أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
أنتم هنا أيها السادة وايران- بحسب ما بلغنا من أخبار- تعيش حالة الاضراب الشامل خصوصاً في المدن المهمّة، مثل: طهران وتبريز ومشهد وقم، فبعضها معطّلة تماماً مثل: قم. والبعض الآخر تعيش اقسام منها حالة التعطيل، طهران معطّلة الأسواق، سوى عدد من الذين قد يكون لديهم ارتباط مع النظام.
وحسب ما اطّلعنا عليه، فإنّ هذا التعطيل هو اعتراض على الشاه نفسه، الناس عرفوا المجرم، المجرم كان معروفاً منذ السابق، إلّا أنهم لم يتجرّؤا أن يذكروه، والحمد لله انكسر حاجز الخوف هذا، ووضع الناس أصابعهم على موضع الداء فعرفوا المجرم، وفهموا مصدر بؤس شعبنا.
تمرّ اليوم أربعينية شبابنا من طلاب العلوم الدينية والعلماء وسائر شبابنا المتدينين في قم. وكم عانى الناس في هذه الأربعين يوماً من الحزن على شبّانهم، وكم أقاموا من المآتم، ولكن بأية شجاعة واجه أهل قم وطلاب العلوم الدينية هذه الحكومة وعناصر النظام؟
إنها شجاعة منقطعة النظير في التاريخ، لقد قدّموا الشهداء، وقاوموا مقاومةً جعلت النظام يبث مأموريه في الشوارع، بل في الأزقّة وعلى مداخل الأزقة- حسب ما ذكر- لقد قاوم الناس- قبل المجزرة وبعدها، وبالقدر الذي كان ممكناً- وأثبتوا أنهم احياء، إننا احياء لا موتى.
دعا مراجع الإسلام الكبار في قم- سواء في خطاباتهم وبياناتهم- خصوصاً البيان الأخير الذي أصدروه قبل عدَّة أيام- يومين أو ثلاثة أيام- لإقامة العزاء، ولتجليل أربعين الشهداء، وداعين إلى الإضراب العامّ في أربعينهم، إنها مسائل تعبّر عن شجاعتهم. لقد أشاروا إلى العلّة الأساسية، وإن لم يقولوها بصراحة، لكنهم أشاروا إليها بكناية أبلغ من التصريح. ثبّتهم الله إن شاء الله. وعصر أمس أقام طلاب العلوم الدينية- برغم وجودهم في مدينة مستهدفة من قبل الأشرار- مجلس عزاء كبيراً جداً، وقد صرّح بعض الشبان بالكثير من الأمور من على المنبر، ودون خوف.
والآن- وبينما نجتمع نحن هنا- فإنّ اجتماعاً كبيراً يقام في المسجد الأعظم- حسب ما وصلنا من أخبار متواترة- ولا ندري ماذا ستعمل الحكومة مع هذا الاجتماع؟ ولا أعلم الآن هل هاجم المأمورون الاجتماع، ومارسوا القتل والتخريب مرّة أخرى أو لا؟ نحن الآن قلقون من وقوع ذلك، قلقون من ذلك، قلقون من احتمال مواجهة المدن الكبيرة لما نخشاه، وأذكر من هذه المدن مشهد التي تتحسّس منها الحكومة بشدة آذربيجان وتبريز التي تبدي الحكومة اهتماماً كبيراً بها، وقم التي تُمثِّل مركزاً لجميع هذه الأحداث، فمن قم- كما ذكر أهل البيت عليهم السلام- ينتشر العلم إلى جميع البلاد.
والأمر كذلك الآن، فهي مركز النشاط الإسلامي، فالتحرك ابتدأ من قم، من نفس قم، ومن طلاب قم، ومن مدرّسي قم- حفظهم الله- ومن جماهير قم أولئك الجنود الأوفياء للاسلام، وان التحرك بدأ يسري من هناك إلى كل مكان، لنرى، هل يسري الينا؟ الله العالم.
جميع أنواع البؤس- الذي عانيناه وما نعاني- هو بسبب زعماء هذه الدول الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان، فإنّ الموقّعين على إعلان حقوق الإنسان هم أولئك الذين سلبوا حرية الإنسان في جميع الأوقات التي أمكنتهم فيها الفرص.
وأهم ما في إعلان حقوق الإنسان هو حرية الأفراد، فكل فرد من افراد البشر حرّ، ويجب أن يكون حراً، ويجب أن يكون الجميع متساوين إزاء القانون، الجميع يجب أن يكونوا أحراراً في بلدانهم، وأحراراً في عملهم، وأحراراً في مشيهم. هذا هو إعلان حقوق الإنسان المتضمّن لهذه المسألة. والمسلمون، بل جميع البشر، كانوا يعانون من هؤلاء الذين وقّعوا وصادقوا على إعلان حقوق الإنسان، وأميركا هي إحدى الدول التي صادقت على هذا الإعلان الذي يضمن حقوق الإنسان، وأحد حقوق الإنسان هو الحرية.
انظروا ماذا ارتكب هؤلاء الامريكيون الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان من جرائم على هذا الإنسان في السنوات الأخيرة، وأنا أتذكّرها أكثر منكم، لكبر سنّي. ماذا حصل للانسان من مشكلات على يد أميركا، وهي من الدول التي وقّعت على اعلان حقوق الإنسان؟ لقد نصّبت أميركا في كل من بلدان المسلمين مأموراً لها سلب حرية الموجودين في ذلك المكان.
هؤلاء ينادون بحرية الإنسان لتخدير الجماهير، غير أن الجماهير حالياً لا يمكن تخديرها، فالأمور التي يقومون بها- بما في ذلك إعلان حقوق الإنسان- يقصد منه استغفال الجماهير، تلك الأمور ليست حقيقة، وهم يكتبون شيئاً جميلًا مزخرفاً، يكتبون ثلاثين مادّة كلها لمصلحة الإنسان، ولا يعملون بواحدة منها! لا تطبّق واحدة منها عملياً، هذا هو الاستغفال، وهذا هو الأفيون للجماهير وللشعب.
ونحن نرى هذا المعنى ينطبق على أميركا التي وقّعت إعلان حقوق الإنسان، وعلى إنجلترا التي يبالغون في وصف حضارتها، ويُغالون في وصف ديمقراطيتها، وهذا إعلام كاذب، وشيطنة منهم ليس إلا، فقد دفعوا الناس بالإعلام الخادع إلى التصديق بأنّ انجلترا تقف على هرم الديمقراطية، وأنّ الملكية الدستورية مطبّقة بمعناها الحقيقي في إنجلترا، وأوهموا الناس بقبول هذا المعنى بإعلامهم، ونحن رأينا الجرائم التي ارتكبتها انجلترا في الهند وباكستان ومستعمراتها الأخرى، وما فعلت أميركا بالمسلمين، وما تقدّمه من الدعم حالياً لربيبتها اسرائيل التي أقاموا لها كياناً هناك. نرى أية جرائم ارتكبوا على المسلمين والشيعة خاصَّة.
ومن ناحية أُخرى وضعوا عميلًا لهم في مصر اسمه السادات الحاكم الناشط في تطبيق مخططات الاستعمار، وكلّنا نعلم بزيارته لاسرائيل. وفي الخمسين سنةً التي نتذكّرها، وهي تمثّل حالة العزاء، تمثل المصيبة لايران بما ذاق الشعب من هذه الأسرة الظالمة، قامت انجلترا- المحبّة للانسان!- انجلترا الديمقراطية التي وقّعت على إعلان حقوق الإنسان بإيصال رضا خان الى السلطة وذلك بحسب إقرارها هي، وجعلتنا عرضة للعناء حوالي عشرين سنة، وجعلت الشعب المسلم في مشقة.
فرضا خان كان يريد محو آثار الشريعة الإسلامية، وهو وإن لم ينجح، إلا أن المقرر كان هذا، لأنه كان يقمع بشدة كل ما كان يشم منه رائحة الإسلام، وكل تبليغ كانت تأتي منه رائحة الإسلام. وأميركا هذه التي وقّعت على اعلان حقوق الإنسان سلّطت علينا- على ايران- إنساناً هو الخلف الصالح لذلك الأب!
فالشاه الحالي هذا الذي كان على رأس الحكومة، وجعل ايران مستعمرة رسمية لأميركا، ارتكب جرائم فضيعة خلال خدمته لها، لقد تم تعيين هذا الأب والابن بقوة أولئك الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان، فارتكبوا علينا هذه الجرائم.
ان الموقّعين على إعلان حقوق الإنسان عرّضوا الإنسان لكل هذا العناء، ومارسوا كل هذا الضغط على الإنسان، وشاهدنا بعض ذلك وسمعنا عن بعضه، وإن كان يصعب على الإنسان أن يفهم كل شي بشكل صحيح من خلال السماع فقط، فأنتم الآن تسمعون سماعاً عمّا جرى على الشعب في زمان رضا خان، ولكن لا يمكنكم أن تدركوا قسوة ذلك بشكل صحيح كما أدركه ابناء الشعب ولمسوه آنذاك. ماذا رأى الشعب الايراني من هؤلاء الناس؟
أنتم الآن تلمسون، ليس لمساً بالمعنى الدقيق للكلمة طبعاً، فأنتم موجودون الآن هنا، وقد أصبحت الاتصالات الآن تمكّنكم من فهم ما يجري فهماً صحيحاً، لذا تستطيعون أن تدركوا ماذا عمل هذا الإنسان خلال هذه الأيام بالشعب الايراني.
وإني لا استبعد أن تكون هناك الآن حرب ونزاع، فنحن على اطلاع أنهم قد داهموا مدخل مسجد الشاه، وفتحوا عدة دكاكين بالقوة. أما السوق فلم يستسلم لهم. ومع أن الحكومة أصدرت بياناً وزّعته في جميع المحلّات في أسواق طهران يحذرهم من أنّ كل من يعطل سوف يواجه كذا وكذا، ومع ذلك لم تهتمّ الأسواق- حتى سوق طهران القريب منهم- بهذا الكلام. الشعب لم يعد يهتمّ بهذا الكلام، ولا يلتفت اليه، كان الاهتمام في السابق حيث كانوا يخيفون الناس، وحيث كان الناس يتصوّرون صحّة ذلك أيضا ... الناس يقدمون القتلى حالياً، ومع ذلك لا يهتمّون بهذا الكلام.
والآن ونتيجة لهذا القتل الذي حصل في ايران، وفي قمّ بالتحديد حيث قتل كثير من أهل العلم والمتدينين الشبّان القمّيين، وتُقام الآن أربعينهم، فالشعب الايراني- أحياه الله إن شاء الله- حيّ، وسيسجل التاريخ حيويته هذه إلى الأبد، وأحيا الله الحوزة العلمية في قم، وسوف يسجّل التاريخ حياتها هذه إلى الأبد- في نشاط وتحرُّك، بينما نحنُ الآن جالسون هنا بهدوء، والله العالم ما هو حال مشهد الآن، لا أعلم ما هو حالها، لكنها كانت تعيش حالة الإضراب.
الله العالم ما هو حال آذربيجان- أنا لا أعلم- لكنها كانت تعيش الإضراب، وكذلك قمّ كلها- حسب ما ذكروا- تعيش حالة الاضراب، فليس هناك من محلّ مفتوح، ولا بقال واحد، كلّ قم في عطلة عامّة.
لقد شلّ الإضراب تسعين بالمائة من طهران، فالتعطيل فيها ليس أمراً سهلًا كما نتوهّم، بل هو صفعة إلى هؤلاء الثرثارين الذين كانوا يقولون: إنّ ستة ملايين نسمة يؤيدوننا، وصوّتوا للثورة البيضاء، وقولهم هذا لم يكن سوى كذب محض.
لقد ارسلت جماعةً إلى طهران- عندما كنت في ايران- لمعرفة حقيقة الوضع في ذلك اليوم الذي أجري فيه الاستفتاء، فأخبرني أنه لم يأت إلى هناك أكثر من ألفي نسمة، وهؤلاء الألفان من مأموريهم أيضاً، في حين أن أُولئك كانوا يقولون: إن ستة ملايين نسمة في ايران معنا، والباقي ممن لم يصوّتوا هم الشيوخ والنساء والأطفال، النتيجة هي أنّ الاستفتاء- كما يقولون- كان بالإجماع. وبعد ذلك يقول الشاه- أينما ذهب- إنّ الشعب معه، وإنّ هناك حفنة ناس وهم ماركسيون إسلاميون يقولون شيئاً آخر، وإلا فالشعب معي!!
ولكنكم سوف ترون ماذا سيحصل لهم بعد هذا التعطيل العام، سيقومون بلعبة في قم كما قاموا بذلك سابقاً، فبعد ذلك الإضراب السابق الذي استمر أسبوعاً في قم، وأسبوعاً في إصفهان، أو ثمانية أيام- كما قيل- ويومين أو ثلاثة في طهران- وفي أحد تلك الأيام كان الجميع قد اضربوا واعترضوا، حينها قاموا بملء حافلات النقل بهؤلاء المساكين الذين لا اطّلاع لديهم ترافقهم مجموعة من مأموريهم، وأصدروا تعميماً رسميّاً بلّغوه إلى جميع الدوائر والمدارس طالبوهم فيه بتعطيل أعمالهم وركوب حافلات النقل. هذه هي الحرية! يقولون لهم: يجب أن يأتي الجميع بشكل حرّ، فأنتم أحرار!
ومع أنهم أصدروا تعميماً رسمياً إلى جميع الدوائر، إلّا أنّ الدوائر لم تكترث بهم. هؤلاء المساكين الذين أجلسوهم في حافلات النقل، وجاؤا بهم، وقالوا لهم- بحسب ما اطّلعت عليه- أننا نودّ إرسالكم لزيارة مرقد المعصومة- عليها السلام- في قم، وعندما أدركوا في وسط الطريق أنّ الأمر ليس كذلك فرَّ من استطاع منهم الفرار، أما البقية، فكانوا وكأنهم يشيعون جثماناً، فكلّما قالوا لهم: قولوا يحيا الشاه. لم يجيبوا. تماماً كما لو أنهم يشيعون جثماناً، كان الناس ساكتين كأنّهم يشيعون جثماناً! إنه تشييع لجثمان الشاه. إن هؤلاء لا يفهمون ونحن عاجزون عن جعلهم أناساً بحق، ولو ساروا مع الشعب، واهتموا بمطالب الشعب، وعملوا بمسؤولياتهم، وتمسَّكوا بالإسلام والقواعد الإسلامية؛ لما عارضهم الناس.
أينما وضع الناس أيديهم رأوا الشاه معارضاً لهم، ينبذ التاريخ الإسلاميّ، أي: يُعارض الإسلام، وأسوأ ما حصل في عهد هذا الإنسان هو تغيير التاريخ، وإن لم يوفق، لكنه أراد أن يكون، هو أسوأ عمل ارتكبه، أسوأ حتّى من هذه المجازر، فهذا لعب بكرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله). أينما وضع الناس أيديهم وجدوا (الشاه) قد وضع يده عليه وعبث به، هكذا فعل بتاريخهم، وهكذا فعل بمدارسهم العلمية التي عُرِّضت لعدَّة غارات، وطُبِّق عليها تضييقاً شديداً حتّى الآن.
داهموا المدرسة الفيضية مراراً، وارتكبوا فيها جرائم، وهم يهاجمون الآن المدرسة الحجتية ومدرسة الخان، هذه المدارس هي أهداف هجومهم الآن، فهم يهاجمون مدرسة الحقّاني، وكل مدرسة مفتوحة الأبواب، ويجتمع فيها الطلاب.
أطلقوا النار- حسب ما قيل- على جميع أبواب ونوافذ مدرسة الخان، وحطّموها. في مدرسة الحجتية قتلوا أحد الأشخاص رمياً بالرصاص، وسال الدم المظلوم مستنهضاً الهمم، وذهب أحد العلماء إلى هناك، ثم رجع، وقال (ذهبنا ورأينا سقوط الدم في ذلك المحل الذي ضُرب فيه هذا الشاب برصاصة، سال الدم حتى بلغ حافة الحوض). هل تحتملون أن رئيس شرطة قم يقوم بمثل هذا العمل دون إذن؟ إنه لا يتمكن أن يقوم بمثل هذا العمل. لا تقولوا: إنّ المأمورين قاموا بهذا العمل، فالذي يقوم بهذه الأعمال هو الشاه نفسه، فهو مَنْ يأمر بذلك، الشاه نفسه يقول: اقتلوا. وما لم يقل، فإنّ المأمورين لن يقوموا بذلك. وإلّا هل هو أمر سهل ضرب شعب بالبندقية والرصاص؟
أهو أمر سهل أن تضرب الحوزة العلمية التي يُحبّها الناس ويعتبرونها مؤسسة مقدّسة؟ هل هو أمر سهل أن تقوم شرطة طهران وشرطة قم ورئيس سافاك طهران ورئيس سافاك قم، ولا أدري رئيس وزراء طهران، ورئيس وزراء ماذا، هل يتمكّن هؤلاء من القيام بمثل هذا العمل دون إذنه؟
كل ما يحصل هو من الشاه نفسه، المجرم الأصلي هو هذا الرجل عينه، فمن الذي عيّنه ملكاً؟ نفسه كتب في كتابه يقول: (عندما جاء الحلفاء- طبعاً حذفوا هذا الكلام بعد أن أدركوا أنهم أخطأوا بنشره هو نفسه- إلى ايران رأوا من الصلاح أن أكون أنا ملكاً، وأن تبقى السلطة لأسرتنا). اللعنة على هذا الصلاح!
هؤلاء الحلفاء الذين وقّعوا على إعلان حقوق الإنسان هم نصّبوا علينا مثل هؤلاء البشر، وعرَّضونا لمثل هذا الضغط. الإنسان حرّ! ولكن كيف هي ايران؟ نصّبوا عليها شخصاً هناك، نصبوه منذ ذلك الحين، وسلبوا جميع الحريات، هذا الاجتماع الذي يضمّنا الآن لم يكن متيسّراً عقده آنذاك، فالناس لم تقدم على عقد مثل هذه الاجتماعات، أو أنها غير واعية لأهميتها.
حوزة قم باعثة الإسلام وإيران
أحيت حوزة قم ايران، وخدمت الاسلام خدمةً ستبقى خالدة مئات السنين، لا تستصغروا أيها السادة ما قامت به الحوزة هناك، ادعوا لحوزة قم، وادعوا أن نصبح نحن هكذا أيضاً. سيظل اسم حوزة قم في التاريخ، بينما ندفن نحن الموتى. لقد اعادت الحوزة العلمية في قم الحياة للاسلام، لقد أيقظت الجهود التبليغية للحوزة العلمية في قم وبيانات مراجع قم وعلمائها الجامعات التي كانت تعتبرنا إفيون الشعب، وتعدّنا عملاء لإنجلترا والمستعمرين، لقد ظهر أنّ هذا باطل يروّجه أولئك، الانجليز والألمان والسوفيت يقولون بإعلامهم أن حوزات الدين، الحوزات العلمية وعلماء الدين هم إفيون.
إن أولئك يروّجون ذلك، لأنهم يعلمون ما هي نشاطات هؤلاء وما تحركاتهم، فالاسلام دين متحرك، وهؤلاء يعلمون بذلك، ولذا يريدون اسقاط هيبة هذه المؤسسات لدى الشعب. وكم سنة روَّجوا لذلك! حتى إننا نحن الملالي صدّقنا أيضاً، الملالي أنفسهم صدّقوا أيضاً، فالبعض منا يقول: (ما نحن والسياسة). و (ما نحن والسياسة) معناه أن نضع الإسلام جانباً، أن يدفن الإسلام في غرفتنا هذه، يدفن في كتبنا هذه.
إن هؤلاء يتمنون أن يكون الدين مفصولًا عن السياسة، وهذا أمر ابتدعه السياسيون منذ زمن، وروّجوه بين الناس حتّى إننا نحن الموجودين هنا قد صدّقنا بأنه لا علاقة لنا بالسياسة، وراح بعضّنا يقول: (اتركوا السياسة لأهلها، نحن مختصّون بالمسائل الدينية، إذا صفعونا على الخدّ الأيمن، ندير لهم الخدّ الأيسر)، وقد نسبوا هذا خطأً إلى عيسى (عليه السلام). هؤلاء الحيوانات نسبوا هذا إلى حضرة عيسى (عليه السلام) وعيسى (عليه السلام) نبي، والنبي لا يمكن أن يكون منطقه هكذا. أنتم رأيتم الأنبياء، إلّا أن حضرة عيسى (عليه السلام) عاش قليلًا بين الشعب، ثم رفع بالمعراج إلى السماء.
أنتم كلّكم تعلمون تاريخ الأنبياء، فحضرة إبراهيم (عليه السلام) الذي هو أبو الأنبياء العظام- عليهم السلام- قام بفأسه وحطّم تلك الأصنام كلها، ولم يَخَفْ قط من الإلقاء في النار، لم يخشَ هذا الكلام، ولو كان لديه خوف لما كان نبياً.
هذا منطق ذلك الإنسان الذي حارب القوى الكبرى في زمانه، ووقف وحده إزاء تلك القوى التي سعت لاحراقه فيما بعد، لم يكن منطقه أنه إذا صفعوك على هذا الجانب أدرْ لهم الجانب الثاني. هذا منطق الكسالى الذين لا يعرفون الله.
هؤلاء لم يقرأوا القرآن، فهذا موسى (عليه السلام) كان امرءاً واحداً راعياً، وقف بعصاه مقابل مَن؟ مقابل فرعون الذي كان يدّعي الألوهية. هؤلاء أيضاً يريدون ادّعاء الالوهية، يرون أنه ليس هناك من يعبأ بهم، ولو تراخيتم قليلًا لقال هؤلاء ايضاً (أنا ربكم الأعلى).
إن هذه الأكاذيب كانت في العالم، وها هي الآن فيه أيضاً، وسوف تبقى إلى ما بعد، فذلك موسى (عليه السلام) وذلك أيضاً الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي تعرفون تاريخه جيداً بعث وحيداً، وخطط ثلاث عشرة سنة، وحارب عشر سنوات، لم يقل: (ما نحن والسياسة؟). أدار بلداناً، ولم يقل: (ما علاقتنا بالسياسة؟) وتلك أيضاً حكومة أمير المؤمنين، وكلكم تعرفون وضع حكومته ووضع سياسته ووضع حروبه، لم يقل: (علينا أن نجلس في بيوتنا نقرأ الدعاء ونزور، فلا علاقة لنا بهذه الأمور).
أحد العلماء كان يقول: (لو أن حضرة صاحب الزمان- سلام الله عليه- رأى الأمر يقتضي المبادرة، لجاء بنفسه). رحمه الله، كان يقول: (قلبي لا يحترق على الإسلام أكثر من صاحب الزمان- سلام الله عليه- وهو يرى كل شيء، فليأت هو بنفسه، فلماذا أقوم أنا بذلك)؟
هذا منطق الذين يريدون التنصل من عبء المسؤولية، والإسلام لا يقبل هؤلاء، ولا يقيم لهم اعتباراً، فقد غلبهم التنصّل من المسؤولية، فراحوا يقومون بعمل ما، يبحثون عن روايتين من هنا وهناك، فيتوصّلون إلى نتيجة مؤدّاها ضرورة التنسيق مع السلاطين مثلًا، والدعاء للسلاطين.
وهذا خلاف للقرآن، هؤلاء لم يقرأوا القرآن، ولو جاءت مائة رواية تشير الى هذا المعنى ضربنا بها عرض الجدار، فهي خلاف القرآن، خلاف سيرة الأنبياء، مع أنه ليست هناك رواية تقول بهذا.
لاحظوا أنتم كل تلك الروايات التي تشير إلى أن مَنْ أحب سلطاناً حُشِرَ معه، هل يمكن أن يرغب المسلم في أن يحيي الله أحد الظلمة القاتلين؟ هل يمكن أن تكون لديه محبّة لمن يقتل إنساناً، يقتل عالماً، يقتل العلماء؟ كم لدينا الآن من العلماء الكبار والمدرسين العظام يرزحون في السجون وفي المنفى؟ هل تعلمون كم من العلماء يرزحون الآن في السجون، وكم من هؤلاء العلماء في المنفى؟
وبرغم ذلك عاد هؤلاء الذين نُفوا سابقاً، وشدّوا قبضاتهم في وجه الحكومة والشاه، فوقعوا في مشكلة مرة ثانية، فهذا الأخ الشاب المحترم الذي تكلّم أمس في مراسم الفاتحة كان معتقلًا ومنفياً، وأظن- ظنَّاً يفوق الظن- أنه اعتقل مرَّة أخرى، أو أنه سيعتقل غداً، لقد جاء من السجن توّاً وشدّ قبضته. وهذا هو ابن الإسلام، المسلم هكذا، المسلم إذا لم يكن لديه اهتمام بأمور المسلمين، فليس بمسلم (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم).
وليقل هؤلاء (لا إله إلا الله، كيف لا يكون مسلماً؟). الإسلام هو ما ينفع المسلمين، المسلم هو من ينفع المسلمين. المسلم من يهتم ويتألم حينما يسمع أنهم قتلوا شبابنا. أينبغي أن لا نكترث لذلك؟ قتلوا علماءنا، ثم لا نكترث؟ قتلوا المؤمنين والمسلمين، ثم لا نكترث؟
يجب أن نغيّر أنفسنا، هؤلاء الشبان الذين سجنوا ونفوا، وهم الآن منفيون بعد أن قضوا مدّة نفيهم وسجنهم، وأعيدوا مرة ثانية إلى قم، بادروا من جديد لممارسة نفس دورهم في التبليغ، فباؤا بالمصائب نفسها، فأُعيدوا مرة أخرى إلى المنفى، ولو أعيدوا عشر مرات؛ فهم كذلك، لأنهم تربّوا تربية إسلامية.
ولو قُتِلَ حضرة أمير المؤمنين (عليه السلام) مائة مرة وأحيي؛ لبقي أمير المؤمنين بعظمته. ولو قتلت أنا- الإنسان الكسول- مائة مرة أو مرّة واحدة لبقيت ذلك الإنسان الكسول. إن جميع مصائبنا هي من أُولئك الزعماء الذين وقّعوا على اعلان حقوق الإنسان، واعلنوا تأييدهم لحرية الإنسان. مصائبنا من انجلترا- والى الوقت الذي ضعفت فيه قوتها إلى قدر ما- ومن الاتحاد السوفيتي ومن أميركا حالياً.
جميع مشكلاتنا من هؤلاء العملاء الذين لو تخلّت القوى الكبرى عن حمايتهم لسلخ الناس جلودهم. أعطوا الأمريكيين حصانة، وجعلوهم مصونين عن كلّ شيء، وأخذوا مقابل ذلك عدة دولارات، والآن تلاحظون كم من ذوي المناصب الامريكيين في ايران، وبأية رواتب ضخمة يعملون؟ هذه المشكلات التي تعترضنا، فثرواتنا تذهب إلى جيوب الامريكيين، وإذا بقي قليل منها، فيجب أن يذهب إلى جيب الشاه وحاشيته، وهؤلاء يشترون قصوراً في الخارج ايضاً، ويشترون كذا وكذا؟ كدّسوا أموال الناس في المصارف، وهم يروّجون أن الدولة الايرانية الآن هي من الدول المتقدّمة في العالم، وهي الآن في مستوى أميركا واليابان! بل إنها قد تقدّمت الآن على اليابان قليلًا! وقد اتضح فساد هذا الكلام، فحتى البقال البسيط يقول بأن الشاه يتكلّم كلاماً فارغاً، لكنه وقح وسترون ماذا ستقول الصحف غداً بعد هذه الوقائع التي وقعت.
ستشرع الصحف مرة ثانية في القول: بأن جميع الشعب يؤيدنا وجميع الناس معنا، وهناك عدة أشخاص لديهم انحراف! كل مسلم وكل عالم صحيح يؤيدنا! العالم المثقف الصحيح يؤيدنا! هؤلاء العلماء رجعيون! علماء قم هؤلاء رجعيون.
مراجع قم الكبار الذين أعلنوا إضراباً عامّاً هؤلاء من الرجعيين! العلماء الكبار المدركون لخفايا الأمور يؤيدوننا! العلماء الحقيقيون يؤيدوننا- يسمّونهم العلماء الحقيقيين- وإنك لتعجز عن العثور على أولئك العلماء الحقيقيين، إنك لن تجد هؤلاء العلماء الحقيقيين إلّا في الصحف، فأي علماء هؤلاء؟ هل يمكن للمسلم أن يكون مؤيداً لك؟ هل يمكن أن يكون المسلم راضياً بقتل هؤلاء؟ ولكن المسلم أو العالم يخاف أحياناً فيسكت، وأحياناً لا يخاف فيتكلم. في بعض الأحيان يخاف أحد الطلبة ولا يخرج من بيته، وأحياناً لا يخاف فيتكلم.
أما أنهم يؤيدون، فهذا كلام فارغ لا معنى له، أيّ عالم يمكنه أن يكون مؤيداً لك؟ هل يمكن أن يكون احد عالماً، ويُسمّي نفسه عالماً، ويكون مؤيداً للمجزرة؟ هل يمكن أن يكون الإنسان مسلماً ولديه اعتقاد بالاسلام، ويكون مؤيداً لتغيير التاريخ الإسلامي إلى تاريخ الكفار؟ أيكون الإنسان مسلماً ويكون مؤيداً لنزع الحجاب؟ لقد ثارت النساء الايرانيات أيضاً عليه، وسخرن منه، وقلن بأنهنّ لا يردن مثل هذا الشيء. يجب أن نكون حرّات، وهذا التافه يقول: أنتن حرّات، ولكن يجب حتماً أن تذهبن إلى المدارس بلا عباءة ولا مقنعة، هل هذه حرية؟!
في ايران من الغرائب مالا أستطيع فهمها، فهذه الحكومة الايرانية وشاه ايران مجموعة من المتناقضات غير الواضحة (جمل، ثور، نمر). في ايران ما لا يُفهم، أنا لا أعلم ما هي القضية، هذه مشكلتنا، طبعاً لدينا مشكلات كثيرة لا نتمكّن من عرضها جميعاً، وكلّها من هؤلاء المصادقين والموقّعين على إعلان حقوق الإنسان، نحن وأمثالنا وأنتم وأمثالكم رجعيون ومتخلّفون، وأمثال ذلك وأولئك تقدميون، والبلد في غاية التقدم؟!
الله وحده يعلم كم من الناس يراجعونني في أمور بسيطة، مثلًا: إننا نريد أن نبني في المكان الفلانيمخزناً للماء. فالأهالي ليس لديهم ماء، والنساء يذهبن فرسخاً لجلب الماء، ليس لديهم ماء. وعندما لا يكون لديهم ماء، فهل يعقل أن يكون لديهم كهرباء مثلًا؟ هل الطرق عندهم معبّدة بالاسفلت؟ حتماً ليس لديهم شيء، لا تنظروا إلى طهران من أحد جوانبها، فهم يبنون هذا الجانب فقط، اذهبوا إلى الجانب الآخر من طهران، اذهبوا إلى تلك المستنقعات، وشاهدوا الوضع، فمن المناطق ما يضطر أهلها الى النزول مائة درجة من درجات السلم، لكي يصلوا بالماء الى بيوتهم، فهناك بنوا بيوتهم، ويا للبيوت! إما بالحصير أو بالطين، بنوا بيتاً، ليسكن هؤلاء الأطفال المساكين هناك.
أتكلم على طهران لا على المناطق البعيدة، طهران هي هكذا، عندما تدخلون طهران ترونها مكتظة بالسيارات وكذا وكذا، ولكنكم لم تذهبوا إلى الجانب الآخر منها لتروا حقيقة الوضع، ليس لديهم ماء للشرب، يجب عليهم ان يجلبوا جرارهم ويصعدوا من ذلك السلم، قلت: مائة درجة تصعدها النساء إلى الأعلى، ليصلن إلى احدى المناطق التي وضعوا فيها حنفية الماء، وهناك يملأن جرارهنّ ماءً، ثم يجب أن تعود هذه المرأة المسكينة مرة أخرى. وفي الشتاء البارد هكذا تتصرف النساء ليلجبن الماء لأطفالهن. فما هو مستوى الفقر الذي تعانيه هذه الأسر؟
بعض هؤلاء أخرجوهم من هناك- كان أحد البيوت لأحدهم، واحدى غرفه مؤجرة لعدة اشخاص- جاؤا ثم أخرجوهم، وذلك في شارع بامنار وألقوا بهم في وسط الشارع، ألقوه هو وزوجته وطفله في وسط الشارع، ذلك ما نقله لي أحد من أثق بهم، وهو إمام جماعة بامنار، وقال: (إن هذا المسكين، أخذوا منه ذلك المنخفض، وجاء الآن إلى بامنار، وجلس هنا في الشارع مع أطفاله، فاجتمع الناس، وبنوا له شيئاً، ليسكنه في البداية).
هذا هو البلد المتقدم، ومركز المدينة، مركز البلد طهران، هكذا هو مركز البلد! كتب في الصحف- ولا أتذكر في أية صحيفة قرأت ذلك- أنه في أطراف شوشتر حينما يستيقظ الأطفال صباحاً لا تنفتح عيونهم لالتصاقها نتيجة (التراخوما) الناجمة عن عدم توفر الماء، وهم يغسلون وجوه الأطفال وعيونهم بالبول! هذا هو وضع بلدنا! هل هذا بلد متقدم؟ ذلك البلد الذي يضطر أبناؤه لغسل عيونهم بالبول، وإذا كان لديهم مقدار من الماء، فإنهم يريدون أن يشربوه.
كتب في الصحيفة: يغسلون عيون أطفالهم بالبول حتى تفتح! هذا (بلد متقدم)! أين تذهب أمواله؟ هل بلدنا فقير؟ إن في بلدنا نفطاً، بل بحراً من نفط، بلدنا لديه حديد، لديه كلّ شيء، لديه جواهر، بلدنا بلد غني، ولكن هؤلاء (المحبّين للانسان!) وضعوا مأموراً على رأس هذا البلد، لا يدع هذه المنافع تصل إلى أيدي الفقراء، فكلّها يجب أن تذهب إلى جيوبهم، وتصرف على ملذاتهم، وإذا بقي مقدار من ذلك، فإنّ ذلك المقدار هو حصة هؤلاء العملاء، ومع أن حصتهم قليلة ملكوا بها قصوراً في كلّ الأماكن التي يذهبون إليها، وملكوا الأراضي والأموال في المصارف، وصار لديهم كلّ شيء، فهم أثرياء جداً.
(كارتر) خدع الناس مدّة، فوعد أنه إذا جاء إلى الحكم، يقوم بكذا وكذا قال بصراحة- والكذّاب ينسى- قال: (يجب عدم الحديث بحقوق الإنسان في المناطق التي نمتلك فيها قواعد عسكرية). هذا الأمريكي الذي وقّع على هذا المعنى يقول بصراحة: (يجب عدم التحدُّث بحقوق الإنسان في ايران، لأن لدينا قاعدة فيها).
احترام حقوق الإنسان هو في الأماكن التي ليس فيها قواعد، هذا الأمريكي يتحدّث بهذا القدر بحقوق الإنسان، ماذا فعل من الأفاعيل بحق الشعوب؟ في أميركا نفسها وفي أميركا اللاتينية وضع له عملاء، وتصرّف في لبنان بالشكل الذي ترونه الآن.
وذلك الرجل (الشاه) يذهب إلى هناك، ويصدق كلامه، يصدق أن المسألة تكمن في المصالحة مع إسرائيل، واعترف باسرائيل قبل عشرين سنة حينما كنّا في قم اعترف رسميّاً بإسرائيل مقابل جميع المسلمين، مقابل القرآن. يعترف رسمياً بدولة الكفر وأي كفر، كفر اليهود، في البداية لم يذكروا الاسم بشكل صريح، ثم ذكروا ذلك بوضوح، فهذا الرجل خادم منذ البداية، وبعد حين أعلن حقيقته! ومنذ البداية كانت المسألة هكذا، اعترف رسمياً بإسرائيل متحدياً القرآن والإسلام والحكومات الإسلامية والمسلمين. وذلك القزم الذي سأل بصراحة:" ماذا تعني قضية حقوق الإنسان؟"، كان صادقاً، فماذا تعني قضية حقوق الإنسان؟
فالمسألة ليست مسألة حقوق الإنسان، انما منطق الأقوياء! منطق الأقوياء هو القوة، البندقية والرشاش، وضرب علماء الدين بالرشاش، هذا هو منطق هؤلاء، منطقهم هو تخريب المدرسة الفيضية، الأخذ وعدم الإعطاء.
الآن المدرسة الفيضية معطّلة، وفي نفس الوقت الذي هجموا فيه على المدرسة الفيضية، ونهبوها وضربوا الطلبة، وأحرقوا عمائمهم وكتبهم، وأهانوا القرآن، وجعلوا مركز هذه الجماعة في مدرسة الحجتية حينذاك، وهم حالياً في مدرسة الخان يُعرَّضون للهجوم من جديد، وإن كان كل ذلك لا ينفع، فلو ضربوهم مائة مرة أخرى في مائة مدرسة أخرى، فلا فائدة من ذلك. فهؤلاء أصبحوا أحياء، هؤلاء قد أصبحوا واعين.
على أية حال فهذه المشكلات تقلقنا الآن، ونحن حيث نجلس هاهنا لا نعلم ماذا يجري على إخواننا، أنا قلق، وقد تحصل الآن، أو العصر، أو غداً حادثة هنا أو هناك، ولنر ماذا سيحصل. ما أعلمه أن مجلساً ضخماً أُقيم لهؤلاء الأسلاف (عليهم السلام) واليوم- وحسب ما أخبرونا- كان المسجد الأعظم مكتظاً بالحاظرين، والأسواق معطّلة، سوق قم كله مغلق، والشوارع خالية، هذا بالنسبة لقم.
أما شيراز وإصفهان، فلم تصلنا أخبار عنها، وسوف تصلنا أخبارها حتماً، ولا أدري ماذا سنفعل إزاء هذا الوضع؟ واقعاً: إننا في حيرة من هذه الأمور. هؤلاء منطقهم الرشاش، ومنطقنا نحن السكوت! يجب أن نسكت ليس هناك حل! منطق أولئك هو الصفع، ومنطقنا هو تلقي الصفعات! لينسبوا إلى عيسى (عليه السلام) أنه قال: (إذا صفعك أحد على خدِّك الأيمن، فأدر له خدَّك الأيسر). ونحن لا نريد الاعتقاد بعيسى (عليه السلام) أنه كان كذلك، ولا شك أن عيسى (عليه السلام) لا يقول مثل هذا الكلام، فهذا هو منطق الكسالى، وعيسى (عليه السلام) نبيّ عظيم، فمن تكلّم في مهده، وبعث نبياً في المهد- حسبما أخبرنا به القرآن لا يتكلم كلام الكسالى، لا يتكلّم كلام الضعفاء، ولا يقول: إذا صفعك أحدٌ على هذا الجانب فعليك أن تعطي الجانب الآخر.
هذا هو كلام أولئك المنتسبين لعيسى (عليه السلام) وهم ليسوا عيسويين، وإنّما انتسبوا لعيسى- عليه السلام- ليلعبوا بهؤلاء العيسويين وهؤلاء الكاثوليك، وخُدِع أولئك الحمقى بهذه الأقوال، ولذا لا يخالفون حكومتهم في شيء. وبيننا ايضاً من يقولون: علينا طاعة أولي الأمر مهما كانوا سيئين. أولو الأمر بمعنى الظالمين! ويجب عدم مناهضة الظالم. حسناً إذن لماذا قاتل الإمام الحسن (عليه السلام) ولماذا قاتل الإمام الحسين (عليه السلام) اولي الأمر؟ كان أولو الأمر آنذاك هم يزيد وأمثاله.
كتب لي أحد الملالي قبل عدة سنوات يسألني لماذا أعارض الشاه، والله- تعالى- قال: (تؤتي الملك من تشاء) وهذا البلد أعطاه الله الشاه. انا لم أجبه، لم يكن يستحق حتى الجواب، فهذا تكذيب للقرآن، فمن أعطى فرعون الملك غير الله، ولو كان عطاؤه إيّاهُ الملك يمنع مناهضة ظلمه، إذن لماذا ذهب موسى (عليه السلام) وعارضه؟ ونمرودُ ايضاً أعطاهُ الله الملك، ومع ذلك عارضه إبراهيم عليه السلام. والرسول الأكرم أما كان معارضاً؟ أما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) معارضاً لمعاوية؟ لقد كان معاوية ولياً للأمر هناك، وقد عارضه الإمام الحسن (عليه السلام) وألحق به بالغ الأذى، لماذا. ولماذا نهض الإمام الحسين (عليه السلام) مع عدّة من عياله وخمسين أو ستين من أصحابه، وذهب الى هناك وعارض أولي الأمر؟
هذا كلام فارغ، إن أولي الأمر أولئك الذين يمثّلون الامتداد لحكومة الله والرسول (صلى الله عليه وآله) ويجب أن يكونوا إلى جانب الله والرسول، أجل يجب أن يكونوا مثل الله والرسول (صلى الله عليه وآله) مع الفارق أي: يجب أن يكونوا ظلّ الله ورسوله (صلى الله عليه وآله). إن حكومة سلطان الإسلام هي ظلّ الله، ومعنى الظل هو أنه ليس لديه حركة من نفسه، وإنّما حركته بحركة الأصل. ظلّ الإنسان ليس لديه حركة من نفسه، كل حركة يقوم بها الإنسان يتحرك الظل ايضاً تبعاً لها، يحرك يده هكذا، فيتحرك الظل هكذا أيضاً، وكذلك (ظل الله)، فهو الإنسان الذي عرف الإسلام ب- (الظل الإلهي) هو أنه لا يضع شيئاً من عنده، بل يتحرّك تبعاً للأحكام الإسلامية، وتكون الحركة حركة تبعية.
ولما كان رسول الله هكذا، كان (ظلَّ الله)، فهل هذا الرجل هو ظل الله؟ أولو الأمر؟! طائفة منا غفلوا واعتقدوا أن الأمر هكذا، هل يزيد من أولي الأمر؟ وهل إذا ثار أحد على يزيد، يجب قتله؟! هل سيّد الشهداء (عليه السلام) واجب القتل؟ قضاتهم حكموا بأنه واجب القتل، واعتبروا قيامه مخالفاً لمصالح المسلمين! هذا لعدم معرفة القرآن والسنة.
فما الواجب إذن؟
علينا أن نقرأ القرآن لنرى حُكمَه، فهو الذي يعيّن وظيفتنا وتكليفنا إزاء السلطان بشهادة القصص التي أوردها، وإلا فهل أراد الله أن يروي لنا قصة فقط؟ لقد تكرّرت قصة موسى (عليه السلام) كثيراً في القرآن، ولو كان الباري يريد أن يقصّ علينا قصة، لاكتفى بقصّة واحدة، وما كرَّرها مراراً، وما هذا التكرار والتوكيد لقصّة موسى- عليه السلام- مثلًا ومعارضته لفرعون، إلّا ليقول: يا سيّد افهم تكليفك، فالقرآن لم يذكر كلَّ ما ذكره عن قتال الكفار، وقتال المنافقين وغيرهم لمجرد السرد القصصي.
ولو كان كذلك لذكر القصة مرة واحدة وكفى، ناهيك عن أن القرآن ليس كتاب قصة، القرآن كتاب بناء للإنسان، كتاب الإنسان المتحرك، كتاب الآدمي، الكتاب الذي يحوي كل ما يتعلق بحركة الإنسان من هنا حتى آخر الدنيا، حتى آخر المراتب. إنه كتاب يبني معنويات الإنسان، ويبني الحكومة أيضاً. وفيه كل شيء من واجبنا، وفي سنة النبي (صلى الله عليه وآله) والأخبار الواصلة الينا. وعلينا أن نطالع لنرى ما هو تكليفنا، ماذا قال لنا القرآن، ماذا يجب أن نعمل؟ قرأنا في القرآن كثيراً أن فرعون كذا وكذا، وموسى كذا وكذا، لكن نتدبّر ما قاله. قاله من أجل أن تكون أنت أيضاً مثل موسى (عليه السلام) بالنسبة إلى فرعون عصرك، أنت أيضاً خذ عصاك، وعارض هذا التافه، في الأقل لا تؤيد هذا الجهاز.
وفقكم الله جميعاً إن شاء الله، ورفع الله هذا الشرّ عن رؤوس المسلمين إن شاء الله (الحاضرون: إن شاء الله). حفظ الله- تبارك وتعالى- هؤلاء الناس الذين قد يكونون الآن في مشكلة (الحاضرون: آمين) ختم الله تبارك وتعالى- هذه القضية لمصلحة المسلمين ولصلاح الدين. (الحاضرون: آمين).