بسم الله الرحمن الرحيم
لقد بدأ مجلس الشورى الاسلامي المقدس دورته الثانية بعنايات الله المتعال- جلّ وعلا- وتأييد بقية الله- أرواحنا لمقدمه الفداء- في الوقت الذي اجتازت الجمهورية الاسلامية المشاكل الناجمة عن الثورة الواحدة تلو الأخرى بحمد الله وشكره مستندة على الدعم الكامل من الشعب العزيز الحاضر في الساحة وقد استقرت أركانها المباركة وجلبت إليها قلوباً من المؤمنين والمستضعفين في العالم، وقد هزت موجة الاسلام العظيمة الشعوب المحرومة الرازحة تحت الظلم في جميع أرجاء العالم. وهي تواصل مسيرتها رغم تنبؤات القوى الكبرى وأتباعها الخونه وأحلامهم، وقد جرفت كالسيل الهادر الحشائش والحثالات لتبقى صامدة دون خوف من تكشير القوى الكبرى لأنيابها ودون اكتراث بالاعلام التابع للشرق والغرب (فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) «1» وبمشيئة الله تعالى تعد اليوم من أقوى البلاد الاسلامية بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة الإسلامية، في الأبعاد الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. واننا نعتبر هذه التوفيقات والانتصارات من منبع القدرة المطلقة ومن بركات الاسلام العظيم والايمان بالله القادر واتباع أحكام الاسلام المقدسة. ولا نعد أنفسنا شيئاً بل شرفنا أن الله تعالى- جل جلاله- قد شمل هذا الشعب المظلوم بعناياته الخاصة وأنقذه من ورطة المهالك. ونأمل أن تتواصل هذه العناية لهذا الشعب ولهذا البلد الاسلامي بفضل تمسكه بالاسلام وجهود جميع مؤسسات الجمهورية الاسلامية. ونحظى بدعاء ولي الله الأعظم- عجل الله تعالى فرجه-. وهنا أرى من الضروري أن أشكر نواب المجلس في دورته الأولى على جهودهم وأتعابهم المضنية، إذ نجحوا في تحقيق انجازات كبيرة ولم ينحرفوا عن الصراط الاسلامي المستقيم على الرغم من وجود المشاكل والعراقيل وعدم التنسيق بين المؤسسات. بل قاوموا المتحرفين وأنجزوا عملهم الكبير بكل فخر في المجلس في دورته الأولى حيث كان الاضطراب والفوضى التي كانت طبيعية في ثورة مستقلة عظيمة كالثورة الايرانية. ويجب أن نعتبر هذا المجلس نموذجياً إذ أنه عمل في فترة أوج الثورة والمشاكل الناجمة عنها ونفوذ المنحرفين المخادعين في المناصب المهمة وإستحواذهم اللاشرعي على المناصب العليا، وعدم النضوج في المسائل المعقدة، إلا أنه استطاع أن يكسب نجاحات باهرة لصالح المستضعفين والسير نحو أسلمة القوانين وذلك من خلال الجهود والمثابرة والالتزام بالجمهورية الاسلامية. ونسأل الله تعالى الرحمة للشهداء الذين قدمهم هذا الشعب، ونعزي أسرهم جزاهم الله عن الاسلام خيراً.
وأما بالنسبة لمجلس الشورى الإسلامي في دورته الثانية فانه في بداية افتتاحه يحظى بدعم عامة الشعب الثوري الملتزم بالاسلام وبالجمهورية الاسلامية. وإن نوابه شاهدوا الأحداث ويتمتعون بالخبرة التي جاءت نتيجة أربع سنوات من عمل النواب المحترمين في المجلس الأول ويعون الكثير من التعقيدات والمؤامرات وقواعد اللعبة السياسية اصطلاحاً وقد شهدوا تضحيات الشعب العظيم واستبساله وتفانيه منذ بدء الثورة حتى اليوم سواء في العهد الشاهنشاهي الظالم واستشهاد النساء والرجال والصغار والكبار من أبناء الشعب الشجاع بشكل جماعي، أو في فترة ما بعد الانتصار والخيانات والجرائم التي ارتكبتها المجموعات والفرق المنافقه المدعية للاسلام والقومية ودعم الكادحين وقد شهدوا قتل الأبرياء والفقراء والمظلومين كما شهدوا الحرب التي فرضتها القوى الكبرى الشرقية والغربية وأتباعها الرجعيين الذين أحرقوا حرث هذا الشعب المطالب بالعدالة والاسلام ونسله ودمروهما. وقتلوا الشباب الأعزاء الذين يدافعون عن قضايا الاسلام والقرآن الكريم بالأسلحة الشرقية والغربية المتطورة والاسلحة الكيمياوية. إن نواب المجلس الذين شهدوا هذه الأمور عليهم أن ينتبهوا بدقه إلى مسؤوليتهم العظيمة والمصيرية التي تولوها. إذ لا يمكن إنجازها بشكل لائق يرضي الله إلا بالجهاد الأكبر.
أسأل الله تعالى بكل خضوع أن يوفق نواب الشعب وكافة أبناء الشعب الايراني المظلوم في المس- ؤوليات التي تولوها في هذا العصر المفعم بالفتن، الذي يمكن القول بأن قانون الغاب يحكمه، حتى ينجحوا في هذا الجهاد الأكبر وأن يردوا على الله تعالى بكل فخر واعتزاز بحق هذا الشهر المبارك ش- عبان المعظم الذي شهد مولد منقذ البشرية الذي سينشر العدالة في الشرق والغرب ويغيث المظلومين والمستضعفين في العالم بقية الله الأعظم- أرواحنا لتراب مقدمه الفداء-. وهنا أذكّر السادة النواب المحترمين- حفظهم الله تعالى وأيدهم- ببعض الأشياء بكل إخاء وإخلاص عسى أن تنفعهم (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) «2».
أولًا. إن ما هو في طليعة أولويات التذكير ويتم إصلاح كل شيء من خلاله لتنتشر به السعادة هو أن نفهّم قلوبنا المحجوبة والمنكوس- ة بأن العالم من أعلى عليين وحتى أسفل الس- افلين، جميعه من تجليات الحق- جلّ وعلا- وفي قبضة قدرته ولا يوجد موجود كائناً من كان من الروحانيين في الملأ الأعلى الى الأنبياء العظام والأولياء المكرمين وحتى الأشقياء من الناس، أينما ذهبتم لا يملكون لأنفسهم شيئاً بل لا يوجد شيء إلّا وهو موجود بتجليه ومشرق بنوره. وإن هذه الذكرى هي التي تسبب الاطمئنان للقلوب (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) «3» وإن هذه القناعة ستزيل الخوف من القلوب وتزول الآمال بغيره من القلوب. إلهي خذ بأيدينا بواسطة أوليائك وأنقذنا من الأنا وشرور الأنا حتى لا نرى إلا إياك ولا نخاف إلا إياك ولا نرجو غيرك وإن كنا محجوبين مقيدين بسلاسل جحيم النفس.
الهي إنا نعتبر انتصاراتنا في الجبهات وخلف الجبهات وفي المؤسسات الوطنية والحكومية من عندك ولولا عنايتك الخاصة ونور رحمتك على هذا الشعب الضعيف الذي تتم مهاجمته من مختلف أنحاء العالم وتضافرت جهود الشرق والغرب ومؤامراتهما للقضاء على الاسلام والجمهورية الاسلامية حيث تعمل المنظمات الضخمة التي تزعم العمل في مجال حقوق الانسان والأمن العالمي ضدها مع وسائل الإعلام اليسارية واليمينية، وكذلك تستعد الدول المسماة بالاسلامية بالتعاون مع اسرائيل الغاصبة وسيدتها أمريكا الناهبة للقضاء عليها فلولا عنايتك لتم القضاء على الجمهورية الإسلامية في مراحلها الأولى. إن وقوف مجلسنا وصمود شعبنا وحكومتنا حيث تقف جميعها كالسد العظيم الذي لن ينهار وإيصال صوت الاسلام إلى جميع العالم حرّك المستضعفين في أرجاء العالم وفي جوار البيت الأبيض والكرملين وفي مناطق اخرى من العالم، كل ذلك من ألطافك الخاصة بنا. ونأمل أن يهبّ المسلمون والمستضعفون في العالم لينالوا حقهم من المستكبرين تمهيداً لحصول الفرج لآل محمد صلى الله عليه وآله.
ثانياً. كون الثورة الاسلامية ثورة غير اعتيادية ونظراً لعدم اعتمادها على أي من القطبين الشرقي أو الغربي فإنها تمتاز بسمات خاصة بها. فقد وقفت في وجه القطبين بالسير في صراط (لا شرقية ولا غربية) المستقيم ولم تخف أياً من القوتين الأسطوريتين، مما أدى إلى انتصاراتها التي تكاد تكون معجزات وإن كانت قد أدت إلى المؤامرات واشعال نيران الحروب الكثيرة ضدها لكنها لم تتراجع في أية مرحلة عن مبادئها. كما أن المجلس الذي خرج من داخل هذا الشعب الثوري ليس مجلساً اعتيادياً أيضاً فهو ظاهرة خاصة بميزاتها الخاصة بها. ويمكن اليوم الادّعاء بكل جرأة بأنه المجلس الوحيد تحت هذه السماء الذي يعتمد على الأصوات المليونية للشعب حيث تشكل من خلال أصوات الشعب المباشرة والمستقلة بعيداً عن نفوذ الاقطاعيين والرأسماليين وأصحاب السلطة والقدرات والألعاب السياسية والنشاطات المنحرفة، وهو بعيد أيضاً عن عنجهية النظام الشاهنشاهي وأتباعه.
ولا شك إن المسؤوليات الملقاة على عاتق مثل هذا المجلس جسيمة للغاية: مسؤولية التصدي للألاعيب السياسية للغرب وتيارها الرأسمالي ومواجهة الديكتاتورية الشرقية وقطبها الشيوعي.
إنه مجلس عليه أن ينفذ سياسة (لا شرقية ولا غربية) في عالم ثنائي الأقطاب. وأن يعيد أحكام الاسلام السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي نسيت وعُزلت عن الحياة لقرون طويلة، إلى الساحة مرة أخرى. فإن مثل هذا المجلس بحاجة إلى قوة روحية خارقة للعادة كما يحتاج إلى قدرة التمييز بين القضايا المعقدة العالمية وكذلك القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة دون التبعية لأحد القطبين الالحادي أو الرأسمالي. وهو محتاج إلى قدرة تسير به نحو الحق دون خوف وإن كان العالم كله يسير نحو الباطل ضد تلك القدرة التي تستخف بالتوترات والاشاعات. فمثل هذا المجلس يحتاج في لجانه المختلفة إلى خبراء ومختصين ملتزمين وبارعين وعليهم الاستعانة بالخبراء من المختصين في السياسة الخارجية والسياسات الاقتصادية لأخذ المشورة منهم ولأن هدف الجميع هو تقدم الاسلام وأحكامه وخدمة عباد الله تعالى إن شاء الله، فإن الاستعانة بمن هم خارج المجلس يجب أن يكون مدعاة لسرورهم.
ثالثاً. إن المجلس المحترم في دورته الأولى رغم قيامه بأعمال قيمة كثيرة حيث تمكن من أداء واجبه بجهوده وعلى الرغم من المشاكل الكثيرة إلّا أن كثرة مشاكل ما بعد الثورة وخيانات النظام السابق قد تركت الكثير من المشاكل للمجلس الحالي. ومن جملتها المشاكل الاقتصادية المهمة ومواجهة التضخم وحل مشكلة الإسكان والأراضي والاهتمام اكثر فأكثر بالمحرومين والطبقات الضعيفة المحدودة الدخل بما في ذلك الذين يعملون في الأجهزة الحكومية برواتب محدودة جداً. إن غالبية هؤلاء الموظفين ليس لديهم عمل آخر وهم في الواقع من الطبقات الفقيرة. كما أن حل المشاكل الزراعية يقع على عاتق الحكومة بدعم من المجلس. إن ما هو ضروري في كل هذه الأمور التي يجب أن يتم العمل بها دون أي تسامح هو تطابق القوانين كلها مع الأحكام الاسلامية المقدسة سواء الأحكام الأولية أو الأحكام الثانوية. فلو حصل انحراف قليل جداً- لا سمح الله- في هذا المجلس عن الشريعة الاسلامية فإنه سيكون بمثابة سنة سيئة تتبعها سنن سيئة أخرى وستكون أوزارها وأوزار من يعملون بها على عاتقهم. ولو كان عمل النواب المحترمين بهدف إصلاح أمور البلاد ورفاهية المحرومين مطابقاً للموازين الاسلامية فإن أجره وأجر من يعمل به سيكون لمن سنّوا تلك السنّة. فلا يتصور أحد بأن العمل لصالح المحرومين والمستضعفين إذا خالف الشرع لاضير فيه، بل إنه انحراف وخيانة للاسلام والجمهورية الاسلامية بل للمحرومين أنفسهم حيث يُبتلون بالمال الحرام المغصوب وظلم الآخرين مما يقودهم إلى نار جهنم.
إنني لا أتصور أن شيئاً مثل هذا يحدث في بلد ضحّى بكل غالٍ ونفيس من اجل الاسلام وتطبيق قوانينه. وعلى السادة نواب المجلس أن يجتهدوا في ألا يصادقوا على القوانين المخالفة للشرع والدستور. إذ أن التصويت للأمور المخالفة للقوانين الالهية ذنب كبير، كما أنه لا شك في أن مجلس صيانة الدستور المحترم سيرفضها مما يؤدي إلى التأخير في الأمور.
رابعاً. إنكم تعلمون ونعلم بأن لمجلس الشورى الإسلامي واجبات مهمة ودقيقة. إذ أن بلداً ثار فيه الشعب لأجل الاسلام والحكومة الاسلامية وتطبيق قوانين القرآن النيّرة، وانهاء الظلم والجور من أي صنف كان، وأرسلكم إلى المجلس فإن أقوالكم وحالاتكم وأفكاركم تنعكس من خلال هذا المجلس وهي تنتشر في جميع أرجاء البلد التي بها إذاعة وتلفزيون، كما أنها قد تصل إلى بلاد مختلفه عبر وسائل الاعلام، لذلك فقد رأيت من الضروري على أساس الواجب والاخوة الاسلامية أن أشير إلى بعض الأمور وهي أمور يتوقعها الاسلام والأخلاق الاسلامية والقيم الانسانية والشعوب المسلمة الملتزمة منكم بشكل خاص ومن الجميع بشكل عام.
أ) كيفية التعامل مع بعضكم البعض في المجلس والمناقشات التي تتم بين الموافقين والمخالفين، فإن من المتوقع من النواب مراعاة الآداب الاسلامية في مناقشة اللوائح وأن يكون الدافع من ورائها الوصول إلى الحق والحصول على الحلول. وإن هذه الأمور تستطيع أن توصل السادة إلى الحقيقة بشكل أفضل وأسهل كما هو الحال في البيئات التي تزخر بالمحبة والصفاء مثل المناقشات التي تتم في المدارس الفقهية بهدف معرفة الحقيقة وليس بهدف فرض الرأي على الآخر. كما أن المناقشات في حالة الغضب ستبعد الانسان عن الحقيقة. وبما أن الهدف من المناقشات هو الوصول إلى الطريقة المثلى لخدمة الاسلام والبلاد والشعب وتعتبر من العبادات التي تقرب من الله، فإن من الواجب على الجميع تجنب ما يخالف رضا الله تعالى. وأن تكون بيئة المجلس بحيث أنها تعلم الأخلاق الاسلامية والقيم الانسانية بالاضافة إلى الوصول إلى الحلول الصحيحة وهو في حدّ ذاته عبادة. وإذا كان الهدف- لا سمح الله- في مثل هذه البيئة إبداء الرأي لأغراض أو حسابات شخصية وبهدف فرض الرأي على الآخر، فإنه سيؤدي إلى الإساءة إلى مسلم وتبادل الكلمات السيئه إضافة إلى أنه يبتعد عن طريق الحق ويعمل خلافاً لما هو واجب النائب في المجلس، كذلك سيؤدي هذا العمل إلى نشر الفحشاء في بيئة واسعة ويعد معصية كبيرة. إنني أرجو أن يوفقكم الله في أن تحذو أنتم نواب المجلس حذو الشباب الأعزاء المقاتلين الذين حولوا خنادقهم إلى مساجد ومعابد، وأن تحولوا المجلس إلى معبد آخر بعيداً عن أعمال عهد الطاغوت وأقواله حتى يكون مجلساً مثالياً تسير على نهجه مجالس البلاد الاسلامية.
ب) كيفية التعامل مع الحكومة والوزراء وسائر الموظفين، لا شك في أن المجلس يشرف على جميع شؤون البلاد ومن حق النواب القانوني أن يمنعوا أي مخالفة للقانون سواء صدرت من الوزراء أو من الموظفين، كما يستطيعون استجواب الحكومة، ولكن ثمة فرق كبير بين الإشراف والاستجواب وبين تتبع العيوب والانتقام وإن الجميع يدركون هذا الفرق بعد مراجعة ضمائرهم. فإن الانسان يدرك جيداً بعد التفكير في نفسه هل إن استجواب الحكومة أو استدعاء وزير يتم لأجل الله ومصالح الاسلام والبلاد وبهدف الهداية ومنع الانحراف وحفظ مصالح الشعب، أم أن هناك معايير غير الهيه مثل الحب والعداء والأهواء النفسانية كالرياء وعرض العضلات والمكائد النفسانية والشيطانية إلى غير ذلك. وإن المعيار لمعرفة الالهي عن الشيطاني هو أن يطمئن بعد مراجعة نفسه أن ما يريده هو نفس العمل سواء صدر من هذا الشخص أو من أحب أصدقائه. وهذا معنى العلاقات الفردية والقوانين والصراط المستقيم الذي يعدّ من القيم الانسانية هدانا الله القادر عليه ورحمنا.
ومرحلة أخرى: وهي أن على افتراض أن الأهداف كلها طلب الحق ومنع الانحراف فإن من الممكن معرفة المعيار الالهي والشيطاني في كيفية أداء الواجب وطرح المشكلة. إن المعيار الالهي يستند لاثبات الدعوى على البرهان والأدلة التي لا تقبل الشك بعيداً عن الكلمات الجارحة والمسيئة والأعمال غير الصحيحة. وإلّا فلنعلم أن النفس الأمارة والشيطان هما اللذان يسيّران الأمر والقائل ما هو إلا ألعوبة بيد النفس.
أيها الاخوة والأخوات الأعزاء والنواب المحترمين إن الموضوع مهم جداً. إن المسألة ترتبط بسمعة مسلم أو أنسان آخر. فقد يؤدي انحراف منكم إلى سقوط انسان محترم في المجتمع وفضحه وأن تخدش كرامة انسان. فإذا ما شاهدتم انحرافاً قوموه بالتحقيق دون الضجيج أولًا وعندما تأكد لكم الأمر اطرحوا الموضوع مع الشخص قبل طرحه في المجلس وحاولوا حل الموضوع معه قدر المستطاع. وإن لم تنجحوا في هذه المرحلة يجب أن تستدعوه في اللجنة الخاصة بالموضوع واحسموا الأمر بمساعدة الأصدقاء وإن لم يحسم الأمر ورأيتم أن الشخص يريد العمل خلافاً لمصالح الاسلام والبلاد والشعب ويصرّ على انحرافه ففي هذه الحالة فإن حفظ المصالح العامة والاسلامية أهم من المصالح الفردية عندئذ اطرحوا الموضوع دون أي إساءة بالمنطق الاستدلال. وأمهلوه لكي يدافع عن نفسه في جوّ هادئ بعيد عن التوتر عند ذلك على المجلس أن يقوم بواجبه القانوني والشرعي دون أي إساءة. وعلينا أن نعلم أن المجرم الذي ارتكب اكبر جريمه وهو يساق نحو المشنقه فلا يجوز لأحد أن يسيئ إليه بالكلام أو يؤذيه جسدياً. ومن ارتكب ذلك فهو ظالم يستحق العقاب.
ج) من الأمور التي يجب أن أذكر بها، موضوع التحدث قبل بدء الجلسة الرسمية، فقد يظن المتحدث بأن من حقه أن يتحدث عما يشاء دون قيد أو شرط ودون أي التزام بأي شيءٍ.
وأن من حقه أن يهاجم الحاضر أو الغائب وأن ليس هناك معيار شرعي أو الهي أو أخلاقي وليست عليه أية مسؤولية شرعية. إن بعض الأحاديث تسبب الأسف والحزن فقد يسيئ المتحدث إلى مسلم أو مؤمن بأسوأ أشكال الإساءة ويجرح سمعة الناس، وقد يجمع الاحصائيات الصحيحة وغير الصحيحة ويهتك سمعة الحكومة والأفراد والمجلس ويعرّض مجلس الشورى الاسلامي مثل المجلس في عهد الطاغوت ويجعله وسيلة للهجوم على أعراض المسلمين في أرجاء البلد. ولايخفى على السادة بأن المجلس الاسلامي الذي هو نتيجة سنوات طويلة من التعب والشقاء والدماء النقية التي قدمها مئات الآلاف من الشهداء والمعاقين، يهدف إلى تطبيق أحكام الاسلام المشرقة والتحول من نظام الطاغوت إلى نظام إسلامي- الهي. ويجب على نوابه أن يتمتعوا بالأخلاق الإسلامية في أعلى مستوياتها. وأن يعتبروا الله تعالى ينظر إلى أعمالهم وأقوالهم وأن يتجنبوا السلوك الطاغوتي والكلام المطابق للأنظمة الطاغوتية. وإن خرج أحدهم عن الحدود الشرعية سواء في ما يلقى من كلمات قبل بدء الجلسات أو في المناقشات الأخرى فإن عليهم ألا ينسوا واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا تضيع حقوق الناس وأعراضهم وسمعتهم في مكان يجب عليهم أن يحفظوا مصالح الاسلام والمسلمين والبلاد.
بل إن على النواب المحترمين أن يكونوا معلمين للأخلاق الاسلامية الكريمة والانسانية وأن يقدموا للناس كيفية التعامل الصحيح مع بعضهم البعض حيث يعدّ ذلك خدمة كبيرة للاسلام والمسلمين وللبشرية. إنني لم أكن أرغب في طرح هذه الأمور بهذا الشكل الصريح إلا أنني أحسست بالواجب الشرعي، كما أنني أحب أن تصان قدسية المجلس المحترم والنواب المحترمين حتى يكونوا أسوة لمجالس العالم ومجالس إيران في المستقبل.
والجدير بالذكر أن أي شخص تم الهجوم عليه في المجلس ولم يكن حاضراً فيه فليسمح له أن يدافع عن نفسه في المجلس وفي حالة تعذر ذلك قانونياً فإن على الإذاعة والتلفزيون أن يتحملا هذا الواجب حتى لا يضيع حق أحد من المظلومين وألا تداس شخصية إنسان بلا مبرر معقول وإن المسؤول عن ذلك هو النواب أنفسهم ورئيس المجلس المحترم حيث ينبغي لهم وإنطلاقاً من إلتزامهم ومسؤوليتهم أن يفسحوا المجال للغائبين حتى لا يضيع حق أحد ولا يُظلم من خلال المجلس الذي هو حافظ مصالح البلاد والشعب. ولو تم اتهام أحد أفراد الحكومة أو أي شخص آخر ظلماً فإن له الحق في أن يرفع دعوى قضائية لدى السلطة القضائية حتى يدرس الأمر ويعاقب المجرم ويتم تعزيره شرعياً. وإن وجّهت تهمة إلى وزارة أو مؤسسة فإن حق الدفاع على الوزير أو رئيس تلك المؤسسة ولهم الحق في رفع الشكوى القضائية وستتابع السلطة القضائية الموضوع. ومجمل القول هو أنه لابد من منع هذه الأعمال المخالفة للإسلام. وهذا لا يعني أن يتخلى المجلس عن حقوقه القانونية والشرعية بل إن النواب المحترمين لديهم الحرية في نطاق القانون والشرع ولا يستطيع أحد أن يمنعهم عن حقوقهم القانونية.
د) إن أهم موضوع في البلاد كما هو معروف هو الحرب والدفاع عن الاسلام والبلد الإسلامي، إذ أن كل طلقة تطلق فإنها تستهدف إيران وذنبها اسلاميتها، وإن كل صوت يخرج من أية حنجرة في العالم أو من أية إذاعة موجهة للمنطقة فإنه يستهدف إضعاف إيران والاساءة إليها وتحقيرها وإن ما يجري في بلادنا يتم طرحه بشكل معكوس في العالم. لقد وقفت المنظمات العالمية المسماة بحقوق الانسان أو مجلس الأمن أو منظمة العفو الدولية جميعها لتبذل كل ما في وسعها لإدانة إيران والاسلام. إن أدعياء السلام والإنسانية يعملون بكل طاقاتهم لإشعال الحرب والفتنه في جميع المناطق لاسيما في إيران، ويدعمون أعداء الاسلام الدعم السخي من خلال تزويدهم بالأسلحة المدمرة والقنابل الحارقة والكيمياوية.
ونشكر الله تعالى أن وحّد هذا الشعب الكبير بيد عنايته وأحدث فيهم تغييراً حتى أصبحت الطبقات كلها يداً واحدة لتتصدى لجميع الأعداء بالتوكل على القدرة الإلهية ولا تخاف هذه الضوضاء والتكشير عن الأنياب، وتزداد كل يوم عزيمة واستعداداً للدفاع عن الأهداف الاسلامية. وبذلك يتحمل الجميع مسؤولية كبيرة جداً وبخاصة رجال الدين المحترمين والمجلس المحترم والحكومة وقادة القوات المسلحة إنهم يحفظون هذه الوحدة والانسجام، حيث يستطيعون إنقاذ البلاد والاسلام من خضم هذه الفتن المحزنة. ولا شك في أن وحدة السادة النواب وانسجامهم أهم من أي شيء آخر وأن على كل شريحة أن تدعم سائر الشرائح. إن أي اختلاف أو تفرقه بين الطبقات المختلفة سينتقل إلى الجميع وهو بمثابة سمّ قاتل يقضي على من سبّب الخلافات أولًا ويهدد البلاد والشعب والاسلام العظيم في هذا الظرف العالمي الراهن ولن تجدوا في هذا الوقت والوضع الراهن ذنباً أكبر وجريمة أبشع منه.
على السادة العلماء الاعلام وأئمة الجمعة- كثّر الله امثالهم- أن ينتبهوا إلى أن جملة واحدة منهم يذكرونها في حوار لهم أو خطبة من خطبهم قد تؤدي إلى مشاكل كبيرة للجمهورية الاسلامية في العالم، وتودي إلى خلق مآسي في الداخل وتنتهي إلى الخلافات والتفرقة وتضعف الحرس والجيش وسائر القوات المسلحة. أو تؤدي إلى إيجاد الخلاف بين الحرس والجيش وسائر القوات المسلحة مما يعني تضييع جهود السادة أنفسهم على مدى سنوات عديدة، كما أنها قد تؤدي إلى إضعاف الحكومة الخادمة للجميع وإن هزيمة الحكومة تعني زعزعة أركان الجمهورية الإسلامية. على السادة النواب المحترمين في الدورة الثانية لمجلس الشورى الاسلامي الذين سيبدأون خدماتهم للاسلام والجمهورية الإسلامية، أن يساعدوا الحكومة حتى تستطيع حلّ المشاكل بدعمكم الواحدة تلو الأخرى، فمن جملة هذه المشاكل الكثيرة: الأوضاع الراهنة للبلاد والضغوط الاقتصادية والعسكرية والمشاكل التي تفوق طاقة الحكومة وكذلك النفقات الباهظة للحرب وتبعاتها ومشكلة مشردي الحرب والضيوف الأفغان والعراقيين الذين قدموا بأعداد كبيرة إلى إيران والدمار الناجم عن الحرب والفساد الذي ورثناه عن النظام السابق والكثير من المشاكل القاصمة للظهر. هذا مع حقكم في الاشراف ومنع الانحرافات ولكن عليكم في الوضع الراهن بدراسة الأمور إذا رأيتم شيئاً غير صحيح. وأن تضعوا أنفسكم موضع الحكومة لتنظروا كيف كنتم تواجهون المشاكل إذا كنتم مكانها، واعلموا أن الحكومة قدمت خدمات خارقة للعادة في المجموع وإن ما نشاهده من النقص لم يكن بالمقدور تجنبه، ومجمل القول يجب أن تساندوا بعضكم بعضاً حتى تتغلبوا على الأحداث. ويمكن القول بأنها حكومة موفقة مع انجازاتها في هذه الفترة القصيرة والخدمات الجليلة التي قدمتها ويجب إمهالها حتى تحقق نجاحات أكثر ويجب مساندتها في المشاكل والنواقص الموجودة ومساعدتها فكرياً وعلمياً. إن البلاد للجميع ويمكن التغلب على جميع المشاكل بالتوكل على القدرة الأزلية ودعم الجميع إن شاء الله تعالى.
ه-) المتوقع من النواب المحترمين الذين فازوا بالتوفيق الالهي بالأصوات الحرة للطبقات الفقيرة لخدمة الاسلام الحبيب والشعب المحترم، أن يأخذوا جانب الحق في جميع أنشطتهم وإبداء رأيهم تجاه القضايا أداءً للشكر لله تعالى. كما عليهم أن يراعوا القوانين ففي ما يتعلق بالموافقه على سجلات النواب فعندما تتم دراستها يجب ألا يأخذوا بعين الاعتبار الصداقة الشخصية أو العداء الشخصي والأمور السياسية المعروفة بل يجب أن ينظروا إلى رضا الله وأخذ الواقع بعين الاعتبار وأن يدعو الاتجاهات السياسية جانباً، وأن يستمروا في السير على هذا النهج في جميع أعمالهم وأقوالهم وآرائهم طوال فترة الخدمة الجليلة هذه، وألا يصابوا بسخط الخالق لنيل رضا المخلوق لا سمح الله. وأن يكونوا مطبقين للعدل الالهي في الواقع. وأنتم النواب المحترمين تستطيعون أن تقدموا خدمة جليلة لله وللناس من خلال صوت واحد أو بالعكس، كما تستطيعون أن تزيلوا خطراً كبيراً عن البلاد والاسلام أو بالعكس. إن السير في طريق الحق والعمل به هو تفكير حرٌ وذكر لله مما يؤدي إلى الطمأنينة.
و) إذا أردتم الوقوف أمام الباطل دون أي خوف أو وجل وأن لا تؤثر القوى الكبرى وأسلحتها المتطورة والشياطين ومؤامراتها عليكم وألا تخرجكم من الساحة، عوّدوا أنفسكم على الحياة البسيطة واحذروا تعلق القلوب بالمال والجاه والمنصب. إن الرجال العظماء الذين قدّموا خدمات جليلة لشعوبهم كانوا في الغالب يعيشون حياة بسيطة زاهدين في زخارف الدنيا. إن من أسرتهم الأهواء النفسانية الدنيئة الحيوانية يرضون بأي ذلّ للوصول إليها أو الحفاظ عليها. فهم خاضعون أمام الظلم والقوى الشيطانية ولكنهم يظلمون الطبقات الفقيرة الضعيفة ويقمعونها. ولكن الزهاد يعملون خلاف ذلك. إن الشبان الايرانيين والنساء والرجال الذين تربوا في العهد الطاغوتي تربية طاغوتية لم يتمكنوا من مواجهة الطاغوت. ولكنهم عندما تحولوا إلى أفراد ثوريين بعيدين عن الرغبات الشيطانية على يد الحق- جلّ وعلا- القديرة، استطاعوا دحر تلك القدرة العظيمة. إن الأيدي الآثمة التي جرّت الشباب في النظام السابق نحو مراكز الفساد وصنعت من الأحرار دمى لا تعرف إلا الاستهلاك، كان هدفها من ذلك أن يكون هؤلاء غير مبالين بكل خيانة تحصل في البلاد وبكل ما يحل بالشعب وبثرواته العظيمة، وألا يهتموا بقيود الاستعمار التي كانت تستحكم يومياً على أيدي الناس وأرجلهم أو أن يقوموا بدعم هذا الاتجاه. إن الذين يعملون الآن في الجبهات الأمامية وخلفها هم من الطبقات الفقيرة البسيطة ولا تجدون أثراً بين هؤلاء من أتباع الدنيا ومحبيها.
نرجو أن ينقذنا الله من القيود الشيطانية حتى نتمكن من تأدية هذه الأمانة الالهية وإيصالها إلى المقصد وأن نسلمها إلى صاحب الأمانة المهدي الموعود- أرواحنا لمقدمه الفداء-. أسأل الله تعالى أن يرزق نواب الدورة الأولى للمجلس الذين لم يخافوا الصعاب، السعادة والصحة، فقد بذلوا جهودهم لتطبيق أحكام الإسلام. وأن يرزق نواب الدورة الثانية التوفيق والقوة لاتخاذ القرار لبلوغ أهداف الاسلام المقدسة. وأن يحفظ المسلمين كافة من شرور القوى الكبرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
افتتاح الدورة الثانية لمجلس الشورى الاسلامي
مسؤولية ومهام نواب مجلس الشورى الإسلامي، وتحديد أولويات المجلس في دورته الثانية
نواب مجلس الشورى الاسلامي
جلد ۱۸ صحیفه امام خمینی (ره)، از صفحه ۳۶۲ تا صفحه ۳۷۱
«۱»-سورة الرعد، الآيه ۱۷. «۲»-سورة الذاريات، الآية ۵۵. «۳»-سورة الرعد، الآية ۲۸.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 1417