ايران لما قالوا هذا الكلام ولطلبوا العودة الى ايران!
فتوجهنا (الى ايران) وكان الله تبارك وتعالى في كل الأمور ومنذ بداية الثورة معكم ومع الشعب الايراني.
دعوة الشعب لتقديم الدعم للثورة والحكومة
وكان من أكبر التأييدات الإلهية لشعبنا أنه حرف هؤلاء عن مواجهتنا بشكل جدي وقذف الرعب في قلوب كثير منهم فانصرفوا فعلًا. آمل من الآن فصاعداً وبهمة السادة- السيد بازركان والسادة الوزراء الذين أحبهم جميعاً وأعرف أكثرهم- أن يجدّوا وأن يضعوا يداً بيد وأن يوصلوا هذه الأمانة الى موضعها.
إنني أرجو من الشعب الايراني أن يدعم هذه الحكومة! فالحكومة اليوم في خدمة الشعب وهي ليست كالحكومات السابقة التي كانت تريد أن تفرض نفسها على الجماهير. إنها تريد حفظ ثروات الشعب وكرامته. وعلى الشعب أن يدرك بأننا منتصرون بإذن الله، وسوف نصل الى الهدف في النهاية وسنحقق استقلال البلاد وحريتها وإسلاميتها! إن طموحنا هو سيادة أحكام الإسلام في كل مكان. وإن السادة الوزراء منتبهون الى ضرورة أن لا يحدث في الوزارات ما يخالف الإسلام ومصالح البلاد، ولابد من تطهير هذه الوزارات وهذا البلد!.
إن هذه البلاد سوف تدار وتحل مشاكلها إن شاء الله باقتدار وحسن نية، وهي متوفرة لديكم بحمد الله! فمادامت نيتنا خالصة لله فإن الله تبارك وتعالى معنا وسننتصر! كما أنه كانت تواجهنا في هذا الطريق قوة عظيمة وإن كل القوى، سواء القوى العظمى أو غيرها، كانت تدعمها، لكن حسن النية وتغيّر الناس الى ما كان عليه الناس في صدر الإسلام أدى الى انتصارهم. وها هي النساء الآن تطلب مني أن أدعو لهن أن يستشهدن! وبعضهن قد جئن الى هنا يقلن اسمح لنا بالذهاب الى كردستان لنقاتل! فقلت بأنه ليس من المصلحة ذلك، فالشعب والجيش يؤديان هذه المهمة. وأمهات الشهداء يقلن بأننا نفتخر (بما قدمنا من الشهداء) ولدينا ولد أو ولدان آخران ونريد أن يستشهدا!
إن هذا هو التغير الذي كان قد حدث بين المسلمين في صدر الإسلام، حيث كانوا يعتبرون الشهادة فوزاً لهم، ويرون القتل شهادة والدنيا ممراً والآخرة مستقراً ومقراً إنسانياً. من هنا فإن انتصارنا مرهون بمثل هذا التغير المعنوي الذي وجد في الناس، وإلّا فلم يكن لدينا اسلحة، ولم يكن هناك من تنظيم في العمل، ولم يكن العمل طبق أصول الحرب ولم يكن شيء سوى الإيمان ووحدة كلمة الجماهير! وأسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ وحدة الكلمة هذه وسوف تحل كل مشاكلنا بإذنه تعالى!
إن على السادة الوزراء وخاصة وزير النفط (السيد معين فر) أن يكونوا حذرين في مراكزهم وأن يعملوا بدقة عالية. وعلى الموظفين والعمال الموجودين هناك أن يدعموهم! وهو رجل صادق وحذر، وأنا آخذ عليه في حذره الى حد ما! إلا أنه انسان سليم وحذر. وآمل أن يعمل هناك بجدارة، وأدعو العمال والموظفين الى العمل من أجل البلاد وتجنب التقاعس في العمل والتوقف عنه! إن البلاد اليوم بلادهم والنفط لهم ويجب أن تصرف عائداته لصالح البلاد. البلد الآن كعائلتنا، وكما يجب أن نعمل لعائلتنا بالحب، فإن السادة الوزراء والشعب والعمال والموظفين يجب أن يعملوا للبلاد بالحب!.
ضرورة اجتناب التقاعس في الدوائر
إنني أسمع أحياناً أن هناك في بعض الدوائر قليلًا من التقاعس أو التوقف عن العمل، وهذا ما يثير استغرابي! فإذا كان هؤلاء من النظام السابق ويريدون أن يخدموا ذلك النظام (باتخاذهم هذا الأسلوب) فعلى السادة أن يبعدوهم ويتخلصوا منهم. وإن لم يكن كذلك بل هم من الشعب ويحبون الإسلام وبلادهم، فإنني لا أدرك كيف يمكن للشخص الذي يحب بلاده ويحصل على أجره، لا يقوم بعمل! إن الأجر التي يتقاضاه هؤلاء إنما هو مقابل عمل، فإذا تقاعسوا في العمل فالأجرة حرام عليهم!
وعليه فإن أولئك الذين يؤمنون بالإسلام وبهذه الثورة ويحبون بلدهم، لابد لهم من العمل، بل مضاعفة عملهم للتعويض عما لحق بالبلد من دمار. فلا معنى للتقاعس. إنكم تشاهدون الكثير من شرائح المجتمع تذهب الى المزارع للعمل والمساعدة في الحصاد، وكذلك في مجال التربية والتعليم. وينبغي للدوائر الحكومية أن تكون كذلك، كي تكون الرواتب التي يتقاضوها حقوق مشروعة.
أسأل الله تعالى أن يوقظنا جميعاً وأن يوفقنا لخدمة هذا الشعب ومواصلة مسيرة هذه الثورة، وينعم علينا بالصحة والسلامة، ويحفظ ماء وجهنا في محضره المبارك وفي محضر أوليائه المقربين.
حفظكم الله جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته