بسم الله الرحمن الرحيم
دوافع ثورة سيد الشهداء
«يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال حول حالنا إلى أحسن الحال».
جعل الله هذه السنة الجديدة مباركة على جميع المسلمين وعلى شعبنا وكافة المستضعفين في العالم. إن هذه السنة اتسمت ببعض السمات قلما حدث في السنوات الماضية حيث اقترن النيروز مع ذكرى ولادة الإمام الحسين سيد الشهداء. ولعلّ هذا يوجب علينا التعرف على دوافع نهضته وأهدافه، وكيف كانت سيرة الأئمة عليهم السلام وحياتهم، وكذلك أحوالهم في شهر شعبان.
إن دافع سيد الشهداء سلام الله عليه ومنذ اليوم الأول لثورته، تمثل في إقامة العدل. إذ قال: ألا ترون لا يُعمل بالمعروف ولا يُنهى عن المنكر. فالدافع هو إقامة المعروف والنهي عن
المنكر. لأن كل انحراف منكر وعدا نهج التوحيد المستقيم فهو منكر، لا بد من إزالته. ونحن الذين نعتبر انفسنا اتباع سيد الشهداء يجب أن نتعرف على سيرته ونهضته وكيف انطلق للنهي عن المنكر والسعي لإزالته، بما في ذلك إقامة حكومة العدل ومقارعة الجور والقضاء على اركانه.
على صعيد آخر، لنتأمل في مناجاته، المناجاة الشعبانية. فأنا لم أرَ في الأدعية الأخرى الواردة عن الأئمة شبيهاً لما موجود في المناجاة الشعبانية. إن الأئمة جميعاً كانوا يقرأون المناجاة الشعبانية، وهي تتضمن معاني ومعارف كثيرة. كما أنها تعلم الإنسان كيف ينبغي له مناجاة الله تبارك وتعالى. غير أننا غافلون عن هذه المعاني التي تتضمنها المناجاة الشعبانية. ربما يتصور بعض جهلتنا أن هذه الأدعية انما هي أمر صوري يهدف الأئمة من ورائه الى تعليمنا، والحال أن المسألة غير ذلك. المسألة هي كيف كانوا يقفون أمام الله سبحانه، حيث كانوا يدركون امام أية عظمة ماثلين، إذ كانوا على معرفة بالله تبارك وتعالى وكانوا يدركون ماذا يفعلون .. إن المناجاة الشعبانية هي من المناجاة التي إذا ما أراد أحد العرفاء المخلصين الصادقين وليس العرفاء بالاسم فقط شرحها وسبر اغوارها، فسوف يكتشف الكثير لأنها مناجاة قيمة للغاية وبحاجة إلى شرح- حقاً- مثلما هي جميع الأدعية الواردة عن الأئمة عليهم السلام-.
الاقتداء بالانبياء والأئمة في مقارعة الظلم
فأنتم ترون في مناجاة الإمام، في دعاء عرفة المروي عن الإمام الحسين سيد الشهداء، أية مفاهيم يتضمنها هذا الدعاء ونحن غافلون عنها. ان اقتران شهر شعبان الذي يضم ولادة سيد الشهداء وكذلك ولادة الإمام المهدي عليه السلام حيث تصادف في الخامس عشر من شعبان، مع عيد النيروز يعتبر بالنسبة لنا حجة تقريباً. اقتران النيروز مع ولادة هذين العظيمين اللذين ينهضان من أجل إقامة العدل. فقد قضى الإمام الحسين سيد الشهداء سلام الله عليه عمره الشريف في النهي عن المنكر والتصدي للظالم والمفاسد التي اشاعها الحكم الجائر. ضحى بعمره الشريف من أجل مقارعة حكومة الجور، وسيادة المعروف وإزالة المنكر. وهكذا الإمام صاحب الزمان سلام الله عليه وأرواحنا فداه ينهض من اجل ذلك .. إن جميع الأنبياء الذين نهضوا في هذا العالم المادي إذ لا يعلم أسرارهم الغيبية إلا الله تصدوا للطاغوت منذ البداية. وقد شكل ذلك طليعة أهدافهم. ويجب أن يكون ذلك قدوة للمسلمين الذين هم مسلمون حقاً ومتمسكون بنبي الإسلام وأهل بيت العصمة والطهارة. وكذلك لاتباع الأديان الأخرى الذين ينبغي لهم الاقتداء بأنبيائهم وترجمة سيرتهم. فما الذي قام به موسى بن عمران وما هي سيرته؟ وما الذي فعله إبراهيم الخليل وما هي سيرته؟ جميع الأنبياء نهضوا لمواجهة الجور ومقابلة الظلم. الجميع كانت نهضتهم تتسم بهذا المعنى ومن هنا علينا أن نقتدي بهم، أن ننهض في مواجهة الظلم .. على المسلمين النهوض لمواجهة الظلم والجور ومقارعة المنكر مثلما نهض الشعب الإيراني النبيل ولله الحمد-. ويمكن القول أن ما ورد في هذا الدعاء الشريف (يا مقلب القلوب) قد تحقق في ثورتنا ولدى أبناء شعبنا لا سيما الشباب، حيث انتقلوا من حال إلى أخرى ووجدوا لهم حال جديدة.
وفي هذا الشهر المبارك، شهر شعبان، علينا أن نلتفت إلى ما ينبغي لنا فعله. كيف ينبغي لنا التعامل مع هؤلاء الطواغيت؟ يجب أن نتصدى لهم مثلما فعل سيد الشهداء سلام الله عليه حيث ضحى بنفسه وأبنائه وأهل بيته وبكل ما يملك في وقت كان يعلم بأن الأمر سينتهي إلى ما انتهى عليه. فالذي يتأمل في كلامه سلام الله عليه منذ خروجه من المدينة ودخوله مكة وخروجه منها، يرى بأنه كان يدرك تماماً ما هو قادم عليه. فلم تكن القضية مجرد استطلاع للأمر، وانما تقدم لاستلام الحكم .. وان تحركه كان من أجل هذا المعنى بالأساس. وهذا فخر له. ويخطئ من يتصور أن الإمام سيد الشهداء لم ينهض من أجل الحكم.
لقد نهض من أجل أن يكون الحكم بأيدي من هم أمثال سيد الشهداء، ان يكون بأيدي شيعة سيد الشهداء. إن ثورة الأنبياء منذ اليوم الأول وحتى الخاتم الثورة المسلح وغير المسلح كان في الحقيقة من أجل مقارعة الظالمين والتصدي للجبروت والجور ومناصرة المحرومين.
ضرورة تصدي المسلمين للظالمين
ونحن اليوم نعاني من الأمر ذاته .. المسلمون يعانون من الظلم والظالمين. المسلمون يعانون اليوم من الدول الكبرى والقوى المتغطرسة وأياديها وأذنابها، هؤلاء الذين يتطوعون لتنفيذ أوامر أسيادهم. فما الذي يفعله هؤلاء اليوم بالمسلمين، والمستضعفين، حتى مع الذين يخدمونهم. الجميع يزعم أنه يريد تطبيق العدالة. ولكن أي عدالة؟ العدالة الأميركية؟! ماذا يعني العدل الأميركي؟ يعني أن يسلّم الجميع لأميركا ويفعل ما تريده منه ويسخر مصالح بلاده من أجلها. والشيء نفسه يمارسه الاتحاد السوفيتي. جميع القوى الكبرى بهذا النحو، وعلينا أن نتصدى لهم جميعاً مثلما يفعل اليوم شبابنا ولله الحمد حيث يحققون الانتصارات الباهرة في جبهات القتال، ونرجو أن تستمر حتى النهاية دون أن يتخللها ضعف أو وهن حتى يتم إن شاء الله تسليم الراية إلى صاحب الأمر.
وهكذا، ان اقتران عيد النيروز بولادة الإمام الحسين والإمام المهدي الموعود، قد أتمت الحجة علينا للاقتداء بسيرتهما وسيرة جميع الأنبياء منذ آدم وحتى الخاتم، حيث نهضوا جميعاً لمقارعة الظلم والجور وإقامة حكومة العدل. ومما يؤسف له أن البعض يحاول أن يلقي في اسماع أبناء شعبنا، ان يلقن الشعوب الضعيفة، بأنه: ما شأنكم والحكومة. ما عليكم إلا أن تذهبوا إلى المساجد وتؤدوا صلاتكم وكفى. وبطبيعة الحال إذا كنا نكتفي بالذهاب إلى المسجد والصلاة والدعاء، ستصبح علاقات كل القوى الكبرى معنا طيبة. ولكن هل واجبنا ان نكتفي بالذهاب إلى المسجد والصلاة أم يحتم الواجب علينا أيضاً الثورة والنهوض والتضحية بكل شيء من أجل الإسلام وعلى طريقه، مثلما فعل أئمتنا الأطهار. فانتم ترون اليوم صدام قد تلقى صفعة ولله الحمد افقدته صوابه ولا يدري ماذا يفعل. إنه يتنكر لكل هذه الانتصارات التي حققتها قوات الإسلام وينفي وجودها أنه لا يعي بأن مراسلي وسائل الإعلام العالمية سيأتون إلى إيران وسيتوجهون إلى جبهات القتال للتعرف عن كثب على حقيقة الهزيمة التي مني بها الصداميون. إن هذا الحيوان لا يتوانى حتى عن قصف أبناء شعبه، قصفهم بالأسلحة الكيماوية، حتى أن حرسنا الثوري وقواتنا المسلحة اضطرت للإقدام الى نجدتهم.
تقدير تضحيات الشعب
لا بد لي من شكر هذا الشعب، لا بد من شكر شعبنا النبيل، لا سيما أولئك المتواجدين في جبهات القتال و من هم خلف الجبهات، المنهمكين بتقديم أنواع الدعم للمقاتلين. لا بد من شكر كل هؤلاء سيما الشباب الذين ضحوا بكل شيء على طريق الإسلام. ففي كثير من الأحيان يأتي إلينا من ضحوا بكل ما يملكون ويتمنون لو كان لديهم المزيد من الأبناء لأرسالهم للقتال في الجبهات. إن امثال هؤلاء حجة علينا، حجة على أولئك القاعدين الذين لا يكفون عن الثرثرة. جالسين في بيوتهم ويدعون الناس إلى عدم المشاركة. نسأل الله تعالى أن يوقظ هؤلاء. نرجو الله تعالى أن يوقظ هؤلاء الذين لا يكفون عن المعارضة عن قصد أو جهل، كي يجددوا حالهم في هذه السنة الجديدة. كما نسأله تعالى أن يحرر أسرانا واحبتنا، أحبة أبناء شعبنا وجميع الرازحين تحت الأسر. نسأل الله تعالى أن يحررهم جميعاً وأن يعرفنا نحن أيضاً بواجباتنا ومسؤولياتنا.
ليت تطوع أحدهم لترجمة الأدعية الواردة عن الأئمة عليهم السلام وشرحها. فأمثال هذه الأدعية بأمس الحاجة للشرح والتوضيح. ليت تطوع بعض العرفاء الصادقين لشرح هذه الأدعية للناس التي فيها كل شيء فضلًا عن الدعاء .. انظروا أنتم إلى الأدعية الواردة عن الإمام السجاد. صحيح انه دعاء ولكن فيه كل شيء من المعنويات والحكم ومقارعة الظالمين والنهوض ضد الحكومة الطاغية، مثلما هي سيرة جميع أئمتنا عليهم السلام ورغم كل ذلك فهناك من يحاول تلقين الناس بأن لا شأن لكم بالحكم وتفرغوا إلى أعمالكم. حتى الأشخاص الواعين تم خداعهم. إن بعض الذين أعرفهم ممن كانوا نشطين في السابق، وكانوا مهتمين بالقضايا التي نهتم بها، أخذوا ينخدعون بما يقال بنحو لم أتوقع منهم ذلك، وباتوا يرددون: ما شأننا وهذا. ان واجبنا غير هذا، فدعهم وشأنهم ولنتفرغ نحن إلى واجباتنا!!. لقد تم خداع بضع الواعين أيضاً. ولا يخفى أن كل ما يقوله هؤلاء الأجانب يهدف إلى خداعنا، وعلى الشعب أن يدرك ذلك جيداً. وعلينا أن نتحلى بالوعي واليقظة لكي لا ننجر وراء ذلك. ونسأل الله تعالى أن يمن على هذا الشعب بالمزيد من الوعي والصحوة .. نسأل الله تعالى أن ينعم شعبنا بالسلامة والعزة وان يوفقه لتحقيق أهدافه التي هي أهداف الإسلام، وقطع دابر الظالمين. ونسأله تعالى أن يجعل هذا العيد مباركاً علينا جميعاً وعلى جميع المسلمين وكافة المستضعفين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.