بسم الله الرحمن الرحيم
الهدف من بعثة الأنبياء بسط التوحيد وعرض حقائق العالم
أهنّئ جميع الشعوب الإسلامية ومستضعفي العالم كافة وخصوصاً الشعب الإيراني العظيم بهذا العيد الملئ بالبركة وأسأل الله العناية بالبركة للجميع، وآمل أن تسند يد حضرة ولي الأمر هذا الشعب العزيز.
إنَّ ما كان الأنبياء قد بعثوا من أجله وجميع الأعمال الأخرى الممهدة له هو بسط التوحيد ومعرفة الكيفية التي عليها الكون وعرض العالم بالكيفية التي هو فيها لا بالشكل الذي ندركه نحن، وكانوا يسعون إلى أن تتجه كل التهذيبات والتعاليم والمساعي إلى إخراج الناس كلهم من الظلمات- حيث إنَّ العالم كله ظلمات- إلى النور، ولا نور إلّا نور الحق تعالى إذ الكل ظلمة. فلو خرجنا من حُجُبِ الظلمات هذه ووفقنا إلى اجتياز حجب النور وخرقنا االحجب كلها لتمكنّا هناك من مشاهدة الحق بكل صفاته وأسمائه، ولا أحد غيره إلّا السراب. ولم يوفق- بالطبع- لرؤية معناه الكامل إلّا النزر القليل من أولياء الله تبعاً للأنبياء، أمّا الآخرون فبدرجات أدنى، وعند ما يصل الأمر إلينا فنحن لا شئ.
نزول القرآن بعد وصول النبيّ (ص) إلى حقيقته
من الممكن أن هذا الشهر إنما صار مباركاً لأنَّ الولي الأعظم أعني رسول الله (ص) قد وصل، وبعد وصوله نزل الملائكة والقرآن، وبقدرة الوليّ الأعظم ينزل القرآن والملائكة، والوليّ الأعظم يصل إلى حقيقة القرآن في هذا الشهر المبارك وفي ليلة القدر منه، وبعد وصوله يتنزّل القرآن بواسطة الملائكة بالمقدار الذي يخاطب به الناس، فالقرآن ليس من مستوانا ليس من مستوى البشر، والقرآن سر بين الحق والوليّ الأعظم الذي هو رسول الله وهو ينزل متتالياً حتى يصل إلى الحد الذي يظهر فيه بصورة حروف وكلمات مكتوبة فيؤلف كتاباً بحيث نستفيد منه نحن لكن استفادتنا غير تامة، ولو أننا نعلم سرّ ليلة القدر وسرّ نزول الملائكة فيها وهو علم ينفرد به وليّ الله الأعظم حضرة صاحب الزمان (عج) لسهلت كل مشاكلنا، فكل مشاكلنا ناشئة عن كوننا محجوبين عن مشاهدة الحقيقة كما هي ونظام الوجود كما هو. إننا نتصوّر أنَّ الحياة هنا شئ وعدمها نقص، في حين أنَّ الحياة هي خلاصة تلك الحقيقة الآتية من عالم الغيب، وأنَّ الموت- إن كان موتاً انسانياً- هو الرجوع إلى المرتبة الأولى، والمراتب والشؤون مختلفة بالطبع. إننا نأمل أن ننال نصيباً من فيض هذا الشهر المبارك وفيض العيد المبارك- الذي هو عيد الوصال- لنتمكن من الخروج من هذه المشكلات النازلة بنا مرفوعي الرؤوس، وإن كلَّ ما جاءبه الأنبياء لم يكن مقصوداً بذاته، فتشكيل الحكومات ليس هدفاً مقصوداً بذاته للأنبياء، والدعوات مهما تكن مقدّسة فإنما هي لإيقاظ الإنسان وتوعيته، وليفهموا الإنسان ويروه أنه كيف كان قبلًا وما هو الآن؟ وكيف سيكون فيما بعد؟، وما هو وضع العالم بالنسبة للذات المقدسة للحق تعالى؟ وإن إيدينا لتقصر عن الوصول إليه، ونحن نأمل ببركة أولياء الله أن نحصل على بعض هذه المعرفة لتنزاح بعض الحجب عن أعيننا بحيث إننا عندما يقول الله تعالى: (الله نور السماوات والأرض) «1»، و (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) «2»، ندرك ذلك بقلبنا ووجودنا لا بالإدراك العلمي، بل بالمشاهدة لأنَّ الإدراك العلمي أمر سهل، لكن وصول الإنسان إلى فهم الأمور أمر صعب ويحتاج إلى المجاهدة، وقد وصل الأنبياء والأولياء بمجاهداتهم إلى هذه الأمور.
أدعية الأئمة (ع) تسمو بالإنسان إلى المدارج الإلهية
الأدعية الواردة عن الأئمة- عليهم السلام- والتي هي بتعبير بعضهم «3» القرآن الصاعد، تضم من المعارف الإليهة ما يبقي الإنسان في حيرة، والمسائل التي كان الأئمة- عليهم السلام- يلقونها على عامة الناس بشكل تعيين للواجبات بما جرى الحديث عنه في العرف العام، وعندما وصلوا إلى المناجاة والأدعية اختلفت المسائل فهناك ليست لغة عامّة الناس، ومع أنه يوجد في حديثهم كل شئ إلّا أن لغة المناجاة والأدعية شئ آخر غير اللغة الاعتيادية وغير لغة ذكر الأحكام الإلهية، ومطالعة هذه الأدعية تفتح الطريق للإنسان وتوصله إلى بعض المدارج الإلهية، وكما تغيّر بلدنا وشعبنا العزيز في كل شئ فإنّني آمل أن يحدث لهم هذا التحول في هذه المعاني أيضاً.
التحوّل الداخلي للشعب الإيراني بسبب الإسلام
آمل أن يكون هذا التحوّل كالتحوّل الذي حصل في ميادين القتال وفي المظاهرات، لقد اتضح في هذه الأيام أنَّ المظاهرات تنطلق بشكل لم يسبق له نظير، وهذا من التأثيرات الثقافية الفنية للإسلام والشعب الايراني المسلم. هذا التأثير الإسلامي الفاعل بعد كل هذه الضغوط والارعابات والتهديدات وبعد كل تلك الدعايات وبعد سنوات من المتاعب والجور والأذى فترى الناس في يوم من الأيام ينزلون إلى الشوارع دفعة واحدة في طول إيران وعرضها اثر دعوة شخص عزيز عليهم، وهذا من ناحية يمثل التأثير الثقافي الفني للإسلام. فالإسلام هكذا يحوّل الناس ويغيّرهم بصورة فنية معجزة بحيث أزال الخوف من قلوبهم وجعل الأرواح إلهية وروحانية حتى صاروا يأتون بأطفالهم الصغار وقد ألبسوهم الأكفان ويقولون: لقد جئنا للاستشهاد، وهذا ما لم يكن له مثيل في التاريخ، نقبُوا في تاريخ العالم فلن تجدوا شعباً ينزل إلى الشوارع مع كل هذا الوضع المخيف ومع كل هذا الارعاب والارهاب وقصف المناطق قاطبة حتى طهران وذلك لكيلا يقول أحد إنَّ الناس لا يريدون الحرب. نعم الناس لا يريدون الحرب لكنهم يدافعون عن أنفسهم، وهتافهم: حرباً حرباً حتى النصر. إنَّ هذا الذي يردّدونه إنما هو الحرب الدفاعية، وإلّا فلو لم تحدث هذه الأمور منذ البداية لما كان لإيران طمع في أيّ مكان، كما ليس لها الآن طمع في شئ.
مسيرة يوم القدس ضربة موجهة للقوى العظمى
إنَّ التجربة التي حصل عليها الأجانب، هؤلاء الذين لم يكونوا مطلعين على الإسلام وعلى قدرته وتأثيره الثقافي الفني، أولئك كانوا وما يزالون في حجاب وعدم معرفة ولكن الستار قد أزيح الآن قليلًا، لذلك عرفت القوى العظمى من أقصى العالم إلى أدناه شيئاً من حقيقة الإسلام، وما هذه الدعايات والاعلام المعادي كله إلّا لأنهم عرفوا أية قضية كبرى يواجهون وكيف يجب أن يقابلوها، فاختاروا الصمت في البداية، لكن ليس الصمت المشعر بعدم علمهم، فالذين عليهم أن يعلموا كانوا يعلمون، فالقوى العظمى والشخصيات الرئيسة في الدنيا كانوا يعلمون إذ إنَّ وكالاتهم الخبرية الموجودة هنا تذكر لهم الأوضاع كما هي لكنهم يفبركون الأخبار بما يناسب دعاياتهم وإعلامهم ويعلمون أنه بعد كل هذه الاعلام الذي اتبعوه والتهديدات التي مارسوها إلى حد أن البيت الأبيض هدّد إيران، لكن الشعب الإيراني ألقى كل هذه التهديدات في الشوارع وداسها بأقدامه وعبر عليها، إنَّهم يفهمون القضية ويفكرون الآن في الطريق الذي يجب أن يسلكوه، لقد تصوّروا أنهم يتمكنون من بث الخلاف في إيران فتمسكوا بهذه الذريعة وصاروا يعيدون ويكرّرون أنَّ في إيران اختلافاً. فالرؤساء مختلفون فيما بينهم والشعب قد تعب من هذه الأوضاع وقد شاع بين أفراده الخلاف، لقد ظنوا أنَّ الشعب سيستجيب إلى الاختلاف عندما يدعونه إليه، لكنهم فتحوا أعينهم فجأة فرأوا الشعب قد نهض نهضة رجل واحد، لقد صحوا فجأة من غفوتهم ليتساءلوا عن الخبر وعن كيفية حدوث ذلك إنهم الآن في حيرة من أمرهم لا يدرون ما الخبر وكيف يعالجونه؟ إننا لنعلم أن الخلاف الذي تصوروه لا حقيقة له، ولكنهم أرادوا ببث هذه الكلمة ايجاد الاختلاف لقد ظنوا أن الشعب سيختلف عند ما يشيعون كلمة (الاختلاف) وأن الشعب سيتعب عند ما يشيعون أن الشعب (قد تعب من الحرب) وإذا بيوم القدس يصفع وجوههم جميعاً، وإن التحليل العملي الذي قدمه الشعب الإيراني قد أفشل كل خططهم وتحليلاتهم. هذا هو حصيلة تلاحم الثقافتين الإسلامية والإيرانية، فيوم القدس الذي شاهدتموه وشاهده السفراء الحاضرون اليوم هنا. يوم القدس أمر لم يكن يخطر في مخيلة أمثال كارتر ورؤساء جمهورية أمريكا السابقين، إنهم ولكثرة خطئهم في الفهم أنَّ إيران قد تعبت وملّت لقد تحمل الشعب من الضغوط ما فيه الكفاية وخرّبت بيوتهم على رؤوسهم فأصبحوا مشرّدين فخرجوا من الميدان وعلىهذا فيمكن حسم القضية بسرعة-، ثم فتحوا أعينهم فجأة فرأوا إيران كلها تنهض مطالبة بالحرب أي بالدفاع.
اعتماد الشعب الإيراني على القدرة الإلهية العظمى
إننا لا نستطيع أن نشكر الشعب الإيراني، إننا نقطة صغيرة وضعيفة في هذا البحر الخضم الكبير. إننا نقول: أجركم على الله، وإننا حين نشكركم فإنما نشكر الله، فشكركم هو شكر الله، فلقد أثبتم للعالم- وإن لم يدعوه يصل إلى آذان بعض الأشخاص فإنَّ أمواجه ستصل أخيراً- أنَّ إيران لن تستكين لأيِ ظلم، ولن تخرج من الساحة لأيّ تهديد. وأنها مستندة إلى القدرة الإلهية العظيمة، ومن يستند إلى قدرة الله ويعمر قلبه الإيمان ويعلم بالمعاد ويعرف الله والقضاء الإلهي، لا يمكن أن يغادر الساحة فليفكّروا في شئ آخر وأولئك الذين يتخيّلون أنهم سيعودون بعد شهرين أو ثلاثة أو سنة أو سنتين عليهم أن يفكّروا في شئ آخر فهذا الفكر لن يوصلهم إلى نتيجة. وعلى القوى العظمى كذلك أن تفكر في أمر آخر والأفضل لها أن تتخلى عن هذه الأعمال، وليتخلّوا عن دعم عميلهم هذا الخبيث (صدام) الذي جلب لهم كل هذه الفضائح، لقد خدعوا هذا المنكود وتبيّن لهم فيما بعد أنَّ الأمر ليس كذلك، وأن هذه التشبّثات لا تجديهم الآن نفعاً، لقد ظنّوا أنَّ إلقاءهم عدة قنابل على المدن الإيرانية سيحدوا بالإيرانيين إلى إخلاء الساحة ولكن الشعب كله خرج في يوم القدس هاتفاً بشعاراته المدوية التي تغلبت على أصوات المدافع والقنابل لأنها كانت تصدر من قلوب مؤمنة لذلك تغلبت على كل شئ حتى البيت الأبيض كما ذكر ذلك مراسلو وكالات الأنباء، وأن أمواج هذا الإيمان أخذت تخرج الدنيا كلها من نير الظلم الذي سيطر عليها على مدن التاريخ، وكل الألحان تهتف: لا للظلم وأن الأيدي القوّية للشعوب قد أوقفت القوى العظمى عند حدها، وستوقفها عند حدها في المستقبل أيضاً.
يقظة شعوب العالم المستضعفة
إنَّ الشعوب المستضعفة في أيّ مكان من العالم كانت متجهة نحو اليقظة ولن تتقبّل ما كان يقال لها في السابق، وإن كل هذه التهويلات التي مارسوها والبوارج الحربية التي أرسوها في أطراف الخليج الفارسي وأشباهها، أو الأعمال الأخرى التي قاموا بها، لا قيمة لها في مقابل هذا الشعب، الشعب الذي خرج يوم الجمعة ينادي (لقد جئنا من أجل الاستشهاد)، إنَّ هذا الشعب لا يرهب الموت، إنها الشهادة فأخيفوهم ما استطعتم، فأنتم تهددونهم بالقول: (إننا نهدم بيوتكم ونقتلكم) وهؤلاء يتقدّمون إلى الأمام ويقولون: إننا جئنا لهذا، فكيف تريدون إخافتهم فعملكم هذا حُمْقٌ وإن ما قام به صدّام أخيراً خلاف لكل القواعد الدولية والقواعد الإلهية، وصفقت له الدنيا كلها تأييداً وترغيباً ولم يعترض عليه أحدٌ لاتكّرروا هذه الحماقة، وأنتم ترون أن هذه الحماقة لو تكررت فستكون النتيجة أسوأ من ذي قبل، وأنتم ترون أن هذا الشعب أصبح أكثر استحكاماً مقابل كل ما قمتم به من أعمال وجرائم لحد الآن، فإن لم تعودوا إلى عقولكم وتتركوا الشرور فسيكون هذا الشعب اكثر اصراراً من الوقت الحاضر. وإن شاء الله سيمنح الله الشعب والشعوب الإسلامية قدرة الإيمان ويزيد قوة إيمان شعبنا، وآمل أن يتخلى أولئك عن الشرور لتتوجه الشعوب إلى أنفسها، ونحن غير مرتاحين لشرورهم ومقابلتهم بالمثل، وآمل قطع هذه الأمور وأن يوفقكم الله وأن يمنحنا بعنايته شمّة من بركات العيد السعيد وهذا الشهر المبارك الذي انقضى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته