بسم الله الرحمن الرحيم
«لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين» «1»
رغم مرور عام على المذبحة الوحشية المروعة بحق الحجاج العزل والزوار المؤمنين الموحدين، على أيدي عبيد أميركا وسفاحي آل سعود؛ لا زالت مدينة الله وعباده في حيرة ودهشة وبهتان .. إن آل سعود بقتلهم لضيوف الرحمن وتضريج أفضل عباد الله بدمائهم، لم يلطخوا الحرم الآمن بدماء الشهداء فحسب وانما العالم الإسلامي، وجعلوا المسلمين والأحرار في مأتم وعزاء.
إن المسلمين في العالم احتفلوا العام الماضي لأول مرة بعيد الأضحى في مسلخ العشق وفي منى رضا الحق من خلال استشهاد أبناء إبراهيم عليه السلام الذين كانوا قد عادوا من مواجهة نهبة العالم وأذنابهم عشرات المرات .. ومرة أخرى تقدم أميركا وآل سعود وخلافاً لمعايير الحرية والتحرر، على قتل نسائنا ورجالنا وأمهات وآباء الشهداء والمعاقين العزل. ولم تسلم من سياطهم حتى اللحظات الأخيرة، أجساد الشيوخ والعجزة وهي في النزع الأخير، والأفواه العطشى واليابسة لمظلومينا، حيث انهالوا عليهم بالسياط بكل خسة ودناءة وقسوة وراحوا ينتقمون منهم.
الانتقام من مَنْ ولأي ذنب؟ الانتقام ممن كانوا قد تركوا بيوتهم وهاجروا إلى بيت الله وبيت الناس! .. الانتقام من الذين حملوا على عاتقهم عبء الأمانة والنضال .. الانتقام من الذين عادوا من تحطيم الأوثان. مثلما فعل إبراهيم- عليه السلام-، حيث كانوا قد سحقوا الشاه والاتحاد السوفيتي وأميركا، وحطموا الكفر والنفاق.
إن هؤلاء المؤمنين وبعد طي كل تلك السبل، وصرخة: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا) «2»، كانوا قد جاءوا حفاة وبرؤوس حاسرة كي يسعدوا إبراهيم. جاءوا إلى ضيافة الله كي يغسلوا وجوههم بماء زمزم ويزيلوا غبار الرحلة، ويرووا ظمأهم من زلال مناسك الحج، ويتحملوا أعباء المسؤولية بعزم اكبر، ويخلعوا عن أجسادهم في مسيرتهم وصيرورتهم الأبدية ليس في ميقات الحج فحسب وانما في ميقات العمل أيضاً، لباس التعلق بالدنيا.
إنهم ومن اجل إنقاذ المحرومين وعباد الله، حرّموا على أنفسهم الراحة والدعة، واحرموا باحرام الشهادة وعقدوا العزم على أن لا يكونوا عبيداً لاغراءات أميركا والاتحاد السوفيتي، ليس هذا فحسب، وانما لا يطيعون أحداً غير الله تعالى .. جاءوا ليقولوا ثانية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم لم يتعبوا من النضال، ويدركون جيداً أن أبا سفيان وأبا لهب وأبا جهل يتربصون بهم للانتقام، ويتساءلون مع أنفسهم: هل لا زال اللات وهبل في الكعبة؟ .. أجل، انها أكثر خطراً من تلك الاوثان ولكن بوجوه جديدة خادعة. إنهم يعلمون جيداً بأن الحرم اليوم حرم ولكن ليس للناس وانما لأميركا! وان كل من توجّه إلى الكعبة ولا يقل لبيك لأميركا سيتم الانتقام منه. الانتقام من حجاج تتجلى مناسك ابراهيم في كل ذرة من ذرات وجودهم وجميع حركات وسكنات ثورتهم، ويحرصون بحق على تعطير اجواء بلدهم وحياتهم بنداء (لبيك اللهم لبيك) المؤنس.
اجل، في منطق الاستكبار العالمي كل من يحاول أن يتبرأ من الكفر والشرك سوف يتهم بالشرك، ويفتي أصحاب الفتيا من أحفاد (بلعم بن باعورا) بكفره وقتله. ففي النهاية يجب أن يتجلى في تاريخ الإسلام سيف الكفر والنفاق الذي تستر وراء لباس الإحرام الكاذب لليزيدين والمأجورين من بني أمية عليهم لعنة الله وأمعن في قتل وسحق أفضل أبناء نبي الإسلام الصادقين، سيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام وأنصاره الأوفياء، أن يتجلى ثانية من اكمام الوارثين لبني سفيان ليحز الحناجر الطاهرة والمطهرة لأنصار الحسين عليهم السلام في ذلك الطقس الحار في كربلاء الحجاز وفي مذبح الحرم. وان يكيلوا لهم الاتهامات ذاتها التي كالها اليزيديون إلى أبناء الإسلام الصادقين حيث نعتوهم بالخوارج والملحدين والمشركين واهدروا دمائهم. غير أننا سننفس عن حزن قلوبنا إن شاء الله في الوقت المناسب بالانتقام من أميركا وآل سعود، وسندخل إلى قلوبهم حسرة استمتاعهم بهذه الجريمة العظيمة. وسندخل المسجد الحرام بإقامة احتفال انتصار الحق على جنود الكفر والنفاق، وتحرير الكعبة من أيدي غير المؤهلين الذين تحرم عليهم.
أما حجاج الدول الأخرى الذين جاءوا إلى مكة تحت مراقبة وإرعاب حكوماتهم ودولهم دون شك، فسيفتقدون اصدقائهم واخوتهم وحماتهم ورفقاء خنادقهم الحقيقيين بين أوساطهم.
وسيسعى آل سعود ومن أجل التغطية على جريمتهم المرعبة، وتبرير صدهم عن سبيل الله «3» ومنع الحجاج الإيرانيين من التوجه إلى الحج؛ إلى امطار الحجاج بحملات دعائية شديدة وسيقوم وعاظ السلاطين وأصحاب الفتيا الذين باعوا أنفسهم- لعنة الله عليهم- في الدول الإسلامية لا سيما الحجاز، وعبر وسائل الإعلام والصحافة، بعرض مسرحيات وإلقاء خطابات لمصادرة أية فرصة تدفع الحجاج للتأمل ودرك الفلسفة الحقيقية للحج، وكذلك للتعرف على حقيقة ما جرى بتخطيط مبيت من قبل الشيطان الأكبر في قتل ضيوف الرحمن. ومن البديهي أن مسؤولية الحجاج في مثل هذه الظروف ستكون جسيمة للغاية.
ان أعظم آلام المجتمعات الإسلامية هي أنها لم تدرك لحد الآن الفلسفة الحقيقية للكثير من الأحكام الإلهية، وان الحج ورغم كل الأسرار والعظمة الكامنة فيه، لا زال باقياً بصورة عبادة جافة وحركات غير مجدية ولا مثمرة.
وان من واجبات المسلمين الكبرى دركهم لحقيقة الحج، ولماذا ينبغي أن يكرس له جانب من إمكانياتهم المادية والمعنوية لأدائه إلى يوم الدين. فالذي تم الترويج له لحد الآن من قبل غير الواعين أو المغرضين أو المتسلطين بمثابة فلسفة الحج هو أن الحج عبادة جماعية وزيارة وسياحة. فما شأن الحج بما ينبغي لنا أن نعيش وسبل النضال وكيف يتسنى لنا الصمود بوجه العالمين الرأسمالي والشيوعي!. وما شأن الحج بوجوب استعادة حقوق المسلمين والمحرومين من الظالمين!. ما شأن الحج بالتفكير بسبيل التصدي للضغوط النفسية والجسيمة التي يتعرض لها المسلمون .. ما شأن الحج بضرورة أن يطرح المسلمون أنفسهم باعتبارهم قوة كبرى والقوة الثالثة في العالم! .. ما شأن الحج بأن ينهض المسلمون ضد الحكومات العميلة. وانما الحج رحلة سياحية لمشاهدة الكعبة والمدينة وكفى.
ولكن الحج من أجل تقرب الإنسان والتصاقه بصاحب هذا البيت .. الحج ليس مجرد حركات وأعمال وألفاظ. فالإنسان لا يصل إلى الله بالألفاظ والحركة الجافة .. الحج مركز المعارف الإلهية و يجب استلهام سياسة الإسلام في كافة مناحي الحياة منه .. الحج يتحمل مسؤولية إيجاد وبناء مجتمع خالٍ من الرذائل المادية والمعنوية .. الحج تجلي وتكرار تجسيد مظاهر العشق في حياة الإنسان والمجتمع المتكامل في الدنيا. ومناسك الحج هي مناسك الحياة .. ولهذا ينبغي لمجتمع الأمة الإسلامية، على اختلاف اعراقه و انتماءاته القومية، أن يكون إبراهيمياً كي يلتحق بركب أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتوحد معها ويصبح يداً واحدة .. الحج تنظيم وتمرين وبلورة للحياة التوحيدية .. الحج ميدان تجلي ومرآة تعكس مؤهلات المسلمين وقدراتهم المادية والمعنوية .. الحج كالقرآن يستفيد منه الجميع، ولكن إذا ما حاول المفكرون والباحثون والمدركون لآلام الأمة الإسلامية الغوص في بحر معارفه ولم يهابوا الاقتراب من الخوض في أحكامه وسياساته الاجتماعية، فسوف يتسنى لهم الانتقال من اصداف هذا البحر إلى المزيد من جواهر الهداية والرشد والحكمة والتحرر، وسيرتوون من زلال حكمته إلى الأبد.
ولكن ماذا ينبغي لنا أن نفعل، والى أين نتوجه بهذا الهم الكبير حيث بات الحج مهجوراً كالقرآن، ومثلما توارى كتاب الحياة والكمال والجمال وراء الحجب التي صنعناها بأنفسنا وتم دفن واخفاء خزائن أسرار الخلقة تحت الانقاض التي أوجدها أصحاب الفكر المنحرف من مفكرينا، حتى تدنت لغة الأنس والهداية والحياة والفلسفة التي تبعث على الحياة، إلى لغة الغربة والموت والقبور. الحج أيضاً ابتلي بالمصير نفسه. حيث يذهب ملايين المسلمين كل عام إلى مكة وتطأ أقدامهم موطئ أقدام الرسول وإبراهيم وإسماعيل وهاجر، ولكن لا يوجد منهم من يسأل نفسه من هو إبراهيم ومحمد عليهم السلام وما الذي فعلاه وماذا كان هدفهما. وما الذي أرادوه منا؟ ويبدو أن الأمر الوحيد الذي لا يتم التفكير به هو هذا!!.
لا شك أن الحج الذي يفتقد للروح والخالي من التحرك والثورة .. الحج الذي لا يتضمن البراءة، الحج الخالي من الوحدة، والحج الذي لا يقود إلى هدم الكفر والشرك؛ ليس حجاً.
باختصار، يجب على كافة المسلمين السعي إلى تجديد حياة الحج والقرآن الكريم وإعادتهما إلى واقع حياتهم. وعلى الباحثين الإسلاميين الملتزمين العمل على تبديد كل ما نسجه علماء البلاط من أوهام وخرافات، من خلال عرض تفاسير صحيحة وواقعية لفلسفة الحج.
واما ما ينبغي للحجاج الأعزاء أن يعرفوه هو أن أميركا وآل سعود حاولوا تصوير حادثة مكة بأنها نزاع طائفي وصراع على السلطة بين الشيعة والسنّة. واظهروا إيران وقادتها بمثابة أشخاص مسكونين بهوس تشكيل إمبراطورية كبرى، كي يتصور الكثير ممن يجهلون مسار الأحداث السياسية في العالم الإسلامي والمخططات المشؤومة لناهبي العالم، بأن صرخة براءتنا من المشركين ونضالنا من أجل حرية الشعوب، انما هي من أجل الاستحواذ على السلطة السياسية واتساع المساحة الجغرافية للحكومة الإسلامية.
طبعاً بالنسبة لنا ولجميع المفكرين والباحثين المطلعين على النوايا الخبيثة لنحيل و رجال آل سعود، لا نعجب من اتهام إيران وحكومتها التي ترفع عقيرتها منذ انتصار ثورتها وحتى هذه اللحظة بالدعوة لوحدة المسلمين وتعتبر نفسها شريكة في معاناة العالم الإسلامي وافراح المسلمين واحزانهم؛ من اتهامها ببث الفرقة بين المسلمين. بل والأشد من ذلك اتهام الحجاج الذين توجهوا إلى الحجاز حباً لزيارة مرقد الرسول والحرم الإلهي الامن، بتحشيد القوات لاحتلال الكعبة واحراق حرم الله وتدمير مدينة الرسول!!. وان دليلهم في ذلك مشاركة أفراد حرس الثورة والعسكريين ومسؤولي البلاد في مناسك الحج.
أجل، في منطق آل سعود يجب أن يكون العسكريون وحرس البلد الإسلامي غرباء و بعيدون عن الحج، وان ثورة المسؤولين المدنيين والعسكريين بأمثال هذه المناسك يثير التعجب ويعّد تآمراً.
من وجهة نظر الاستكبار، ينبغي لمسؤولي الدول الإسلامية أن يذهبوا إلى الغرب، فما شأنهم والحج! .. إن عملاء أميركا يرون في إحراق العلم الأميركي بمثابة إحراق الحرم. وشعار الموت للاتحاد السوفيتي وأميركا وإسرائيل، انما هو عداء لله والقرآن والرسول. وينظرون إلى مسؤولينا وعسكريينا بلباس الإحرام بصفتهم قادة المؤامرة.
الحقيقة هي أن الدول الاستكبارية الشرقية والغربية لا سيما الاتحاد السوفيتي وأميركا، قسموا العالم عملياً إلى عالم حر وآخر منغلق سياسياً. وفي العالم الحر لا تعرف القوى العظمى أي حدود أو قانون لأطماعها وتعتبر الاعتداء على مصالح الآخرين واستعمار الشعوب واستغلالها وعبوديتها أمراً ضرورياً ومبرراً تماماً ومنطقياً وينسجم مع الأصول والموازين و المعايير الدوليةالتي وضعوها بأنفسهم.
أما العالم المنغلق على نفسه سياسياً، وان معظم الشعوب الضعيفة لا سيما المسلمين تقبع داخل أسواره للأسف، فلا يسمح فيه بأي حق للحياة والتعبير، إذ أن القوانين والمعايير هي ذاتها التي تتطلع إليها الأنظمة العميلة وتحقق مصالح المستكبرين. ومما يؤسف له أن معظم الذين يحرصون على بقاء هذا العالم هم أنفسهم الحكام المفروضون على شعوبهم والذين يدعون إلى اتباع السياسات العامة للاستكبار، ويعتبرون حتى الصرخة من الألم داخل هذا الحصار وضمن هذه الأسوار ذنباً لا يغتفر. وتقتضي مصالح الناهبين الدوليين بأنه لا يحق لأحد قول كلمة يشمّ منها رائحة تضعيف هؤلاء الحكّام أو زعزعة استقرارهم.
ولأن المسلمين في العالم غير قادرين على البوح بالمصائب التي يمارسها حكّامهم بحقهم بسبب القمع والحبس والإعدام، فلا بد لهم من التحدث في الحرم الإلهي الآمن عن همومهم وآلامهم بكل حرية كي يتسنى لبقية المسلمين التفكير بطريقة حل لتحريرهم. ومن هنا فنحن نؤكد ونصرّ على ضرورة ان يجد المسلمون أنفسهم أحراراً من قيود وأسر الظالمين، على الأقل في بيت الله الحرم الإلهي الآمن، وان يعلنوا براءتهم في مسيرات كبرى من الذين يعادونهم، ويستفيدوا من كل وسيلة ممكنة لتحرير أنفسهم.
لقد أخذت حكومة آل سعود على عاتقها مسؤولية التحكّم بحجاج بيت الله الحرام. واني أقول بكل ثقة بأن حادثة مكة لم تكن بمعزل عن السياسة المبدئية للناهبين الدوليين في قمع وملاحقة المسلمين الأحرار.
اننا ومن خلال إعلان البراءة من المشركين، سعينا ونسعى إلى تحرير الطاقة الكامنة للعالم الإسلامي. وسيتحقق ذلك في يوم ما بعون الله العظيم وعلى أيدي أبناء القرآن. وسيأتي اليوم إن شاء الله الذي يصرخ فيه كافة المسلمين وجميع المظلومين في العالم، ويبرهنوا على أن القوى العظمى وعبيدها وعملائها هم من أكثر كائنات العالم انزواء" وعزلة".
إن مذبحة حجاج بيت الله، مؤامرة تهدف للإبقاء على سياسات الاستكبار والحيلولة دون نفوذ الإسلام المحمدي الأصيل- صلى الله عليه وآله وسلم-. وان السيرة المظلمة لحكام الدول الإسلامية تعتبر وصمة عار تعكس تزايد آلام ومعاناة الإسلام والمسلمين.إن نبي الإسلام ليس بحاجة إلى مساجد مجللة ومنائر مزينة. وانما كان ينشد مجد وعظمة اتباعه الذين باتوا يعانون من الذل والهوان بسبب السياسات الخاطئة للحكام والعملاء. وهل ينسى المسلمون فاجعة المذابح الجماعية بحق العلماء وآلاف النساء والرجال من أبناء المذاهب الإسلامية طوال حياة آل سعود المخزية. وكذلك جريمة المذبحة العامة بحق حجاج بيت الله الحرام؟ ألم ير المسلمون كيف تحولت اليوم مراكز الوهابية في العالم إلى بؤر للفتنة والتجسس، حيث تروج من جهة لإسلام النبلاء، إسلام أبي سفيان، إسلام ملالي البلاط الخبثاء، إسلام المتظاهرين بالقداسة من عديمي الشعور في الحوزات العلمية والجامعية، إسلام الذلة والنكبة، إسلام المال والقوة، إسلام الخداع والمساومة والأسر، إسلام سيادة الثروة والرأسماليين على المظلومين والحفاة، وبكلمة واحدة الإسلام الأميركي. حتى اضحت تتبارى مع أميركا ناهبة العالم في هذا المجال.
لا يدري أين يتوجه المسلمون بهذا الألم حيث يطمئن آل سعود وخادم الحرمين إسرائيل: بأننا لن نستخدم أسلحتنا ضدكم!! وللبرهنة على صحة كلامهم يقدمون على قطع العلاقة مع إيران .. حقاً إلى أي حدّ يجب أن تكون علاقة زعماء الدول الإسلامية قوية ووثيقة مع الصهاينة، حتى يتم إلغاء النضال الرمزي والظاهري ضد إسرائيل من جدول أعمال القمة الإسلامية. فلو كانت عندهم ذرة من الغيرة والحمية الإسلامية والعربية لما كانوا مستعدين لمثل هذه المعاملة السياسية الخبيثة وبيع انفسهم وأوطانهم.
أليست هذه التحركات مخجلة للعالم الإسلامي، وتعتبر تفرجاً على الذنب والجريمة؟ ألا يوجد بين المسلمين من ينهض وينفض غبار كل هذا العار والذل؟ حقاً هل ينبغي لنا أن نجلس مكتوفي الأيدي كي يتسنى لزعماء الدول الإسلامية تجاهل مشاعر مليار مسلم، وتمرير المشهد مع كل فجائع الصهاينة هذه، والعمل على إعادة مصر وأمثالها إلى الساحة ثانية؟ هل يصدق المسلمون بأن الحجاج الإيرانيين جاءوا لاحتلال بيت الله وحرم النبي الأكرم وسرقة الكعبة ونقلها إلى قم!!؟. إذا صدق المسلمون بأن حكّامهم أعداء حقيقيون لأميركا والاتحاد السوفيتي وإسرائيل، حينها سيصدقون ما تروج له وسائل إعلام هؤلاء ضدنا.
طبعاً نحن أعلنا هذه الحقيقة في سياستنا الخارجية وتوجهاتنا الدولية، من أننا كنّا ولا زلنا نتطلع إلى نشر نفوذ الإسلام في العالم وتقويض هيمنة الناهبين الدوليين. وإذا ما أراد عملاء أميركا أن ينعتوا هذه السياسة بالتوسعية والتفكير بتشكيل إمبراطورية عظمى، فنحن لا نخشى ذلك ونرحب به.
إننا بصدد اجتثاث جذور الفساد الصهيوني والرأسمالي والشيوعي في العالم، وقد عقدنا العزم بإذن الله العظيم وعونه، للقضاء على الانظمة القائمة على هذه القواعد الثلاث، وترويج النظام الإسلامي الذي أرسى دعائمه رسول الله صلى الله عليه وآله في العالم الاستكباري. وستشهد الشعوب الرازحة تحت الأسر ذلك عاجلًا أم آجلًا. وسنحول بكل وجودنا دون نهج المساومة وحصانة المسؤولين الاميركان حتى ولو تطلب الأمر نضالًا قاهراً. وسوف لا نسمح إن شاء الله بأن يرتفع من الكعبة والحج، هذا المنبر العظيم الذي ينبغي له أن يعرّف العالم أجمع بصوت المظلومين ويشدو بنداء التوحيد، صوت المساومة مع أميركا والاتحاد السوفيتي ومع الكفر والشرك. ونسأل الله تعالى أن يمنحنا القوة لندق ناقوس موت أميركا والاتحاد السوفيتي ليس من كعبة المسلمين فقط وانما من كنائس العالم أيضاً.
ينبغي للمسلمين والمحرومين في انحاء العالم أن يفخروا بهذا البرزخ غير المتناهي الذي أوجدته ثورتنا الإسلامية للناهبين الدوليين، ويرفعوا نداء الحرية والتحرر في حياتهم ومصيرهم ويعملوا على تضميد جراحهم، حيث انتهت مرحلة الطريق المسدود وانعدام الأمل والتنفس في أجواء عالم الكفر، واينعت رياض الشعوب. وآمل أن يمتع المسلمون انظارهم ببراعم الحرية ونسيم الربيع المعطر وطراوة زهور المحبة والعشق وتدفق النبع الزلال لبلورة إرادتهم. وينبغي لنا جميعاً الخروج من مستنقع السكوت والسكون الذي بذر فيه مسؤولو السياسة الأميركية والسوفيتية بذور الموت والأسر لنا. والتوجّه صوب البحر الذي يتدفق منه زمزم، لنغسل بدموع عيوننا استار الكعبة وحرم الله الذي تلوث بأيدي أميركا النجسة غيرالدخيلة المحرم وإذنابها.
ايها المسلمون في انحاء العالم! ولأنكم تعانون من الموت البطيء تحت الهيمنة الأجنبية، فلا بد لكم من التغلب على الخوف من الموت والاعتماد على حيوية الشباب المندفع للشهادة الذين هم على أتم الاستعداد لتحطيم الخطوط الأمامية لجبهة الكفر. فلا تفكروا بالابقاء على ما أنتم فيه، وانما فكّروا بالفرار من الأسر والتحرر من العبودية والتصدي لأعداء الإسلام، إذ أن العزة والحياة في ظل النضال. وان الخطوة الأولى في النضال تتمثل في الإرادة. ومن ثم تحريم سيادة الكفر والشرك العالميين لا سيما أميركا، عليكم.
سواء كنا في مكة أو لم نكن، فان قلوبنا وأرواحنا مع إبراهيم في مكة .. وسواء اغلقوا أبواب مدينة الرسول بوجوهنا أو فتحوها، فان عشقنا للرسول لن يضعف أو ينتهي أبداً. نصلي باتجاه الكعبة ونموت صوبها. ونشكر الله تعالى على أننا بقينا أوفياء لعهدنا مع رب الكعبة وارسينا أسس البراءة من المشركين بدماء الآلاف من شهدائنا الأعزاء، ولم نبق ننتظر حتى يدعم تحركنا زعماء بعض الدول الإسلامية وغير الإسلامية الاذلاء. نحن المظلومون على مرّ التاريخ. نحن الحفاة المحرومون ليس لدينا أحد غير الله. ولو قطعونا إرباً إرباً ألف مرة لن نكف عن محاربة الظالمين.
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تشكر كافة المسلمين الأحرار في العالم الذين عملوا على فضح الممارسات الإجرامية لأميركا وآل سعود، من خلال إقامة المؤتمرات والندوات، وعرّفوا العالم بمظلوميتنا رغم كل الكبت السياسي المفروض عليهم. ويجب أن يعلموا بأنه ما لم تكن موازين القوى في العالم لصالحهم، ستبقى مصالح الأجانب مقدمة على مصالحهم دائماً.
وسيقدم الشيطان الأكبر أو الاتحاد السوفيتي كل يوم على افتعال حادثة للحفاظ على مصالحه.
حقاً هل سيرى المسلمون الاستقرار ما لم يقدموا على حل قضاياهم بشكل جاد مع الناهبين الدوليين، ويرتقوا إلى مستوى القوى الكبرى في العالم على أقل تقدير؟. ولو اقدمت الآن أميركا على تدمير أحد البلدان الإسلامية بذريعة الحفاظ على مصالحها، مَنْ الذي سيتصدى لها؟. إذن فلم يبق من سبيل غير النضال، ولا بد من تحطيم مخالب وأنياب القوى العظمى لا سيما أميركا، ولا مفر من انتخاب أحد الخيارين: إما النصر أو الشهادة. وكلاهما يعتبر نصراً في ديننا. نسأل الله تعالى أن يمنح المسلمين إن شاء الله القدرة على تبديد أُطر السياسات الظالمة السائدة للناهبين الدوليين، وامتلاك الجرأة في تشكيل تكتلاتهم المتمحورة حول الكرامة الإنسانية، وان يعينهم في رفض الخنوع والارتقاء بالعزة والشوكة.
إن البعض والى ما قبل حادثة الحج الحلوة المرة التي شهدها العام الماضي، لم يكن قد أدرك جيداً فلسفة اصرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مسيرة البراءة من المشركين. وكان يتساءل مع نفسه ومع الآخرين: ما ضرورة المسيرة وصرخة النضال في رحلة الحج وفي هذا الطقس الحار؟ وإذا كان لا بد من إطلاق صرخة البراءة من المشركين، فما الضرر الذي ستلحقه بالاستكبار؟ وكم من البسطاء والسذّج كانوا يتصورون بأن العالم المسمى بالمتحضر للناهبين الدوليين سوف لا يعترض على هذا النوع من التحرك السياسي، وانهم يسمحون لمعارضيهم حتى أكثر من ذلك، حيث يمارسون نشاطهم السياسي ويقيمون المسيرات والتظاهرات. والدليل على ذلك المسيرات التي نشهدها في الدول الغربية الحرة.
ولكن لا بد من إيضاح هذه النقطة وهي أن هذه المسيرات لن تلحق أي ضرر بالقوى العظمى والقوى الكبرى. غير أن مسيرة مكة والمدينة يترتب عليها إيقاف تدفق النفط السعودي. إن مسيرات البراءة في مكة والمدينة تنتهي بالقضاء على عملاء الاتحاد السوفيتي وأميركا. ولهذا بالذات يحولون دونها بارتكاب المذابح الجماعية بحق النساء والرجال الأحرار. وفي ظل البراءة من المشركين يدرك حتى البسطاء السذج بأنه لا يمكن الثقة بالاتحاد السوفيتي وأميركا.
ليطمئن الشعب الإيراني العزيز الشجاع، بأن حادثة مكة ستكون مصدر تحولات كبرى في العالم الإسلامي، وأرضية مناسبة لاجتثاث جذور الانظمة الفاسدة في الدول الإسلامية وطرد المتشبهين بعلماء الدين. وعلى الرغم من أنه لم يمر سوى عام واحد على ملحمة البراءة من المشركين، فان عبير الدماء الطاهرة لشهدائنا الأعزاء عمّ العالم بأسره، واننا نشاهد آثاره في اقصى نقاط العالم. إذ أن ملحمة الفلسطينيين لم تكن بالظاهرة العابرة. ماذا يتصور العالم مَنْ الذي فجر هذه الملحمة وما هي الأهداف التي يتطلع إليها الشعب الفلسطيني اليوم كي ينطلق بكل بسالة وبأيد خالية، لمقاومة الحملات الوحشية للصهاينة؟ هل أن نداء الوطنية وحده خلق كل هذه الصلابة؟ وهل بوسع شجرة الساسة الذين باعوا أنفسهم، أن تلقي في أحضان الفلسطينيين ثمرة الاستقامة وزيتون النور والأمل؟ فإذا كان الأمر كذلك، فان هؤلاء كانوا على مدى سنوات طويلة إلى جوار الفلسطينيين يرتزقون باسم الشعب الفلسطيني!. لا شك أنه نداء «الله أكبر» انها الصرخة ذاتها التي اطلقها شعبنا والتي بعثت اليأس في قلب الشاه في إيران وفي نفوس الغاصبين في بيت المقدس. إنه شعار البراءة ذاته الذي اطلقه الفلسطينيون في مسيرات الحج جنباً إلى جنب مع اخوتهم واخواتهم الإيرانيين، وصرخة تحرير القدس المدوية هاتفين: «الموت لأميركا وروسيا وإسرائيل». وانطلقوا من أرضية الشهادة ذاتها التي أريقت فيها دماء أعزتنا، لأحياء اندفاعهم للشهادة باراقة دمائهم ..
أجل، أن الفلسطيني الذي ظل طريقه، اكتشفه اليوم من خلال براءتنا. وقد رأينا كيف تداعى الحصار الحديدي في هذا النضال، وكيف انتصر الدم على السيف والإيمان على الكفر والصرخة على الرصاصة، وكيف تبخرت أحلام بني إسرائيل في دولتهم من النيل إلى الفرات، واضيئ ثانية الكوكب الدرّي الفلسطيني من شجرتنا المباركة (لا شرقية ولا غربية).
واليوم حيث تجرى تحركات واسعة في انحاء العالم لجرّنا لمساومة الكفر والشرك، فان مساعي مماثلة تبذل لإخماد شعلة غضب الشعب الفلسطيني المسلم أيضاً. وليس ذلك إلا نموذجاً واحداً على انتشار الثورة. إذ أن المؤمنين بمبادئ ثورتنا الإسلامية في تزايد مستمر في مختلف انحاء العالم، ونحن نعتبر كل هؤلاء الذخيرة الكامنة لثورتنا مثلما يوقعون هم طومار دعمنا بدمائهم ويلبون بكل كيانهم دعوة الثورة، وسيتسلموا بعون الله زمام المبادرة في العالم بأسره ..
لقد بدأت اليوم حرب الحق والباطل، حرب الفقر والغنى، حرب الاستضعاف والاستكبار، حرب الحفاة والمرفهين الذين لا يعرفون معنىً للألم. واني اقبل أيادي وسواعد جميع الأعزة في مختلف أنحاء العالم الذين حملوا على أكتافهم عبء النضال وعقدوا العزم على الجهاد في طريق الله والارتقاء بعزة المسلمين، وابعث بتحياتي الخالصة لجميع براعم الحرية والكمال.
وأقول للشعب الإيراني العزيز الشجاع: إن الله تعالى أنعم عليكم بتصدير آثار وبركات معنوياتكم إلى العالم أجمع، واضحت قلوبكم وعيونكم الساطعة محط آمال المحرومين، وان شرارة غضبكم الثوري ادخلت الرعب في قلوب الناهبين الدوليين من اليمين واليسار. وطبعاً جميعنا يعلم بأن بلدنا عانى كثيراً خلال فترة الحرب والثورة، ولا ينكر أحد معاناة الطبقات الضعيفة والمحرومة وذوي الدخل المحدود، لا سيما طبقة الموظفين، غير أن ما يفكر به شعبنا أعظم من ذلك بكثير ألا وهو صيانة الإسلام ومبادئ الثورة. وقد برهن الشعب الإيراني للعالم أجمع بأنه يتحمل الجوع والعطش ولكنه لا يطيق هزيمة الثورة والإساءة إلى مبادئها مطلقاً. واستطاع أن يصمد في مواجهة أشد هجمات عالم الكفر كلّه ضد مبادئ ثورته، مما لا يتسع المجال للحديث عن ذلك كلّه.
ألم يقاوم الشعب الإيراني الشجاع أنواع الجرائم الأميركية في الخليج الفارسي، سواء الدعم العسكري والاستخباراتي للعراق، والهجوم على المنصات النفطية والسفن والزوارق، وإسقاط الطائرة المدنية؟. ألم يقاوم الشعب الحرب الدبلوماسية التي شنها الشرق والغرب ضده، وإحباط الألاعيب السياسية للمحافل الدولية؟ ألم يقاوم الشعب الإيراني الشجاع الحرب الاقتصادية والإعلامية والنفسية، والحملات العراقية الوحشية ضد المدن الإيرانية والقصف الصاروخي للمناطق السكنية والقصف الكيماوي العراقي المتكرر لإيران وحلبجة؟. ألم يقاوم الشعب الإيراني العزيز مؤامرات المنافقين والليبراليين، وجشع واحتكار الرأسماليين واحابيل المتظاهرين بالقداسة؟ ألم يستهدف كل ذلك الإساءة إلى مبادئ الثورة؟ ولو لم يكن تواجد أبناء الشعب فان كل واحدة من هذه المؤامرات كانت تكفي للإساءة إلى مبادئ الثورة وتداعي أركان نظامها. ونشكر الله تعالى على توفيق الشعب الإيراني في أداء رسالته برؤوس مرفوعة ولن يتراجع قيد أنملة.
لقد أدرك أبناء شعبنا العزيز، الذين هم من المدافعين الحقيقيين والصادقين عن القيم الإسلامية، بأن النضال لا يجتمع مع طلب الرخاء والدعة، وان أولئك الذين يتصورون عدم تعارض النضال من أجل استقلال وحرية المستضعفين والمحرومين، مع الرأسمالية وطلب الرخاء؛ إنما يجهلون ابجدية النضال. وان هؤلاء الذين يتصورون إمكانية إصلاح الرأسماليين والمرفهين الذين يجهلون معنى الألم، بالنصيحة والموعظة والإرشاد وانضمامهم لصفوف المناضلين من أجل الحرية، أو تقديم العون لهم، انما هم كمن يهرس الماء في الهاون.
إن كل من النضال والرخاء، الثورة وطلب الدعة، طلب الدنيا والبحث عن الآخرة، مقولتان لا تجتمعان مطلقاً. وان الذين يقفون معنا إلى النهاية هم الذين تجرعوا مرارة الفقر والحرمان والاستضعاف فقط. فالذين يفجرون الثورات ويعتبرون من حماتها الحقيقيين هم الفقراء المؤمنون المحرومون. ويجب علينا أن نبذل كل ما في وسعنا للحفاظ على النهج المبدئي في الدفاع عن المستضعفين مهما كان الثمن. وعلى مسؤولي النظام الإيراني الثوري أن يعلموا بأن عدة من الذين لا يعرفون الله، وبدافع القضاء على الثورة، تسعى إلى اتهام كل من يعمل من أجل الفقراء والمحرومين ويطوي طريق الإسلام والثورة، بالشيوعية والالتقاطية على الفور. فيجب أن لا تخيفهم مثل هذه الاتهامات. ويجب أن لا يفكروا بغير الله تعالى وان نركز كل جهدنا وهمّنا من أجل نيل رضا الله ومساعدة المحرومين، ولا نخشى اتهاماتهم. إن لدى أميركا والاستكبار عموماً أشخاصاً يمارسون تحركاتهم في مختلف المجالات لإلحاق الهزيمة بالثورة الإسلامية. ففي الحوزات والجامعات ثمة من يتظاهر بالقداسة وقد نبهت إلى خطر أمثال هؤلاء مراراً وتكراراً. إذ أنهم ومن خلال تزويرهم للحقائق يعملون على تأكل الثورة والإسلام من الداخل. كما انهم ومن خلال التظاهر بمناصرة الحق والدفاع عن الدين والولاية، يحاولوا أن يعرفوا الآخرين بأنهم عديمو الدين. ويجب أن نعوذ بالله تعالى من شرّهم.
كما أن هناك من يحاول أن يشن هجوماً ضد كل روحاني وعالم دين بدون استثناء، ويعرفون إسلامهم بالإسلام الأميركي. وهم بذلك ينهجون نهجاً خطيراً من الممكن أن يقود لا سمح الله إلى هزيمة الإسلام المحمدي الأصيل. وعلينا أن ندافع عن إحقاق حقوق الفقراء في المجتمعات البشرية حتى آخر قطرة دم.
إن العالم اليوم متعطش لثقافة الإسلام المحمدي الأصيل. وان المسلمين وعبر إقامتهم لتشكيلات إسلامية عظيمة، سيتمكنون من مصادرة نعيم ورخاء القصور البيضاء والحمراء «4». وقد فتح الخميني اليوم أحضانه وكشف عن صدره لاستقبال سهام البلايا والمواقف الصعبة وقذائف الأعداء وصواريخهم، وانه يعد الأيام لنيل الشهادة مثلما هم جميع عشاق الشهادة.
إن حربنا، حرب العقيدة، لا تعرف الجغرافيا والحدود. وفي حربنا هذه علينا أن نكرس جهودنا للتعبئة الكبرى لجند الإسلام في العالم بأسره. وان الشعب الإيراني العظيم، ومن خلال دعمه المادي والمعنوي للثورة، سيخوض إن شاء الله صعوبات الحرب ليتذوق حلوى هزيمة أعداء الله في الدنيا. واي حلوى ألذ من أن يشاهد الشعب الإيراني تداعي وسقوط أركان وقواعد النظام الشاهنشاهي الظالم وتحطم زجاج الوجود الأميركي في هذا البلد .. أية حلاوة أسمى من أن يقوم شعبنا العزيز باجتثاث جذور النفاق والالتقاط والنزعات القومية. علماً أن حلاوته الأبدية سينالها إن شاء الله في العالم الآخر ليس فقط أولئك الذين سبقونا إلى مقام الشهادة والإعاقة والتواجد في جبهات القتال، وانما هؤلاء أيضاً الذين دعموا الجبهات عبر مواقفهم النبيلة وصالح دعائهم، قد حظوا بمقام المجاهدين العظيم ونالوا أجرهم الكبير. فهنيئاً للمجاهدين وهنيئاً لورثة الحسين- عليه السلام-.
وليعلم أذناب أميركا، أن الشهادة في سبيل الله ليست بالأمر الذي يمكن مقارنته بالنصر أو الهزيمة في سوح الحرب. إذ أن مقام الشهادة بحد ذاته تجسيد لذروة العبودية والسير والسلوك في عالم المعنويات. وعلينا أن لا نتدنى بمقام الشهادة إلى هذا الحد بأن نقول: تم تحرير خرمشهر أو المدن الأخرى مقابل استشهاد أبناء الإسلام. فهذه تخيلات باطلة للوطنيين. وانما هدفنا أسمى من ذلك. لقد تصور الوطنيون بأن هدفنا يتلخص في ترجمة التطلعات الإسلامية العالمية في عالم الفقر والجوع. ولكننا نؤمن بأنه طالما وجد الشرك والكفر فالنضال قائم. وطالما كان النضال فنحن موجودون. فنحن لا ننازع أحد من أجل مدينة أو بلدة. إننا عاقدون العزم على جعل راية (لا إله إلا الله) ترفرف فوق صروح الكرامة والعزة. وعليه فلا تأسفوا يا أبنائي من أفراد الجيش والحرس وقوات المقاومة، ويا افراد التعبئة الشعبية، على فقدانكم موقع ما، ولا تفرحوا وتغتروا بالاستيلاء على موقع آخر، إن كل هذه الأمور لا تساوي شيئاً أمام هدفكم السامي، وهي كمن يقارن الدنيا بالآخرة.
وعلى آباء وأمهات وأزواج وأسر شهدائنا وأسرانا ومفقودينا ومعوقينا، أن يطمئنوا بأنه لم ينقص شيء مما حققه أبناؤهم، وهم ينعمون بجوار الرسول الأكرم والأئمة الأطهار. فالنصر والهزيمة [المادية] لأمثال هؤلاء واحد. وان اليوم يوم هداية الأجيال القادمة، فشدوا الأحزمة لأنه لم يتغير شيء. اليوم يوم أراده الله أن يكون هكذا. وبالأمس أراده سبحانه أن يكون كذلك. وغداً سيكون يوم انتصار جنود الحق إن شاء الله. ومهما كانت إرادة الله تعالى فنحن نسلّم لها .. نحن نتبع أمر الله لهذا نتطلع إلى الشهادة. و لا نرضى بالخنوع والعبودية لغير الله تعالى. طبعاً جميعنا مكلفون بأداء واجباتنا كما ينبغي وبكل دراية ودقة .. فالجميع يعلم بأننا لم نكن البادئين بالحرب، وانما دافعنا عن أنفسنا فحسب حفاظاً على كيان الإسلام في العالم. وان الشعب الإيراني المظلوم كان على الدوام عرضة لهجوم الناهبين الدوليين. وقد شن الاستكبار العالمي هجومه علينا من جميع كمائنه السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية. وان ثورتنا الإسلامية استطاعت لحد الآن أن توضح للشعوب كمائن الشيطان وشراك المتربصين. وان الناهبين الدوليين والرأسماليين والمرتبطين بهم يتوقعون منّا أن نقف متفرجين على تحطيم البراعم الفتية واضطهاد المظلومين، ونلتزم الصمت. في حين أن من أولى واجباتنا ومهام ثورتنا الإسلامية أن نصرخ في أنحاء العالم: يا أيها النائمون! يا أيها الغافلون افيقوا وانظروا إلى من حولكم إذ أنكم تقيمون إلى جوار أوكار الذئاب .. انهضوا فهذا المكان ليس مكاناً للنوم. كذلك نطالبهم بالنهوض على وجه السرعة لأن العالم ليس بمأمن من كمين الصياد. أن أميركا والاتحاد السوفيتي يتربصون في كمائنهم بكم ولن يكفوا أيديهم عنكم ما لم تقضوا عليهم بالكامل.
حقاً، لو كانت التعبئة العالمية للمسلمين قد تشكلت، هل كان يجرؤ أحد على إلحاق كل هذه الإهانة والإساءة بالأبناء المعنويين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-. إن أحد المفاخر الكبرى لشعبنا اليوم هي أنه يقف في مواجهة أكبر استعراض للقوة ولتجمع الأساطيل الحربية الأميركية والأوروبية في مياه الخليج الفارسي. واني أنذر العسكريين الأميركان والأوروبيين بالخروج من الخليج الفارسي قبل فوات الأوان وقبل أن يغوصوا في مستنقع الموت. فليس بوسع بوارجهم الحربية إسقاط طائراتنا المدنية دائماً، فمن الممكن أن يلقي أبناء الثورة ببوارجكم الحربية في قعر مياه الخليج الفارسي.
واني أقول لدول وحكومات المنطقة، لا سيما السعودية والكويت، بأنكم جميعاً ستكونون شركاء في المغامرات والجرائم التي تقوم بها أميركا. واننا لم نقدم لحد الآن على عمل يدخل المنطقة بأسرها في دوامة من جهنم وعدم الثبات والاستقرار. ولكن الممارسات الجنونية التي يقوم بها ريغن من الممكن أن تترتب عليها عواقب وخيمة تعم الجميع. وكونوا على ثقة بأنكم الخاسرون في الجولة الجديدة أيضاً. فلا تذلوا أنفسكم وبلدانكم وشعوبكم الإسلامية أكثر من هذا في مقابل أميركا .. فإن لم يكن لكم دين كونوا أحراراً في دنياكم.
لقد فتحت ببركة الثورة الإسلامية الإيرانية ولله الحمد نوافذ النور والأمل أمام جميع المسلمين في العالم، ونأمل أن ينزل برق ورعد الحوادث المرتقبة مسلسل الموت والفناء على رؤوس جميع المستكبرين. وما ينبغي أن نلتفت إليه جميعاً ونجعله أصل وأساس سياستنا إزاء الأجانب، هو إلى أي حد والى متى يتحملنا أعداؤنا والناهبون الدوليون، والى أي حد يقبلون باستقلالنا وحريتنا .. ومما لا شك فيه أن أمثال هؤلاء لا يعرفون حداً غير العدول عن هويتنا وقيمنا المعنوية والإلهية. وكما يقول القرآن الكريم لن يكفوا أيديهم عن مقاتلتكم ومحاربتكم ما لم ترتدوا عن دينكم. فالصهاينة وأميركا وروسيا سيظلون ورائنا شئنا أم أبينا حتى يلوثوا هويتنا الدينية وشرفنا الإسلامي. وان بعض المغرضين ينعتوننا بأننا نستعدي الآخرين، ونعمل على إثارة الأحقاد في المحافل الدولية، ويشمتون بنا. ويقولون بوحي من حرص غير مبرر واعتراضات طفولية، بأن الجمهورية الإسلامية أضحت سبباً في إثارة العداوات وفقدت مصداقيتها في انظار الغرب والشرق!!. وكم هو حسن أن يجاب عن هذا التساؤل: متى كانت شعوب العالم الثالث والمسلمون، لا سيما الشعب الإيراني، يحضون بمصداقية واحترام لدى الغربيين والشرقيين حتى اصبحوا اليوم يفتقدون إليها!.
أجل، إذا ما عدل الشعب الإيراني عن مبادئه وقيمه الإسلامية والثورية، وإساء بيده إلى عزة وحرمة الرسول والأئمة المعصومين- عليهم السلام-، آنذاك من الممكن أن يعترف به الناهبون الدوليون رسمياً بمثابة شعب ضعيف وفقير وعديم الثقافة، وفي حدود كونهم هم السادة ونحن العبيد، هم قوى عظمى ونحن الضعفاء، هم الوصي والقيم ونحن القاصرون والحافظون لمصالحهم. ليست إيران ذوي الهوية الإيرانية الإسلامية وانما إيران التي تعين هويتها أميركا وروسيا، إيران التي تجر عربة السياسة الأميركية أو الروسية. وان كل عزاء أميركا وروسيا والغرب والشرق اليوم هو أن إيران لم تتحرر فقط من هيمنة هؤلاء، وانما تحرض الآخرين للخروج من هيمنة الجبارين. إن حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل إذا كان صادقاً فهو مطلب جميع الشعوب، ولكنه بات اليوم خدعة قديمة. ويتضح ذلك من تصريحات زعماء أميركا وروسيا وكتابات ساستهم، حيث تدل لقاءات زعماء الشرق والغرب الأخيرة على أنهم يهدفون إلى المزيد من الهيمنة على العالم الثالث، وفي الحقيقة الحيلولة دون نفوذ الحفاة والمحرومين إلى عالم الرأسماليين الذي ليس له حدود.
علينا أن نعد أنفسنا لتشكيل الجبهة الإسلامية الإنسانية المقتدرة باسم الإسلام وهيبة ثورتنا، لمواجهة الجبهة المتحدة للشرق والغرب؛ والاحتفال بسيادة وزعامة المحرومين والحفاة في العالم. وكونوا على ثقة بأن قوى الشرق والغرب وهذه المظاهر التافهة للعالم المادي لا تستحق الذكر أمام خلود وأبدية عالم القيم المعنوية.
إنني أعلن بصراحة بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعمل كل ما في وسعها من اجل أحياء الهوية الإسلامية للمسلمين في أنحاء العالم. ولا يوجد ما يبرر عدم دعوتها المسلمين للاستحواذ على السلطة والحيلولة دون اطماع وجشع أصحاب القوة والمال والخداع.
لا بد لنا من البرمجة والتخطيط للسير قُدماً بأهداف ومصالح الشعب الإيراني المحروم. ويجب أن نسعى بكل وجودنا للتواصل مع شعوب العالم ومتابعة قضايا المسلمين وهمومهم ودعم المناضلين والجياع والمحرومين، وان نعتبر ذلك من مبادئ سياستنا الخارجية.
إننا نعلن بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر نفسها الحامي والملاذ للمسلمين الأحرار في العالم. وباعتبارها حصناً منيعاً لا يقهر، تعمل إيران على توفير احتياجات جند الإسلام وتوعيتهم بالمباني العقائدية والتربوية للإسلام، وباصول وأساليب النضال ضد أنظمة الكفر والشرك.
واما بالنسبة لقبول القرار 598 الذي كان حقاً أمراً قاسياً للغاية ومؤلماً للجميع لا سيما بالنسبة لي إذ أني والى ما قبل أيام معدودة كنت اؤمن بهذا النهج للدفاع والمواقف المعلنة في الحرب، وكنت أرى مصلحة النظام والبلد والثورة في ذلك. ولكن وبسبب ما استجد من أحداث وعوامل أخرى امتنع في الوقت الحاضر عن ذكرها وستتضح في المستقبل بعون الله، ومع الأخذ بنظر الاعتبار آراء كبار الخبراء السياسيين والعسكريين في البلاد ممن أثق بالتزامهم وصدقهم وإخلاصهم؛ قبلت القرار ووقف إطلاق النار. إذ أني اعتبر ذلك في الظرف الراهن لصالح الثورة والنظام. ويعلم الله لو لم يكن واقعنا جميعاً التضحية بأنفسنا وعزتنا ومصداقيتنا على طريق مصلحة الإسلام والمسلمين، لما قبلت ذلك أبداً، ولكان الموت والشهادة بالنسبة لي أعذب بكثير. ولكن ما الحيلة حيث يجب علينا جميعاً التسليم لرضا الحق تعالى. ولا شك أن الشعب الإيراني كان الشجاع البطل وسيبقى كذلك.
وانني هنا اتقدم بالشكر والتقدير لجميع أبنائي الأعزاء الذين لا يألون جهداً في جبهات النار والدم منذ بداية الحرب وحتى يومنا هذا، وبذلوا كل ما في وسعهم لتلبية احتياجات الحرب. وادعو الشعب الإيراني بأسره للتحلي بالحيطة والصبر والمقاومة. فمن الممكن أن يلجأ البعض، عن وعي أو بوحي من جهلهم، إلى تأجيج مشاعر الناس من خلال إثارة هذا التساؤل: أين أضحت ثمرة كل هذه الدماء والشهادة والإيثار؟
لا شك أن أمثال هؤلاء لا علم لهم بعوالم الغيب وفلسفة الشهادة، ويجهلون بأن الذي يتوجه للجهاد من أجل رضا الله تعالى فحسب، ووضع روحه على طبق من الإخلاص والعبودية، ليس بوسع حوادث الدهر أن تسيء إلى خلوده وبقائه ومنزلته الرفيعة. وكي يتسنى لنا ادراك قيمة وعظمة النهج الذي اختطه شهداؤنا، لا بد لنا من طي طريق طويلة وان نبحث عن ذلك في رحاب الزمن وتاريخ الثورة وأجيال المستقبل.
فمن المؤكد أن دماء الشهداء هي التي صانت الثورة والإسلام. وهي التي اعطت دروس المقاومة لشعوب العالم إلى الأبد. ويعلم الله أن طريق ونهج الشهادة ليس له نهاية، وستقتدي الشعوب والأجيال القادمة بنهج الشهداء. وستكون تربة الشهداء الطاهرة مزاراً للعشاق والعرفاء والمخلصين ودار الشفاء للأحرار إلى يوم القيامة. فهنيئاً لأولئك الذين التحقوا بركب الشهادة .. وهنيئاً لأولئك الذين ضحوا بأرواحهم ونفوسهم في قافلة النور هذه .. وهنيئاً لأولئك الذين ربوا في احضانهم أمثال هذه الجواهر.
إلهي! ليبق هذا الدفتر وسجل الشهادة مفتوحاً أمام المشتاقين ولا تحرمنا من الالتحاق بهم .. إلهي! ان بلدنا وشعبنا لا زالوا في بداية طريق النضال وبحاجة إلى مشعل الهداية، فاحفظ واحرس هذا السراج ذو النور الساطع .. هنيئاً لكم ايها الشعب هنيئاً لكم ايها النساء والرجال. هنيئاً للمعاقين والأسرى والمفقودين وأسر الشهداء المعظمة. وتباً لي الذي بقيت حتى هذه اللحظة وشربت كأس السم بقبول القرار. واني اشعر بالخجل أمام عظمة وتضحيات هذا الشعب العظيم. وتعساً لمن تخلف عن هذه القافلة .. تعساً للذين مروا حتى الآن من أمام هذه المعركة الكبرى للحرب والشهادة والامتحان الإلهي العظيم، إما صامتين، أو لا إباليين، أو منتقدين وغاضبين.
أجل، بالأمس كان يوم الامتحان الإلهي وقد مضى. وغداً امتحان آخر في طريقه إلينا. وفي انتظارنا جميعاً يوم الحساب الأكبر. وليعلم الذين تهربوا خلال سنوات النضال والحرب من أداء هذا الواجب العظيم ونأوا بأنفسهم وأبنائهم وأموالهم والآخرين عن أوار الأحداث؛ بأنهم هربوا من المعاملة مع الله، ومنيوا بخسارة كبرى وسوف يتحسرون على ذلك فيما بعد ولدى محاسبة الحق. واني ادعو ثانية جميع أبناء الشعب والمسؤولين إلى ضرورة التمييز بين هؤلاء وبين المجاهدين في طريق الله، وان لا يسمحوا لهؤلاء أدعياء اليوم الذين يجهلون كل شيء، والقاعدين قصيري النظر في الأمس، بالعودة إلى مسرح الأحداث.
سواء كنت بينكم أم لم أكن، فاني أوصيكم جميعاً بأن لا تدعوا الثورة تقع في أيدي هؤلاء غير المؤهلين و الغرباء. لا تدعوا النسيان يلف رواد الشهادة والتضحية ويضيعوا في دهاليز الحياة وهموم معيشتهم اليومية .. اني أوصي الشعب الإيراني العزيز وأؤكد عليه بالتحلي بالحيطة والحذر، ومراقبة الأمور بدقة إذ أن قبول الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقرار لا يعني أن الحرب انتهت. ولكن مع الإعلان عن قبولنا القرار تكون العجلة الإعلامية للناهبين الدوليين ضدنا قد تباطئت، غير أنه لا يمكن التنبؤ بمستقبل الأحداث بشكل موثوق. فالعدو لم يكف عن عدوانيته بعد، وربما سيواصل أساليبه العدائية تحت ذرائع مختلفة. لذا يجب أن نكون على أهبة الاستعداد للرد على أي اعتداء محتمل. ويجب أن لا يعتبر شعبنا بأن القضية قد انتهت. طبعاً نحن نعلن رسمياً بأن هدفنا من قبول القرار ليس تكتيكاً جديداً لمواصلة الحرب. فربما يحاول الأعداء مواصلة حملاتهم تحت هذه الذريعة. ويجب أن لا تغفل قواتنا المسلحة عن كيد الأعداء ومكرهم مطلقاً. ففي كل الظروف يجب أن تبقى البنية الدفاعية للبلد في أفضل حالاتها. إن شعبنا الذي لمس عن كثب طوال سنوات الحرب والنضال، ابعاد حقد وقسوة وعدوانية أعداء الله واعدائه، يجب أن لا يغفل عن خطر هجوم الناهبين الدوليين في أساليب وأشكال مختلفة. وفي الوقت الحاضر ينبغي لكافة القوات المسلحة وكما في السابق من جيش وحرس الثورة وقوات تعبئة، مواصلة مهامهم في جبهات القتال في التصدي لشيطنة الاستكبار والعراق. فإذا تجاوزنا هذه المرحلة من عمر الثورة كما ينبغي، فان ثمة ملاحظات فيما يتعلق بالمرحلة القادمة واعمار البلد والسياسات العامة للنظام والثورة، سأعلن عنها في الوقت المناسب. اما في المرحلة الراهنة فاني اطلب من جميع المتحدثين والمسؤولين في البلد ومن وسائل الإعلام والصحافة، بأن ينأوا بأنفسهم عن إثارة المعارك الجانبية والخوض فيها، ويجب أن يحذروا لئلا يصبحوا دون قصد آلة بأيدي أصحاب الأفكار والآراء المتطرفة. وان يتحلوا بالحيطة والحذر إلى جوار بعضهم البعض في رصد تحركات العدو. إذ من الممكن أن يتحدث الكثيرون بوحي من أحاسيسهم، عن لماذا وكيف وما يجب وما لا يجب. فعلى الرغم من أن حرية الرأي والتعبير تعد مسألة هامة وذات قيمة كبيرة ولكن ليس الآن وقت الخوض في مثل هذه الأمور. فربما يحاول أولئك الذين كانوا حتى الأمس يتخندقون في جبهة لمواجهة النظام وكانوا في الظاهر يتحدثون عن وقف إطلاق النار والسلام بدافع احراج النظام وإسقاط حكومة الجمهورية الإسلامية فحسب، فربما يحاولون اليوم أيضاً إثارة كلام مخادع آخر من أجل الهدف ذاته .. إن عبيد الاستكبار هؤلاء الذين كانوا حتى الأمس ومن وراء نقاب السلام الكاذب، يطعنون الشعب بخناجرهم من الخلف، من الممكن أن يصبحوا اليوم انصار الحرب. وسيبدأ القوميون عديمي الثقافة، ومن أجل مصادرة دماء الشهداء الأعزاء والقضاء على عزة وافتخار الشعب، إعلامهم المسموم. وسيقوم شعبنا العزيز إن شاء الله بالرد على كل الفتن ببصيرة وحنكة وفطنة.
أقول مرة أخرى أن قبول القرار كان بالنسبة لي أمرّ من الزهر. ولكني راضٍ برضى الله. وقد تجرعت ذلك من أجل رضاه. وما ينبغي التنويه إليه هو أن المسؤولين الإيرانيين هم وحدهم الذين توصلوا إلى هذا القرار بناء على قناعاتهم، ولم يكن لأي شخص أو بلد دور في ذلك.
ايها الشعب الإيراني العزيز النبيل! انني اعتبركم فرداً فرداً كأبنائي. وتعلمون بأني اعشقكم وأعرفكم مثلما أنتم تعرفونني جيداً. وان ما دعانا إلى ذلك في الظروف الراهنة هو الواجب الإلهي. فكما تعلمون أني كنت قد عقدت عهداً معكم بالقتال حتى آخر قطرة دم وآخر نفس، غير أن القرار الذي تم اتخاذه اليوم كان بناءً على تشخيص المصلحة فقط. وقد تناسيت ما قلته من قبل أملًا برحمته ورضاه فحسب. وإذا كانت لي مصداقية فقد تعاملت بها مع الله .. أعزتي! تعلمون جيداً بأني قد حرصت بأن يكون رضا الله وراحتكم مقدم على راحتي .. إلهي! أنت تعلم بأننا لا نساوم الكفر .. إلهي! أنت تعلم بأن الاستكبار وأميركا ناهبة العالم قطعت اشلاء زهور رياض رسالتك .. إلهي! أنت معتمدنا في عالم يسوده الظلم والكبت والاضطهاد، ونحن وحيدون ولا نعرف أحداً غيرك، ولا نريد أن نعرف أحداً غيرك. فكن عوناً لنا أنك أفضل المعينين .. إلهي! عوضنا عن مرارة هذه الأيام بحلاوة فرج سيدنا بقية الله أرواحنا لتراب مقدمه الفداء والتحاقنا بركبه.
يا أبنائي الثوريين! يا مَنْ غير مستعدين للتخلي لحظة واحدة عن غروركم المقدس! أعلموا أن كل لحظة من عمري مكرسة لخدمتكم على طريق العشق المقدس. أعلم أن الأمر صعب عليكم، ولكن ألا يمضي بصعوبة أكبر على والدكم العجوز. أعلم أن الشهادة أحلى من العسل بالنسبة لكم، وهل هي غير ذلك بالنسبة لخادمكم؟ فاصبروا أن الله مع الصابرين، ابقوا على غضبكم وحقدكم الثوري في صدوركم، وتطلعوا بغضب إلى عدوكم، وكونوا على ثقة بأن النصر حليفكم. واعلموا بأني لست بعيداً عن أجواء الحرب والمسؤولين عنها. بل أن المسؤولين عنها موضع ثقتي، فلا تشمتوا من الذين اتخذوا هذا القرار، لأنه كان صعباً ومؤلماً بالنسبة لهم أيضاً .. نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخدمته.
واني هنا أوصي شباب بلدنا الأعزاء، هذه الثروة والذخيرة الإلهية العظيمة، وهذه الزهور الفواحة والبراعم الواعدة للعالم الإسلامي؛ بأن يدركوا قدر وقيمة اللحظات الحلوة لحياتهم، وعليهم أن يعدوا أنفسهم لجهاد علمي وعملي كبيرين حتى تحقيق الأهداف السامية للثورة الإسلامية.
وأوصي جميع المسؤولين والمتصدين للأمور بالعمل على توفير سبل الارتقاء الأخلاقي والعقائدي والعلمي والفني للشباب بأي صورة ممكنة كي يتسنى لهم تحقيق التقدم والتطور المنشود. والإبقاء على روح الاستقلال وتحقيق الاكتفاء الذاتي حية في نفوسهم .. حذار أن يسعى الأساتذة والمشرفون التربويون، ومن خلال تمجيد العالم الذي يصطلح عليه بالمتحضر، إلى تحقير وتأنيب شبابنا الذين تحرروا للتو من الأسر والهيمنة الاستعمارية، وينحتوا لهم لا سمح الله من تقدم الأجانب وثناً ويلقنونهم روح التبعية والتقليد والاستجداء. فبدلًا من إثارة موضوعات من قبيل إلى أين وصل الآخرون وأين نحن منهم، ليلتفتوا إلى هويتهم الإنسانية ويصونوا حريتهم واستقلالهم، لقد استطعنا في ظروف الحرب والمحاصرة امتلاك الفنون والاختراعات وتحقيق كل هذا التقدم. وان شاء الله سنعمل في ظروف أفضل على توفير الأرضية الكافية لتفتح الطاقات وبلورة الإبداعات في مختلف المجالات. فالنضال العلمي للشباب يتمثل في أحياء روح البحث واكتشاف الحقيقة. اما نضالهم العملي فقد تبلور في ميادين الحياة والجهاد والشهادة بأبهى صوره.
أما الأمر الآخر الذي أود الإشارة إليه انطلاقاً من حبي واعتزازي بالشباب هو: أوصيهم بالاستعانة بعلماء الدين والروحانية الملتزمة بالإسلام في رحلتهم الى عالم المعنويات والقيم، ولا يعتبروا أنفسهم في أي وقت وتحت أي ظرف في غنى عن توجيهاتهم وارشاداتهم. فقد عمل علماء الدين المناضلون الملتزمون بالإسلام، دائماً وعلى مرّ التاريخ وفي أصعب الظروف، بأفئدة عامرة بالأمل وقلوب مفعمة بالحب والعشق، عملوا على تعليم وتربية وهداية الأجيال، وكانوا دائماً في الطليعة والدروع التي تحمي الناس، حيث صعدوا [اعواد] المشانق وتجرعوا الحرمان ودخلوا السجون وعانوا من الأسر والنفي. والأشد من كل ذلك كانوا عرضة لأمواج التهم والطعن. وفي الوقت الذي أصيب الكثير من المفكرين والمثقفين باليأس والاحباط في نضالهم ضد الطاغوت، عمل علماء الدين على إعادة روح الأمل والحياة إلى الناس ودافعوا عن مصداقية الشعب واعتباره الحقيقي. واليوم أيضاً يقفون إلى جانب الشعب في كل الخنادق بدءاً من الخطوط الأمامية لجبهات القتال وانتهاءً بالمواضع الأخرى. ويقدمون الشهداء العظام في كل حادثة مؤلمة ونكبة ظالمة. فلن تجدوا في أي بلد وأية ثورة، غير الثورة المستلهمة من رسالة وسيرة أئمة الهدى عليهم السلام الثورة الإسلامية الإيرانية، تعرض قادتها إلى كل هذا الهجوم والحقد. وكل ذلك بسبب الصدق والإخلاص الذي يتبلور في وجود العلماء الملتزمين بالإسلام، ذلك أن قبول المسؤولية في بلد يواجه الحصار والمشاكل الاقتصادية والسياسية والعسكرية، عمل صعب. طبعاً على علماء الدين الملتزمين أن يعدوا أنفسهم لتضحيات أكبر، ويسخروا كل ما في حوزتهم لصيانة مصداقية الإسلام وخدمة المحرومين والحفاة. وان ما يستحق الشكر والامتنان هو أن الشعب الإيراني الشجاع الواعي يدرك جيداً قدر وقيمة خدامه المخلصين، ويوجز فلسفة عشقه واعتزازه لهذه المؤسسة الدينية المقدسة في كلمة واحدة: إن علماء الدين والروحانية الملتزمة بالإسلام لم ولن تخون أصالة الشعب وعقيدته وأهدافه الإسلامية مطلقاً. ولا يخفى أني اقصد بالروحانية التي ذكرتها في جميع كتاباتي وخطاباتي واثنيت عليها، علماء الدين الأطهار الملتزمين المناضلين، لأن في كل شريحة يوجد بعض المدنسين وغير الملتزمين وأن ضرر الروحانيين المأجورين أعظم بكثير من ضرر أي شخص آخر. وان هذه الجماعة من الروحانيين كانت دائماً موضع لعن وغضب الله والرسول والناس. وان الروحانية العميلة والمتظاهرة بالقداسة والبائعة لدينها، ألحقت وتلحق خسارة حقيقية بهذه الثورة. وان علماءنا الملتزمين كانوا يدينون هؤلاء عديمي الثقافة ويفرون منهم دائماً.
انني أقول بكل صراحة، لو كان ادعياء الوطنية [مكان علماء الدين لمدوا] يد الذلة والمساومة بكل طواعية صوب العدو في المشاكل والمعضلات التي تواجههم. ومن أجل تخليص أنفسهم من الضغوط السياسية والمعيشية، فهم على استعداد لتحطيم كؤوس الصبر والمقاومة مرة واحدة، ولأداروا ظهورهم لكل العهود والمواثيق الوطنية والقومية التي يتبجحون بها. فلا يتصور أحد بأننا نجهل طريق المساومة مع الناهبين الدوليين، ولكن هيهات أن يخون خدمة الإسلام شعبهم، طبعاً نحن واثقون من أن أولئك الذين يكنون احقاداً دفينة لعلماء الدين المخلصين ولا يستطيعون أن يخفوا عقدهم وحسدهم، سوف ينتهزوا هذه الظروف ليوجهوا سهام احقادهم إلى علماء الدين. ومهما يكن فان الذي لا يوجد في قاموس علماء الدين هو المساومة والتسليم أمام الكفر والشرك، حتى وإن قطعونا أرباً أرباً ورفعونا على المشانق واحرقونا أحياءً، واخذوا نساءنا وأبناءنا أسارى أمام أعيننا، فاننا لن نوقع عهد الأمان مع الكفر والشرك.
إن علماء الدين والروحانية يدركون ابعاد مسؤولياتهم جيداً، ولكني أقول من باب التأكيد والتذكير: بما أن الكثير من الشباب والمفكرين يشعرون اليوم في أجواء الحرية التي تسود بلدنا الإسلامي، بأن بإمكانهم التعبير عن آرائهم وأفكارهم في الموضوعات والقضايا الإسلامية المختلفة، فان علماء الدين مطالبون بالاستماع إليهم بوجوه مستبشرة واحضان مفتوحة. وإذا ما ضلوا الطريق عليهم أن يرشدونهم إلى الصراط المستقيم ببيان مفعم بالمحبة والصداقة. ويجب الالتفات إلى أنه ليس بالإمكان تجاهل العواطف والمشاعر المعنوية والعرفانية لهؤلاء الشباب والتسارع إلى اتهام كتاباتهم بالالتقاطية والانحراف وإثارة الشكوك حول أهدافهم ونواياهم دون تمييز. إن هؤلاء الذين يعبروا عن أفكارهم ومكنوناتهم إزاء القضايا المطروحة على الساحة اليوم، انما تنبض قلوبهم للإسلام وهداية المسلمين، وإلا فلا يوجد أي مبرر لأن يخلقوا لأنفسهم المتاعب من خلال إثارة مثل هذه الموضوعات. انهم يتصورون مواقف الإسلام إزاء القضايا المطروحة للنقاش هي ما يرونه هم ويفكرون فيه. فبدلًا من الغضب عليهم وعزلهم، التعامل معهم بروح أبوية وألفة ومحبة. وإذا لم يقبلوا لا تيأسوا منهم. ففي غير ذلك فانهم سيقعون لا سمح الله في شباك الليبراليين القوميين، أو اليساريين والمنافقين، ولا شك أن ذنب ذلك لا يقل عن الالتقاط .. إن بإمكاننا أن نتفاءل بمستقبل البلد وجيل المستقبل عندما نثمن جهود هؤلاء الشباب في مختلف المجالات، وان نتغاضى عن أخطائهم واشتباهاتهم الهامشية، وان نحيط بالأساليب والأصول التي تقود إلى التعليم والتربية السليمة للجيل الواعد. إن ثقافة الجامعات والمراكز غير الحوزوية، اعتادت على العلوم التجريبية ولمس الحقائق أكثر من الثقافة النظرية والفلسفية. ومن خلال المواءمة بين هاتين الثقافتين وتقليل الفواصل بينهما، يجب العمل على الدمج بين الحوزة والجامعة كي يتسع المجال لنشر وبسط المعارف الإسلامية.
الملاحظة الأخرى التي أودّ الإشارة إليها هي أني أرى أكثر نجاحات علماء الدين ونفوذهم في المجتمعات الإسلامية يكمن في زهدهم وقيمهم العملية. واليوم أيضاً يجب أن لا ينسى ذلك، ليس هذا فحسب وانما ضرورة الاهتمام به أكثر من قبل. فليس هناك اقبح من اهتمام علماء الدين بالدنيا. كما أنه لا توجد وسيلة أسوأ من التوجه الدنيوي في إفساد الروحانية. فكم من الأصدقاء الجهلة، أو الأعداء الواعين يسعون عبر حرصهم غير المبرر، إلى حرف مسار الزهد لدى علماء الدين. وثمة فئة أخرى تحاول عن قصد أو جهل، اتهام علماء الدين بمناصرة الرأسمالية والرأسماليين. ولهذا وفي مثل هذا الظرف الحساس والمصيري، حيث يحتل علماء الدين مواقع خطيرة في مسيرة البناء والأعمار، وعدم استبعاد استغلال الآخرين لذلك، فانه يجب على علماء الدين مراقبة تحركاتهم بحذر شديد. إذ أن الكثير من الأشخاص والمنظمات والتشكيلات السياسية وغيرها ذات الواجهات الإسلامية، يحاولون الإساءة إلى مصداقية علماء الدين. وفضلًا عن تحقيق مصالحهم، يعملون على وضع الروحانية في مواجهة بعضها البعض. وبطبيعة الحال أن الشيء الوحيد الذي ينبغي لعلماء الدين أن لا يتخلوا عنه مطلقاً، ويجب أن لا يتركوا الساحة بسبب دعايات الآخرين، هو حماية المحرومين والحفاة، لأن كل من ينسحب ويعدل عن ذلك يكون قد تخلى عن تطبيق العدالة الاجتماعية للإسلام. فلا بد من التمسك بأداء هذه المسؤولية العظيمة مهما كانت الظروف وإذا ما توانينا في أدائها نكون قد خنّا الإسلام والمسلمين.
وفي الختام أتقدم بالشكر والثناء لمحضر الحق تعالى الذي أنعم بألطافه التي لا تحصى على هذا الشعب. وأرجو من المحضر المقدس لبقية الله أرواحنا فداه بكل خشوع أن يعيننا ويقودنا في مسيرة تحقيق أهدافنا. ونسأل الله تعالى أن يمن على أسر الشهداء بالصبر والأجر، وعلى المجروحين والمعاقين بالشفاء والعافية، وان يعيد الأسرى والمفقودين إلى وطنهم .. إلهي! نسألك أن تقدر لنا كل ما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين إنك قريب مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الخامس من ذي الحجة 1408
29/ 4/ 1367
روح الله الموسوي الخميني
طهران، جماران
الذكرى السنوية لمذبحة الحرم المكي، وقبول القرار 598
الشعب الإيراني
صحيفة الإمام الخميني ج ۲۱ ص ۷۳ الى ۹۲
«۱»-سورة الفتح، الآية ۲۷. «۲»-سورة الحج، الآية ۲۷. «۳»-«صدٌ عن سبيل الله»-سورة البقرة، الآية ۲۱۷. «۴»-المقصود هو البيت الابيض، والكرملن.
امام خمینی (ره)؛ 11 دی 0378